المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
إيال زامير.. علاقة متينة مع نتنياهو. (يديعوت)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 55
  • عبد القادر بدوي

في الأول من شباط الماضي، أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يسرائيل كاتس عن اختيار اللواء إيال زامير لرئاسة هيئة أركان الجيش الإسرائيلي خلفاً لهرتسي هليفي المستقيل على خلفية المسؤولية عن أحداث 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023. فور اختياره، سارعت العديد من التقارير والمنصات الإعلامية إلى تسليط الضوء عليه، لا سيّما وأنه يمتلك خبرة عسكرية طويلة، وبسبب إعلان نتنياهو عن دعمه بشكلٍ علني وسط تسريبات تشير إلى الروابط القوية بينهما، إذ سبق أن شغل منصب سكرتيره العسكري بين الأعوام 2012-2015. فور تسلّمه المنصب الجديد، أسرع زامير إلى اتخاذ قرار بترقية عشرات الضباط إلى رتب عليا في قيادة الجيش والمصادقة على تعيينات جديدة كان من أبرزها تعيين يانيف آسور قائداً للقيادة الجنوبية في الجيش خلفاً ليارون فينكلمان، وكذلك تعيين إيتسيك كوهين قائدًا لقسم العمليات في الجيش خلفاً لعوديد بوسيك المستقيل، بالإضافة إلى إعفاء دانييل هغاري من منصبه كمتحدث باسم الجيش (وتجاهل توصية هليفي بخصوصه) وهو ما أثار العديد من التكهنات حول سلوك قائد الجيش الجديد المعروف بقربه الكبير من نتنياهو وعائلته في ضوء الجدل الذي أثاره اليمين حول شخصية هغاري خلال الحرب والشبهات السياسية بحقّه.

هذه المساهمة، تسلّط الضوء على شخصية زامير وتاريخه العسكري، وذلك بالاستناد لما هو متاح من معطيات ومعلومات إسرائيلية، مع تسليط الضوء على الخلفية الفكرية/ الأيديولوجية لزامير والتي يُمكن استشرافها من مقالات أكاديمية كان زامير قد أعدّها خلال مسيرته العسكرية في الجيش ودراسته في الكليات والمعاهد العسكرية والأكاديمية، والتي يُركّز فيها على مسألة الحصار وشرعيته في إطار الحروب والصراعات مع الفلسطينيين، وهي المسألة التي عادت لتصدّر النقاش مؤخراً بعد قرار إسرائيل منع إدخال المساعدات إلى قطاع غزة بشكلٍ كامل، مع الاستمرار في قطع الكهرباء منذ 7 أكتوبر 2023، واتخاذ قرار بقطع خط الكهرباء الوحيد الذي يستخدم لتحلية المياه في القطاع وانعكاسات ذلك على الوضع الإنساني والصحي في القطاع، وفي ضوء عودة الحديث عن إمكانية تجدّد الحرب الدموية على القطاع بعد انتهاء المرحلة الأولى من الصفقة وفي ظل غياب أفق الانتقال للمرحلة الثانية بحسب ما تُشير المصادر والتصريحات الإسرائيلية.

أول رئيس أركان من الدبابة

ولد زامير في 26 كانون الثاني 1966، وينحدر من عائلة تعود أصولها إلى اليمن وسورية، حيث وصل والده إلى فلسطين للاستيطان فيها في عشرينيات القرن المنصرم من اليمن وانخرط في عصابة "إيتسل" الإرهابية وأصيب فيها عدّة مرات، أما والدته، فهي لأبوين وصلا إسرائيل من حلب في سورية. حصل زامير على درجة البكالوريوس من جامعة تل أبيب والماجستير في العلوم السياسية من جامعة حيفا، وأكمل عدّة دورات أكاديمية- بحثية وإدارية في معهد وارثون في جامعة بنسلفانيا، والكلية العسكرية "إيكول ميليتيري" في باريس- فرنسا. خلال مسيرته المهنية، شغل منصب المدير العام لوزارة الدفاع، منصب نائب رئيس هيئة الأركان، وقائد القيادة الجنوبية للجيش، والسكرتير العسكري لرئيس الحكومة، كما قاد عدّة ألوية وفرق في الجيش الإسرائيلي خلال وجوده في الجيش أهمها قيادة اللواء السابع.

كانت بدايات زامير في الجيش في سلاح المدرعات، في العام 1985، أكمل دورة قادة الدبابات بامتياز وشارك في القتال في جنوب لبنان خلال الاحتلال الإسرائيلي للجنوب اللبناني بين الأعوام 1985-2000، وفي العام 1986 تأهل زامير لضابط في سلاح المدرعات بعد دورات عديدة، وشغل منصب قائد كتيبة وسرية في اللواء 500 واللواء 460، وقاد في أعقاب ذلك مواقع عسكرية عديدة خلال فترة الانتفاضة الأولى في "الشريط الأمني" الذي أقامته إسرائيل في جنوب لبنان حتى العام 2000، وهي الفترة التي تنقّل فيها زامير بين قيادة مناصب مهمة في سلاح المدرعات وكلية التدريب التابعة لها، وبين الكلية الحربية في فرنسا وصولاً إلى الانتفاضة الثانية، التي قاد فيها زامير اللواء المدرّع 656 في الجيش وهو برتبة عقيد والذي شارك في عملية "السور الواقي"، حيث انشغل هذا اللواء تحت قيادته في احتلال مدينة جنين ومخيمها إبان الانتفاضة.

خلال الأعوام 2003-2005، قاد زامير اللواء السابع في الجيش، وأشرف على العمليات العسكرية ضد فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وتحديداً في مدينة خانيونس، كما شارك لواؤه في تنفيذ خطة "فك الارتباط" بعد قرار أريئيل شارون، رئيس الحكومة آنذاك، تفكيك المستوطنات والانسحاب من قطاع غزة، وكان زامير مسؤولاً عن تنفيذ ذلك ومنع الإسرائيليين من دخول القطاع. تسلّم زامير في العام 2009 قيادة الفرقة 36، وأشرف على إدخال وتطبيق "منظومة الجيش الرقمي البرّي"- ("تسياد"- بالعبرية)، وهو نظام سيطرة وتحكّم للقوات البرية، بموجبه، تم تزويد الجيش (القوات البرية) بأنظمة تكنولوجية ورقمية وأجهزة اتصالات حديثة من إنتاج شركة "إلبيت سيستيم" الإسرائيلية المعروفة، وتُسهم المنظومة في نقل صورة متكاملة ومُحدّثة للوضع الميداني، وتجمع جميع العناصر المشاركة في القتال وتُديره (استخبارات تكنولوجية عملياتية للقتال)، وتُقدّر تكلفته بنحو عشرين مليار شيكل، وقد بدأ الجيش بالعمل على إدخاله في العام 2001 حينما وافق موشيه يعلون (نائب رئيس الأركان في ذلك الوقت) على إدخال هذه المنظومة. ضمن قيادة زامير، أجرى الجيش لأول مرة تدريباً كاملاً على مستوى الفرقة في إطار المنظومة الجديدة، ونفّذ مناورات واسعة النطاق.

نظراً لدوره الكبير في سلاح المدرعات والخبرة العسكرية الكبيرة التي أظهرها على مدار خدمته العسكرية في إطاره، تم تعيين زامير في العام 2012 في منصب السكرتير العسكري لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الذي امتدحه على الدوام لدوره الكبير، خاصة خلال الحرب على غزة العام 2014 حيث أنهى منصبه في العام التالي ليتسلّم قيادة المنطقة الجنوبية في الجيش حتى العام 2018 حيث تسلّم منصب نائب رئيس هيئة أركان الجيش حتى العام 2021 وخسر بعدها بعام واحد السباق على رئاسة الأركان لصالح هرتسي هليفي الذي عاد وتسلّم منه المنصب في آذار الحالي. ساهم غياب زامير عن الجيش، وعدم تسلّمه أي منصب بداخله خلال هجوم طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023، إذ كان يشغل منصب مدير عام وزير الدفاع منذ شباط 2023، في إعفائه- من وجهة نظر الجمهور الإسرائيلي والمستويات السياسية- من المسؤولية عن الفشل في أحداث الهجوم التي طاولت معظم قيادة الجيش الأولى التي سارع الكثير منها إلى إعلان "تحمّل المسؤولية" وقدّم استقالته بما في ذلك هليفي نفسه.

الموقف من استهداف المدنيين، الاغتيالات السياسية والحصار

عُرف زامير بمواقفه العسكرية المتشدّدة في الصراع مع الفلسطينيين، وفي ما يتعلّق بالحرب ضد إيران ومشروعيها النووي والإقليمي، حيث شارك في بناء الخطة العسكرية "تنوفا" متعددة السنوات للجيش ولا سيّما في الشقّ المتعلّق بصياغة استراتيجية المواجهة والعمليات ضد إيران.

في الأول من شباط 2025، أعلن كاتس ونتنياهو عن اختيار زامير لمنصب رئيس الأركان الـ 24 للجيش، وقد صادقت الحكومة الإسرائيلية على تعيينه بالإجماع يوم 16 شباط 2025، كأول رئيس أركان بدأ خدمته العسكرية في سلاح المدرعات، وقد جاء هذا التعيين بالتزامن مع وقف إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، والتلويح باستئناف العدوان العسكري، وذلك في إطار مساعي "القضاء على حماس" و"إعادة المختطفين" كما أشار زامير لذلك خلال خطاب التنصيب.

بالعودة إلى تاريخ زامير العسكري ومواقفه من الفلسطينيين، فقد نشر في العام 2007 مقالاً في مجلة الجيش "معرخوت"، تناول فيه مسائل عدّة نُشير منها إلى موقفه من ظاهرة "الاغتيال السياسي" التي تُعرف في الأدبيات العبرية بعمليات "الإحباط المركّز" التي أُثيرت حولها حالة من الجدل في أعقاب عملية اغتيال القيادي في حركة حماس صلاح شحادة من ناحية "الاعتبارات الأخلاقية"، حيث اعتبر زامير هذه السياسة "وسيلة مشروعة" في إطار "الدفاع عن النفس" أمام الفلسطينيين. من ناحية أخرى، يُشير زامير إلى ضرورة تحميل "المجتمع الداعم للإرهاب" المسؤولية بشكلٍ كامل، وذلك في إطار بناء "الشرعية" لفرض العقوبات الجماعية والاقتصادية والحصار، معتبراً أن الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة "إجراء شرعي"، حيث أكّد أن العقوبات الاقتصادية والحصار وقطع الكهرباء وفرض الإغلاق ومنع إدخال الوقود والمواد الأولية تأتي في إطار "محاربة الإرهاب"، وعلى إسرائيل استخدامها من أجل تحقيق أهدافها في إطار الصراع.

يناقش زامير في الإطار العام ما يُطلق عليه "الأسس الأخلاقية للحرب ضد الإرهاب"، حيث يطرح تساؤلاً رئيساً حول مدى شرعية استهداف "قادة الإرهاب" حتى لو أدى ذلك إلى مقتل الأبرياء، مستنداً بذلك إلى "مبادئ الأخلاق في الحرب بين الدول" لتطوير ما يصفه بـ "النهج الأخلاقي للحرب ضد الإرهاب"، حيث ينشغل في محاولة التمييز بين "عدالة الدخول في الحرب"، و"عدالة الحرب نفسها"، إذ يُشير إلى أن الحرب يمكن أن تكون "عادلة في أسبابها" ولكن قد تُدار بطريقة غير أخلاقية. بالنسبة لإسرائيل، فيعتبرها زامير مثل أي دولة في العام، لديها التزام أساسي بحماية مواطنيها، وبالتالي، من حقها "محاربة الإرهاب في إطار الدفاع عن النفس"، انطلاقاً من ضرورة اعتبار المواجهة مع "المنظمات الإرهابية" (في إشارة إلى فصائل المقاومة في فلسطين وخارجها) صراعاً بين طرفين وليس مجرّد حرب إسرائيلية ضد جماعة معزولة، وذلك لأن هذه المنظمات تستخدم "العنف" كاستراتيجية لتحقيق أهداف سياسية، الأمر الذي يحولها إلى "أهداف مشروعة" يجب القضاء عليها.

على الرغم من أن زامير يتظاهر في بداية المقال بالتمييز بين المدنيين والمقاتلين العسكريين في إشارته إلى ضرورة "تقليل الأضرار في صفوف المدنيين إلى الحدّ الأدنى الممكن" في إطار استخدام القوة وتبرير ذلك الاستخدام، فإنه سرعان ما يعود للقول بأن حماية المدنيين في المناطق غير الخاضعة للسيطرة العسكرية الإسرائيلية، مثل غزة، ليست من مسؤولية إسرائيل خلال المواجهة العسكرية، وأن استخدام القوة العسكرية أكثر مشروعية في هذه المناطق لأن إسرائيل ليست مسؤولة عن حماية المدنيين هناك، بادّعاء أن المسؤولية الأخلاقية عن الضحايا المدنيين في هذه المناطق تقع على عاتق "الجماعات الإرهابية"، مبرراً في الوقت نفسه الجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين باعتبارها "قتلا غير مقصود للمدنيين" والذي من الممكن تبريره من وجهة نظره في حال كان "الهدف العسكري مشروعا ومهماً"، أو أنه "نتيجة جانبية غير متعمّدة أو مقصودة"، وطالما أن "الفائدة العسكرية المتحقّقة تفوق الضرر المدني الناتج".

استراتيجية مواجهة طهران

 أما في ما يتعلّق بالحرب الإسرائيلية ضد إيران ومشروعيها النووي والإقليمي، والتي دخلت مرحلة جديدة ازدادت فيها حدّة وخطورة في أعقاب المواجهة المباشرة التي وقعت أكثر من مرة منذ 7 أكتوبر، فلا يتبنّى زامير مواقف مختلفة بشكل جوهري عن نظرائه السابقين في المنصب، حيث أشار زامير في ورقة بحثية أعدّها قبل نحو 3 أعوام خلال زمالته البحثية في معهد واشنطن وناقش فيها الصراع الإقليمي ضد إيران للسيطرة على الشرق الأوسط إلى أن احتمال عودة الاتفاق النووي بصيغته المطروحة "دون خطة موازية وقابلة للتطبيق لاحتواء إيران في المعركة الإقليمية" سيشكل "ضربة قاسية في الصراع على الهيمنة الإقليمية بين المحاور المتنافسة في المنطقة"، مُشيراً إلى أن "هذه الواقعية ستسمح لإيران بتحقيق تحولات اقتصادية تمكّنها من الخروج من أزمتها الاقتصادية والعزلة الدولية"، وهو ما ستقوم باستغلاله من أجل تطوير ترسانتها العسكرية بما في ذلك الصواريخ والقدرات الصاروخية ودعم حلفائها في المنطقة، الأمر الذي يفرض ضرورة إحداث تغيير في مواجهتها واعتماد نهج إقليمي مختلف من خلال "تشكيل تحالف يعمل بقوى مشتركة تحت استراتيجية منسقة وشاملة"، وبشكل يختلف كلياً عما كان مستمراً منذ أعوام، حيث لم تكن هذه الاستراتيجية سوى مجموعة من الأعمال التكتيكية التي لم تُحدث أي تأثير نظامي وجوهري داخل إيران، بل على العكس، فقد كانت، بحسب زامير، كل "دولة من الدول التي تواجه تحديات من المحور الشيعي- الإيراني تقاتل بمفردها من دون تنسيق، وتلعب لصالح إيران التي يمكنها توجيه جهدها ضد كل خصم على حدة"، وإن على إسرائيل والولايات المتحدة تشكيل "تحالف إقليمي" ضد إيران، وأن تستفيد من "اتفاقات أبراهام" لتبنّي نهج "الدفاع النشط" ضدّها في إطار "معركة مستمرّة نشطة ومتعدّدة المجالات" للانتصار عليها في الصراع على الهيمنة في الشرق الأوسط، ومنعها من الحصول على سلاح نووي حتى وإن تطلّب ذلك تدخلاً عسكرياً مباشراً.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات