أطلقت منظمة "زوخروت" (ذاكرات) أخيراً شريط فيديو جديداً باسم "رؤيا العودة"، وأكدت أنه يهدف إلى فتح حلقة أخرى في النقاش حول العودة الفعلية للاجئين الفلسطينيين الذي هجروا من وطنهم إبان النكبة.
وقال عمر الغباري، أحد المسؤولين في الجمعية، وهو مؤرخ وموثق للنكبة والعودة، إنه جرى الحديث عن العودة في الأسابيع الأخيرة في ظل احتفالات إسرائيل بمرور 71 عاماً على إقامة دولة اليهود، تلك التي أوقعت خلال عملية إقامتها ونتيجة لإقامتها كارثة كبيرة على الشعب الفلسطيني وتسببت له بصدمة قومية مستمرة، وطرد أكثر من 750 ألف فلسطيني من وطنهم، تم تحويلهم إلى لاجئين ومهجرين، كما تم منع عودتهم إلى بيوتهم، وهدم ومحو المدن والقرى الفلسطينية عن وجه الأرض، والاستيلاء على ممتلكاتهم وأراضيهم، وتهويد وعبرنة المكان ومحو التاريخ والهوية الفلسطينية العربية الشرقية للحيز، وليست هذه إلا بعض الجرائم التي اقترفها الاستعمار الصهيوني.
وأضاف الغباري: إن استكمال احتلال فلسطين في عام 67، الحكم العسكري المفروض على الضفة الغربية، حصار غزة، الغربة القسرية والمتواصلة لأكثر من سبعة ملايين فلسطيني، السياسة العنصرية، المستعلية والفظة تجاه كافة الفلسطينيين بمن فيهم مواطنو دولة إسرائيل- ليست إلا دليل على النكبة المستمرة.
والنكبة مغروسة عميقاً في الأيديولوجية والممارسة الصهيونية- ابتداء بدعاية "الأرض المقفرة" التي سوقت في العقود التي سبقت الحرب، مروراً باحتلال خبيزة (حيث جرت هذا العام مسيرة العودة السنوية) ومذبحة دير ياسين في 1948، وطرد أهالي مجدل في 1950، ومذبحة كفر قاسم في 1956، واحتلالات 1967، ونهب الأراضي، وقتل مواطنين متظاهرين في يوم الأرض عام 1976 وفي انتفاضة 2000، ووصولاً إلى الحواجز العسكرية، وتقييد حرية الحركة، وقنص المتظاهرين في قطاع غزة وما إلى ذلك.
وتابع: لقد عملنا في منظمة "ذاكرات" طوال سنوات على اطلاع الجمهور الإسرائيلي على النكبة والغبن الذي تسببت به، وطالبنا الإسرائيليين بالاعتراف بمسؤوليتهم عن النكبة والعمل من أجل إصلاح الغبن التاريخي وتحقيق العدل. تحدثنا عن النكبة بالعبرية ونجحنا- بقوانا البسيطة- في أن نفتح عيون عدد غير قليل من الإسرائيليين. وعندما سئلنا عن مسألة الإصلاح والعدل، كان حق العودة للاجئين الفلسطينيين أحد الأسس المركزية بالطبع. لم تكن لدينا أية علامات سؤال حول تأييد حق العودة لكن المسألة المثيرة والتي لا تقل أهمية كانت حول تطبيقه: أين؟ بأية طريقة؟ ماذا ستكون الإسقاطات؟ ما هو الثمن؟ ما هي الخطوات العملية التي يجب القيام بها؟.
وهكذا بدأنا نتحدث، بالإضافة إلى النكبة بالعبرية، عن العودة بالعبرية. نحن نعي بأن التعاطي مع موضوع عودة اللاجئين الفلسطينيين في الواقع السياسي الحالي، الفلسطيني والإسرائيلي، والإقليمي والدولي، قد يبدو كالهذيان. ولكننا نعي كذلك أنه لن يكون هناك حل عادل للفلسطينيين دون تحقيق حق العودة. لهذا، فنحن عازمون على طرح الموضوع في كل الأطر الممكنة لإبقائه على طاولة النقاش الجماهيري، ومعارضة سياسة دولة إسرائيل التي ترمي إلى إنكاره وتغييبه.
إن النقاش حول عودة اللاجئين الفلسطينيين في الحيز الإسرائيلي هو بمثابة فعل غير شرعي تقريباً، ومن الواضح أن اقصاءه جانباً هو أمر مريح من ناحية غالبية الإسرائيليين الذين لا يريدون بأن يقض مضجعهم؛ حتى أن حق العودة يغيب بطريقة أو بأخرى عن قائمة الأهداف التي تضعها غالبية المنظمات الإسرائيلية التي تسمى منظمات حقوق الإنسان. ولا يوجد أدنى شك في أن غياب النقاش حول تطبيق العودة يخدم السياسة الإسرائيلية، ويخلد الوضع القائم الذي كرسته الدولة اليهودية الصهيونية لصالح ولراحة الأغلبية اليهودية والذي يؤول إلى استمرار السيطرة اليهودية- الصهيونية والحفاظ على الأغلبية اليهودية التي خلقت هنا بقوة السلاح وفي أعقاب طرد أبناء المكان.
أما من ناحية المنظمات الفلسطينية والأحزاب الفاعلة في المجتمع الفلسطيني داخل دولة إسرائيل، في السلطة الفلسطينية وفي الشتات، فإن حق العودة لا يحظى بمكانة مركزية في أجندتهم، وبالنتيجة لا يوجد بالطبع أي نضال فعلي لتطبيق العودة. ولا يوجد لدى أي جسم برنامج عملي أو اقتراحات لتحقيق العودة.
ويرى الغباري أن التعاطي فقط مع قضايا مثل الحقوق المدنية في ظل الهوية الإسرائيلية، والنضال الفلسطيني لرفع الحصار عن غزة، والمطالبة بتقليل عدد الحواجز داخل الضفة الغربية، والمظاهرات ضد هدم البيوت ومن أجل إطلاق سراح الأسرى، وغيرها، ولو أنها جديرة بحد ذاتها، يقصي بشكل واع أو غير واع النضال من أجل تحقيق حق العودة خارج الوعي السياسي ومعه الرؤيا الاستراتيجية لتحقيق حل دائم يضمن التحرر والمساواة والديمقراطية الحقيقية.
ويضيف: عندما بدأنا في "ذاكرات" التعامل ليس فقط مع حق العودة إنما كذلك مع الجوانب العملية للعودة وطريقة تطبيقها فُتح أمامنا موضوع واسع ومركب يتطلب الدراسة والفهم، التحضير والتخطيط، حيث ستكون هناك انعكاسات راديكالية للعودة على الحيز على المستوى السياسي، الديمغرافي، الاجتماعي، الاقتصادي، الثقافي، البيئي وغيرها. وهذا النقاش هو جزء من صياغة الخطاب حول العودة وتعزيز حضوره، وكل الجمهور- بما يشمل الجمهور اليهودي- مدعو للاعتراف بأهمية العودة وضرورتها ولتصور الحيز من بعد تطبيقها.
وبرأي الغباري يشكل فيديو "رؤيا العودة" الذي أطلقته "ذاكرات" أمام جمهور إسرائيلي مساء "يوم الاستقلال" حلقة أخرى في النقاش حول العودة الفعلية. وتلخص الـ20 دقيقة التي يضعها الشريط أمام الجمهور سيرورة ملفتة لمجموعة إسرائيلية تعاملت مع مسألة العودة الفعلية للاجئين الفلسطينيين إلى قراهم في منطقة بيت شيمش. وأثارت السيرورة التي امتدت على بضعة أسابيع من التعليم، الجولات والنقاشات، أسئلة مباشرة حول العودة المستقبلية وتصور حيز منعتق من قيود السياسة الحالية الضيقة.
وأكد أنه خطوة صغيرة للاستئناف على المفهوم ضمناً السياسي في إسرائيل وللتفكير خارج الصندوق.