المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1733

يشن أعضاء وأنصار منظمة "لهافا" (الاسم اختصار بالعبرية لـ: "لمنع الاختلاط في البلاد المقدسة") الدينية اليمينية المتطرفة اعتداءات متكررة على مواطنين فلسطينيين مقدسيين وآخرين، في منطقة محددة تقريبا من مدينة القدس، دون أي خوف ودونما رادع، إذ تم حتى الآن إغلاق الأغلبية الساحقة من الملفات ضد المعتدين من أعضاء هذه المنظمة بذريعة "عدم توفر الأدلة".

ويبين التقرير الذي نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت"، في عددها أمس الإثنين (19 أيلول)، أن هذه المنظمة تتبع أسلوبا متكررا من النشاط الاستفزازي الذي يقوم أعضاؤها خلاله بارتكاب اعتداءات عنصرية على مواطنين عرب، لا تحتاج إلى أي مبرر ولا إلى أية دعاوى واهية، لأن ما يحركها ليس إلا الدوافع العنصرية الانتقامية.

وتصف الصحيفة كيف تجري ما تسميه "مسيرة الكراهية" في ساعات المساء من كل يوم خميس في مركز مدينة القدس. فعشرات من أعضاء هذه المنظمة العنصرية المتطرفة وأنصارها يتجمّعون في "ميدان صهيون" (بين شارع "يافا"، شارع "بن يهودا"، شارع "هحفتسيلت" وحيّ "نحلات شفعا") حيث يقيمون كشكا ارتجاليا يوزعون من خلاله منشورات ضد "الاختلاط" بين شابات يهوديات وشبان عرب، ثم مع تقدم المساء يخرجون في "مسيرة مشي على الأقدام" وهم يرتدون قمصان الحركة (باللون الأسود وعليها شعار المنظمة باللون الأصفر)، ينطلقون من "ميدان صهيون" ويتجولون في شوارع المدينة وهم يرددون شعارات تحريضية عنصرية وشتائم بذيئة ضد العرب، منها: "محمد مات" و"صدق كهانا" وغالبا ما تنتهي هذه "المسيرات" باعتداءات، كلامية وجسدية، على شبان فلسطينيين من سكان القدس الشرقية أو على شبان عرب من سكان مناطق أخرى.


وتؤكد الصحيفة أن أكثر من 20 حالة اعتداء جسدي سُجلت ووُثّقت في المنطقة خلال السنتين الأخيرتين، لكن "سلطات فرض القانون تجد صعوبة في وضع حد لها"!!

إحدى الحالات التي ترصدها مراسلة الصحيفة مُعدّة التقرير، ياعيل بريدسون، هي التالية: الخميس ليلاً في مركز القدس. الساعة تقترب من منتصف الليل. فتيان اثنان يجلسان يحتسيان الجعة في أحد الأزقة، ليس بعيدا عن ميدان صهيون. فجأة، يتقدم منهما عدد من الفتية الآخرين المارّين من المكان ويسألونهما عما يفعلان. تحقيق قصير، وقبل أن يتمّا الجواب، يصدر الحكم: اللهجة تنبئ بأن الفتيين عربيان، فينهال أعضاء المجموعة عليهما بالشتائم. يفلح أحدهما في الفرار من المكان بسرعة، بينما يتم إلقاء القبض على الآخر فينال نصيبه من اللكمات والركلات مصحوبة بالشتائم: "عربي قذر، أُغرُب عن مدينتنا أيها الزبالة"! هكذا يقولون له. مدينتهم.

بعد بضع دقائق، ينجح الفتى الآخر في الفرار أيضا، بينما تحتفل المجموعة بما فعلت وتواصل المسير. يبحث أعضاؤها عن ضحية أخرى وهم يضعون "إكساً" آخر على الحزام. الفتيان اللذان هربا لن يعودا، كما يبدو، إلى التسلّي ثانية في مركز المدينة ثانية، "في المنطقة الخاضعة لنشطاء منظمة لهافا". والنشطاء، من جانبهم، مجموعة من الكهانيين (أتباع الحاخام مئير كهانا، مؤسس حركة "كاخ" العنصرية المتطرفة) ومن الشباب الحريدي الهامشي وأعضاء "لا فاميليا" (منظمة مشجعي فريق "بيتار القدس" بكرة القدم)، يستطيعون تسجيل انتصار آخر لهم.

التهمة: تحدّث بالعربية!

في حالة أخرى يعرضها تقرير الصحيفة: طومي حسون ينهي عمله في فندق "جيروزاليم غولد"، إلى جانب محطة الباصات المركزية في القدس، في الحادية عشرة ليلا. يخطو نحو محطة الباص ويتحدث مع صديق له من القدس الشرقية باللغة العربية، بينما كانا يسيران بجانب مجموعة تعد عشرة شبان يهودا. ما أن سمع هؤلاء شخصا يتحدث العربية حتى رموه بعلبة مشروب. تجاهل حسون الأمر، لكنهم عادوا بعد دقائق وهاجموه فانهالوا عليه بالضرب بالأيدي وبالقناني الزجاجية الفارغة. لم تشفع له حقيقة كونه شابا درزيا أدى الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي، في مقر رئاسة الدولة. لقد سمعوه يتحدث بالعربية. كان هذا كافيا.

في النهاية، استطاع حسون الفرار والوصول إلى المحطة المركزية، حيث تلقى إسعافا أوليا وتم نقله إلى المستشفى لاحقا وهو يعاني من كدمات وجروح عديدة.

في هذه الحالة، كان صاحب كشك مجاور قد استدعى الشرطة وقت وقوع الاعتداء، وقامت هذه باعتقال عدد من المشبوهين وأوصت بتقديمهم إلى المحاكمة. ولكن، على الرغم من اعتراف "التأمين القومي" بأن حسون هو "مصاب في عملية عدائية"، إلا أن النيابة العامة في لواء القدس أعلنت الأسبوع الماضي ـ بعد سنة ونصف السنة من وقوع الاعتداء ـ أن الملف ضد الشبان المعتدين قد أغلق "لعدم كفاية الأدلة"!

"لم يكن هذا هو الاعتداء الأول، ولا الأخير للأسف الشديد"، تقول الصحيفة، لكنه أثار أصداء أكبر "لأن حسون ليس فلسطينيا، بل درزي"! وتضيف أن عددا كبيرا من اعتداءات اليهود على العرب وقعت في القدس خلال السنوات الأخيرة. في بعض هذه الحالات، قامت الشرطة باعتقال مشبوهين، لكن أيا من هذه الاعتداءات لم ينته بتقديم لائحة اتهام ضد أي من المعتدين.

فعلى سبيل المثال، في السنة الأخيرة وقع اعتداء على سائقيّ باص في حالتين مختلفتين، لكن أية لائحة اتهام لم تقدم في أي من الحالتين. وبعد أن خسر فريق بيتار القدس أمام فريق اتحاد أبناء سخنين في مباراة كرة القدم في شهر أيار الأخير، هاجم مشجعو بيتار القدس شابة من بلدة أبو غوش تدعى "ندوى جابر" كانت تسافر بسيارتها، مع بناتها. وفي حالة أخرى، تعرض إسحاق أبو جبنة، سائق سيارة أجرة من الشيخ جراح، إلى اعتداء في شهر آب الماضي في "ميدان صهيون" في القدس. يقول السائق: "نحو الثالثة والنصف فجرا مررت في المكان ورأيت صديقا لي فتقدمت لألقي التحية. في هذه الأثناء، وصل خمسة شبان وبدأوا يشتموننا ويقولون لنا: ماذا تفعلان هنا؟ إذهبا إلى العمل في غزة...سألتهم لماذا يقولون ذلك، فانهالوا علي بالضرب، ثم رشوني بالغاز المسيل للدموع ورموني بالحجارة". ولم يهرب المعتدون إلا عند وصول سيارة الشرطة. لكن رجال الشرطة لم يجمعوا أية إفادات. وبعد تسريحه من المستشفى، توجه أبو جبنة إلى مركز الشرطة وقدم شكوى، لكن الملف أغلق "لانعدام الأدلة".

أجواء من الخوف والإرهاب

يرى مسؤولو "المركز الإصلاحي للدين والدولة"، الذين يتابعون نشاطات منظمة "لهافا" هذه وممارساتها، أن ثمة علاقة مباشرة وثيقة بين نشاط هذه المنظمة والاعتداءات التي تتكرر بحق مواطنين عرب في مدينة القدس. "نحن نرصد منظمة لهافا ونتابعها منذ سنة 2009 ونلاحظ لديهم طرق عمل منهجية ضد العرب"، كما تقول نوعا ستت، مديرة "المركز الإصلاحي للدين والدولة". وتضيف: "المسيرات التي ينظمونها مساء كل يوم خميس والشعارات العنصرية ضد العرب التي يرددونها خلالها تخلق أجواء من الخوف والإرهاب ضد العرب إجمالا في مركز المدينة. هؤلاء يعرضون أنفسهم بأنهم ينشطون ضد الاختلاط، لكن ثمة في إسرائيل عدد متزايد من النساء اليهوديات اللاتي يتزوجن من مواطنين تايلنديين، أكثر بكثير من اللاتي يتزوجن من مواطنين عرب. الاختلاط ظاهرة هامشية جدا، لكن منظمة لهافا تحاول ترهيب الجمهور في إسرائيل. وتبين الإفادات التي تجمعت لدينا أن عددا كبيرا من المواطنين العرب أصبح يتجنب الوصول إلى منطقة ميدان صهيون في نهاية الأسبوع، خوفا من التعرض لاعتداءات أعضاء منظمة لهافا".

وتنعكس هذه الأجواء على أصحاب المصالح التجارية في القدس، أيضا، إذ يجدون صعوبة كبيرة في إيجاد وتجنيد عمال عرب يوافقون على العمل في نهاية الأسبوع، خوفا من اعتداءات أعضاء منظمة "لهافا". ويقول آفي، صاحب مقهى في مركز المدينة: "من الصعب إيجاد عمال عرب والتوتر يتصاعد باستمرار، وخاصة في نهايات الأسابيع، إذ يتجول شبان منظمة لهافا في الشوارع في المنطقة... إنها أجواء مخيفة تردع العمال عن الحضور إلى هنا والعمل".

ويوجه "المركز الإصلاحي للدين والدولة" أصبع الاتهام المباشرة إلى رئيس منظمة "لهافا"، بنتسي غوبشطاين، شخصيا، الذي يقود الشباب وحملات التحريض. وتقول ستت: "في الفترات التي لم يأت فيها غوبشطاين إلى مركز المدينة، في الفترة التي كان فيها قيد الاعتقال أو في الفترة التي كان فيها في المستشفى، لاحظنا تراجعا واضحا في أعمال العنف والاعتداءات. إنه ينشط بين شبان صائعين يتجولون في مركز المدينة، يمنحهم شعورا بالانتماء ويستغلهم لترويج أفكاره وأيديولوجيته العنصرية".

وأوردت الصحيفة تعقيب وزارة العدل الإسرائيلية، التي قالت: "تنظر النيابة العامة بخطورة بالغة إلى نشر أقوال تحريض على العنف، على الإرهاب والعنصرية، كما ترى بخطورة أيضا أية مظاهر عنف من أي نوع كان على خلفية عنصرية أو قومجية، وهي تعمل طبقا لذلك بحزم ضد كل من يقوم بهذا، بصرف النظر عن العرق، الدين أو القومية. ويتم تقديم لوائح الاتهام طبقا للبينات والأدلة فقط وطبقا للشأن الجماهيري في محاكمة المشتبه بهم. أما استطالة الوقت في معالجة ملف منظمة لهافا فنابع، بين أشياء أخرى، من كونه ملفا معقدا من ناحية البينات والأدلة ونظرا لنشوء الحاجة إلى استكمال التحقيق بشأنه"!

كما أوردت تعقيب الشرطة الإسرائيلية أيضا، والتي قالت: "تنفذ الشرطة عمليات واسعة، علنية وسرية، في مركز مدينة القدس، بهدف المحافظة على النظام العام وحماية أمن الجمهور. ويتم تنفيذ هذا النشاط بصورة متساوية دون أي تحيز، وقد تم في إطاره توقيف واعتقال نشطاء من اليمين اعتدوا ورددوا شعارات عنصرية، كما تم تحويل المواد بشأنهم إلى النيابة العامة لمواصلة المعالجة"!!

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات