المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
صورة أرشيفية لأحد حوادث العمل في موقع بناء في إسرائيل. (واي نت)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 51
  • هشام نفاع

أصدرت منظمة "عنوان العامل"، الناشطة لمواجهة التحديات والمخاطر التي يقف أمامها العمال في إسرائيل، تقريرها حول حوادث العمل خلال العام 2024، وخصائص هذه الحوادث التي جاءت في عام استثنائي بسبب الحرب المتواصلة منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023. وفي العنوان العريض جاء في التقرير أن 69 عاملاً فقدوا حياتهم في حوادث عمل خلال العام 2024، منهم 37 عاملاً في قطاع البناء، وهو ما يمثل 54% من إجمالي الضحايا.

يشدّد التقرير على أن هذه الأرقام ظلّت مشابهة للسنوات السابقة، وهذا على الرغم من انخفاض النشاط الاقتصادي عموماً بسبب الحرب، وفي الأشهر الأولى منها خصوصاً، في القطاعات التي تتميز بنسبة عالية من الحوادث مقارنة بغيرها. ففي العام 2024، كان معدل الحوادث 13.136 حادث و1.52 ضحية لكل 100,000 عامل في جميع القطاعات، وهي أرقام مماثلة للعام 2022. أما معدل القتلى في قطاع البناء فبلغ 13.727 ضحية لكل 100,000 عامل في القطاع، وهو ما يزيد عن ضعفي متوسط الاتحاد الأوروبي الذي بلغ 6.3 ضحية فقط.

تنوّه المنظمة في التقرير إلى  أنه لا يتم دائماً نشر هوية الضحايا، ولكن يتضح من البيانات المتوفرة، أن 29% من القتلى في حوادث العمل في مختلف القطاعات كانوا عرباً من مواطني إسرائيل، وحوالى 21% كانوا إسرائيليين يهود، و20% كانوا فلسطينيين من "سكان السلطة الفلسطينية"، كما جاء.

ومن الواضح أن هناك انعداما تاما للتناسب بين هوية القتلى وبين نسبة مجتمعهم من عدد السكان؛ فنسبة القتلى العمال العرب أكبر من نسبة المواطنين العرب، ونسبة القتلى العمال اليهود أقل كثيراً من نسبة المواطنين اليهود.

السقوط من ارتفاع هو السبب الرئيس لحوادث العمل

وفقاً للبيانات فإنه في جميع القطاعات التشغيلية، كان السقوط من ارتفاع هو السبب الرئيس لحوادث العمل، حيث شكل 49% من الحوادث التي كانت الإصابات فيها متوسطة إلى  خطيرة، بينما كان سقوط الأجسام والأغراض من ارتفاع السبب في 17% من الحوادث المبلغ عنها.

في قطاع البناء ما زال السقوط من ارتفاع السبب الرئيس للحوادث القاتلة، حيث تمثل حوادث السقوط 59.5% من الوفيات (22 من أصل 37). أما سقوط الأجسام الثقيلة فجاء في المرتبة الثانية بنسبة 19% (7 من أصل 37)، يليه انهيار الهياكل أو السقالات بنسبة 11% (4 من أصل 37). وفي قطاع الصناعة في العام 2024، كان سقوط الأجسام الثقيلة على العمال السبب الرئيس للوفيات في حوادث العمل ضمن قطاع الصناعة، حيث مثلت 38.5% من الحالات (5 من أصل 13).

مع ذلك، فإن معظم أوامر السلامة والأمان في أماكن العمل التي صدرت هذا العام، كانت تتعلق بانتهاكات قانون الكهرباء، تشغيل المصاعد غير المطابقة، أو عدم إجراء تقارير الفحص لسخّانات الماء بواسطة مفتش معتمد. وبحسب تقرير إدارة السلامة، فإن هناك حوالى 80 مفتشاً، وفي العام 2024 أصدرت إدارة السلامة 2,481 أمر سلامة. وشهد العام 2024 انخفاضاً بنسبة 4% في عدد أوامر السلامة مقارنة بالعام السابق، استكمالاً للاتجاه التنازلي منذ العام 2020.

لا تغييرات جوهرية في "ثقافة السلامة" في إسرائيل

يتضح من التقرير أنه، وعلى الرغم من الحرب التي اندلعت في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، ما زالت حوادث العمل الخطيرة تمثل عائقاً رئيساً في سوق العمل في إسرائيل. وهذا على الرغم من الانخفاض الطفيف في البيانات خلال النصف الأول من العام 2024، الذي يُعزى إلى  منع دخول العمال الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة للعمل داخل إسرائيل (باستثناء "أماكن العمل الحيوية")، وما وصفه التقرير بـ "استمرار القتال على خطوط المواجهة"، مما أدى إلى  عدم استئناف قطاع البناء نشاطه الكامل، وتقليص نطاق العمل في قطاعات الصناعة والزراعة مقارنة بما كان عليه قبل الحرب. ومع ذلك، يتابع التقرير، تُظهر البيانات أن عدد حوادث العمل ذات الخطورة المتوسطة والشديدة، وكذلك عدد القتلى في الحوادث عبر جميع القطاعات، كان مشابهاً لأرقام العام 2022، مما يشير إلى  عدم حدوث تغييرات جوهرية في "ثقافة السلامة" في إسرائيل.

وباستثناء إصدار تعليمات تنفيذية من قبل مسجل المقاولين لمعالجة انتهاكات السلامة، لم يحدث أي تغيير في تنظيمات السلامة للعام 2024. ورغم بدء المناقشات حول لوائح البناء الجديدة في لجنة العمل والرفاه بالكنيست، ما زال الطريق طويلاً لاستكمال عملية التشريع. في المقابل، أدت التغيرات في سياسة الهجرة التي أجريت تحت مظلة الحرب، وفتح المجال لاستقدام عمال بدون رقابة كافية، إلى  زيادة تعرض العمال الحاليين والجدد للمخاطر الصحية والسلامة، خاصة في القطاعات ذات معدل الحوادث المرتفع.

قرارات استبدال العمال الفلسطينيين زادت مخاطر العمل

أمام منع دخول وتشغيل العمال الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة، جاءت بعض قرارات لجنة المديرين العامين بشأن استقدام العمال الأجانب، والتي تمت بموجب قرار حكومي في أيار 2024، بهدف تغيير تركيبة العمال في قطاعات البناء، الزراعة، والصناعة. هذه القرارات تسمح باستبدال العمال الفلسطينيين في قطاع البناء بعمال مهاجرين من دول مختلفة، بما في ذلك دول لم تُبرم معها اتفاقيات ثنائية.

وتؤكد المنظمة: لقد ثبت أن هذا الأسلوب يزيد من مخاطر السلامة والأمان للعمال.  إضافة إلى  ذلك، فإن دخول العمال المهاجرين إلى  قطاعات أخرى لا تسري عليها قوانين السلامة الحالية ولا تخضع لأي رقابة حكومية في هذا الشأن، يعرّض هؤلاء العمال للاستغلال وسوء المعاملة ويهدد سلامتهم. ويصبح الوضع أكثر خطورة بالنظر إلى  أن هذه التغييرات تتم بدون زيادة الموارد المحدودة، أصلا، المخصصة للإشراف على وتطبيق القانون ضد انتهاكات السلامة والصحة المهنية، مما يؤدي إلى  تفاقم الوضع المتردي في أماكن العمل، لا سيما في مواقع البناء، معامل الصناعة، وقطاع الزراعة.

لذلك، تطالب المنظمة وزير العمل بوقف هذا الإهمال المستمر في ما يخص سلامة العمال، ومنع استقدام عمالة غير مدربة يتم تشغيلها في ظروف عمل استغلالية، خاصة في ظل غياب الموارد الكافية للإشراف وإنفاذ القوانين. كما نوصي، كما جاء في تقارير سابقة، بأن تعمل وزارة العمل على تغيير منظومة الحوافز السلبية والإيجابية في قطاع البناء وبقية القطاعات الاقتصادية، ووضع خطة وقائية واستباقية لتطبيق قوانين السلامة لصالح رفاهية وأمان جميع العمال.

ما زال البناء أخطر قطاعات العمل والعرب أكثر ضحاياه

قطاع البناء ما زال القطاع الأكثر خطورة، حيث أن 50% من المصابين بإصابات متوسطة أو خطيرة في حوادث العمل خلال العام 2024 كانوا من العاملين في هذا القطاع (266 عاملاً من أصل 529). كما أن 54% من القتلى في حوادث العمل كانوا أيضاً من قطاع البناء (37 عاملا من أصل 69). هذه الأرقام مرتفعة، وربما كانت لتصبح أعلى لولا توقف قطاع البناء إلى  حد كبير خلال الأشهر الأولى من العام 2024 بسبب الحرب، واستمرار هذا القطاع بالعمل بوتيرة منخفضة خلال بقية العام نتيجة منع دخول العمال الفلسطينيين.

ويفصّل التقرير: لقد بلغ معدل الحوادث في قطاع البناء العام 2024 حوالى 97.2 حادث لكل 100,000 عامل في القطاع، بينما كان معدل القتلى 13.727 قتيل لكل 100,000 عامل. على الرغم من أن هذا الرقم يمثل انخفاضاً مقارنة بالعام 2023 (عندما كان معدل القتلى 15.35)، إلا أنه لا يزال أعلى بكثير من متوسط الاتحاد الأوروبي، حيث يبلغ 6.3 قتيل فقط لكل 100,000 عامل. كما أن النسبة تتجاوز معدلات العام 2022 التي كانت 12.25 قتيل لكل 100,000 عامل. هذه الأرقام تؤكد أن قطاع البناء لا يزال بحاجة ماسة إلى  تحسين إجراءات السلامة وتعزيز الرقابة لضمان حماية العمال وتقليل الحوادث والوفيات.

ويشير التقرير إلى  أنه عند النظر إلى  قطاع البناء تحديداً، بقيت نسبة العرب مواطني إسرائيل بين الضحايا مشابهة، بينما ارتفعت نسبة العمال الفلسطينيين والصينيين بين القتلى. فقد كان ربع الضحايا من الفلسطينيين، بينما 14% كانوا عمال مهاجرين من الصين.

زيادة في الحوادث خلال النصف الثاني من العام

وفقاً للمنظمة فقد تم في النصف الثاني من العام 2024 توثيق 348 إصابة مقارنة بـ 250 إصابة عمل في النصف الأول. يُعزى هذا الفارق بشكل كبير إلى  تأثير الحرب، حيث تأثرت قطاعات العمل في العديد من المصانع والمزارع، وتوقف قطاع البناء بشكل شبه كامل. وتقدّر أنه من المحتمل أن هذا التوقف كان سبباً رئيساً في انخفاض تقارير حوادث العمل خلال النصف الأول مقارنة بالنصف الثاني، الذي شهد عودة النشاط الاقتصادي بمعدلات أعلى. أي أن الأرقام قد لا تعكس صورة الوضع الحقيقية، أيضاً، لعدم توفر بيانات ومتابعة وتسجيل.

كذلك، فإن معظم حوادث العمل وقعت في تل أبيب والقدس، لكن في مدن مثل حولون والرملة تضاعف عدد الحوادث الخطيرة مقارنة بالعام 2023. بينما في مدن مثل نتانيا، حيفا، كريات غات، أشكلون، هرتسليا، الرملة، ورعنانا، كانت هناك إجراءات إنفاذ منخفضة نسبياً رغم العدد الكبير من الحوادث الخطيرة المبلغ عنها. ويلاحظ التقرير أنه ما زال هناك نقص في التعاون بين السلطات المحلية وإدارة السلامة، حيث أن المفتشين من هذه السلطات لا يعملون في قضايا السلامة في العمل.

توزيع حالات مصرع العمال حسب القطاعات (2019-2024) 

يقول التقرير إنه استناداً إلى  البيانات التي جمعها فريق "عنوان العامل" ومتطوعو المنظمة، بالاعتماد على تقارير وسائل الإعلام ومنظمات الإنقاذ المركزية (مثل: خدمة الإسعاف - نجمة داود الحمراء، اتحاد الإنقاذ، وسلطة الإطفاء)، تم توزيع الوفيات في حوادث العمل حسب القطاعات كالتالي: 

- قطاع البناء: 37 حالة وفاة (54%). 

- قطاع الزراعة: حالتان (3%). 

- قطاع الخدمات والتجارة: 12 حالة (17%). 

- قطاع الصناعة: 13 حالة (19%). 

- حالات لم يُنشر موقع العمل: 5 حالات (7%). 

أما الإصابات بين متوسطة وخطيرة في حوادث العمل العام 2024، فمن بين 589 حادث عمل تم الإبلاغ عنها من قبل منظمات الإنقاذ، سُجلت 437 إصابة متوسطة، 92 إصابة خطيرة.

كان عدد المصابين في النصف الأول من العام أقل بشكل ملحوظ مقارنة بالنصف الثاني (250 مقابل 348). ويُعزى هذا التفاوت إلى  تأثير الحرب التي أدت إلى  توقف قطاع البناء، وتقليص نشاط بعض المصانع والمزارع في بداية العام 2024. 

في الحصيلة النهائية، فإن معدل الحوادث: 13.136 حادث لكل 100,000 عامل. ومعدل الوفيات: 1.52 حالة وفاة لكل 100,000 عامل.  ورغم تقليص النشاط بسبب الحرب، ظل قطاع البناء الأكثر خطورة. وقد سبق لمنظمة "عنوان العامل" أن أكدت أنه في العام 2020، قتل 35 عامل بناء – 53% من مجمل قتلى حوادث العمل في تلك السنة. وفي العام 2019، قتل 47 عامل بناء شكّلوا 57% من مجمل قتلى حوادث العمل في تلك السنة. وتشير معطيات نشرها الاتحاد الأوروبيّ إلى  أنّ عدد قتلى حوادث العمل في قطاع البناء في إسرائيل وصل إلى الأكبر والأكثر بروزاً بحسب مقياس عالميّ.

المصطلحات المستخدمة:

نجمة داود الحمراء, هرتسليا, نتانيا, حولون

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات