المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
التجند للاحتياط في جيش الاحتلال: دافعية متناقصة. (عن: يديعوت)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 92
  • ياسر مناع

تواجه منظومة الاحتياط في الجيش الإسرائيلي أزمة متفاقمة منذ نشوب حرب الإبادة على قطاع غزة في أعقاب الهجوم المباغت في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، حيث تتراجع معدلات استجابة الجنود المستدعين للخدمة المتكررة، مما دفع المؤسسة الأمنية إلى تبني أساليب غير تقليدية لحل الأزمة، أبرزها التجنيد عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

 يستعرض المقال ماهية الأزمة، والأسباب التي تدفع جنود الاحتياط إلى العزوف عن الاستجابة للخدمة، إضافةً إلى استعراض الإجراءات التي تتخذها القيادة العسكرية لاحتواء الوضع، والتداعيات المحتملة على الجيش وقدراته العملياتية.  

أشكال رفض الخدمة العسكرية

تُعدّ ظاهرة الامتناع عن الخدمة العسكرية في إسرائيل من القضايا الشائكة، حيث تتعدد في أشكالها ودوافعها. ذلك يتطلب استعراضاً لهذه الأنواع المختلفة؛ بغية الوقوف على الفروقات الجوهرية بينها، وما يترتب على كل نوعٍ منها من تبعات قانونية واجتماعية وسياسية

[i]، وهي على النحو التالي:

أولاً: المتهرب من الخدمة، هو الفرد الذي لم يلتزم بحضور موعد التجنيد المقرر، وقد يؤدي استمرار تهربه إلى توجيه تهمة جنائية واعتقاله.

ثانياً: المتغيب، هو الجندي الملتحق بالجيش الذي تغيب فترة تقل عن 20 يوماً.

ثالثاً: الفار من الخدمة، هو الجندي الذي تغيّب عن وحدته العسكرية أكثرَ من 20 يوماً، وبعد مرور 45 يوماً على غيابه يتم توجيه تهمة جنائية بحقه، وقد يتعرض للاعتقال حتى انتهاء محاكمته العسكرية.

رابعاً: الفار من خدمة الاحتياط، وهو الفرد الذي لم يستجب لأوامر استدعائه لخدمة الاحتياط، وهو معرض لعقوبات تختلف عن حالات الغياب الأولى عن الخدمة النظامية.

في الواقع، يتم تصنيف هذه الحالات كجرائم عسكرية من قبل المؤسسة العسكرية، حيث من المحتمل أن يتعرض المتهرب من التجنيد للاعتقال بواسطة الشرطة العسكرية أو الشرطة المدنية. فيما تتراوح العقوبات بين الإجراءات التأديبية مثل التوبيخ والاحتجاز المؤقت داخل القواعد العسكرية، إلى عقوبات شديدة تتضمن السجن مدة تصل إلى ثلاث سنوات، لكن في حالات الفرار الدائم قد تبلغ العقوبة خمس عشرة سنة من السجن العسكري.[ii]

في 24 كانون الثاني 2024، نشر موقع "حدري حريديم" بأن عشرات المجندات الجدد رفضن مغادرة قاعدة التجنيد، وكذلك رفضن الخدمة كمراقبات، على خلفية أحداث 7 أكتوبر، الأمر الذي تسبب بنقل بعضهن إلى السجن العسكري. [iii]

إضافةً إلى ذلك، توجد أنواع أخرى من رفض الخدمة تتعلق بأسباب قومية أو دينية وسياسية، وهي على النحو التالي:

أولاً: رفض الخدمة لأسباب قومية، مثل حراك "اُرفض شعبك بيحميك"، وهو حراك شبابي فلسطيني أقيم العام 2014، ويهدف وفق القائمين عليه إلى إسقاط التجنيد الإجباري المفروض على الشباب الدروز منذ العام 1956، وتعزيز الهوية الوطنية الفلسطينية والتصدي لمحاولات الطمس الثقافي.[iv]

ثانياً: رفض الخدمة لأسباب دينية، مثل رفض اليهود الحريديم للخدمة العسكرية بدوافع دينية، حيث يُعتبر التجنيد من وجهة نظرهم معارضاً لأسلوب حياتهم وتفرغهم للدراسة الدينية. وقد طرح وزير الدفاع يسرائيل كاتس في كانون الثاني 2025 خطة تهدف إلى زيادة عدد المجندين من الحريديم تدريجياً، مع تأكيده أن نجاح هذه الخطة يعتمد على موافقة القيادات الدينية الحريدية، وليس فقط على قدرة الجيش الاستيعابية.9

ثالثاً: رفض الخدمة لأسباب سياسية أو ضميرية، مثل "كسر الصمت"، وهي منظمة مؤلفة من جنود مسرحين يقومون بجمع شهادات من جنود ومجندات خدموا في الجيش منذ اندلاع الانتفاضة الثانية فصاعداً.[v] كذلك، كان الرفض لدوافع سياسية، حيث رفض 130 جنديًا الخدمة في الجيش مطالبين حكومة نتنياهو بإبرام صفقة تبادل للأسرى مع حماس.[vi]

أرقام ومعطيات: تراجع الاستجابة لخدمة الاحتياط

إبان اندلاع حرب الإبادة إثر هجوم السابع من تشرين الأول 2023، تجاوزت نسبة استجابة جنود الاحتياط في بعض الوحدات 100%، إلا أنه مع استمرار الحرب في قطاع غزة وجنوب لبنان، بدأت هذه النسبة في التراجع تدريجياً، حيث يُعزى ذلك إلى أن صدمة السابع من تشرين الأول أفرزت استجابة مجنونة في البداية. [vii] وتجدر الإشارة إلى أن نحو 85,000 شخص مسجلين كجنود احتياط لم يتم استدعاؤهم إطلاقاً خلال الحرب، من بينهم 50,000 يمتلكون تأهيلاً قتالياً.[viii]

في السياق ذاته، أفاد تقرير نشرته صحيفة "هآرتس" في 12 آذار 2025، بأن إحدى كتائب المدرعات في الشمال شهدت انخفاضاً في نسبة الحضور من 90% خلال الجولة الثانية إلى 70% في الجولة الثالثة، وسط توقعات تشير إلى إمكانية تراجعها إلى ما دون 50% في الجولات القادمة.[ix]

كما كشفت بيانات رسمية للجيش الإسرائيلي، نشرتها صحيفة هآرتس في 8 تشرين الثاني 2024، عن أن قرابة 54% من جنود الاحتياط أدوا الخدمة لأكثر من 100 يوم خلال عام واحد. وأظهرت الإحصاءات أن ما يقارب الثلث من إجمالي جنود الاحتياط المستدعين تجاوزت مدة خدمتهم 150 يوماً.

ووفقاً للبيانات، فإن نحو 20% من الجنود خدموا ما بين 100 و150 يوماً، بينما بلغت نسبة الذين خدموا بين 150 و200 يوم نحو 16%. كما خدم نحو 8% من الجنود حتى 250 يوماً، و4% أدوا الخدمة مدةً تصل إلى 300 يوم، في حين تجاوزت مدة خدمة 6% من المستدعين عتبة 300 يوم.[x]

فيما أشارت صحيفة "يديعوت أحرونوت" بتاريخ 11 تشرين الثاني 2024 إلى أن ثمة انخفاضاً يتراوح بين 15% و25% في معدل استجابة جنود الاحتياط، وأصبح ذلك ظاهرة ملحوظة حتى في الألوية القتالية في غزة ولبنان. ومن المتوقع أيضاً أن جنود الاحتياط سيضطرون للخدمة مدة تتراوح بين ثلاثة إلى أربعة أشهر على الأقل خلال العام 2025.[xi]

أسباب انخفاض الاستجابة للخدمة العسكرية

عند تتبع الأسباب التي أفضت إلى تراجع استجابة جنود الاحتياط، يتضح لنا أن هناك جملة من العوامل المتراكبة، منها الاجتماعية والاقتصادية والنفسية، مضافاً إلى ذلك الأبعاد السياسية والتنظيمية. وأبرز هذه الأسباب:

أولاًالأسباب الاجتماعية

يواجه العديد من جنود الاحتياط مصاعب اجتماعية ومهنية تحول دون استجابتهم لاستدعاءات الخدمة. ومن الأمثلة على ذلك الظروف الأسرية مثل الولادات الجديدة والمسؤولية العائلية. وكانت ميخال بركاي برودي مؤسسة منظمة "متمرنوت" التي تمثل زوجات وعائلات في جنود الاحتياط عبرت عن ذلك بقولها: "الأطفال يقدّرون الألعاب والهدايا، لكنهم بحاجة إلى آبائهم". كما يعاني بعضهم من فقدان الوظائف أو انهيار المصالح التجارية نتيجة طول فترات الخدمة، مما يدفعهم إلى إعطاء الأولوية لاستقرارهم المهني. علاوة على العقبات التي تكون ماثلة أمام طلاب الجامعات من صعوبات أكاديمية متفاقمة؛ بسبب تغيبهم عن المحاضرات ومقاعد الدراسة.[xii]

ثانياً: العوامل النفسية والصحية

تشير الإحصائيات إلى تنامي عدد الجنود العائدين من الخدمة الذين يعانون من اضطرابات نفسية، مثل اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) والقلق المزمن، إلى جانب شعور بالغربة وصعوبة التكيف مع الحياة المدنية. تؤدي هذه العوامل إلى تراجع الرغبة في العودة إلى الخدمة مجدداً، حيث يفضل الجنود تجنب التجربة القاسية التي مروا بها أثناء الحرب.[xiii]

في سياق متصل، أشارت صحيفة "يديعوت أحرونوت" في 19 شباط 2025 إلى أن وزارة الدفاع أطلقت مشروع "عاميت" للصحة النفسية، الذي شهد تسجيل 170 ألف شخص، من بينهم 4000 من جنود الاحتياط الذين تقدموا بطلبات لجلسات العلاج النفسي. ومع ذلك، أدى النقص الحاد في عدد المعالجين إلى تراكم الطلبات، مما تسبب في تأخير الاستجابة للعديد من الجنود الذين يحتاجون إلى الدعم النفسي.[xiv]

ثالثاً: الأزمات الاقتصادية

تعتبر الأزمة الاقتصادية من أبرز العوامل الرئيسة التي أثرت على استجابة جنود الاحتياط، حيث بلغت الميزانية المخصصة لدعمهم نحو 9 مليارات شيكل. ومع ذلك، هناك مخاوف متزايدة من عدم استمرارية هذه الميزانيات، مما قد يؤدي إلى تراجع الحوافز المالية المقدمة لجنود الاحتياط، وبالتالي انخفاض الإقبال على الخدمة العسكرية.[xv]

أجرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" مقابلة مع أحد الجنود الذي مكث منذ اندلاع الحرب 260 يوماً في الخدمة الاحتياطية، وهو الآن في جولته الخامسة التي تمتد لـ 80 يوماً أخرى. وتبين أن ذلك دفعه إلى التخلي عن مشروعه التجاري نتيجة الاستدعاءات المتكررة للخدمة. وأدى ذلك إلى تراكم ديون عليه بلغت 20 ألف شيكل للتأمين الوطني، في ظل غياب أي دعم حكومي.[xvi]

رابعاً:  الدوافع السياسية

تتفاقم أزمة استجابة جنود الاحتياط في ظل النقاش القديم الجديد حول قانون إعفاء الحريديم من التجنيد، مما زاد من الشعور بالضغط والظلم بين الجنود الذين يتحملون أعباء الخدمة المتكررة، مما دفع بعضهم إلى مقاطعة الاستدعاءات بشكل غير رسمي، في ما يُعرف بـ "المقاطعة الصامتة"، إضافة إلى أن ثمّة عشرات الآلاف من المعفيين من الخدمة في الاحتياط، لم يتم استدعاؤهم على الإطلاق.[xvii]

محاولات لكبح تصاعد الأزمة

لمواجهة أزمة انخفاض الحضور في الاحتياط، لجأ الجيش الإسرائيلي إلى التجنيد عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث نشر مئات الإعلانات يومياً على فيسبوك وتيليغرام لاستقطاب المتطوعين بسرعة، مع تخفيف الفحوصات الأمنية حتى في الوظائف الحساسة.

كما خفّف شروط القبول من خلال تقديم دورات تدريبية سريعة لمهام مثل تشغيل الطائرات المسيرة، مما أثار مخاوف أمنية. إلى جانب ذلك، قدم الجيش تحفيزات مالية بلغت 9 مليارات شيكل، لكنها لم تضمن استمرارية الحضور على المدى الطويل.  فيما عدّل أنظمة الخدمة باعتماد نظام 4-8 (أربعة أيام في القاعدة وثمانية في المنزل) واقترح إنشاء وحدات نظامية جديدة لتخفيف الضغط على الاحتياط.

آثار الأزمة على الجيش وكفاءته القتالية

أدى الانخفاض الحاد في نسبة الحضور لقوات الاحتياط إلى تحديات كبيرة للجيش الإسرائيلي، مما أثر على قدرته العملياتية وكفاءته القتالية. ونتجت عن ذلك تداعيات أمنية، واقتصادية، واجتماعية أيضاً، ومن أبرز هذه التداعيات:

أولاً: تراجع الجاهزية القتالية، نظراً إلى انخفاض معدلات الاستجابة للاستدعاءات، يعاني الجيش من نقص حاد في القوى البشرية، مما يؤدي إلى تقليص قدراته العملياتية ويؤثر على استعداده لتنفيذ المهام القتالية وخوض حروب مستقبلاً.

ثانياً: مخاطر أمنية متزايدة، نتيجة تخفيف الشروط الأمنية في التجنيد عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح الجيش أكثر عرضة للاختراقات الأمنية وتسريب المعلومات الحساسة، حيث يتم استقدام مجندين دون الفحوصات الجنائية الكافية.

ثالثاً: أعباء مالية متزايدة، مع بلوغ ميزانية قوات الاحتياط9  مليارات شيكل، تواجه الحكومة صعوبات في تأمين الموارد المالية اللازمة لدعم الجيش على المدى الطويل، مما قد يؤدي إلى خفض الامتيازات العسكرية للاحتياط مستقبلاً.

رابعاً: تراجع الثقة بين الجنود والقيادة العسكرية، وذلك نتيجة شعور الجنود بالظلم والتمييز في سياسات التجنيد، وبالتالي تزايدت حالات المقاطعة الصامتة للاستدعاءات، وهذا يؤدي إلى زيادة الفجوة بين القيادة العسكرية والسياسية من جهة، وجنود الاحتياط من جهة أخرى.

 

[i] مكتب "كاردونر" للاستشارات الأولية في المسائل العسكرية، التهرب من الخدمة العسكرية، تم الاطلاع عليه في 13 آذار 2025. https://2u.pw/EEQ1tQvX

[ii] مكتب "كاردونر"، مصدر سبق ذكره.

[iii]  كوبي عوزئيلي، "على خلفية أحداث 7 أكتوبر: عشرات المجندات أُرسلن إلى الاعتقال"، حدري حرديم، 24 كانون الثاني 2024، تم الإطلاع عليه في 14 آذار 2025.

[iv] أنظر/ي صفحة حراك "أرفض شعبك بيحميك" على منصة التواصل الاجتماعي الفيسبوك،  https://www.facebook.com/share/1BCMHamSXe/?mibextid=wwXIfr

[v] للمزيد أنظر/ي الموقع الرسمي لمنظمة "كسر الصمت"، https://www.shovrimshtika.org/about/organization

[vi]  يديعوت أحرونوت، "بعد رسالة الجنود الرافضين الذين يطالبون بصفقة: ريغف تطالب بإعتقالهم"، 10 تشرين الأول 2024، تم الاطلاع عليه في 14 آذار 2025، https://www.ynet.co.il/news/article/bkgevohy1g

 [vii] يانيف كوبوفيتش وتوم ليفنسون، "انخفاض حاد في نسبة الحضور للاحتياط، والوحدات العسكرية تلجأ لتجنيد الجنود عبر الشبكات الاجتماعية"، صحيفة هآرتس، 12  آذار 2025، تم الاطلاع عليه في 13 آذار2025، https://2u.pw/ciMur9Rum

[viii] ريكي ممان، "استنزاف قوات الاحتياط: الجيش الإسرائيلي يستدعي نفس الأشخاص مراراً – لأنه الأسهل"، مكور ريشون، 10 تشرين الثاني 2024، تم الاطلاع عليه في 13 آذار 2025، https://www.makorrishon.co.il/opinion/795130/

[ix] كوبوفيتش وليفنسون، مصدر سبق ذكره.

[x] بار بيلغ، "بيانات الجيش الإسرائيلي: ثلث جنود الاحتياط خدموا أكثر من 150 يوماً منذ بداية الحرب"، هآرتس، 8 تشرين الثاني 2024، تم الاطلاع عليه في 13 آذار 2025، https://2u.pw/NL8Lv6nU

[xi] يوآف زيتون  وآخرون، "انخفاض غير اعتيادي في حضور الاحتياط"، يديعوت أحرونوت، 11 تشرين الثاني 2024، تم الاطلاع عليه في 13 آذار 2025، https://www.ynet.co.il/news/article/yokra14145929

[xii] المصدر السابق.

[xiii] إلعاد دهان، "التأثير النفسي لعودة جنود الاحتياط في عملية سيوف الحديدية: منظور متعدد الأبعاد"، مركز رامون، تم الاطلاع عليه في 13 آذار 2025، https://2u.pw/fkV6YQ43

[xiv] غال غانوت، "جنود الاحتياط يصرخون طلباً للمساعدة النفسية: 'لا يحق لأحد استغلالنا'"، يديعوت أحرنوت، 19 شباط2025، تم الاطلاع عليه في 13 آذار 2025. https://www.ynet.co.il/health/article/by11n211f5yl

[xv] زيتون وآخرون، مصدر سبق ذكره.

[xvi] غانوت، مصدر سبق ذكره.

[xvii] ممان، مصدر سبق ذكره.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات