أعرب اللواء في الاحتياط عاموس جلعاد، رئيس "مؤتمر هرتسليا السنوي لميزان المناعة والأمن القومي الإسرائيلي"، عن قلقه من سياسة إضعاف السلطة الفلسطينية، وحذّر من النتائج الكارثية التي يمكن أن تترتب على ضم أجزاء من أراضي الضفة الغربية.
واختار جلعاد، الذي أشغل لسنوات طويلة منصب رئيس القسم السياسي- الأمني في وزارة الدفاع الإسرائيلية، في سياق مقابلة أدلى بها أخيراً إلى صحيفة "غلوبس" الاقتصادية الإسرائيلية، أن يصف إسرائيل بأنها "بيت محصن جيداً لكن النمل الأبيض يـأكله من الداخل". وأضاف أن حالة الفساد في الدولة وانقسام الشعب يقلقانه كثيراً، قبل كل شيء كمواطن، كما يقلقانه على المستوى الوطني؛ "ففي اللحظة التي تضعف فيها المناعة الوطنية، في اللحظة التي يُقال فيها إنه يمكن اختيار قرارات المحاكم، وما تنفّذه أو لا تنفّذه، فإن الوضع يصبح كما قالت رئيسة محكمة العدل العليا إستير حيوت قريباً من الفوضى".
وشدّد جلعاد على أنه يقول هذا الكلام "من وجهة نظر رسمية وليست سياسية"، فهو مثلاً امتنع عن مهاجمة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو شخصياً، ويثني على معالجته المشكلة الإيرانية، ويشير إلى الاستقرار الأمني النسبي خلال ولايته. وأشارت الصحيفة إلى أن جلعاد في المقابلة لا ينتقد فقط بحدة طريقة اتخاذ القرارات في موضوع الغواصات، بل أيضاً تقلقه سياسة إضعاف السلطة الفلسطينية، ويحذّر من النتائج الكارثية التي يمكن أن تترتب على ضم أجزاء من الضفة الغربية.
ورداً على سؤال: "ما رأيك في خطة فرض السيادة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية المحتلة؟ قال جلعاد: "أنا أرتعد خوفاً من ذلك. وآمل بأن يفهم الناس في البلد ذلك. إن السفير الأميركي ديفيد فريدمان لا يبدو لي شخصاً يمكن أن تصدر عنه زلة لسان عندما يتحدث عن الحق في الضم وأعتقد أنه يقصد ذلك، وربما هو يكشف النية الحقيقية لدى إسرائيل". وتابع: "لقد قال رئيس الحكومة ذلك، وهذا ليس سراً. من الممكن أن يذهبوا في هذا الاتجاه. التاريخ في النهاية قاس. وهو يسير بحسب القرارات الفعلية التي تُتخذ. سنصبح دولة واحدة مع الفلسطينيين. مؤيدو ذلك سيعتبرون أنه كلام أخرق، وسيقللون أيضاً من أعداد الفلسطينيين - في النهاية سنصبح جماعة واحدة. أنا أفكر أيضاً في العبء الأمني. كيف سندافع عن أمر كهذا؟ هل سنتمسك بالاحتلال العسكري، لا سمح الله؟ السلطة في نهاية الأمر ستختفي. فهي قائمة على اتفاق بيننا وبين منظمة التحرير الفلسطينية. لدي انتقادات قاسية لاتفاق أوسلو، لكن في النهاية هناك واقع: تريد طرد السلطة؟ لا بأس، أعطني بديلاً آخر. هل تعرف أي عبء اقتصادي يشكله احتلال عسكري للضفة الغربية؟ من سيدير هذه المسألة؟ آمل بأن يفكروا في ذلك. لكنني لست واثقاً".
من ناحية أخرى أنشأت صحيفة "هآرتس" قبل عدة أيام افتتاحية تطرقت فيها إلى الاحتفال الذي جرى في نفق يقع تحت الشارع الرئيسي في سلوان بمشاركة مندوبين من الإدارة الأميركية، فكتبت تقول: هذا الاحتفال كان قبل بضع سنوات يُعتبر مستحيلاً. فقد شارك دبلوماسيان رفيعا المستوى في الإدارة الأميركية، موفد البيت الأبيض إلى الشرق الأوسط جيسون غرينبلات، والسفير الأميركي ديفيد فريدمان، إلى جانب أعضاء في الكنيست، وزوجة رئيس الحكومة ومسؤولين إسرائيليين كبار في حفل تدشين "طريق الحجاج" – نفق قامت بحفره الجمعية اليمينية الاستيطانية "إلعاد" بمساعدة متحمسة من الدولة.
وأضافت: النفق الذي، بحسب "إلعاد"، كشف طريقاً يعود إلى فترة الهيكل الثاني كان يسلكه الحجاج من بركة سلوان إلى الحرم القدسي الشريف، هو مشروع مركزي بالنسبة إلى الجمعية في إطار جهودها لتهويد سلوان وجوارها من خلال استخدام علم الآثار والسياحة. وعند فتح النفق أمام الجمهور الواسع، الذي سيجري بعد بضعة أشهر، على ما يبدو، من المنتظر أن يتحول إلى موقع سياحي مركزي.
إن مشاركة دبلوماسيين أميركيين في مناسبة تقيمها جمعية يمينية في القدس الشرقية هي اعتراف واقعي بالسيادة الإسرائيلية على ما يسمى "الحوض التاريخي" في القدس. فلقد أوضح السفير فريدمان، لمن لا تزال لديه شكوك، في "الجيروزالم بوست" أن "مدينة داود هي مكون حيوي في التراث القومي لدولة إسرائيل. وإعادة مدينة داود تشبه استعادة أميركا تمثال الحرية". خلال المناسبة نفسها أضاف فريدمان "هذا الموقع هو موقع تراثي بالنسبة إلى الولايات المتحدة مثلما هو موقع تراثي بالنسبة إلى إسرائيل". هذا الاعتراف لا يضع الإدارة الأميركية في جهة اليمين المتشدد من الخريطة السياسية الإسرائيلية ويسحب البساط من تحت الادعاء أن الوساطة الأميركية نزيهة وليست منحازة إلى طرف معين فحسب، بل أيضاً يتجاهل تماماً الواقع المعقد في سلوان في القدس الشرقية وفي المنطقة كلها. والنفق الذي حُفر بوسائل علمية مثيرة للجدل، يضع علم الآثار في خدمة السياسة ويتجاهل الفروق الدقيقة للماضي السابق للقدس.
بيْد أن المشكلة الأساسية للنفق هي أن الهدف من حفره تحت الشارع هو تجاهُل ما يجري فوق الشارع. ففي سلوان وحدها يعيش 20 ألف فلسطيني، من دون جنسية ومن دون حقوق، ويشعرون عن حق، بأن المشروع الأركيولوجي يهدف إلى طردهم من حيّهم. وحول سلون يعيش 300 ألف فلسطيني من سكان المدينة أيضاً من دون حقوق.
إن كل من يعرف ولو معرفة سطحية الشعب الفلسطيني يدرك أن لا أمل بالتوصل إلى أي تسوية تنهي الاحتلال مع استمرار سيطرة إسرائيل على القدس الشرقية والحرم القدسي الشريف. هكذا، بحماقة وفي حفل واحد يقطر عسلاً وابتسامات، حكمت إدارة ترامب على سكان إسرائيل بالعيش في نزاع دائم أو في دولة أبارتهايد، يعيش فيها نوعان من السكان، من لديهم حقوق ومن لا حقوق لهم.
بموازاة ذلك اعتبر كبير المحللين العسكريين في صحيفة "معاريف" ران إدليست أن "مؤتمر البحرين" انتهى بفشل مدوٍّ للسياسة الإسرائيلية.
وكتب إدليست: يجدر على أعتاب إعادة الانتخابات الإسرائيلية العامة أن نتفحص ما الذي أسفر عنه "مؤتمر البحرين" الذي اجتهد أكثر من مسؤول إسرائيلي كي يؤكد أنه كان بمثابة قصة نجاح، في الوقت الذي لم يكن أكثر من تظاهرة علاقات عامة تعكس سياسة منهارة للحكومة الإسرائيلية الحالية التي حاولت بواسطتها أن تغطي على إخفاقاتها المدويّة في الجبهات الإيرانية والفلسطينية والسورية.
وأضاف: لا يمكن لأي امرئ أن يتجاهل أن منطقة النفوذ الإيرانية باتت في الوقت الحالي تشمل ليس سورية ولبنان وقطاع غزة وحزب الله فحسب، إنما أيضاً العراق، وأن الغارات التي تقوم إسرائيل بشنها في الأراضي السورية مُنيت بالفشل. وهذه حقيقة لا يمكن أن يحجبها مؤتمر تم تنظيمه في البحرين بحضور عرب أقحاح يلبسون الجلابيات وذوي شوارب لم يتورعوا عن الإدلاء بمقابلات إلى صحافيين إسرائيليين أعلنوا فيها أن كل شيء سيكون على ما يرام.
إن البحرين هي قاعدة أميركية في حي سعودي، وتقع تحت هيمنة سلالة محلية سيطرت على حقول النفط بمساعدة بريطانيا والولايات المتحدة. والسعودية هي الأكثر سوءاً بين الدول من كل النواحي، سواء من ناحية حقوق الإنسان والنساء، أو من ناحية الفساد المستحكم فيها، أو من ناحية تحويل كل مواردها القومية لمصلحة سلالة ولي العهد محمد بن سلمان، الممول الحقيقي لمؤتمر البحرين. ومعظم التقارير الإعلامية الإسرائيلية التي تطرقت إلى مؤتمر البحرين خلصت إلى أنه ساهم في الدفع قدماً بالعلاقات بين إسرائيل والعالم العربي. وهذا في الوقت الذي أعلنت السلطة الفلسطينية مقاطعتها له وأكدت بحق أن عرّابه جاريد كوشنير مستشار الرئيس الأميركي وصهره هو وسيط غير نزيه.
وفي الملحق الأسبوعي لصحيفة "معاريف" وصف آفي بنيهو، الناطق السابق بلسان الجيش الإسرائيلي، الفلسطينيين بأنهم "رافضو فرص"، وذلك على الرغم من أنه منذ أن أطلقت غولدا مئير رئيسة الحكومة السابقة مقولتها المشهورة أنه لا وجود لشعب فلسطيني قبل عشرات السنوات، انتهز الفلسطينيون فرصاً كثيرة ونجحوا في إقامة بنية تحتية لدولة تعترف بها دول أكثر من الدول التي تعترف بإسرائيل فيما وراء حدود 1967. ولا بد من القول أيضاً إن إقامة الدول لم تحدث بسبب انتهاز الفرص فقط، إنما أيضاً بسبب الاستعداد للتضحية، والقيام بنشاطات إرهابية كما حدث بالضبط لدى إقامة دولة إسرائيل.
في رأيي أن مؤتمر البحرين عُقد كي يقوم محمد بن سلمان بتجنيد الجيش الإسرائيلي لشن حرب ضد إيران، وتجنيد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو كي يؤثر في الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وبناء على ذلك فإن النتيجة التي انتهى إليها هذا المؤتمر فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية هي أسوأ من الفشل.