المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 885

اعتبر دان مريدور، القائد السابق في حزب الليكود والوزير السابق عنه في حكومات إسرائيلية عديدة، أن الهجمة الحالية التي يشنها اليمين الإسرائيلي، بقيادة الليكود ورئيسه، رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ضد الجهاز القضائي عامة والمحكمة العليا خاصة والسعي المحموم إلى محاصرتها وتقليص صلاحياتها هي، في جوهرها ومحصلتها، "هجمة منظمة على مبدأ المساواة"!

وأوضح أن هذه الهجمة تبدو وكأنها موجهة ضد "الثورة الدستورية"، لكن هذا ليس صحيحاً والحقيقة ليست كذلك، ذلك أن واجب القضاة في المحكمة هو حماية الإنسان العادي من سطوة الأغلبية وعسفها. وقال إن مسألة "فقرة التغلب" (أي تمكين الكنيست من إعادة سن قانون، أو بند من قانون، ألغته المحكمة العليا بدعوى عدم دستوريته) ستجعل دولة إسرائيل متساوية أقل وحرية أقل، وهي تمس بمبدأ واحد هو مبدأ المساواة. وأضاف: "كان من المقبول والمتبع سابقا أن الناس هنا متساوون ـ العربي واليهودي، الرجل والمرأة وغيرهم. كل الناس متساوون. هذا ما كان يقال، على الأقل، ولم يكن ثمة من يقول غير ذلك. لم يكن في إسرائيل أي نقاش حول الديمقراطية، سلطة القانون وسيادته وحول الجهاز القضائي والمحاكم. كانت هذه كلها محط إجماع وتوافق عام من قبل الجميع. أما اليوم، فكل الهجوم هو على هذا الأساس. صحيح أنه جزء من ظاهرة كونية قاسية، لكنني قلق لأن هذا بيتي. مبدأ المساواة هو الذي يقض مضجع كل من يريد تكريس حالة التمييز واللامساواة في كل مجال وعلى أي صعيد".

وأشغل مريدور مناصب وزارية مختلفة كان أبرزها وزير المالية لكن أهمها، دون شك، وزير العدل بين السنوات 1988 و 1992 وهي الفترة التي سنّ الكنيست في أواخرها قانونيّ الأساس الأبرز والأهمّ ("قانون أساس: كرامة الإنسان وحريته" و"قانون أساس: حرية العمل") اللذين شكلا القاعدة المتينة لما يسمى في إسرائيل "الثورة الدستورية" التي استطاعت المحكمة العليا من خلالها شطب وإلغاء، بصورة كلية أو جزئية، بعض القوانين التي سنّها الكنيست بدعوى عدم دستوريتها جراء تناقضها مع نصوص هذين القانونين، أو أحدهما، وقد أدلى بهذه التصريحات ضمن مقابلة معه أجرتها صحيفة "ذي ماركر" الإسرائيلية ونشرتها يوم 7 حزيران الجاري.

وتعقيبا على دعوة عضو الكنيست بتسلئيل سموتريتش إلى اعتماد "الشريعة اليهودية التوراتية" قانوناً فيصلاً في إسرائيل وتحويلها إلى دولة شريعة، قال مريدور: "لست مستعدا لقبول الشريعة اليهودية كما هي على حالها مرجعية ليومنا هذا، ذلك أن المفهوم الأساس فيها هو اللامساواة، بين اليهود وغير اليهود؛ بين الرجل والمرأة. أنا غير مستعد لتقبل هذا. ومن يريد أن يحافظ على حالة اللامساواة بين اليهود والعرب وأن يكرس السلطة اليهودية بدون أغلبية يهودية (في المناطق الفلسطينية) ومن يريد تكريس الوضع غير الطبيعي الذي تسود فيه حقوق غير متساوية لجميع بني البشر الأحرار، من الصعب عليه التعايش مع القوانين السائدة اليوم".

"قانون القومية" وشطب العربي

وأجاب مريدور على سؤال حول محاولات استبعاد عضو الكنيست أيمن عودة عن منصة مظاهرة "الوسط واليسار" الإسرائيليين ضد فساد نتنياهو، والتي جرت في تل أبيب قبل ثلاثة أسابيع، فقال: "رأيي أن أي إلغاء لأي شخص بسبب آرائه أو بسبب كونه عربيا هو تصرف قبيح من ناحية إنسانية وأخلاقية وغير حكيم من ناحية سياسية. أنا شخصيا أرفض الظهور إلى جانب أشخاص متطرفين، ليس من العرب فقط، بل من اليهود أيضا. أنا لا أعرف عودة شخصياً، لكنني أتوقع أنني كنت سأقف إلى جانبه على المنصة ذاتها. وقد شاركت من قبل مع أحمد طيبي مثلا".

ثم تطرق إلى "قانون القومية" الذي سنه الكنيست الإسرائيلي في تموز من العام الماضي، فقال إن "إسرائيل هي دولة الشعب اليهودي وهذا وارد في قوانين الأساس التي تنص على أن إسرائيل هي دولة يهودية ديمقراطية. أما في قانون القومية فقد أسقطوا كلمة ديمقراطية وأبقوا على يهودية فقط. لماذا؟ ـ من أجل اللعب على العواطف فقط، اللعب بالمشاعر الأكثر دونية ضد الآخر. يجب أن نسأل أنفسنا: ما هي القيم التي نريد والتي تجمعنا؟ هل نحن مستعدون لمنح الآخرين ما كنا نطالب به كأقلية؟ لماذا يجب أن نقول للعرب كل الوقت "هذه ليست دولتكم"؟ إذا كان العربي الذي يعيش في الناصرة أو في أبو غوش ليس جزءا من هذه الدولة، فما هي دولته وأين، إذن؟ من ناحية يطالبون المواطنين العرب بالولاء للدولة ومن ناحية أخرى يقولون لهم هذه ليست دولتكم... لماذا إقصاؤهم؟ لماذا الدفع بهم نحو الخارج؟ من المستفيد من هذا؟؟ الدولة هي دولة الشعب اليهودي، وهذا منوط بتحقق أغلبية يهودية كبيرة، لكنها في الوقت نفسه دولة جميع مواطنيها. لا تناقض بين التعريفين. إنها دولة جميع المواطنين فيها. اليهودي في نيويورك لا يصوت هنا، بينما العربي في حيفا نعم".

وأضاف: أصبح من السهل جدا التحريض ضد الآخر اليوم. هذا الانتقال من سياسة الأيديولوجيات إلى سياسة الهويات هو ما يحصل في العالم كله خلال الفترة الأخيرة، سواء كانت تلك هوية دينية أو قومية أو سواها. في السابق كان بإمكاني أن أكون يساريا أو يمينيا وكان كلا الخيارين شرعي. أما اليوم، فكل من لا يتفق معك هو يساري!

من "حركة الليكود" إلى "حركة نتنياهو"!

يقول مريدور عن نتنياهو إنه "قد حصل له أمر سيء. فحقيقة أنه حقق الفوز في الانتخابات مرتين بفضل استراتيجية خاصة وضعها هو بنفسه وبدون مستشارين يبدو أنها دفعته إلى الاعتقاد بأنه قادر على فعل كل شيء بنفسه ولوحده. إنه يشغل منصب رئيس الليكود منذ سنوات عديدة وثمة أشخاص أصبحوا يعتقدون بأن لا ليكود بدون نتنياهو". ويضيف: "لحزب الليكود اليوم 35 عضو كنيست ولا أحد منهم ينبس ببنت شفة ضد أي شيء يفعله نتنياهو. جميعهم مدفوعون باعتبارات سياسية ـ حزبية وحسابات بقاء". واستذكر مريدور ما قالته الوزيرة السابقة ليمور ليفنات في إحدى المقابلات الصحافية: "كانت هذه حركة الليكود ذات مرة، لكنها أصبحت حركة نتنياهو الآن".

عن مساعي نتنياهو ومحاولاته لتعديل قانون الحصانة البرلمانية بحيث يصبح من المتعذر إسقاط الحصانة البرلمانية عنه (وعن آخرين من أعضاء الكنيست المشتبه بهم بالتورط في قضايا فساد إداري وسلطوي)، ما يعني إغلاق الباب "القانوني" أمام إمكانية تقديمه (وهؤلاء أيضا) إلى أية محاكمة جنائية، قال مريدور: "الحصانة، في جوهرها وأساسها، أتت لمنع السلطة الحاكمة من استخدام القانون وتطبيقه ضد المعارضة السياسية. لكن ما يحصل الآن هو قلب الوضع رأسا على عقب بحيث تصبح الحصانة حامية للسلطة وقباطنتها وهذا وضع مشوّه". وتساءل مريدور: كيف يمكن المحافظة على الحكم والنظام في مثل هذا الوضع؟ كيف يمكن المحافظة على مجتمع متماسك بينما قيادته السياسية تقول إن القضاء والشرطة هما جهازان سياسيان ـ حزبيان؟.

وعن حل الكنيست الـ 21 بعد أقل من شهر واحد من تأدية أعضائه المنتخَبين اليمين الدستورية وبعد أقل من شهرين من انتخابه في انتخابات عامة، وهي خطوة غير مسبوقة في تاريخ إسرائيل، قال مريدور: القانون يتيح إمكانية حل الكنيست في حال الإخفاق في تشكيل حكومة جديدة. لكن ما حصل هنا وفي هذه الحالة هو سطو في عتمة الليل، في اللحظة الأخيرة، قبل أن ينتهي موعد الـ 42 يوما المتاحة لنتنياهو لتشكيل حكومته الجديدة، حسب القانون. ومعنى هذا أن نتنياهو أوصل الدولة إلى نقطة يقول فيها: "إما أكون أنا رئيس الحكومة وإما لا تكون حكومة". وهذا أمر لم يكن يقصده القانون مطلقاً. ربما كان شخص آخر من الليكود، غير نتنياهو، يستطيع تشكيل حكومة جديدة وربما شخص ثالث من خارج الليكود أيضا، وعندئذ ما كنا لنصل إلى هذه الأزمة السياسية العميقة.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات