عشية الانتخابات البرلمانية الأخيرة، للكنيست الـ 22، والتي جرت يوم الثلاثاء الماضي (17 أيلول الجاري)، عقد معهد "مسارات ـ المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية" مؤتمراً في أوائل أيلول الجاري خصصه للبحث في آثار وانعكاسات الانتخابات المحتملة على السياسات الإسرائيلية الخارجية الراهنة ولوضع تصورات للأهداف والتوجهات المستقبلية في كل ما يتعلق بالسياسات الخارجية، وفي مقدمتها السلام مع الفلسطينيين؛ تعميق الانتماء الإقليمي في الشرق الأوسط، أوروبا وحوض البحر المتوسط؛ وتعزيز منظومات العمل في مجال الدبلوماسية والسياسة الخارجية.
شارك في هذا المؤتمر سياسيون ممثلون عن ستة أحزاب إسرائيلية: الوزير يوفال شتاينيتس (الليكود)، عضو الكنيست عوفر شيلح (أزرق أبيض/ يوجد مستقبل)، عضو الكنيست ميراف ميخائيلي (العمل)، عضو الكنيست إيلي أفيدار (إسرائيل بيتنا)، نيتسان هوروفيتس (المعسكر الديمقراطي/ ميرتس) وعوفر كسيف (القائمة المشتركة/ الجبهة الديمقراطية للسلام والمساوة).
"الجنون الأكثر أهمية ونجاعة!"
اعتبر الوزير يوفال شتاينتس (وزير الطاقة الحالي ووزير الشؤون الاستراتيجية سابقا) أن العقد الأخير كان الأفضل بالنسبة لدولة إسرائيل على الصعيد الاقتصادي، الأمني والسياسي (الخارجي) وأن إسرائيل تشن، خلال العقد الأخير، صراعاً هائلاً ضد إيران، يجري في معظمه بعيداً عن أعين الجمهور. وقد أثمر هذا الجهد بالحيلولة دون امتلاك إيران قنبلة نووية، حتى الآن، علاوة على منعها من التمركز عسكرياً في سورية.
وقال شتاينتس: "يقولون إن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، مسكون بهوس استحواذي جنوني في الموضوع الإيراني، لكن هذا الجنون هو الأكثر أهمية والأكثر نجاعة في تاريخ إسرائيل"! وأضاف أن على إسرائيل الانتقال الآن إلى المرحلة التالية في معركتها ضد إيران، "ليس للجم نواياها فقط، وإنما لإرجاعها إلى الوراء أيضا"!
وامتدح شتاينتس الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وما اتخذه من إجراءات وقرارات سواء في مسألة المشروع النووي الإيراني (الانسحاب من الاتفاق النووي وتشديد العقوبات الاقتصادية على إيران) أو في مسألة الصراع الإسرائيلي ـ العربي والفلسطيني (نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وقف تمويل وكالة غوث اللاجئين/ الأونروا والاعتراف بهضبة الجولان السورية المحتلة كجزء من دولة إسرائيل وغيرها) ووصف تلك القرارات والإجراءات بأنها "تاريخية"، لكنه أبدى "قلقاً من مضمون لقاء محتمل بين ترامب والرئيس الإيراني حسن روحاني"!
في حديثه عن الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني قال الوزير الإسرائيلي إنه "ليس هنالك حل واضح للصراع مع الفلسطينيين. حكومات إسرائيلية مختلفة، من اليمين واليسار على حد سواء، أخفقت في التوصل إلى حل، وليس هذا صدفة". وأضاف موضحا: "بعد اتفاقيات أوسلو، بدلا من أن نحصل على السلام والأمن، حصلنا على الإرهاب ومحاولة إنشاء مليشيات فلسطينية مسلحة تشكل تهديدا خطيرا علينا. وحين حاول إيهود باراك، كرئيس للحكومة آنذاك، التوصل إلى اتفاق، كان الرد الفلسطيني إشعال الانتفاضة الثانية وتفجير الباصات في شتى أنحاء دولة إسرائيل"!
وعن "انفصال إسرائيل عن قطاع غزة"، قال الوزير شتاينتس إن "الانفصال كان مبرراً، رغم الثمن الباهظ الذي دفعناه لقاءه. ولولا الإرهاب والصواريخ من قطاع غزة، لما كنا مضطرين إلى فرص الحصار على القطاع بل كان سيبقى مفتوحا".
وعن الوضع في الضفة الغربية، قال الوزير الإسرائيلي إنه "مختلف تماما عنه في غزة. فالحديث هنا عن أرض آبائنا وأجدادنا وتقع في القلب النابض لأرض إسرائيل. ثمة هناك استيطان يهودي واسع جدا وللمنطقة أهمية أمنية من الدرجة الأولى. نتنياهو تحدث عن ضم الكتل الاستيطانية الكبيرة وليس كل المنطقة. كذلك تحدث "مشروع ألون" (يغئال ألون، الوزير الإسرائيلي السابق عن حزب العمل) عن الضم. ولهذا، فإن الفروق بين اليمين واليسار في هذا الموضوع ليست كبيرة كما يبدو في الظاهر".
وعن العلاقة مع السلطة الفلسطينية، قال الوزير الإسرائيلي: "إسرائيل لم تلغ التنسيق الأمني مع أبو مازن ولم تلغ مشاريع اقتصادية مع السلطة الفلسطينية. واليوم، حين نخطط للبنى التحتية في مجال الكهرباء والغاز، نحن نأخذ في الحسبان مصلحة الفلسطينيين أيضا، لكن بما أن أبو مازن لا يتصرف كشريك ولا يوقف التحريض الفظيع ضد إسرائيل في جهاز التعليم الفلسطيني، فقد غيرت إسرائيل استراتيجيتها وبدأت بتعزيز علاقاتها مع العالم العربي الذي أصبح يدرك اليوم أننا نشكل ثروة بالنسبة له، بما في ذلك على المستوى الاستخباراتي أيضا".
عدم الانفصال عن الفلسطينيين ـ خطر وجودي
قال عضو الكنيست عوفر شيلح (من حزب أزرق أبيض وعضو لجنة الشؤون الأمنية والخارجية التابعة للكنيست) إن "وضع الصور الخارجية ـ لا العلاقات الخارجية ـ الإسرائيلية لم يكن أفضل مما هو عليه اليوم، منذ إقامة إسرائيل. في مجال التصوير والتقاط الصور، نحن لا نطمح بأية منافسة مع نتنياهو"!
وأكد شيلح إنه "طالما لم نقم بالانفصال عن الفلسطينيين، نحن نعرّض مكانتنا كدولة يهودية وديمقراطية لخطر جدي، بل نعرض دولة إسرائيل لخطر وجودي. وبدون التقدم في مسار تفاوضي مع الفلسطينيين، ستضيع هباء الفرصة التاريخية القائمة اليوم في العلاقات ما بين إسرائيل والدول العربية، على ضوء توافق المصالح الإقليمية. إذا لم تترجَم هذه الفرصة إلى تقدم سياسي حقيقي فسندفع الثمن في سورية وفي قطاع غزة. وهذا ما يقوله المصريون والسعوديون بكامل الصراحة أيضاً. الفرصة ليست بين نتنياهو وبن سلمان، وإنما بين الدول. وهي لا تنبع من المحبة وإنما من المصالح".
ورأى شيلح أن نتنياهو "لا يرغب في استغلال شراكته مع الولايات المتحدة وصداقته مع ترامب لإحداث انطلاقة سياسية تخلّصنا من الطريق المسدود مع الفلسطينيين والمنطقة. يجب المبادرة واستحداث عملية سياسية يتم في إطارها إحضار الأطراف ذات العلاقة إلى واشنطن، إحراز تقدم مع الفلسطينيين، وربما عقد مؤتمر قمة إقليمي أيضا، برعاية دولية".
وقال شيلح إن الحديث عن "دول عربية معتدلة" ليس دقيقاً، لأن ثمة للدول مصالح والأمر قابل للتبدل. فالسعودية، مثلاً، في حالة حرب حامية الوطيس مع إيران، مما يخلق توافق مصالح بينها وبين إسرائيل. لكن هذه الفرصة لن تظل قائمة لأمد طويل. وهذا ما لا يفقهه نتنياهو في حديثه المتكرر الذي يولد شعورا بأن التعاون الأمني ـ الاستخباراتي مع الدول العربية وقرار الجامعة العربية اعتبار "حزب الله" تنظيماً إرهابياً كافيان تماماً، بينما هذا غير صحيح على الإطلاق.
وتطرق شيلح إلى أزمة ووزارة الخارجية الإسرائيلية و"هبوط مكانتها"، على خلفية "النظر إلى الحلبة الدولية والحلبة الإقليمية وكل ما يحصل فيهما من خلال المنظور الأمني أساساً، وهو ما لا يمكن القبول باستمراره... ثمة استهتار متواصل بوزارة الخارجية ومكانتها، أدت في الواقع وبصورة عملية إلى إلغاء هذا الوزارة وتحييدها تماما".
إنهاء السيطرة على الشعب الفلسطيني
أكدت عضو الكنيست ميراف ميخائيلي (من حزب العمل) أن "الأمرين الأكثر أهمية في مجال السياسة الخارجية هما القضية الفلسطينية والعلاقات مع الولايات المتحدة". وأضافت: موقفنا، موقف حزب العمل، هو ضرورة التوصل إلى اتفاق مع جيراننا الفلسطينيين. ينبغي إنهاء السيطرة على الشعب الفلسطيني. بالإمكان التوصل إلى اتفاق معهم، لكن ينبغي إنهاء السيطرة على الفلسطينيين، حتى لو لم ننجح في التوصل إلى اتفاق معهم. يجب أن تكون لدولة إسرائيل حدود واضحة ونهائية.
وقال ميخائيلي: "إذا ما توفرت الإرادة لإنهاء الصراع، فبالإمكان إيجاد شريك في الجانب الآخر. هنالك طرق لإنهاء الصراع بشكله الحالي، لكن ما ينقصنا هو قيادة سياسية تتوفر لديها إرادة للقيام بذلك".
تنمية وتطوير العلاقات مع العالم العربي
قال عضو الكنيست إيلي أفيدار (من حزب إسرائيل بيتنا) إنه "ممنوع جعل المسألة الفلسطينية عقبة وعائقا أمام تنمية وتطوير العلاقات مع العالم العربي. يجب التركيز أكثر على ما سيكون خلف الحدود التي ستقر مع الفلسطينيين وليس النظر فقط إلى سؤال: أين تمر الحدود؟"!
وأضاف أفيدار: العرب والفلسطينيون لا يريدون سلاما تاما وكاملا معنا وإنهاء النزاع، ولذلك علينا الاكتفاء بتسويات سياسية، مع الدول العربية ومع الفلسطينيين على حد سواء.
المسألة الفلسطينية هي الأهمّ
قال عضو الكنيست نيتسان هوروفيتس (رئيس "المعسكر الديمقراطي" ورئيس "ميرتس") إن حزبه "يمتلك برنامجا سياسياً حقيقياً"، مشيراً إلى لقاء وفد من حزبه مع الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، لأن "المسألة الفلسطينية هي الأهمّ، بما في ذلك الآن على خلفية إعلان نتنياهو عن نيته ضم المناطق بعد الانتخابات".
وأضاف هوروفيتس: "نتنياهو يريد ضم ملايين الفلسطينيين محرومي الحقوق وإخضاعهم للسيطرة الإسرائيلية. وهذا أبارتهايد خطير جدا".
وأوضح أنه ينبغي "إجراء مفاوضات مع الفلسطينيين من أجل التوصل إلى حل الدولتين، إذ لا بديل عن هذا ولا حل آخر سواه؛ على أساس مبادرة جنيف: دولة فلسطينية على معظم أراضي الضفة الغربية، إلى جانب دولة إسرائيل، وبحيث يتم ضم الكتل الاستيطانية الكبرى إلى السيادة الإسرائيلية، بينما سيتوجب إخلاء البؤر والمستوطنات المتناثرة".
النضال ضد الاحتلال هو الأهمّ
أكد عضو الكنيست عوفر كسيف (عضو الحزب الشيوعي الإسرائيلي) إن النضال ضد الاحتلال هو الأمر المركزي والأكثر أهمية. وقال: كلنا في "القائمة المشتركة" متفقون على أنه يجب إقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب دولة إسرائيل، على كامل المناطق التي جرى احتلالها في العام 1967.
وقال كسيف: نحن نريد، أيضاً، أن تكون دولة إسرائيل دولة ديمقراطية، لكنها بقيادة نتنياهو دولة إثنوقراطية لليهود فقط. وهذا ما لا يمكن القبول به.
المصطلحات المستخدمة:
مشروع ألون, باراك, الليكود, الكنيست, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو, يوفال شتاينتس, ميراف ميخائيلي, عوفر شيلح