اعتبرت ورقة تقدير موقف صادرة عن "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، مؤخرا، أن فتح "صفحة جديدة" بين مصر وحركة حماس، يشكل "امتحانا هامة للتنسيق الأمني الذي ازدهر في السنوات الأخيرة بين إسرائيل ومصر على خلفية مواجهتهما المشتركة لتحديات الإرهاب في سيناء وغزة".
وكان وفد من حماس، ضم نائب رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية، وعضوي مكتبها السياسي موسى أبو مرزوق وروحي مشتهى، قد زار القاهرة، في نهاية كانون الثاني الماضي، والتقى مع مسؤولين أمنيين في مقدمتهم رئيس المخابرات المصرية، اللواء خالد فوزي. وفي وقت لاحق من شباط الماضي، زار القاهرة وفد آخر من حماس، ضم ممثلا عن ذراع الحركة العسكري كتائب عز الدين القسام.
وأفادت تقارير صحافية بأن وفد حماس السياسي وافق على مطالب مصرية تتعلق بوقف نقل أسلحة وتسلل مقاتلين عبر الأنفاق عند الحدود بين قطاع غزة وسيناء ومنع عناصر من التنظيمات الجهادية المتطرفة في سيناء من استخدام القطاع كقاعدة لانطلاق هجمات ضد قوات الأمن المصرية في سيناء. وأعلنت حماس أنها حريصة على "عدم التدخل في الشؤون الداخلية" المصرية، في تلميح إلى التزامها بعدم الوقوف إلى جانب حركة الإخوان المسلمين التي يحاربها نظام الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي. كما سلمت مصر حماس قائمة مطلوبين، واتفق على نظام لفتح معبر رفح، وتوسيع العلاقات التجارية بين مصر وغزة، وتوقف التهجمات الإعلامية وتوسط مصر بين حماس وإسرائيل، وكذلك بين حماس وحركة فتح في سياق جهود المصالحة الوطنية.
ويذكر أن العلاقات بين القاهرة وغزة تدهورت بشكل خطير في أعقاب الانقلاب العسكري في مصر وإسقاط حكم الإخوان المسلمين وعزل الرئيس محمد مرسي، في تموز العام 2013. واتهمت مصر حماس بأنها "ذراع عسكري" للإخوان المسلمين في مصر وأنها شاركت في عمليات إرهابية، بينها اغتيال النائب العام، هشام بركات، في تموز العام 2015.
واعتبرت ورقة تقدير الموقف الصادرة عن "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب التحول الحاصل في العلاقة بين مصر وحماس أنه ناجم عن تقاطع مصالح متبادلة للجانبين في عدة مجالات. "في المجال الأمني، اعترفت مصر بأهمية التعاون مع حماس من أجل هزم فرع تنظيم ’داعش’ في سيناء... بينما حماس، من جهتها، معنية هي أيضا في منع العلاقات بين جهات سلفية – جهادية تتآمر على حكمها في القطاع وبين شركاء أيديولوجيين في سيناء".
وأضافت ورقة تقدير الموقف أنه في المستوى السياسي "مصر معنية بتعزيز مكانتها بأنها الجهة الإقليمية المهيمنة في قطاع غزة، والقادرة على تحقيق وحدة الصف الفلسطيني والتمهيد لاستئناف عملية السلام". واعتبرت الورقة أنه بنظر القاهرة، من الأفضل البحث في إمكانية التوصل إلى تفاهمات متبادلة مع حماس على أن "تدفعها نحو أحضان دول خصم إقليمية، مثل تركيا وقطر وإيران"، وضبط وتخفيف العلاقات بين حماس وحركة الإخوان المسلمين في مصر "وألا تشكل عقبة أمام تسوية سياسية مع إسرائيل". كما أن مصر معنية بلعب دور وسيط مقبول على طرفي المصالحة الوطنية الفلسطينية، وأيضا في مفاوضات حول تبادل أسرى بين حماس وإسرائيل. وقالت الورقة إنه "بنظر مصر، هذه الأدوار سترفع من شأن مصر إقليميا ودوليا كمرساة للاستقرار في الشرق الأوسط وتمنحها أوراقا بالغة الأهمية أمام الإدارة الأميركية الجديدة. بينما بالنسبة لحماس، فإن محاولاتها للالتفاف على مصر بمساعدة أوصياء إقليميين آخرين عليها لم تحقق شيئا، لأن نقل المساعدات إلى القطاع متعلق بالتعاون مع مصر. كما أن هؤلاء الأوصياء أثبتوا عدم نجاعتهم كوسطاء بين حماس وإسرائيل".
واعتبرت ورقة تقدير الموقف أن ثمة جانبا سياسيا آخر في خلفية التقارب بيم مصر وحماس، "يتعلق بالأزمة الحاصلة في الأشهر الأخيرة بين القاهرة ورام الله في أعقاب زيادة دفء العلاقات بين السلطة الفلسطينية وبين قطر وتركيا، وعدم موافقة (الرئيس الفلسطيني) محمود عباس على دمج محمد دحلان، المقرب من مصر، في قيادة منظمة التحرير الفلسطينية. وكذلك الأمر بالنسبة لحماس أيضا، إذ أن المصالح المشتركة بينها وبين دحلان، الذي يشكل معارضة لزعامة عباس في السلطة الفلسطينية، هي أساس مريح للحوار مع مصر".
وتابعت الورقة أنه في الناحية الاقتصادية، سيسهل عبو البضائع إلى القطاع عبر بوابة معبر رفح، وبصورة شرعية، تخفيفا للضائقة الاقتصادية التي يعاني منها القطاع والتي يعاني منها سكان سيناء أيضا، مشيرة إلى أن هذه الضائقة دفعت سكان سيناء إلى التعاون مع "ولاية سيناء"، فرع "داعش" في شبه الجزيرة. ومن شأن فتح معبر رفح، بالنسبة لحماس، أن يشكل بوابة إلى العالم في أعقاب تدمير مصر للأنفاق بين القطاع وسيناء. "وتأمل مصر بأن يقود تحسين العلاقات مع حماس إلى تحسين شرعية النظام المصري لدى الرأي العام المصري والعربي، وبأن يسحب البساط من تحت أقدام الذين يتهمون مصر بالتعاون مع إسرائيل في حصار غزة... وسيكون بإمكان حماس أيضا التلويح بتحسين العلاقات مع مصر كإنجاز أمام الرأي العام المحلي".
وبحسب ورقة تقدير الموقف، فإن التفاهمات بين مصر وحماس "تعبر عن براغماتية سياسية صحيحة في الوقت الراهن، لكن لا ينبغي تحليلها في هذه المرحلة على أنها تعبر عن تغيير عميق لدى أي من الجانبين". فالليونة المصرية لن تخفف من محاربة النظام للإخوان المسلمين، واستجابة حماس لجزء من المطالب الأمنية المصرية لا تشكل انسحابا من التزامها المبدئي بالنضال ضد إسرائيل أو من أسس أيديولوجية الإخوان المسلمين.
بالنسبة لإسرائيل، رأت ورقة تقدير الموقف أن "على إسرائيل التأكد من أن التفاهمات الأمنية الآخذة بالتبلور بين مصر وحماس لا تبقي لحماس ثغرة ’شرعية’ لتهريب السلاح، من خلال تجاهل مصري مكشوف أو مبطن حيال تعاظم الجهوزية ضد إسرائيل. ومن أجل منع العجز الذي ميّز محاربة نظام مبارك لأنفاق التهريب، فإن إسرائيل مطالبة بأن توضح للقاهرة الفشل البنيوي، والخطير بالنسبة لمصر أيضا، الكامن في أي تسوية تمنح حماس تسهيلات على حساب أمن إسرائيل ولا تتطرق إلى محاربة الإرهاب في سيناء وغزة".
من الجهة الأخرى، فإنه "إذا التزمت التفاهمات بين مصر وحماس بالاحتياجات الأمنية الإسرائيلية، فإنها قد تخدم مصلحة إسرائيل من عدة نواح. أولا، تخفيف الضائقة الإنسانية في قطاع غزة والتي يمكن أن تتدحرج نحو إسرائيل، واستمرارها قد يشكل وقودا لاشتعال جولة عسكرية جديدة ضد حماس؛ ثانيا، تقويض العلاقات المتبادلة بين حماس والتنظيمات السلفية – الجهادية في سيناء التي تشكل تهديدا محتملا على أمن إسرائيل وعقبة أمام جهود مصر من أجل تحقيق الاستقرار الأمني الداخلي وتحسين وضعها الاقتصادي؛ ثالثا، تقوية تبعية حماس لمصر سيضعف محفزات الحركة للتوجه إلى مواجهة عسكرية مع إسرائيل، ويعزز مكانة مصر كوسيط ناجع وقادر على إنهاء سريع لأزمات مستقبلية بين حماس وإسرائيل".
وخلصت ورقة تقدير الموقف إلى دعوة مصر وإسرائيل إلى "إجراء حوار إستراتيجي يضع أمامه هدف بلورة تفاهمات طويلة الأمد حيال مستقبل قطاع غزة من أجل إنشاء واقع جديد يخدم مصلحة الدولتين. والضائقة المتعددة الجوانب التي تواجهها حماس في الوقت الراهن، من الداخل والخارج، تسمح لإسرائيل ومصر أن تصقل الخيارات الماثلة أمام الحركة بين البراغماتية السياسية مقابل ترميم اقتصادي من جهة، وبين التمسك بالكفاح العنيف والذي يعني تعميق عزلة القطاع من الجهة الأخرى. إضافة إلى ذلك، ينبغي الحرص على أن الامتيازات الاقتصادية التي ستمنح للقطاع لا تؤدي إلى تقوية غير مراقبة لمكانة حماس على حساب حركة فتح، وأن تركز هذه الامتيازات على تحسين حياة السكان الغزيين".