المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
رسم تعبيري. (عن موقع جمعية "تيليم")
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 39
  • برهوم جرايسي

يحذر خبراء ومحللون اقتصاديون إسرائيليون من أن الاقتصاد الإسرائيلي سيفقد، في السنوات القليلة المقبلة، العديد من المكتسبات الأساسية التي حققها في العقدين الأخيرين، على الرغم من أن حصيلة العام 2024 الاقتصادية جاءت أقل سوءا مما كان متوقعا لها، لكن هذا ليس نهاية المطاف. وتأتي هذه التحذيرات في وقت ما زالت فيه الحكومة الإسرائيلية تتخبط في بلورة الصيغة النهائية لميزانية العام الجديد 2025، رغم أن الكنيست أقرها بالقراءة الأولى، لكن قد تجري عليها تعديلات بسبب كثرة التقلبات الاقتصادية، وأيضا استمرار الحرب، وتضخّم فاتورتها العسكرية والمدنية.

فعلى الرغم من أن الائتلاف الحاكم يرتكز على قاعدة برلمانية متينة، 68 نائبا من أصل نواب الكنيست الـ 120، فإن وزارة المالية ومعها قادة الحكومة، لم ينجحوا في إعداد مسودة نهائية لميزانية الدولة للعام الجديد، في المواعيد الأولى التي ينص عليها القانون، كمرحلة أولى، كي يتسنى إقرار الميزانية حتى اليوم الأخير من العام الذي يسبق العام الجديد، قبل الاستفادة من فترة التمديد التي يتيحها القانون.

وسبب التأخير هو استمرار الحرب، وغياب أي يقين عن تبعات الصرف الكلي على الحرب واستمرارها، على الصعيدين العسكري والمدني، لكن ما بات واضحا منذ الآن، هو أن الجمهور سيموّل مباشرة من جيبه فاتورة الحرب، وعلى حساب قوته الشرائية ومستوى معيشته، بما يقل عن 20 مليار شيكل، كأقل تعديل في العام الجديد، وقد لا ينتهي الأمر فيه، بل من هذه الإجراءات ما سيستمر أيضا في العام التالي، وقد يكون أكثر. خاصة على ضوء الارتفاع الحاد في ميزانية الجيش، التي ضاعفت نفسها في العام الماضي 2024، مقارنة بالعام 2022، وهذه الميزانية ستحظى بزيادة ضخمة أخرى في العام الجديد 2025، في حين أن لجنة خبراء أقامتها الحكومة، أوصت بزيادة ميزانية الجيش، كزيادة استثنائية، إضافة للزيادة السنوية العادية، بقيمة 227 مليار شيكل، موزعة على السنوات العشر المقبلة. وتهدف هذه الزيادة إلى ملء المخزون العسكري، والاستعداد لسلسلة تحديات بلورتها الأجهزة ذات الاختصاص في الجيش، وأجهزة المخابرات، أبرزها إيران.

وقد أقر الكنيست مشروع الموازنة العامة، بالقراءة الأولى، في شهر كانون الأول الماضي، لكن من دون تحديد موعد لعرضها للتصويت بالقراءة النهائية، على الرغم من أنه كان الحديث يدور عن نهاية الشهر الجاري، كانون الثاني.

وخلال التصويت على مشروع الميزانية، وعلى قوانين استثنائية مرافقة للميزانية، تمرّد وزير الشرطة إيتمار بن غفير، وكتلته البرلمانية، "قوة يهودية"، على الائتلاف، في جولتي تصويت، وكل واحدة لسبب ما، آخرها كان قرار وزارة المالية تقليص حجم زيادة ميزانية رواتب عناصر الشرطة، ضمن التقليصات التي تشهدها الميزانية بشكل عام.

وفي التصويت الأخير، كان الائتلاف في أزمة وأمام احتمال إسقاط أحد القوانين بسبب غياب أغلبية، ما اضطر رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إلى أن يغادر المستشفى بعد عملية جراحية، للتصويت على القانون لضمان تمريره بأغلبية صوت واحد.  

حصيلة 2024

في الأيام والأسابيع المقبلة، وحتى نهاية الربع الأول من العام الجاري، سنكون أمام سلسلة من التقارير الاقتصادية الإسرائيلية الرسمية، عن حصيلة الاقتصاد في العام الماضي، وأولها الحصيلة النهائية لنسبة الغلاء (التضخم المالي)، التي ستصدر في منتصف الشهر الجاري، ثم ستصدر تقارير أولية قبل التقرير النهائي عن نسبة النمو الاقتصادي، الذي سيكون أقرب إلى الصفر، وهذا يعد انكماشا ضمنيا، حينما تكون نسبة النمو أقل من نسبة التكاثر السكاني، لكن الامكانية واردة لانكماش فعلي، بمعنى نسبة سلبية.

إلا أن بنك إسرائيل المركزي قرأ الحصيلة مسبقا، وهذا ما انعكس على قراره الصادر الأسبوع الماضي بإبقاء الفائدة البنكية الأساسية عند مستواها، الذي تحدد في مطلع العام الماضي 2024، والاحتمال ليس قويا، بحسب المحللين الاقتصاديين والمراقبين، بأن يقرر البنك خفض الفائدة في موعد القرار التالي، في نهاية شهر شباط المقبل، لكن حسب تقديرات في البنك، فإن الفائدة التي هي حاليا بالمجمل 6%، منها 1.5% ثابتة، قد تنخفض بدفعتين حتى نهاية العام الجديد، لتصبح عند نسبة 5.5% بالمجمل، ورغم هذا تبقى فائدة عالية.

وتشكل الفائدة البنكية عبئا ماليا كبيرا على الجمهور، الذي نسبة قليلة منه ليست لديها أي نوع من الديون، والقروض الإسكانية، وقروض السيارات وغيرها. وبحسب تقارير سابقة، فإن كل 1% فائدة، تدر على البنوك الإسرائيلية حوالى 5.2 مليار شيكل سنويا، وهذه الفائدة العالية هي المساهم الرئيس في ذروة الأرباح الصافية التي حققتها البنوك الإسرائيلية الخمسة الكبرى، في العامين الماضيين، إذ من المتوقع أن تفوق أرباح هذه البنوك في العام المنتهي 2024، أكثر من 30 مليار شيكل كربح صاف، وهذا أعلى بنسبة 20% من أرباح العام الذي سبق- 2023.

احتمال خسارة مكتسبات أساسية

ويرى المحلل الاقتصادي إيتان أفريئيل، في صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية، أنه على الرغم من الأوضاع الاقتصادية في العام الماضي، إلا أن الاقتصاد الإسرائيلي صمد نوعا ما بشكل جيد، حسب وصفه، وهذا من باب أن الحصيلة النهائية ستكون أقل سوءا مما كان متوقعا لها، لكن في ذات الوقت يؤكد الكاتب أن إسرائيل ستخسر مكتسبات اقتصادية أساسية وهامة، حققتها في السنوات العشرين الأخيرة.

ومن بين ما حافظت عليه إسرائيل هو الاحتياطي من العملات العالمية، الذي وصفه بالضخم، إذ بلغ حتى نهاية العام الماضي ما يقارب 215 مليار دولار، وهو ما يعادل أكثر من 41% من حجم الناتج الإسرائيلي العام.

ويقول أفريئيل: لا شك في أن الاقتصاد الإسرائيلي أقوى مما كنا نعتقد. السبب الرئيس وراء ذلك، هو المخزون الذي راكمته إسرائيل في العقدين السابقين للحرب: الاحتياطي الضخم من العملات العالمية، ومخزون مالي لتغطية التزاماتها تجاه العالم. كذلك نشهد تدفق العملات الأجنبية التي تدخل إسرائيل في مقابل تلك التي تخرج منها، والعديد من الأصول المالية في أيدي الجمهور، وصناعات التصدير هي نقاط القوة في قطاعي التكنولوجيا الفائقة والأمن.

ويتابع: "لكن هذا لا يعني أن العام 2024 كان عاما اقتصاديا جيدا. والعكس صحيح. لقد كان عاماً سيئاً للغاية، ولكنه أقل سوءا من أكبر المخاوف. والأمر الأكثر إثارة للإشكالية هو أن الأداء الأسوأ مما كنا نخشاه لا يضمن بقاءه على حاله في العام الجديد، أو الأعوام التي تليه. ففي العام 2024 رأينا أنه من الممكن العيش اقتصاديا لفترة من الوقت"، بفضل ما حققه الاقتصاد في العقدين السابقين، ويقصد الكاتب هنا أن إسرائيل شنّت الحرب وهي في أوضاع اقتصادية جيدة نسبيا، ما يجعل الأزمة الناشئة أقل وطأة، لو كان الاقتصاد غارقا بأزمة أو معطيات سيئة.

ويعدد أفريئيل أبرز مسببات التضييق على الاقتصاد حاليا، وأولها ميزانية الجيش، التي تضاعفت وحتى أكثر، مما كانت عليه حتى العام 2022، ويجري الحديث عن إضافات ضخمة إلى ميزانية الجيش في السنوات العشر المقبلة، لشراء الأسلحة ورفع مستوى الجهوزية في عدة مناح، ودفع المكافآت لجنود الاحتياط، وفي المستقبل إنشاء فرق جديدة في الجيش، وهذا ما من شأنه أن يزيد مديونية الدولة، ويقود لزيادة ضرائب على الجمهور.

ويقول إن "المشكلة الكبرى هي أنه على عكس الحروب والعمليات السابقة، التي كان يُنظر إليها على أنها أحداث استثنائية ومؤقتة، كانت ميزانية الجيش تعود بعد انتهائها إلى مسارها التراجعي. لكن اليوم من الواضح أن الواقع تغيّر، وأن ميزانية الجيش ستبقى مرتفعة جدا لسنوات عديدة. وهذا يأتي على حساب مستوى المعيشة للجمهور".

السبب الآخر هو النمو الاقتصادي، الذي حسب أفريئيل سيكون صفرا في العام الماضي، بسبب الحرب، وبشكل رئيس بسبب تجنيد جنود الاحتياط. وحقيقة أن الناتج المحلي الإجمالي لم ينخفض ​​ليس أمرا غير مُبهر برأيه، لأن هناك تراجعاً اقتصادياً بنحو 2%، من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يعكس بشكل أفضل مستوى معيشة كل واحد منا. بعبارة أخرى: في العام 2024 أصبحنا أكثر فقرا، واتسعت الفجوة بيننا وبين البلدان الأخرى، التي استمرت في النمو كالمعتاد، حتى وإن لم يكن بمعدلات مرتفعة بشكل خاص، مرة أخرى.

وقال إن "سنة من الجمود تحدث أحيانا كما في الأزمة المالية السابقة، والأزمة الاقتصادية في فترة وباء كورونا، لكن هذه الأحداث مضت، بينما اليوم تبدو الحكومة الإسرائيلية مهتمة بشن الحرب لفترة طويلة. وبالنظر إلى العام الجديد، يتحدث معظم المتنبئين عن العودة إلى النمو، على سبيل المثال يتوقع بنك إسرائيل نموا بنحو 3.8% للعام 2025. لكن هذه توقعات مبنية على نهاية الحرب، إذ أن خبراء الاقتصاد لم ينسقوا مواقفهم مع إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش وسارة نتنياهو، وهم أشخاص لا يرون في الاستقرار الأمني ​​والهدوء مصلحتهم"، بحسب تأكيد أفريئيل.

ويقدّر أفريئيل بأن يصل العجز في الموازنة العامة في العام الماضي إلى 9% من حجم الناتج العام، بمعنى حوالى 50 مليار دولار، وهذه نسبة لم تذكرها أي جهة اقتصادية. ويقول إنه في العام الجديد سيستمر العجز عاليا، حتى ولو أقل من هذه النسبة.

وارتفاع العجز سيقود إلى زيادة المديونية، ففي نهاية العام 2024، من المتوقع أن يصل الدين العام لإسرائيل إلى نحو 68.3% من الناتج المحلي الإجمالي، وربما أكثر، مقارنة بـ 62% قبل عام. وهذا من شأنه أن يزيد الأعباء على الميزانية العامة، بزيادة حجم التسديد، وأيضا الفوائد التي ستكون أعلى من ذي قبل، بسبب خفض مستوى اعتمادات إسرائيل في مؤسسات التصنيف الائتماني العالمية.

المصطلحات المستخدمة:

الكنيست, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات