المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1423

تحقيق "مركز مولاد لتجديد الديمقراطية في إسرائيل" يؤكد

 التحقيق يؤكد: مخالفة جنائية خطيرة وصريحة تتمثل في رصد أموال عامة من خزينة الدولة وميزانية الحكومة يستغلها حزب "البيت اليهودي" الديني اليميني لتجنيد دعم انتخابي خاص به بين الجمعيات والمؤسسات التربوية والتعليمية التي تستفيد من هذه الأموال التي يقرر ممثلوه هو بشأن رصدها وصرفها!!

 

 

كما قد يحصل في أي انتخابات، تقريبا، أو في أعقابها: يدور حديث عن تزوير وعن رشاوى، غالبا ما يكون كلاما عموميا تعميميا، سوى حالات قليلة يخرج فيها، من بين الكلام العمومي، ما يشكل وقائع ومعلومات عينية تقود إلى ما تستوجبه من إجراءات قضائية أفضت، غير مرة، إلى إعادة الانتخابات، ولو جزئيا وفي صناديق اقتراع محددة، أو إلى تقديم لوائح اتهام جنائية. 

لكن ما سنعرض له هنا حصل قبل الانتخابات، عشية موعدها الرسمي، قبل أيام من إجرائها، وكان "وقائع معروفة سلفاً"، بتفاصيل موسعة، إن لم تكن كاملة ووافية، وليس مجرد "عنوان على الحائط". 

فقد نشر مركز "مولاد - لتجديد الديمقراطية في إسرائيل" ("مشروع 61" - مشروع تحقيقات استقصائية حول الواقع السياسي في إسرائيل)، يوم الجمعة 13 آذار الجاري، أي قبل أربعة أيام فقط من الموعد الرسمي الذي جرت فيه الانتخابات البرلمانية في إسرائيل، لانتخاب الكنيست الـ 20، تحقيقا كشف فيه بعض التفاصيل العينية عن استغلال حزب "البيت اليهودي" الديني اليميني المتطرف، بزعامة نفتالي بينيت، موقعه الحكومي واستخدام الوزارات الحكومية التي يسيطر عليها، بمواردها المالية، وتوظيفها في معركته الانتخابية من أجل تجنيد مزيد من الناخبين للتصويت له.

 

ميزانيات حكومية لتجنيد دعم انتخابي!

 

وكشف التحقيق أن قيادة حزب "البيت اليهودي" عقدت، يوم الأحد 8 آذار، "لقاء طارئا" في مدينة القدس دعت إليه ـ وشارك فيه ـ رؤساء "الجمعيات التوراتية" (التي تنشط في المدارس والكليات الدينية اليهودية المختلفة ضمن تيار "المتدينين الوطنيين"، أو ما يعرف أيضا باسم "تيار القلنسوات المنسوجة"). وهذه الجمعيات هي التي تحصل على ميزانيات ومخصصات بمبالغ طائلة، تصل إلى عشرات ملايين الشواكل، من الوزارات الحكومية التي يقف على رأسها وزراء من حزب "البيت اليهودي" بزعامة بينيت.  وهو ما يشكل، على نحو صريح، مخالفة جنائية خطيرة لقانون تمويل الأحزاب.

وقد كان الهدف الحقيقي من وراء عقد هذا "اللقاء الطارئ" واضحا تماما: التباحث في كيفية وسبل وضع موارد هذه الجمعيات، منشآتها ومقدراتها المادية والبشرية، تحت خدمة حزب "البيت اليهودي"، سواء من حيث الدعاية الانتخابية أو من حيث تجنيد المصوتين.

كان هذا هو الهدف الحقيقي، على الرغم من أن الهدف المعلن كان مختلفا تماما، حسبما ورد في الدعوات الرسمية التي صدرت ووجهت للمعنيين.

فقد تحدثت الدعوات، التي نشرت إعلانات تجارية في صحف اليمين الديني وملصقات دعائية عُلّقت على لوحات الإعلانات في شوارع مدينة القدس، عن دعوة الحاخامين وأعضاء "الأنوية التوراتية" من مختلف أنحاء البلاد إلى حضور اللقاء "لكي نستعدّ، سوية، للاحتفالات بيوم الاستقلال"!

وقد حملت الدعوات توقيعا لمنظمة تدعى "قيادة روحية واجتماعية لإسرائيل"، بينما أشارت إلى أن "ضيوف الشرف في اللقاء هم: الوزير نفتالي بينيت، الوزير أوري أريئيل، نائب الوزير إيلي بن دهان، عضو الكنيست نيسان سلوميانسكي، عضو الكنيست أييلت شاكيد وعضو الكنيست موطي يوغيف". أي، وبكلمات أخرى أوضح: قيادة الصف الأول في حزب "البيت اليهودي"!

ولكن السؤال الأهم هنا، في ما يتعلق بنص هذه الدعوة، هو: هل ثمة من هو مشغول بالاحتفال بـ "يوم الاستقلال" الآن بالذات، قبل أيام معدودة فقط من يوم الانتخابات البرلمانية؟ هل ثمة بين الأحزاب السياسية وقوائمها الانتخابية من يجد له وقتا الآن، في هذه الأيام بالذات، "للتحضير والاستعداد ليوم الاستقلال" الذي يصادف، هذا العام، يوم 23 نيسان القادم، أي بعد يوم الانتخابات البرلمانية بـ 37 يوما؟؟

من الواضح، إذن، ومنطقيا بالطبع، أن هذا "اللقاء الطارئ" لا يُعقد من أجل "الاستعداد" لإحياء ذكرى تحل بعد 46 يوما (الاحتفال بـ "يوم الاستقلال") وذلك في أوج معركة انتخابية مصيرية يخوضها الحزب الداعي والراعي نحو انتخابات لم يبق لها سوى 8 أيام فقط!

 

وما يعزز هذا "التقدير" ـ كما يوضح التحقيق ـ أنه بموازاة هذه الدعوات المذكورة أعلاه، الموجهة إلى "الجمعيات التوراتية"، وبالتزامن معها، وجه وزير البناء والإسكان، أوري أريئيل، رسالة بريد إلكتروني عاجلة إلى جميع رؤساء "الأنوية التوراتية"، مدراء المدارس الدينية والدورات التحضيرية للخدمة العسكرية التابعة للتيار الديني الصهيوني (الذي ينتمي إليه ويعبر عنه ويمثله حزب "البيت اليهودي") يدعوهم فيها إلى حضور "اجتماع طارئ". وقد حملت هذه الرسالة / الدعوة، أيضا، توقيع نائب وزير التربية والتعليم، أفي فارتسمان.

 

"تبقت أمامنا، بالمجمل، ثمانية أيام فقط حتى موعد الانتخابات"، قال الوزير أريئيل في رسالة مباشرة وجهها إلى مدراء "المؤسسات التعليمية التوراتية" وكشف عنها الصحافي ناحوم برنياع في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، يوم الجمعة 13 آذار. ويؤكد الوزير أريئيل، في رسالته، طبقا لبرنياع: "نلاحظ خلال الأسبوعين الأخيرين تحولا مثيرا للقلق في خارطة الكتل الحزبية ... هذا الوضع ينطوي على خطر ملموس بتشكيل حكومة يسار، بينما نبقى نحن على مقاعد المعارضة، بكل ما يعنيه ذلك ويترتب عليه بخصوص الهوية اليهودية لدولة إسرائيل، أولا، وبخصوص مؤسسات التعليم التوراتي أيضا، بالتأكيد... خلال السنتين الماضيتين، طورنا الأنوية التوراتية في مختلف أنحاء البلاد وساعدنا كثيرا في بناء عالم التوراة وإعلاء شأنه".

 

وبكلمات أخرى، يحذر الوزير أريئيل رؤساء الأنوية التوراتية والمدارس الدينية من أن الميزانيات الهائلة التي رصدها لهم حزب "البيت اليهودي" وحوّلها إليهم فعليا خلال السنتين الأخيرتين منذ انضمامه إلى الحكومة تواجه خطرا جديا، حقيقيا وملموسا! والحل، برأيه، هو التالي: "علينا، جميعا، التشمير عن سواعدنا وبذل كل الجهود اللازمة من أجل بناء بيت يهودي كبير وقوي.... نحن ملزمون، جميعا، بالعمل الجدي والجاد من أجل أن تنعكس، خلال الأيام القليلة المتبقية، قوة آلاف النشطاء في"البيت اليهودي" الذي يعملون معنا على مدار أيام السنة، سواء في الأنوية التوراتية، في الجيش أو في المنظمات الخيرية"!


ويختم الوزير أريئيل رسالته هذه بتوجيه طلب محدد ومباشر إلى "كل نواة توراتية، أو مدرسة دينية، أن ترسل أربعة مندوبين عنها" ليشكلوا "رأس الحربة في تفعيل المؤسسة وتنشطيها" بعد أن يحصلوا على "إرشاد منظم ومفصل" وعلى "توزيعة مهام" استعدادا لـ "أسبوع من التفاني"! وبكلمات أخرى، يطلب الوزير من حزب "البيت اليهودي" من جميع الجمعيات التي تتمتع بميزانيات وأموال من خزينة الدولة، من الأموال العامة، "التجند والتفاني" لخدمة هذا الحزب، مقابل تلك الأموال، وذلك بوضع تلاميذها، نشطائها، منشآتها ومواردها وكل ما تملك تحت تصرف هذا الحزب وفي خدمة أهدافه الانتخابية!

وحددت رسالة الوزير أريئيل مكان وموعد "الاجتماع الطارئ" ليتبين أنه المكان نفسه والوقت نفسه اللذين يعقد فيهما، بالضبط، لقاء "القيادة الروحية والاجتماعية في إسرائيل"، والذي دعي إلى حضوره والمشاركة في أعماله ممثلو المؤسسات التعليمية التابعة للتيار الديني اليميني.

وقال تحقيق "مولاد" إن "تحريا قصيرا" أجراه طاقمه بيّن أن المشرف على هذا الطاقم غير المعروف من قبل والمسمى "القيادة الروحية والاجتماعية" هو رئيس لجنة المالية البرلمانية، عضو الكنيست نيسان سلوميانسكي، من حزب "البيت اليهودي" نفسه، والذي شكّل هذا الطاقم عشية الانتخابات الأخيرة للكنيست!

وعليه، فقد سعت قيادة حزب "البيت اليهودي" إلى إحضار أكبر عدد ممكن من رؤساء وممثلي المؤسسات التعليمية والتربوية التي تحظى بالتمويل والميزانيات الكبيرة التي يرصدها لها ممثلو الحزب في الحكومة من الميزانية العامة للدولة!

 

مخالفة جنائية خطيرة وصريحة!

 ويطرح تحقيق "مولاد" السؤال "الساذج" التالي: لماذا حرصت قيادة "البيت اليهودي" على إبقاء هذا النشاط طي الكتمان والسرية؟ ويجيب: لأن الأمر ينطوي على مخالفة جنائية خطيرة! فوفقا لأنظمة تقديم الدعم المالي الحكومي، بواسطة وزارة المالية، يُحظر على أي جسم يحظى بدعم مالي حكومي القيام والمشاركة في أي نشاط سياسي، أيا كان، فما بالك إن كان دعماً لأي من الوزراء أو نواب الوزراء أصحاب القرار بشأن تقديم هذا الدعم وتحويله، مثل الوزير أوري أريئيل أو نائب الوزير فارتسمان؟  

لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، رغم خطورته الفائقة. فطبقا للبند رقم 8 من قانون تمويل الأحزاب، يستطيع حزب ما الحصول على تبرع داعم ـ سواء كان بالمال أو بالنشاط ـ من أفراد فقط، لا من جمعيات.

ويذكّر التحقيق هنا بـ"قضية الجمعيات" التي تفجرت في إسرائيل في نهاية التسعينيات حينما تم الكشف عن شبهات بشأن حصول إيهود باراك وقائمته الانتخابية آنذاك ("يسرائيل أحات" / "إسرائيل واحدة")، على تبرعات بمبالغ طائلة لتمويل حملته الانتخابية على رئاسة الحكومة وللكنيست، وهي القضية التي تدخلت فيها الشرطة فأجرت تحقيقات جنائية في تلك الشبهات. وينوه التحقيق بأن القضية قيد البحث الآن فيما يتعلق بحزب "البيت اليهودي" هي أكثر خطورة من تلك بكثير، لسبب مركزي واحد هو: أن الحديث الآن يجري عن أموال عامة، من خزينة الدولة وميزانية الحكومة يستغلها حزب معين (البيت اليهودي) لتجنيد دعم انتخابي خاص به من جانب الجمعيات والمؤسسات التربوية والتعليمية التي تستفيد من هذه الأموال، التي يقرر ممثلوه هو بشأن رصدها وصرفها!!

ويسجل تحقيق "مولاد" معطيات عن هذه الحالات التي يقصدها ويتحدث عنها ومن بينها، مثلا: مشاركة رئيس "النواة التوراتية" في مدينة بئر السبع، الحاخام شمعون كوهن، في هذا النشاط الحزبي ـ السياسي. ويوضح أن جمعية باسم "موريا"، التي تموّل نشاط "النواة التوراتية" هذه، تحصل على ميزانيات سخية من جميع الوزارات الحكومية التي يقف على رأسها ممثلون عن "البيت اليهودي": 230 ألف شيكل من "دائرة الاستيطان" (بقرار من وزارة البناء والإسكان التي كان يتولاها أوري أريئيل)، 130 ألف شيكل من وزارة الاقتصاد (التي كان يتولاها رئيس الحزب، نفتالي بينيت) إضافة إلى مبلغ 86 ألف شيكل من وزارة التربية والتعليم.

وشارك في  ذلك الاجتماع، أيضا، رئيس "النواة التوراتية" في مدينة ديمونا، الحاخام دافيد تورجمان، الذي قال: "وجدنا لدى أصدقائنا في كتلة البيت اليهودي آذانا صاغية لاحتياجاتنا ومطالبنا"! لكن تورجمان هذا "نسي الإشارة إلى شيء واحد"، كما قال تحقيق "مولاد": "المحفظة المفتوحة - فقد حصلت هذه النواة التوراتية التي يديرها تورجمان على 709 آلاف شيكل من "دائرة الاستيطان" (التابعة لوزارة البناء والإسكان) و 488 ألف شيكل من وزارة الاقتصاد!

ومن المعلومات الأخرى التي يوردها تحقيق "مولاد": الحاخام رحاميم نسيمي، أحد النشطاء المركزيين في حزب "البيت اليهودي"، يدير جمعية تحصل على مخصصات حكومية تبلغ 300 ألف شيكل من "دائرة الاستيطان" و 865 ألف شيكل من وزارة التربية والتعليم.

وينتهي تحقيق مركز "مولاد" إلى القول إنه "حينما حذر الوزير أريئيل رؤساء الجمعيات التوراتية من أن حنفيّة الأموال قد تغلق قريبا، فقد كان يلمح لهم أنهم إذا ما كانوا يرغبون في مواصلة الحصول على ميزانيات دسمة كهذه من الخزينة العامة للدولة فيجدر بهم التجند وتجنيد تلاميذ مؤسساتهم المختلفة لصالح الحزب وفي خدمته خلال الأيام القليلة المتبقية حتى يوم الانتخابات"!

 


 

 

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات