قال 42 بالمئة من المواطنين العرب في إسرائيل (مقابل 25 بالمئة من المواطنين اليهود) إن الحكومة الإسرائيلية الحالية ليست أكثر إصغاءً لاحتياجاتهم ومطالبهم وليست أكثر تلبية لهذه الاحتياجات والمطالب من سابقاتها. في المقابل، قال 23 بالمئة من المواطنين العرب (مقابل 46 بالمئة من المواطنين اليهود) إن هذه الحكومة أكثر إصغاء واستجابة لاحتياجاتهم ومطالبهم، بينما قال 35 بالمئة منهم (و28 بالمئة من اليهود) إنهم "لا يعرفون" إن كانت هذه الحكومة أكثر إصغاء واستجابة من سابقاتها أم لا؛ هذا مع العلم أن هذه الحكومة التي تسمى "حكومة التغيير" تضم وزيراً عربياً من حركة ميرتس وتستند في ائتلافها الحكومي على قائمة عربية أساسية هي "القائمة العربية الموحدة" وقد عُلّقت عليها آمال عريضة جداً ليس في مجال العمل من أجل تغيير الأجواء السياسية التي خلفتها حكومات بنيامين نتنياهو على مدى 12 عاماً فقط، وإنما العمل من أجل تغيير السياسات التنفيذية حيال المواطنين العرب، مشاكلهم وقضاياهم، احتياجاتهم وحقوقهم ومطالبهم.
هذه إحدى أبرز النتائج التي أظهرها الاستطلاع الثاني ضمن مشروع "مؤشر حقوق الإنسان" الذي ينفذه مركز "زولات" وخصصه هذه المرة ليكون استطلاعاً للرأي حول أوضاع المواطنين العرب في إسرائيل فقط. وشمل الاستطلاع أسئلة حول قضايا مختلفة مثل تعامُل كل من الشرطة، الكنيست والحكومة مع آفة العنف والجريمة التي يعاني منها المجتمع العربي في إسرائيل ومدى فاعلية هذه المؤسسات في معالجة هذه الآفة، التحريض ضد المواطنين العرب، المساواة في الحقوق بين اليهود والعرب، التعاون بين الأحزاب اليهودية والأحزاب العربية في الحكومة الجديدة وغير ذلك من المواضيع.
ترسم نتائج الاستطلاع، عموماً، صورة واضحة لكن مركبة في الوقت ذاته: فبينما تبين، من الجهة الأولى، أن ثمة فوارق كبيرة بين إجابات المشاركين العرب في الاستطلاع وإجابات المشاركين اليهود في كل ما يتعلق بالفجوات، الإهمال وانعدام المساواة التي يعاني منها المواطنون العرب، تبين من الجهة الثانية أنه بالرغم من الفوارق المذكورة في الإجابات، إلا أن نسبة لا يُستهان بها من مجمل السكان في إسرائيل، ومن بين المشاركين اليهود في الاستطلاع تحديداً، تعتقد بأن المعاملة والاهتمام اللذين يحظى بهما المواطنين العرب في إسرائيل أدنى بكثير مما يحظى به المواطنون اليهود.
وتأتي هذه النتائج لتؤكد، مرة أخرى من جديد، واقع التمييز المنظوماتيّ بحق المواطنين العرب في دولة إسرائيل وحقيقة كونها دولة ديمقراطية لليهود فقط، دون العرب. وبدلاً من مبادرة الحكومة الجديدة إلى اتخاذ خطوات عملية في السعي نحو تحقيق المساواة بين المواطنين، فإنها تواصل استخدام الوسائل التمييزية ذاتها التي اعتمدتها الحكومات الإسرائيلية السابقة بحق المواطنين العرب، وفي مقدمتها استمرار تعامل جهاز المخابرات العامة (الشاباك) والشرطة الإسرائيلية مع المواطنين العرب باعتبارهم مشكلة أمنية، أولاً وبالأساس، مع كل ما يترتب على ذلك ويُشتق منه.
"زولات ـ للمساواة وحقوق الإنسان" (زولات ـ غَير/ آخر) هو معهد أبحاث متخصص في قضايا المساواة وحقوق الإنسان، حديث العهد نسبياً، فقد تأسس رسمياً قبل سنتين (سنة 2019) وبدأ نشاطه الفعلي في العام 2020؛ تترأسه عضو الكنيست ورئيسة حزب ميرتس السابقة، زهافا غالئون. أما مشروع "مؤشر حقوق الإنسان" فيرمي إلى رسم خارطة المواقف المختلفة في الجمهور الإسرائيلي في قضايا حقوق الإنسان، تقييم هذه الحقوق حسب أهميتها في نظر المواطنين الإسرائيليين ثم تحديد الحقوق الأكثر تعرضاً للانتهاك بصورة متكررة من جانب الدولة، مؤسساتها وأذرعها الرسمية. وفي هذا (التمحور حول حقوق الإنسان بصورة أساسية) تكمن خصوصية هذا المشروع قياساً باستطلاعات ومسوحات الرأي العديدة التي تُجريها وتنشرها جهات كثيرة ومختلفة في إسرائيل.
وكان الاستطلاع الأول ضمن هذا المشروع قد أجري في شباط من العام الجاري وقدم صورة عامة عن مواقف الجمهور الإسرائيلي في كل ما يتصل بحقوق الإنسان وما تتعرض له من انتهاكات، لا سيما وأنه تزامن مع تفاقم انعكاسات جائحة كورونا والأزمة السياسية ـ الحزبية في البلاد على حقوق الإنسان ومع الانتخابات البرلمانية العامة التي جرت في آذار 2021.
أما الاستطلاع الثاني، الذي تمحور حول أوضاع المواطنين العرب ونعرض لنتائجه هنا، فقد أجري في نهاية شهر تشرين الثاني الأخير وشمل عينة من 853 مواطناً في إسرائيل، 682 منهم من اليهود و171 من العرب، يمثلون الجمهور الإسرائيلي من سن 18 عاماً وما فوق.
الجريمة المنظمة والمشكلات الجذرية
منذ أطلقت الحكومة الجديدة حملتها الترويجية لـما وصفته بـ"الحرب الرسمية ضد الجريمة وعصاباتها المنظمة في المجتمع العربي" لا يكاد يمر أسبوع بدون بيانات رسمية مرفقة بالصور والأشرطة المصورة تصدرها الشرطة للنشر حول عمليات تقوم بها لجمع الأسلحة المنتشرة في البلدات العربية. لكن استطلاع "مؤشر حقوق الإنسان" يبين بوضوح أن ثمة استياء واسعاً في المجتمع العربي وعدم رضى في المجتمع الإسرائيلي عامة من أداء الحكومتين، الحالية والسابقة، ومن أداء الشرطة فيما يتعلق بمكافحة الجريمة المتفشية فيه والتي أصبحت تشكل مشكلته الأولى والأساسية: 70 بالمئة من المواطنين العرب (و59 بالمئة من مجمل السكان في إسرائيل) قالوا إن أداء حكومة نتنياهو كان "سيئاً جداً" أو "سيئاً" في هذا المجال، مقابل 10 بالمئة فقط قالوا إن أداء تلك الحكومة كان "جيداً جداً" أو "جيداً". وكان تقييم "سيء جداً" و"سيء" رأي 61 بالمئة من المواطنين العرب و54 بالمئة من مجمل السكان في أداء حكومة نفتالي بينيت الحالية في مكافحة الجريمة، مقابل 14 بالمئة من العرب و17 بالمئة من مجمل السكان قالوا إنه "جيد جداً" أو "جيد". أما تقييم أداء الشرطة فكان أسوأ من ذلك، إذ اعتبره "سيئاً جداً" أو "سيئاً" 71 بالمئة من المواطنين العرب و65 بالمئة من مجمل السكان، مقابل 9 بالمئة فقط من المواطنين العرب و12 بالمئة من مجمل السكان اعتبروه "جيداً جداً" أو "جيد".
في هذه النتائج الخاصة بتقييم الأداء في مكافحة الجريمة المنظمة في المجتمع العربي، من المثير الانتباه إلى أن نسبة أصحاب التقييم السيء والسيء جداً من مجمل السكان في إسرائيل لأداء حكومة نتنياهو (59 بالمئة) هي أعلى من نسبة أصحاب التقييم ذاته لأداء حكومة بينيت (54 بالمئة)؛ وكذلك هو حال نسبة هؤلاء بين المواطنين العرب أنفسهم، مع فارق أكبر حتى ـ 71 بالمئة من العرب قالوا إن أداء حكومة نتنياهو كان سيئاً جداً أو سيئاً، مقابل 61 بالمئة منهم قالوا الأمر ذاته عن حكومة بينيت.
لكن مشكلة الجريمة والعنف لم تنشأ من فراغ ولم تتفش في فراغ بالطبع، بل كانت ثمة مشكلات أساسية وجذرية حادة وخطيرة ساهمت، بصورة فعلية وحاسمة، في تنامي الجريمة واستفحالها وما زالت هذه المشكلات على حالها دون حل، بل هي في تفاقم مستمر. وفي صلب هذه المشكلات كلها سياسة التمييز وانعدام المساواة المنهجية تجاه المواطنين العرب في الدولة، منذ قيامها حتى اليوم. وفيما يتعلق بالمساواة، سُئل المشاركون في استطلاع "مؤشر حقوق الإنسان" الأخير ما إذا كانت "حكومة إسرائيل تمنح مواطنيها العرب المساواة في الحقوق"، فأظهرت النتائج هنا فرقاً كبيراً في الآراء بين المشاركين العرب والمشاركين اليهود. فقد قال 68 بالمئة من العرب إن الحكومة لا تمنحهم المساواة في الحقوق، بينما كان هذا رأي 28 بالمئة فقط من المشاركين اليهود، مقابل 49 بالمئة منهم قالوا إن الحكومة تمنح المواطنين العرب هذه المساواة، فيما قال ذلك 12 بالمئة فقط من المشاركين العرب. ومن مجمل السكان في الدولة، اليهود والعرب، قال أكثر من ثلث المستطلعة آراؤهم (36 بالمئة) إن الحكومة لا تمنح المواطنين العرب مساواة في الحقوق.
تبين نتائج الاستطلاع، أيضاً، فجوة عميقة بين آراء ومواقف المشاركين العرب والمشاركين اليهود في إجاباتهم على الأسئلة الثلاثة بشأن التحريض الذي يتعرض له المواطنون العرب في إسرائيل. ففي السؤال الأول عمّا إذا كان "هنالك تحريض واسع النطاق ضد المواطنين العرب في إسرائيل على شبكات ووسائل التواصل الاجتماعي"، قال 62 بالمئة من المشاركين العرب إن ثمة تحريضاً كهذا فعلاً، مقابل 22 بالمئة فقط من المشاركين اليهود. في المقابل، قال 10 بالمئة من المشاركين العرب و50 بالمئة من المشاركين العرب إنه ليس هنالك تحريض كهذا، فيما قال 28 بالمئة من العرب و28 بالمئة من اليهود إنهم "لا يعلمون" إن كان ثمة تحريض كهذا أم لا. وفي السؤال الثاني عمّا إذا كان "أعضاء الحكومة يقومون بالتحريض ضد المواطنين العرب بشكل متكرر"، أجاب 52 بالمئة من المشاركين العرب بالإيجاب، مقابل 10 بالمئة فقط من المشاركين اليهود. وبينما أجاب على هذا السؤال بالسلب 17 بالمئة فقط من المشاركين العرب، وصلت نسبتهم بين المشاركين اليهود إلى 68 بالمئة. وقال 32 بالمئة من المشاركين العرب و22 بالمئة من المشاركين اليهود إنهم "لا يعلمون" إن كان أعضاء الحكومة يحرضون ضد المواطنين العرب بصورة متكررة أم لا. وفي الإجابة عل السؤال الثالث من هذه المجموعة عمّا إذا كان "أعضاء المعارضة (أي: في الكنيست) يقومون بالتحريض ضد المواطنين العرب بشكل متكرر"، قال 53 بالمئة من المشاركين العرب إن الأمر كذلك فعلاً، مقابل 27 بالمئة فقط من المشاركين اليهود. وفيما أجاب على هذا السؤال بالنفي (نفي أن يكون أعضاء المعارضة يحرضون ضد المواطنين العرب بصورة متكررة) 12 بالمئة فقط من المشاركين العرب، بلغت نسبة هؤلاء 50 بالمئة من المشاركين اليهود. وقال 34 بالمئة من المشاركين العرب و23 بالمئة من المشاركين اليهود إنهم "لا يعلمون" إن كان أعضاء المعارضة يحرضون ضد المواطنين العرب بشكل متكرر أم لا.
التعاون بين الأحزاب المشاركة في الحكومة
على خلفية الحقيقة التي سقناها في بداية هذه المقالة حول "حكومة التغيير" الحالية في إسرائيل وكونها تضم وزيراً عربياً (هو عيساوي فريج من حزب ميرتس) وتعتمد، في أغلبيتها الائتلافية، على "القائمة العربية الموحدة" التي تشكل "شريكاً أساسياً" ـ ولو من ناحية نظرية وعددية على الأقل ـ في هذا الائتلاف الحكومي الذي يضم أحزاباً من أقصى اليمين حتى أقصى "اليسار" الإسرائيلي، سُئل المشاركون في استطلاع "مؤشر حقوق الإنسان" الحالي عن مدى رضاهم من "التعاون بين الأحزاب اليهودية والعربية في الحكومة الحالية"، فقال 47 بالمئة من مجمل المشاركين، اليهود والعرب، إنهم غير راضين، مقابل 28 بالمئة قالوا إنهم راضون، فيما قال 24 بالمئة إنه "لا رأي لهم" في الموضوع.
وحين وُزّعت الإجابات بحسب الانتماءات السياسية ـ الحزبية للمشاركين في الاستطلاع، بينت النتائج أن 67 بالمئة من مؤيدي أحزاب اليمين و30 بالمئة من مؤيدي أحزاب "اليسار" و26 بالمئة من مؤيدي أحزاب "الوسط" غير راضين عن التعاون بين الأحزاب الشريكة في الحكومة الحالية، فيما عبرت نسب ضئيلة جداً من جميع المعسكرات السياسية عن الرضى من هذا التعاون: 12 بالمئة من مؤيدي أحزاب اليمين و13 بالمئة من مؤيدي أحزاب "اليسار" و9 بالمئة من مؤيدي أحزاب "الوسط". أما الذين قالوا إن "لا رأي لهم" في هذا الموضوع فتوزعوا على النحو التالي: 33 بالمئة من مؤيدي أحزاب "الوسط"، 21 بالمئة من مؤيدي أحزاب اليمين و21 بالمئة من مؤيدي أحزاب "اليسار".
في هذا السياق، اعتبرت رئيسة معهد "زولات"، زهافا غالئون، أنّ "الإنجاز الرئيس الذي تحقق في الحكومة الإسرائيلية الحالية هو الشراكة مع القائمة العربية الموحدة في الائتلاف، إذ لم يحصل في الماضي أن شارك حزب عربي في الائتلاف الحكومي، منذ قيام دولة إسرائيل"؛ ثم تساءلت: "لكن، كيف يُعقل أن تستمر هذه الحكومة كسابقاتها في معاملة المواطنين العرب الذين يعانون الأمرّين جراء عقود من التمييز المؤسساتي وتحريض المؤسسة بدرجة لا تقل عن ذلك وكأنهم عدو؟"! وأضافت: "من هنا مصدر التعامل مع الجريمة المنظمة في المجتمع العربي على أنها "إرهاب"؛ ومن هنا أيضاً مصدر نبأ صادم آخر تم الكشف عنه بداية هذا الشهر مفاده أن جهاز الأمن العام (الشاباك) انتزع اعترافات بالإكراه من ثلاثة شبان عرب من سكان يافا بأنهم قاموا بالاعتداء على جندي، ظاهرياً. لو أن محاميهم لم يعثر على مقاطع فيديو من مكان الحادث تُثبت أن الثلاثة وصلوا إلى هناك فقط بعد وقوع الحادثة، لكان من المرجح أن تتم إدانتهم بالاعتداء على الجندي".
وختمت غالئون قائلة إنّ "حقوق الإنسان أمرٌ لا يقبل التجزئة ولا يمكن تجزئته. إن لم تُمنح الحقوق للمواطنين العرب في إسرائيل، فحقوق اليهود ستكون عرضة للتقويض أيضاً".