المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
من الاحتجاجات على "الانقلاب القضائي" في تل أبيب، 29 تموز، 2023. (أ.ب)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 17
  • سليم سلامة

"في الوقت الذي يعبر فيه كثيرون جداً عن قلق عميق من تآكل القيم الديمقراطية في إسرائيل، أرى من الضروري التذكير بالحقيقة المركزية التالية والتأكيد عليها: لا بديل عن الديمقراطية الإسرائيلية" ـ هذا ما اختتم به رئيس دولة إسرائيل، إسحق هرتسوغ، تعقيبه على النتائج الأبرز التي حملها تقرير "مؤشر الديمقراطية الإسرائيلية لسنة 2024"، الذي قدّمه إليه في "مقر رؤساء إسرائيل" في مدينة القدس، يوم 17 كانون الأول الماضي، وفد رسمي عن "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" ضمّ كلاً من رئيس المعهد، يوحنان بلسنر، والبروفيسور تمار هيرمان، مديرة "مركز فيطربي لدراسة الرأي العام والسياسات" التابع للمعهد.

وقال هرتسوغ: "لقد شكلت ثقتنا بأنفسنا، بشعبنا وبدولتنا، على الدوام، حجر الأساس بالنسبة لنا. فحين تتزعزع الثقة وتتزعزع الأسس، تصبح الأمّة كلها عرضة للخطر. هذه هي المعادلة، بأبسط أشكالها وأكثر مفاهيمها قاعديّة. لهذا، فإن تراجع ثقة الجمهور بمؤسسات الدولة، والذي يجسد وجهة كان بالإمكان تلمّسها بقوة لافتة خلال السنة الأخيرة، لهو من أكثر الأسباب التي تثير القلق لديّ". وأضاف هرتسوغ: "لا أرى أنّ بالإمكان الفصل ما بين تراجع ثقة الجمهور بمؤسسات الدولة وأذرعها السلطوية من جهة، وبين ثقافة تبادل الاتهامات على شبكات التواصل الاجتماعي وفي الحيز العام، من جهة أخرى، وبين هذه كلها من ناحية أولى والتي نعيشها كلنا، كمجتمع وكدولة، من ناحية ثانية". ولجأ هرتسوغ إلى التذكير بأنّه "يجب ألا يغيب عن بالنا، حتى في هذه الفترة، بل وفيها بشكل خاص، أن أعداءنا بذلوا ويبذلون جهوداً كبيرة لإذكاء هذه الصراعات الداخلية بيننا بكل الوسائل، سواء في الفترة التي سبقت ’مذبحة’ السابع من تشرين الأول 2023 أو في أعقابها. وعلينا ألا ننسى أنهم ـ أعداءنا ـ سعوا إلى توجيه ضربة قاصمة لثقتنا الداخلية بين بعضنا البعض ووصفوا ذلك بأنه "حالة تفكك إسرائيلية". علينا ألا ننسى ذلك وعلينا عدم التخلي عن بعضنا البعض وعن الدولة ومؤسساتها". وختم قائلاً: "ينبغي علينا العمل بكل السبل لإعادة ثقة الجمهور بالدولة وبمؤسساتها، لأن هذه الثقة هي الثروة الأهمّ في أي دولة".

تنبغي الإشارة هنا إلى أن كلام هرتسوغ هذا جاء قبل أسبوع واحد فقط من التحقيق الصحافي الذي نشرته صحيفة "هآرتس" وكشف النقاب عن شبهات حول تورط هرتسوغ، إبان إشغاله منصب "رئيس المعارضة" في الكنيست الإسرائيلي في العام 2017، في مخالفات فساد إداري (استغلال صداقته مع أرنون ميلتشين، المتورط في تقديم الرشاوى لبنيامين نتنياهو، لخدمة مصالح خاصة) ومخالفات جنائية (عرقلة مجريات التحقيق والإجراءات القضائية من خلال محاولة التأثير على هداس كلاين، شاهدة الادعاء الرئيسة ضد نتنياهو في محاكمته بتهمة تلقي الرشاوى من ميلتشين، التي كانت كلاين مساعدته الأولى والأقرب).  

"سلطات الحُكم لم تعد تعمل لمصلحة المواطن"

من جهته، قال يوحنان بلسنر، رئيس "المعهد"، إن "حالة الانهيار التي نشهدها في كل ما يتصل بثقة المواطن بسلطات الحكم ومؤسساته الديمقراطية، هي شارة تحذير قوية إلى أن قطاعاً واسعاً من المواطنين يشعر بأنّ سلطات الحكم لم تعد تعمل من أجل مصلحته ومن أجل المصلحة العامة المشتركة... إننا إزاء حالة من الانشغال الكلي، الهوسي الاستحواذي، في تفكيك منظومات الحكم المهنية والدوس على تقاليد تم إرساؤها عبر سنوات طويلة، وذلك سعياً إلى إزالة القيود والكوابح، تعزيز القوة السياسية ودفع المقربين إلى واجهة الحكم على حساب المصلحة العامة". وقال: "علينا أن نصحو ونوقف هذا الانزلاق قبل أن يصبح الوقت متأخراً".

وقالت البروفيسور تمار هيرمان إن "الشعور السائد هو أن الديمقراطية الإسرائيلية تواجه خطراً كبيراً. شعور التضامن والتعاضد الذي بلغ ذروته في أعقاب أحداث 7 تشرين الأول تآكل بدرجة كبيرة، إضافة إلى الهبوط المستمر في مدى الشعور بالأمن (وخاصة بين الجمهور العربي) مصحوباً بالاعتقاد أنّ الأجهزة الأمنية في إسرائيل ليست حيادية من ناحية سياسية".

يُذكر أن "مؤشر الديمقراطية الإسرائيلية" هو استطلاع سنوي للرأي العام يجريه "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" في أواخر كل عام وقد أجراه هذه السنة، 2024، للسنة الـ 22 على التوالي ويحاول من خلاله رسم صورة مركبة عن "الحالة الإسرائيلية" في كل ما يتعلق منها بأداء المؤسسات العامة ومستوى المناعة الديمقراطية ومدى ثقة الجمهور العام بمؤسسات الدولة ودرجة التكاتف الداخلي في المجتمع الإسرائيلي. ويرمي هذا المؤشر إلى كشف وجهات التطور في المجتمع الإسرائيلي في القضايا المتصلة بتحقيق القيم والأهداف الديمقراطية، إضافة إلى تحليل النتائج الذي يساهم في إغناء النقاش العام حول الأوضاع في إسرائيل وإنشاء قاعدة بيانات واسعة وعميقة تزيد في تعميق النقاش المذكور وإغنائه. وقد أجري الاستطلاع للعام الأخير على مرحلتين بسبب ظروف الحرب التي سادت الدولة، فكانت المرحلة الأولى في الفترة ما بين 16 و29 أيار 2024 ثم كانت المرحلة الثانية في الفترة بين 28 تشرين الأول و3 تشرين الثاني 2024.

الحكومة، الكنيست والأحزاب ـ في الحضيض!

من أبرز النتائج التي تمخض عنها استطلاع الآراء المسمى "مؤشر الديمقراطية الإسرائيلية" لسنة 2024 أنّ أغلبية واضحة من بين اليهود الإسرائيليين (58 بالمائة) تقدّر بأنّ النظام الديمقراطي في دولة إسرائيل مهدّد بخطر الانهيار؛ لكنّ نسبة الذين يعتقدون هذا من بين من يؤطّرون أنفسهم في "معسكر اليسار" تبلغ 94 بالمائة وبين المنتمين إلى "معسكر الوسط" 71 بالمائة، بينما لا تزيد نسبتهم بين المنتمين إلى "معسكر اليمين" عن 38 بالمائة. وإذا كان 54 بالمائة من اليهود يعتقدون بأنّ الديمقراطية الإسرائيلية تواجه خطراً حقيقياً وجدياً، فإنّ الذين يعتقدون ذلك من بين المواطنين العرب في دولة إسرائيل هم 78 بالمائة.

على صعيد ثقة الجمهور بالمؤسسات والأذرع الرسمية في الدولة، لا يزال الجيش الإسرائيلي يحظى بمستوى الثقة الأعلى (77 بالمائة في تشرين الأول 2024)، على الرغم من الهبوط الطفيف بالمقارنة مع المتوسط السنوي العام (79,5 بالمائة). ومن الواضح أن هذه النسبة الأخيرة ـ في تشرين الأول الأخير ـ جاءت مرتفعة بصورة واضحة عما كانت عليه في أعقاب "السابع من تشرين الأول 2023" وهجوم حركة حماس على جنوب إسرائيل، إذ شهدت تراجعاً كبيراً آنذاك، إلا أنها عادت إلى الارتفاع في أعقاب جرائم الحرب العديدة التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي خلال حرب الإبادة ضد قطاع غزة والحرب العدوانية ضد لبنان وما تخللهما من عمليات اغتيال عديدة لقادة سياسيين وعسكريين، فلسطينيين ولبنانيين. 

أما شرطة إسرائيل، فقد حصل تراجع كبير في مستوى ثقة الجمهور العام بها، من 55 بالمائة في كانون الأول 2023 إلى 37 بالمائة فقط في تشرين الأول 2024، وذلك جراء ممارسات الشرطة خصوصاً في كل ما يتعلق بقمع المظاهرات والفعاليات الاحتجاجية المختلفة ضد "برنامج الانقلاب على السلطة"، أو ما تسميه الحكومة وائتلافها "برنامج الإصلاح القضائي".

وأدنى من ذلك، أيضاً، كانت نتائج الاستطلاع بشأن ثقة الجمهور العام بالمؤسسات السياسية التي حصل هبوط آخر في نسبة الثقة بها فجاءت في الحضيض، استمراراً لما كان الوضع عليه في استطلاعات الرأي السابقة ـ رئيس الدولة (من 54 بالمائة في 2023 إلى 48 بالمائة الآن)، الحكومة (من 28 بالمائة في 2023 إلى 19 بالمئة الآن)، الكنيست (من 24 بالمائة في 2023 إلى 13 بالمائة الآن) والأحزاب السياسية (من 13 بالمائة في 2023 إلى 9 بالمائة الآن) ووسائل الإعلام (من 27 بالمائة إلى 25 بالمائة).

وسُئل المشاركون في استطلاع الرأي العام عن تقييمهم للتوازن بين "المركّب "اليهودي" والمركّب "الديمقراطي" في هوية دولة إسرائيل وتعريفها كدولة "يهودية ديمقراطية"، فأظهرت النتائج أن الرأي السائد بين المشاركين اليهود (40 بالمائة) هو أن المركّب اليهودي أقوى وهو الطاغي، بينما رأى نحو الربع منهم (26 بالمائة) أن المركب الديمقراطي هو الأقوى وقال 20 بالمائة إن ثمة توازناً بين كلا المركّبين. أما من بين المشاركين العرب في الاستطلاع فكان رأي الأغلبية (72 بالمائة) أن المركّب اليهودي "قوي جداً وهو الطاغي".

"وضع إسرائيل سيء ـ سيء جداً"

خلال شهر أيار 2024 طرأ ارتفاع حاد جداً في نسبة اليهود الإسرائيليين الذين يعتبرون "وضع دولة إسرائيل اليوم" ما بين "سيء وسيء جداً" ـ من 45 بالمائة في 2023 إلى 60 بالمائة في أيار 2024. وحسب التوزيعة السياسية ـ الحزبية: 89 بالمائة من مصوتي "اليسار"، 74 بالمائة من مصوتي "الوسط" مقابل 45 بالمائة من مصوتي اليمين. ومقابل ذلك، حصل انخفاض حاد، أيضاً، في نسبة اليهود الذين يعرّفون وضع الدولة اليوم بأنه "جيد أو جيد جداً" ـ من 22 بالمائة في 2023 إلى 12 بالمائة في أيار 2024.

أما بين المشاركين العرب في الاستطلاع، فإن نسبة الذين يعتبرون وضع الدولة بين "سيء وسيء جداً" فهو أعلى من نسبتهم بين اليهود وتبلغ 67 بالمائة.

في الإجابات على السؤال حول التهديد الوجودي الداخلي الأخطر على دولة إسرائيل، أظهرت النتائج أن "خلافات الرأي حول التوازن المطلوب بين يهودية الدولة وديمقراطيتها" يحتل المكان الأول (بنسبة 29 بالمائة) بين المشاركين اليهود في الاستطلاع، ويأتي خلفه في المكان الثاني "ثقة الجمهور المتدنية بمؤسسات الحكم" (بنسبة 26 بالمائة). أما بين المشاركين العرب في الاستطلاع، فيحتل "التوتر بين اليهود والعرب" المكان الأول (بنسبة 39 بالمائة) بين التهديدات الوجودية الداخلية الأخطر على دولة إسرائيل، يليه في المكان الثاني (بنسبة 19 بالمائة) "السيطرة الإسرائيلية على المناطق الفلسطينية" (المحتلة).

وفي الحديث عن التهديدات الوجودية الخارجية الأخطر، يرى المشاركون اليهود والمشاركون العرب، على حد سواء، أن "الحرب الشاملة متعددة الجبهات" هي التي تحتل المكان الأول (بنسبة 37 بالمائة بين اليهود وبنسبة 32 بالمائة بين العرب).

المصطلحات المستخدمة:

رئيس دولة إسرائيل, هآرتس, تلم, الكنيست

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات