أثار مشروع قانون جديد نشرت وزيرة العدل الإسرائيلية أييلت شاكيد (من حزب "البيت اليهودي")، أول من أمس الأحد، نصه الأولي على الجمهور الواسع لمناقشته وإبداء الملاحظات عليه، تمهيدا لإعداده نهائيا وعرضه على الكنيست للتصويت عليه، موجة عارمة من الانتقاد والغضب الشديدين بين أوساط واسعة يستهدف مشروع القانون الجديد محاصرتها، تضييق الخناق عليها وإحباط نشاطها، بل والتحريض الشخصي على نشطائها ووصمهم بـ"معاداة إسرائيل"!
ومشروع القانون الجديد هذا هو صيغة معدلة لمشروع قانون سابق قدمه أعضاء كنيست من اليمين سابقا تحت عنوان "قانون الجمعيات" (تعديل لقانون الجمعيات القائم) وتطلق عليه الوزيرة شاكيد الآن اسم "قانون الشفافية"، وهو يستهدف بشكل أساس مجموعة واسعة من الجمعيات والمنظمات الحقوقية واليسارية المختلفة التي تنشط في داخل إسرائيل دفاعا عن حقوق الإنسان، وخاصة الإنسان الفلسطيني. وقد كشفت شاكيد عن هذه الحقيقة، صراحة ومباشرة، إذ سمّت بعض هذه التنظيمات بالاسم الصريح فقالت، في معرض تبرير مسعاها الجديد هذا: "لقد رأينا، مثلا، كيف أن تقرير لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة الذي اتهم إسرائيل بارتكاب جرائم وبالمسّ المتعمد بالمواطنين المدنيين حرب خلال عملية "الجرف الصامد" (العدوان الأخير على قطاع غزة، بين 8 تموز 2014 و26 آب 2014) كان يستند، بصورة كبيرة وأساسية، على شهادات جمعتها ونشرتها منظمات إسرائيلية مثل "بتسيلم"، "لنكسر الصمت" و"عدالة" وغيرها"!
وقالت شاكيد إنها قررت نشر مذكرة القانون (الحكومي) الجديد هذا "في أعقاب النشر الواسع والمعطيات الوفيرة حول عدد كبير من الجمعيات والمنظمات الإسرائيلية التي تحصل على تمويل جدي أو تبرعات مالية كبيرة من دول أجنبية أو من أجسام وهيئات ممولة بواسطتها، وهو ما يؤدي إلى التأثير الجدي والعميق، في حالات غير قليلة، على سياسة دولة إسرائيل ويشكل تدخلا في شؤونها الداخلية"! مضيفة الزعم بأن "مشروع القانون يرمي إلى زيادة الشفافية في ما يتعلق بنشاط هذه الجمعيات والتنظيمات، وخاصة في حال بلغت نسبة تمويل نشاطاتها من تبرعات ومصادر خارجية أكثر من 50% من مجمل ميزانياتها السنوية"!
وادعت شاكيد بأن "تدخل دول أجنبية في شؤون دولة إسرائيل الداخلية، بواسطة أموال طائلة، يشكل ظاهرة غير مسبوقة ولا مثيل لها في أية دولة أخرى ويشكل انتهاكا لسيادة دولة إسرائيل وتعدّيا على طابعها، فضلا عن المس بصلاحيات الحكومة المنتخبة من جانب الجمهور"! وقالت إن "هذه الظاهرة اصبحت منتشرة على نطاق واسع جدا في إسرائيل إلى حد انتهاك جميع الأصول والقواعد المرعية والمعمول بها في سياق العلاقات السويّة بين دول ديمقراطية"!
واعتبرت الوزيرة أن "قانون الشفافية" الجديد هذا "سوف يقيم جدارا عازلا عاليا يوقف التدخلات الفظة من جانب دول أجنبية في الحياة العامة الإسرائيلية ويحول دون تكرارها واستمرارها"! ثم زعمت بأن "مشروع القانون الجديد لا يمسّ بحرية التعبير ولا بالحق في المساواة، بل يأتي لتعميق وزيادة الشفافية فقط"!
ويُلزم مشروع القانون الجديد، في بند أساس منه، جميع الجمعيات والمنظمات المعنية بالتصريح الرسمي، في أي من منشوراتها أو تقاريرها، عن أي تمويل أو دعم مالي تحصل عليه من أية مصادر أجنبية، سواء كانت صناديق ومؤسسات حكومية رسمية أو غير رسمية، وذلك بذريعة "حق الجمهور وممثليه في معرفة الأطراف التي تتدخل في الحياة السياسية الداخلية في إسرائيل"!
كما يلزم القانون الجديد هذه الجمعيات والمنظمات بالإشارة إلى مصادر تمويلها الخارجية وإلى "الكيانات السياسية" التي تقدم لها التبرعات، وذلك في أية مراسلات أو توجهات من جانبها إلى أي موظف جمهور أو منتخَب جمهور، وكذلك في أية جلسات ومداولات يجري توثيقها بمحضر إذا ما جرت بحضور موظف جمهور أو منتخب جمهور، في مكان عمله!
وينص بند مركزي آخر في مشروع القانون الجديد، أيضا، على إلزام أي مندوب عن أي من هذه الجمعيات أو المنظمات (التي تشكل التبرعات من دول أجنبية مصدر تمويلها الأساس) بتعليق "بطاقة تعريف" خاصة على صدره لدى تواجده في الكنيست، بحيث تشمل هذه البطاقة تفاصيل "اسم الجمعية واسم الشخص المندوب"!!
ويحدد مشروع القانون عقوبة مالية على أي خرق لأي من بنوده تبلغ غرامتها 29 ألف شيكل!
وقد أثار هذا البند الأخير، بشأن تعليق "بطاقة التعريف"، موجة من الغضب والاستنكار الشديدين والواسعين بين نشطاء الجمعيات والمنظمات الحقوقية المختلفة وبين أوساط حقوقية أكاديمية، الذين اعتبروا أن هذا البند يشكل "وصمة عار"، حتى أن صورة للوزيرة شاكيد نشرت على موقع "تويتر" شبّهتها بأدولف هتلر وتضمنت عبارة "هايل ـ شاكيد"، في إشارة إلى التحية النازية "هايل هتلر"! وهو ما أعلنت شاكيد أنها تنوي تقديم شكوى بشأنه إلى النيابة العامة للدولة للتحقيق وقالت: "هنالك تحريض مشروع وتحريض آخر محظور"!! وادعت شاكيد بأن "هنالك شفافية يحبذها اليسار وشفافية أخرى يكرهها"!
وردت "جمعية حقوق المواطن في إسرائيل" على اقتراح قانون شاكيد هذا وما يتضمنه من بنود فأكدت إنه "يشكل محاولة للمساس بالديمقراطية في إسرائيل وتضييق هوامشها بواسطة كم الأفواه والترهيب. وهو مشروع قانون يتمثل هدفه الأساس، وربما الوحيد، في نزع الشرعية عن منظمات حقوق الإنسان في إسرائيل، وخاصة المنظمات التي تعالج حقوق الفلسطينيين في المناطق، المواطنين العرب في إسرائيل وطالبي اللجوء الأفارقة"!
وأضافت الجمعية إن "عرض مشروع القانون وكأن موضوعه هو الشفافية، لا غير، هو عرض مشوّه ومضلل. فدولة إسرائيل ومنظمات كثيرة فيها تتلقى تبرعات مالية من دول أجنبية، بمبلغ إجمالي يصل إلى ملايين اليوروهات في السنة، بينما لا تحصل المنظمات المهتمة بالشأن الديمقراطي وبحقوق الإنسان وبالحياة المشتركة بين اليهود والعرب سوى على نسبة 1% فقط من مجمل ذلك المبلغ"!! وعلاوة على هذا ـ قالت جمعية حقوق المواطن ـ فإن مشروع القانون المقترح لا يسري على تبرعات من مواطنين أجانب يتم تحويلها إلى جمعيات، سياسيين وأجسام إسرائيلية مختلفة، على الرغم من أن الحديث يدور هنا عن مبالغ طائلة جدا لها تأثير سياسي واجتماعي مباشر ودراماتيكي، أكثر بكثير من تأثير أموال جمعيات ومنظمات حقوق الإنسان وبما لا يقاس"!
واعتبرت جمعية حقوق المواطن أن "البطاقة التي سيُلزَم ممثلو المنظمات والجمعيات بوضعها على صدورهم هي وصمة عار في جبين النظام الديمقراطي وتشكل انتهاكا فظا وقاسيا للحق في حرية التعبير في إسرائيل".
وقال مركز "بتسيلم" إن "شاكيد تحطم أرقاما قياسية في الممارسة السياسية الكلبية حين تستخدم كلمة "شفافية" لإخفاء هدفها الحقيقي وهو: تشويه سمعة المنظمات المعارضة لسياسة الحكومة، التحريض عليها وتضييق الخناق عليها وعلى نشاطها"!
واعتبر مركز "عدالة ـ المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل" أن شاكيد "تعرف، حق المعرفة وبالتأكيد، أن الجمعيات المسجلة، ومن ضمنها عدالة، تقدم تقاريرها المالية إلى "مسجل الجمعيات" بشكل دوري ودائم، كما يقتضي القانون، بل يمكن العثور على جميع هذه المعلومات والمعطيات على مواقع هذه الجمعيات والمنظمات على شبكة الانترنت، والمكشوفة أمام الجميع"!
اسم جديد لمشروع قديم!
يأتي مشروع "قانون الشفافية" هذا الآن، بمبادرة من وزيرة العدل وكمشروع قانون حكومي، ليحل محل مشروع قانون سابق يقوم على المبادئ والتوجهات ذاتها ويبتغي تحقيق الأهداف نفسها كان تقدمت به شاكيد نفسها، قبل أن تصبح وزيرة سوية مع زملاء آخرين لها في الحزب وفي الجناح اليميني عامة من قبل: معاقبة منظمات وجمعيات حقوق الإنسان الناشطة في إسرائيل على خلفية اتهامها بـ "التعاون مع أعداء إسرائيل" وتحميلها المسؤولية عن "تقارير دولية معادية لإسرائيل"، ثم محاصرتها والتضييق عليها، على جميع المستويات.
ومشروع القانون الحالي يأتي استمرارا لتلك المحاولات، بل دفعا وتعزيزا لها من حيث كونه ـ هذه المرة ـ مشروع قانون حكومي، مما يزيد من فرص إقراره وسنّه في الكنيست الحالي، بأغلبية كبيرة وخلال فترة زمنية قصيرة.
فقد كانت شاكيد، إبان إشغالها منصب رئيسة كتلة "البيت اليهودي" في الكنيست، تقدمت بصيغة جديدة لمشروع القانون الذي أطلق عليه آنذاك اسم "قانون الجمعيات اليسارية"، وذلك في تموز 2013، بهدف "تجفيف مصادر تمويل جمعيات، بضمنها جمعيات حقوق الإنسان، التي تطالب بتقديم جنود الجيش الإسرائيلي للمحاكمة في المحاكم الدولية أو تشجع على فرض المقاطعة على إسرائيل، وذلك من خلال فرض قيود على المبالغ المالية التي تستطيع هذه الجمعيات تجنيدها من دول أجنبية"، كما ورد في اقتراح القانون المذكور آنذاك.
وتضمن اقتراح القانون، أيضا، بندا ينص على أن "أي موظف يتلقى راتبا من جمعية أو يشغل منصبا في إدارتها يدعو لمقاطعة إسرائيل، فسيكون ذلك كافيا لمنع الجمعية من تجنيد تبرعات والحصول عليها"، إضافة إلى خمسة بنود أخرى تتصل بأنظمة إدارة الجمعيات والتي قد تؤدي إلى فرض قيود عليها، بما يحد من قدرتها على تجنيد تبرعات من خارج البلاد. وشملت تلك البنود: "أولا ـ المطالبة بتقديم جنود إسرائيليين لمحاكم دولية؛ ثانيا ـ الدعوة للمقاطعة أو سحب الاستثمارات أو فرض عقوبات على إسرائيل أو على مواطنيها؛ ثالثا ـ نفي وجود إسرائيل بصفتها "دولة يهودية وديمقراطية"؛ رابعا ـ التحريض على العنصرية؛ خامسا ـ دعم الكفاح المسلح لدولة معادية أو منظمة إرهابية ضد إسرائيل"!
وكان رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، قد قرر في تشرين الثاني 2011 (إبان حكومته السابقة) تجميد اقتراحيّ قانون مماثلين سعى أعضاء الائتلاف الحكومي من خلالهما إلى المس بتمويل الجمعيات العربية و"اليسارية"، وذلك رغم أنه أعلن في حينه، بوضوح، أنه "يدعم اقتراحي القانون، مبدئيا"!
وفي الكنيست الحالي، قدم عضو الكنيست الجديد يانون ميغال (من "البيت اليهودي"، أيضا) مشروع "قانون الجمعيات"، وذلك غداة نشر تقرير لجنة تقصي الحقائق التي شكلها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
ونص مشروع القانون هذا على أن الجمعية أو المنظمة التي تتلقى تمويلاً من حكومات أجنبية بمبلغ يزيد عن 50 ألف دولار ستُعرّف بأنها "جمعية خارجية"، وستُلزم بدفع ضريبة تعادل 37% من أي مبلغ تحصل عليه كتبرع. كما نص، أيضا، على إلزام المنظمة الحقوقية بأن تشير، في جميع منشوراتها وعلى موقعها الالكتروني، إلى هوية الدولة التي تقدم التبرعات لها، وعلى امتناع حكومة إسرائيل وجيشها عن "التعاون مع جمعيات خارجية، بما في ذلك تحويل ميزانيات وتطبيق أنظمة الخدمة الوطنية وتنظيم مؤتمرات وأيام دراسية وإصدار نشرات مشتركة".
وقال رئيس حزب "البيت اليهودي" ووزير التعليم، نفتالي بينيت، إن الرد على تقرير لجنة تقصي الحقائق "يجب أن يكون بسن قانون الجمعيات"!
المصطلحات المستخدمة:
بتسيلم, ألف, مركز, الكنيست, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو, نفتالي بينيت