المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1234
  • برهوم جرايسي

من المتوقع أن يصوّت الكنيست هذا الأسبوع، أو في مطلع الأسبوع المقبل، على أول حكومة منذ 12 عاماً ليست برئاسة بنيامين نتنياهو، هذا إذا لم تتفجّر الاتفاقيات المبرمة قبل طلب الثقة من الهيئة العامة للكنيست؛ والحكومة الافتراضية ستكون برئاسة تناوبية بين زعيم حزب "يمينا" نفتالي بينيت، وزعيم حزب "يوجد مستقبل" يائير لبيد، وهي لا أكثر من لملمة كتل برلمانية صغيرة، مليئة بالتناحرات السياسية والاجتماعية، تلاقت في ما بينها، على موقف رفض استمرار حكم نتنياهو، لا أكثر. وفي حين سيرى الجمهور الإسرائيلي أن الانتخابات الخامسة قد زالت عن جدول الأعمال، على الأقل لعدة أشهر أو أكثر، فإنه سيبدأ بالاصطدام أكثر مع واقع سوء الأوضاع الاقتصادية وارتفاع أسعار البضائع الاستهلاكية الأساسية، وبالتالي ارتفاع كلفة المعيشة ككل.

وشهد مطلع الأسبوع الجاري حراكا مكثفا، حاول فيه بنيامين نتنياهو إفشال الائتلاف المتبلور ضده، من خلال تقديم إغراءات لكل من نفتالي بينيت، ورئيس "أمل جديد" جدعون ساعر، إلا أن هذا لم ينفع، حتى تم الإعلان عن تشكيل حكومة بالرئاسة التناوبية، ولكنها ستكون حكومة أقلية، ترتكز على 57 نائبا في الائتلاف من الناحية الفعلية، بعد انشقاق نائب عن كتلة "يمينا" لرفضه تشكيلة الحكومة، معلنا انضمامه لمعسكر الليكود ونتنياهو، الذي في هذه الحالة سيرتكز على 53 نائبا. وهذا يعني أن الحكومة الجديدة ستحتاج إلى دعم مباشر أو غير مباشر عن طريق الامتناع أو عدم التصويت، من كتلة "القائمة العربية الموحدة"، برئاسة منصور عباس (4 نواب)، التي قالت تقارير صحافية إسرائيلية إنها ستصوت لصالح الحكومة عند التصويت على الثقة بها، مقابل تحقيق بعض المطالب البرلمانية وللمجتمع العربي، غير أن هذه الكتلة لم تصرّح بموقفها حتى إعداد هذا التقرير (الاثنين، 31/5/2021).

كما تتجه الأنظار إلى كتلة "القائمة المشتركة"، التي تضم ثلاثة أحزاب، منها التجمع الوطني الذي له نائب واحد، من أصل 6 نواب، وأعلن عن رفضه تقديم أي شكل من أشكال الدعم لهذه الحكومة، فيما من المتوقع أن يعلن الشريكان الآخران، الجبهة الديمقراطية (3 نواب)، والعربية للتغيير (نائبان)، موقفيهما في بحر الأسبوع، علما بأن الجبهة الديمقراطية كانت قد أعلنت منذ أسابيع رفضها تقديم أي نوع من الدعم غير المباشر لحكومة يترأسها نفتالي بينيت.

وفي خطابه أمام وسائل الإعلام مساء أمس الأحد، اهتم بينيت لدى إعلانه عن شراكته مع يائير لبيد، بإبراز توجهاته اليمينية المتشددة، فبعد أن حرّض متهما العرب بإحراق الكُنس اليهودية في عكا واللد، وهذا ما لم يثبت، أعلن أنه يريد حكومة "وحدة قومية"، رافضا التهم التي وجهها البعض له حول تشكيله حكومة يسار قائلا إن هذا كذب "والحقيقة أنها ستكون حكومة أكثر يمينية من الحكومة الحالية، أنظروا لقائمة الوزراء". وأضاف "قدّم اليسار هنا تنازلات غير سهلة، عندما منحني أنا، من كنت مدير عام مجلس المستوطنات، ورجل "أرض إسرائيل"، رئاسة الحكومة ولصديقي جدعون ساعر، رجل يمين واضح، منصب وزير العدل. نحن لم نتحرك بعيدا عن مبادئنا".

وقال بينيت إن "هذه الحكومة لن تنفّذ انفصالا جديدا، لن تمنح أراضي (محتلة)، وأيضا لن تخشى الخروج في عملية عسكرية، في حال احتجنا ذلك". وأضاف أن السياق السياسي لن يوقف أي شيء، وأن "لكل جانب قوة متساوية في التصويت، ولكل جانب يوجد حق الفيتو".

وهكذا فإنه بعد 70 يوما تقريبا عقب الانتخابات الرابعة، تتشكل حكومة إسرائيلية جديدة، ولكن حالها لن تكون أفضل بكثير من الحكومة الحالية التي تشكلت بعد انتخابات آذار 2020، برئاسة تناوبية بين بنيامين نتنياهو، وزعيم "أزرق أبيض" بيني غانتس، والتي لم تمر أسابيع قليلة، حتى انقلب نتنياهو شخصيا على اتفاقيات الائتلاف، وبقي غانتس عنده رهينة سياسية، لربما نجح فيها بلجم بعض مخططات نتنياهو لإحداث تغييرات جوهرية أكثر في مؤسسات الحكم، مثل المحكمة العليا وغيرها، ولكن على أرض الواقع، فإن نتنياهو بقي خلالها الشخص رقم واحد في الحكم، وهو من يحدد السياسات.

والحكومة المتشكلة حاليا تضم أقصى اليمين الاستيطاني المتشدد: حزب "يمينا" بزعامة نفتالي بينيت، الذي يستند أيضا على التيار الديني الصهيوني، وحزب "أمل جديد" بزعامة جدعون ساعر، المنشق مع زملاء له في الكتلة، عن حزب الليكود؛ وثالثا حزب "إسرائيل بيتنا" بزعامة أفيغدور ليبرمان.

وفي المقابل، تضم الحكومة ما يعرّفها القاموس السياسي الإسرائيلي بأنها أحزاب "يسار صهيوني"، وأولها حزب ميرتس العلماني، الدؤوب على علمانيته، وصاحب مواقف سياسية بعيدة عن أهداف اليمين الاستيطاني. وأيضا حزب العمل، الذي رغم انسجامه مع حكومات يمينية متشددة، إلا أنه يحاول الظهور بموقف ما، يفصل فيه نفسه عن اليمين الاستيطاني؛ ومن المفترض أن يبرز هذا لاحقا، بعد أن نهض العمل في الأشهر الأخيرة، من حافة السقوط والزوال النهائي عن الخارطة السياسية.

في بحر هذا الأسبوع، ستتكشف بموجب القانون، اتفاقيات الائتلاف المبرمة مع كل واحدة من الكتل البرلمانية. وبما أن الحديث عن كتل صغيرة، لكل واحدة هويتها السياسية، فإنها تريد الظهور أمام الجمهور كمن حافظت على برنامجها، ما يعني افتراضا أننا سنجد اتفاقيات تتضمن ألغاما في طريق الحكومة، على المستويين السياسي، والديني العلماني، وأيضا في الموقف من جهاز القضاء. فمهما حاول شركاء هذه الحكومة الابتعاد عن هذه الألغام، فإن كتل المعارضة من اليمين الاستيطاني والديني المتزمت، ستهتم في دفع هذه الألغام إلى الطريق، من خلال طرح مشاريع قوانين سيصطدم بها نواب الائتلاف.

في المقابل، وفي حال تخطت الحكومة حاجز ثقة الكنيست، ونجحت في الانطلاق في عملها لفترة جدية، بمفهوم لعام وأكثر، فإن الأضواء ستتسلط على زعيم حزب الليكود، بنيامين نتنياهو، الذي سيواجه أصواتا، بقيت غائبة في السنوات الأخيرة، تطالبه بالتنحي، والتوجه لانتخاب رئيس جديد لليكود. وهناك شك في ما إذا سيخوض نتنياهو هذه الانتخابات، وفي حال ابتعد، فإن الستار سيسدل على الحياة السياسية لبنيامين نتنياهو (72 عاما)، ليكون عالقا كليا بمحاكمته بقضايا الفساد، التي من الصعب معرفة مصيرها. رغم ذلك، من السابق لأوانه حاليا، إسدال الستار على حكم نتنياهو.

وحسب التقارير فإن المنافسة في الليكود قد بدأت، وإن بقي صوتها خافتا حتى الآن، بين من يتولى وزير المالية حاليا، يسرائيل كاتس، ورئيس بلدية القدس السابق، النائب نير بركات، ولكن مهما تكن هوية الرئيس الجديد لليكود، إذا لم يكن نتنياهو، فإنه لن يضمن تماسك الحزب خلفه.

حينما تشكلت الحكومة الحالية، قبل عام، برئاسة تناوبية بين نتنياهو وغانتس، قيل إن غانتس لن يصل لرئاسة الحكومة في التاريخ المحدد، ونتنياهو لن يسمح له بذلك، وهذا تحقق. وبالإمكان الاعتقاد بأن مصير تطلعات يائير لبيد للوصول إلى المقعد رقم واحد في الحكم الإسرائيلي لن يكون بعيدا عن مصير غانتس، خاصة وأن الحديث عن وصوله لرئاسة الحكومة هو في أيلول 2023، أي بعد 27 شهرا من الآن، وهذا كثير جدا في السياسة الإسرائيلية المليئة بالقلاقل السياسية والحزبية.

موجة غلاء جديدة وارتفاع كلفة المعيشة

تقول التقارير الاقتصادية الإسرائيلية إن إسرائيل على أبواب موجة ارتفاع أسعار جديدة في المواد الاستهلاكية الأساسية بنسب عالية نسبيا، إضافة إلى الارتفاع الحاصل في الأشهر الأخيرة. وما أضاء الضوء الأحمر في الأيام الأخيرة، كان التقرير الفصلي لشركة الألبان والأجبان المصنّعة والمحلاة، شتراوس، الذي قال إن الشركة تدرس رفع أسعار منتوجاتها.

ونظرا لكون الشركة من أكبر الشركات الإسرائيلية في هذا القطاع، وتتشارك مع شركات أخرى في بعض المنتوجات، يرى الخبراء والمحللون أن رفع أسعار منتوجات الشركة سيكون فاتحة لرفع أسعار منتوجات شركات أخرى.

وقالت صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية في تقرير لها، إن الحديث جار منذ فترة ليست قليلة عن رفع أسعار المنتوجات الاستهلاكية، أسوة بالأسواق في دول العالم، ولكن حتى الآن، ارتفعت أسعار منتوجات وبضائع عينية في السوق الإسرائيلية، وإعلان شركة شتراوس من شأنه أن ينعكس على كل المنتوجات الغذائية الاستهلاكية الأساسية. ونقلت الصحيفة عن مسؤولين كبار في شبكات تسويق كبيرة، قولهم إن شتراوس لم تتوجه لهم حتى الآن، بأي قرار حول رفع الأسعار، وحسب قولهم، فإن أي قرار برفع الأسعار سيتم فحصه عينيا.

ويرى مسوقون كبار ومستوردون أن رفع أسعار المنتوجات والبضائع الغذائية هو أمر لا مفر منه، على ضوء استمرار ارتفاع أسعار المواد الخام في دول المنشأ، يضاف إليها ارتفاع كلفة النقل البحري، الذي حتى ولو تم تخفيف القيود المفروضة عليها في العام الأخير، بفعل جائحة كورونا، فإن ارتفاع أسعار النفط والوقود في الأسواق العالمية، سيساهم في رفع أسعار النقليات.

ويقول المحلل الاقتصادي سامي بيرتس، في مقال له في صحيفة "ذي ماركر"، "إن كلفة المعيشة في إسرائيل أعلى بحوالي 20% من متوسط منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD، لكن الحديث عنها متقطع: عندما تدق المدافع، وعندما يكون هناك وباء أو أزمة سياسية، يتم دفع هذا الجدل جانبا؛ وحينما تكون هناك فترة راحة في تدفق الأحداث، تطفو القضية مرة على السطح".

ويتابع: "إسرائيل عالقة منذ أكثر من عامين بدون حكومة فاعلة وبدون سياسة اقتصادية منظمة، وهي تنجرف من أزمة إلى أخرى. في ظل غياب ميزانية الدولة والإصلاحات الاقتصادية، تظل جميع المشاكل الهيكلية التي تنبع منها تكلفة المعيشة على حالها. ماذا تفعل إسرائيل؟ تطفئ الحرائق من حين لآخر، خاصة عندما يؤدي ارتفاع الأسعار إلى اضطرابات لدى المستهلكين ويهدد بمقاطعة الشركات أو الغضب من السياسيين. كانت هذه هي الحال في كانون الأول 2018، عشية انتخابات الكنيست، عندما أعلنت العديد من شركات المواد الغذائية عن زيادات في الأسعار. وذلك بالتوازي مع نية زيادة أسعار الكهرباء والمياه".

وبحسب بيرتس، فإن "قصة غلاء المعيشة في إسرائيل هي عدم الرغبة في التعامل مع المشاكل الجذرية التي تسبب ارتفاع الأسعار، تعدد الاحتكارات والكارتيلات، البيروقراطية المرهقة، متطلبات التدريب باهظة الثمن، الإنتاجية المنخفضة وخطوط الإنتاج القديمة في العديد من المصانع".

وقد انعكس ارتفاع الأسعار على وتيرة التضخم المالي هذا العام، ففي الثلث الأول منه، بمعنى في الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام، سجل التضخم ارتفاعا بنسبة 1.1%، بمعنى أنه تخطى حاجز 1% منذ فترة طويلة جدا، وعلى الأقل، هي المرّة الأولى خلال عامين. وفي حال استمرت هذه الوتيرة، فإن التضخم المالي الإجمالي لهذا العام سيكون في المجال الذي حدده بنك إسرائيل المركزي، في العقدين الأخيرين، بأن يكون ما بين 1% كحد أدنى إلى 3% كحد أقصى.

والمرّة الأخيرة التي كان فيها التضخم على هذا النحو في العام 2013، وفي السنوات السبع اللاحقة كان التضخم دون 1%، وفي أربع سنوات من هذه السنوات السبع، سجل التضخم تراجعا، بمعنى دون صفر بالمئة.

وعلى الرغم من ارتفاع وتيرة التضخم، إلا أن بنك إسرائيل يبقي حتى الآن نسبة الفائدة البنكية الأساسية عند مستواها الصفري، 0.1%، وحسب تقديرات الخبراء والمراقبين، فإن البنك لن يسارع إلى رفع الفائدة البنكية في هذه المرحلة، التي ما زال فيها التضخم يحوم حول نسبة الحد الأدنى، فيما الاقتصاد ككل، ما يزال يخطو الخطوات الأولى نحو إعادة عجلة الاقتصاد والسوق إلى وتيرة ما قبل مرحلة كورونا.

ولكن في المقابل، فإن بنك إسرائيل المركزي قد يقرر رفع الفائدة على قروض الإسكان، على ضوء الارتفاع الكبير في الطلب على القروض الإسكانية، وهذا يساهم فيه الارتفاع الحاد بأسعار البيوت، بمعدل سنوي بنسبة 10%، في الأشهر الأربعة الأخيرة. ويتخوف بنك إسرائيل من نشوء "فقاعة عقارية" كتلك التي نشأت في الولايات المتحدة في العام 2007، وقادت إلى أزمة مالية واقتصادية كبيرة، عكست نفسها على الاقتصاد العالمي، وخاصة الدول المتطورة.

وتقول التقارير إنه في العام الماضي، 2020، وعلى الرغم من الأزمة الاقتصادية وإغلاق قطاعات واسعة من الاقتصاد، إلا أن حجم القروض الإسكانية التي طلبها الجمهور كانت أعلى بنسبة 12% من العام الذي سبق، 2019.
ومن شأن رفع الفائدة على القروض الإسكانية، أن يزيد عبء التسديد على المدينين، وهذا من شأنه أن يعكس هو أيضا على وتيرة التضخم المالي.

وكان تقرير صندوق النقد الدولي، الذي نشر في مطلع أيار 2021، قد أشار إلى أن إسرائيل تحل في المرتبة الـ 19 من حيث معدّل الناتج العام بالنسبة للفرد كحساب مجرّد، وأن حصة الفرد من الناتج بلغت في العام الماضي 43689 دولار. إلا أنه في حساب آخر، وحينما يتم احتساب معدل الناتج مع القوة الشرائية، فإن إسرائيل تهبط إلى المرتبة الـ 35 عالميا، من أصل 194 دولة يتم فيها احتساب الناتج للفرد، ويصبح 40547 دولارا للفرد. وقالت صحيفة "ذي ماركر" إن الفجوة الكبيرة بين حصة الفرد من الناتج بحساب مجرد، وحصة الفرد من الناتج على أساس القوة الشرائية، نابعة من غلاء المعيشة في إسرائيل، بحسب ما يؤكد خبراء الاقتصاد.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات