المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1425

صدّ رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، جميع الانتقادات التي وُجّهت إليه شخصيا وإلى حكومته عموما على خلفية الاتفاقية الجديدة التي تم التوصل إليها والتوقيع عليها، الأسبوع الماضي، بين الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأميركية بشأن المساعدات الأميركية الأمنية (العسكرية) لإسرائيل خلال السنوات العشر القادمة ابتداء من العام 2018 وحتى العام 2027، والتي ستبلغ في الإجمال 38 مليار دولار، أي 8ر3 مليار دولار في كل واحدة من هذه السنوات المقبلة.

وقال نتنياهو، في مستهل جلسة الحكومة الأسبوعية أول من أمس الأحد (18/9): "أسمع كثيرا من الضجة والتضليل حول اتفاقية المساعدات التي وقعنا عليها أخيرا. وأود أن أؤكد هنا أنه لم يُعرض علينا أكثر مما حصلنا عليه ولو بدولار واحد فقط، أبدا ولا في أي يوم من الأيام. إنها أكاذيب واختلاقات تصدر عن جهات مصلحجية".

وادعى نتنياهو بأن "هذه التفوهات تسيء إلى العلاقات بين القدس وواشنطن. وأشد ما يثير الحزن في هذا الموضوع أن هذه التصريحات تبث جحودا ونكرانا للجميل تجاه الولايات المتحدة. إنها اتفاقية ممتازة، نباركها ونقدم الشكر الجزيل للولايات المتحدة عليها".

وقد جاءت تصريحات نتنياهو هذه رداً على موجة شديدة من الانتقادات والاتهامات، الإسرائيلية والأميركية، التي رأت أن ممارسات نتنياهو السياسية خلال السنوات الأخيرة في كل ما يتعلق بالعلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة ومع الرئيس الأميركي، باراك أوباما، شخصيا، عادت بضرر جسيم على إسرائيل ومصالحها الاستراتيجية تمثل، الآن، في اتفاقية المساعدات الأمنية الأميركية التي كان يمكن تحقيق أفضل منها بكثير، لولا تصرفات نتنياهو وممثلي حكومته.

وفي المقابل، وقف آخرون مدافعين عن نتنياهو وحكومته وأدائهما وعن "الإنجاز الكبير وغير المسبوق" الذي تحقق بالتوقيع على الاتفاقية الجديدة. فقد رفض نائب رئيس مجلس الأمن القومي، الجنرال (احتياط) يعقوب ناغيل، الذي وقع على الاتفاق شخصيا، جميع الانتقادات والاتهامات ووصفها بأنها "عديمة المسؤولية ولا علاقة لها بالحقائق، مطلقا". وأضاف أن الاتفاق الجديد هو "اتفاق تاريخي وغير مسبوق في الولايات المتحدة من حيث حجمه، خاصة وأنه يأتي في فترة تشهد فيها ميزانية الأمن الأميركية تقليصات كبيرة وحادة. ولهذا، فإن التوقيع على هذا الاتفاق الآن يؤكد عمق ومتانة العلاقات الراسخة بين إسرائيل والولايات المتحدة".

تأييد ومُباركة و... خلافات داخل العائلة!

من أبرز المؤيدين والمبارِكين لهذا الاتفاق الجديد، عدا رئيس الحكومة نتنياهو نفسه طبعا، وزير المالية الحالي، موشيه كحلون، ووزير الدفاع السابق، موشيه يعلون، الذي كان جزءا من هذا الاتفاق.

فقد قال كحلون إنه يتعين على مواطني إسرائيل أن يقدموا الشكر للإدارة الأميركية على هذه الاتفاقية "الأكبر التي يتم التوقيع عليها بين إسرائيل وحليفتها الأقرب، الولايات المتحدة"، معتبرا أن الاتفاق "تعبير إضافي آخر عن عمق العلاقات الاستراتيجية بين الدولتين".

أما يعلون، الذي كان شريكا مركزيا في إعداد هذا الاتفاق حتى مراحله قبل النهائية من خلال إشغاله منصب وزير الدفاع (من آذار 2013 حتى أيار 2016)، فقال إن الاتفاق الجديد هو "ثمرة عمل أشهر طويلة وله أهمية مميزة جدا في تعزيز أمن إسرائيل وأمن مواطنيها، وهذا هو الوقت المناسب لتقديم الشكر للرئيس باراك أوباما الذي قاد هذه المسيرة حتى إنجاز الاتفاق نهائيا".

وكان رئيس الحكومة نتنياهو قد عقب على الاتفاق فور الإعلان عن التوقيع عليه في واشنطن، الأربعاء الماضي، فقال إنه (الاتفاق) "يضمن لإسرائيل مساعدات عسكرية غير مسبوقة خلال العقد القريب. إنها رزمة المساعدات العسكرية الأكبر التي تقدمها الولايات المتحدة، إطلاقا، لأية دولة أخرى".

وقال نتنياهو إن هذا الاتفاق "يجسد حقيقة بسيطة جدا ـ العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة قوية وراسخة. هذا لا يعني أن ليس ثمة خلافات بيننا من حين إلى آخر، بل إنها خلافات في داخل العائلة الواحدة، لا يمكن أن تؤثر على الصداقة القوية الراسخة بين البلدين، وهي صداقة تتجسد في هذا الاتفاق الذي سيساعد كثيرا في مواصلة تعزيز قوة إسرائيل خلال العقد القريب".

ووجه نتنياهو الشكر للرئيس الأميركي، باراك أوباما، وإلى جميع أنصار ومؤيدي إسرائيل في الكونغرس وفي الإدارة الأميركية وقال: "كثيرون في الولايات المتحدة يدركون أن الاستثمار الأميركي في أمن إسرائيل يعزز الاستقرار في الشرق الأوسط غير المستقر ويخدم ليس فقط المصالح الأمنية الإسرائيلية، وإنما المصالح الأمنية الأميركية أيضا"!

أما الرئيس الأميركي، باراك أوباما، فقال عقب التوقيع على الاتفاق إن "المساعدات الأميركية لإسرائيل ستساهم جديا في تعزيز أمنها في المنطقة التي لا تزال تلفها الأخطار". وقال أوباما إنه "سيواصل السعي من أجل إنهاء النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني بحل دولتين للشعبين، على الرغم من المظاهر المقلقة التي تحصل في الميدان وتسعى إلى إجهاض هذا الحل"!

انتقادات واتهامات أميركية وإسرائيلية

شنّ السيناتور الأميركي المؤيد لإسرائيل، ليندزي غراهام، الذي كان الخلاف بينه وبين البيت الأبيض سبباً في تأجيل التوقيع على الاتفاق الجديد، هجوما حادا على رئيس الحكومة الإسرائيلية، نتنياهو، وعلى أدائه في مسألة اتفاقية المساعدات. وقال غراهام، في لقاء مع قادة المجموعات والمنظمات اليهودية الأميركية، إن نتنياهو "سحب البساط من تحت أرجل أعضاء الكونغرس المؤيدين لإسرائيل، بمسارعته إلى التوقيع على هذه الاتفاقية مع إدارة الرئيس أوباما"!

وكان غراهام يقصد، بشكل خاص، التزام نتنياهو (وإسرائيل) بعدم تقديم أي طلب إلى الكونغرس لأية مساعدات أميركية إضافية. وقال غراهام إنه يواصل العمل على إقرار تشريع جديد في الكونغرس يتيح تقديم مساعدات إضافية لإسرائيل!

وغداة التوقيع على الاتفاقية الجديدة، نشر رئيس الحكومة الإسرائيلية ووزير الدفاع الأسبق إيهود باراك مقالا في صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية شن من خلاله هجوما حادا على نتنياهو وأدائه في كل ما يتعلق بهذه القضية. وكتب باراك: "ممارسات نتنياهو غير المسؤولة قوّضت أمن إسرائيل، أيضا، إذ يتجسد الضرر الناجم عن إدارة نتنياهو العلاقات مع الولايات المتحدة بصورة غير حذرة بكامل خطورته في هذا الاتفاق. فإسرائيل ستحصل على 8ر3 مليار دولار سنويا، وهذه مساهمة هامة جدا لأمننا لكنها أقل بكثير مما كان يمكن أن تكون قبل قرار رئيس الحكومة (نتنياهو) التدخل بالسياسة الداخلية الأميركية بصورة فظة تماما".

واعتبر باراك أن ما تضمنه الاتفاق الجديد من اشتراط يمنع إسرائيل من التقدم إلى الكونغرس بطلبات مساعدات إضافية أخرى "إنما يعكس مدى عدم الثقة بين القدس وواشنطن، من جراء ممارسات نتنياهو".

وقال وزير الدفاع السابق ورئيس اللجنة الفرعية لحماية الجبهة الداخلية في لجنة الشؤون الأمنية والخارجية في الكنيست، عضو الكنيست عمير بيرتس (المعسكر الصهيوني)، إن كثيرين من العمال في الصناعات العسكرية والأمنية الإسرائيلية سيجدون أنفسهم بلا عمل وسيُقذَفون إلى سوق البطالة جراء هذا الاتفاق الجديد. وقال بيرتس إن "التسييس الذي أدخله نتنياهو إلى العلاقات الإسرائيلية ـ الأميركية سوف يمس بالتفوق النوعي للجيش الإسرائيلي وبالصناعات الأمنية الإسرائيلية، التي سيجد آلاف العمال فيها أنفسهم بدون عمل جراء السياسة الرخيصة التي اعتمدها نتنياهو مقابل الرئيس الأميركي".

وهاجم عضو الكنيست عوفر شيلح (يوجد مستقبل)، عضو لجنة الشؤون الأمنية والخارجية في الكنيست، رئيس الحكومة نتنياهو متهما إياه بأنه "يكبد الأمن والاقتصاد الإسرائيليين خسائر بمليارات الدولارات". وقال: "الاتفاق الجديد يعكس عمق العلاقات الراسخة بين إسرائيل والولايات المتحدة، لكنه يعكس أيضا حقيقة أن العلاقات المتوترة بين رئيس الحكومة والبيت الأبيض والطريقة المتعجرفة التي أدار بها نتنياهو هذه المفاوضات سببت ضررا بمليارات الدولارات للاقتصاد، للأمن وللصناعات العسكرية الإسرائيلية".

من جهته، رأى عاموس يدلين، الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي (أمان) والرئيس الحالي لمعهد دراسات الأمن القومي، أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه هو بمثابة "إضاعة فرصة استراتيجية وليس إنجازا تاريخيا"! ليس فقط لأنه يبقي حجم المساعدات الأميركية لإسرائيل على حالها، بل أقل قليلا مما كانت عليه خلال العقد المنصرم، بل لأنه أيضا لم يُحسن استغلال الواقع الاستراتيجي الجديد الذي ولّده الاتفاق النووي مع إيران، بما يستبطنه من تحديات بعيدة المدى، لتحصيل قدر أكبر بكثير من المعونات.

ورأى يدلين، في مقالة نشرت في صحيفة "يديعوت أحرونوت" (الأحد، 18 أيلول)، أن مسألة الرقم 8ر3 مليارات وما تمثله ـ مؤكدا أن "لا زيادة حقيقية في حجم المعونات" ـ هي أقل أهمية بكثير من "الفشل في تحقيق تفاهمات استراتيجية بعيدة المدى بين إسرائيل والولايات المتحدة" ومن عدم التوصل إلى "اتفاق مواز" يسمح بمواجهة الاسقاطات بعيدة المدى المترتبة على الاتفاق النووي مع إيران.

وأشار يدلين في نهاية مقالته إلى الرسالة التي طُلب من رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، التوقيع عليها كجزء من اتفاقية المساعدات الجديدة ويلتزم بموجبها بإعادة أية مبالغ أميركية إضافية تُرصد لإسرائيل عدا ما نص عليه الاتفاق، معتبراً إياها "رسالة غير معقولة ومُهينة". واعتبر يدلين أن هذه الرسالة "تجسد حالة العلاقات الراهنة مع الولايات المتحدة، كما أوصل إليها نتنياهو، ويبدو أن إدارة أوباما لم تكبح جماح نفسها عن تضمين الرسالة، أيضا، لسعة شديدة للمؤسسات الثلاث التي أعلنت عليها حربا سياسية في صيف العام 2015 ـ رئيس الحكومة (بإجباره على التعهد بإعادة الأموال)، الكونغرس (بإعادة أية أموال إضافية يقرر منحها لإسرائيل) ومنظمة "إيباك" ـ لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية، وهي أقوى مجموعات الضغط على أعضاء الكونغرس الأميركي لتحقيق الدعم الأميركي لإسرائيل (بإبقائها جانبا وتركها بلا عمل)".

الصناعات العسكرية الإسرائيلية تطالب بأسواق جديدة!!

تثير هذه الاتفاقية الجديدة مخاوف كبيرة وقلقا شديدا لدى الصناعات العسكرية (الأمنية) الإسرائيلية، وهو ما عبر عنه عدد من المطلعين والمهتمين (أنظر: إيهود باراك، عمير بيرتس، عوفر شيلح وغيرهم أعلاه)، وخاصة على خلفية ما تتضمنه الاتفاقية الجديدة في مجالين اثنين أساسيين: الأول ـ منع إسرائيل من طلب أية مساعدات إضافية من الكونغرس وتعهدها بإعادة أية مساعدات إضافية إلى الخارجية الأميركية في حال أقرها الكونغرس، والثاني ـ إلغاء قدرة إسرائيل على تحويل جزء من أموال الدعم إلى عملة إسرائيلية لشراء معدات وتجهيزات عسكرية من الصناعات العسكرية المحلية، بل استخدام كل هذه المبالغ (بالدولار) لشراء معدات وتجهيزات عسكرية ـ أمنية أميركية من الولايات المتحدة.

وحيال هذا، يسود الاعتقاد في الصناعات الأمنية الإسرائيلية الآن بأن وزارة الدفاع ستكون ملزمة، اضطرارا، بإعادة النظر وتقييم الموضوع برمّته في كل ما يتعلق بـضرورة البحث عن وإيجاد أسواق أخرى جديدة وبديلة لتسويق وبيع المنتجات العسكرية ـ الأمنية الإسرائيلية، وذلك من خلال تغيير سياسة تصاريح التصدير الإسرائيلي الرسمي والعلاقات التجارية (في مجال التصدير العسكري الأمني) مع دول كانت تعتبر، حتى الآن، "دولا حساسة" فلم يتم إنشاء علاقات كهذه معها.

ورأى المحلل العسكري لموقع "والا" الإسرائيلي، أمير بوحبوط، مثلا، أن الأسئلة المركزية التي تشغل بال الصناعات العسكرية الإسرائيلية الآن، في أعقاب التوقيع على الاتفاقية الجديدة، تتعلق بمجال المشتريات وبناء القوة العسكرية في الجيش الإسرائيلي والأذرع الأمنية الأخرى، وخاصة: بأية طائرات، منظومات أسلحة، منظومات دفاعية وذخائر سيتزود الجيش الإسرائيلي خلال السنوات العشر القريبة؟ أي منها سيكون من إنتاج الصناعات العسكرية المحلية، الإسرائيلية، وأي من إنتاج الصناعات الحربية الأميركية؟ ويقول بوحبوط: "كثيرون جدا في الجهاز الأمني يقرّون بأن "المخفي أعظم" وما هو غير معلوم وغير واضح أكثر بكثير مما هو معلوم وواضح، الأمر الذي ينشر جوا من عدم الوضوح المصحوب بالقلق الشديد".

وينقل بوحبوط عن المطلعين في الصناعات العسكرية الإسرائيلية تقديرهم بأن "الشركات الصغرى (في هذه الصناعات) هي التي ستتكبد الضرر الأكبر"، علاوة على التقدير بأنه من خلال هذه الاتفاقية الجديدة "تقوم الولايات المتحدة بتصدير بطالتها إلى إسرائيل"!

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات