لم يكن ثمة ما هو طبيعيّ، بالتأكيد، أكثر من توقع ردود الفعل الإسرائيلية، السياسية والقضائية والإعلامية، الرسمية منها وغير الرسمية على حد سواء، والتي أجمعت على استخدام شعار "معاداة السامية" الجاهز لوصف ومهاجمة قرار "محكمة الجنايات الدولية" إصدار مذكّرتي اعتقال دوليتين بحق رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع السابق، يوآف غالانت (من 29 كانون الأول 2022 حتى يوم 7 تشرين الثاني 2024)، بشبهة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة خلال حرب الإبادة الشاملة التي شنتها عليه ـ ولا تزال ـ تحت اسم "حرب السيوف الحديدية"، ابتداء من يوم 8 تشرين الأول 2023 حتى يومنا هذا، غداة الهجوم الذي شنته "كتائب القسام"، الجناح العسكري لحركة حماس، على القواعد العسكرية والبلدات الإسرائيلية في منطقة ما يسمى "غلاف غزة" في جنوب إسرائيل، والملاصقة للحدود مع قطاع غزة.
وقد اختارت إسرائيل، الرسمية وغير الرسمية، السياسية والإعلامية والقضائية، اللجوء إلى إشهار سيف "معاداة السامية" المثلوم، بكل ما فيه من لعب دور الضحية والتباكي من "كراهية اليهود"، لمواجهة هذا القرار الدوليّ الذي يسجل سابقة مدوّية في تاريخ إسرائيل سيكون لها ما بعدها الكثير، بالرغم من أن اتجاه الريح كان معروفاً، بل يمكن القول مؤكداً، منذ أشهر غير قليلة حاولت إسرائيل خلالها شن حرب تشهيرية شخصية ضد المدعي الرئيسي في المحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، لمحاولة توريطه في "قضية أخلاقية" ثم الدفع نحو إقصائه عن منصبه سعياً لإلغاء الطلب الذي كان تقدم به إلى المحكمة من أجل استصدار مذكرات الاعتقال هذه. وقد فعلت إسرائيل ذلك، بجهود كبيرة ومتعددة الموارد والمستويات، بدلاً من محاولة التصدي لطلب خان المذكور ودحضه بحجج وطعون موضوعية، تبيَّن بصورة جليّة لاحقاً ما كان واضحاً من قبل ـ أنّ إسرائيل لا تمتلك مثل هذه الحجج والطعون فعلياً، وهو ما يفسّر القول السالف عن أن "اتجاه الريح كان معروفاً، بل مؤكداً يمكن القول".
القرار في خلفياته وأبعاده ومفاعيله المحتملة
في يوم الخميس الأخير، الموافق 21 تشرين الثاني الحالي، أعلنت "محكمة الجنايات الدولية"، من مقرها الرسمي الدائم في مدينة لاهاي (هولندا)، أنها قررت ـ بإجماع أعضاء تركيبتها القضائية المؤلّفة من ثلاثة قضاة ـ إصدار مذكّرتيّ اعتقال دوليتين بحق كل من رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت، للاشتباه بهما بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. كما أصدرت المحكمة، أيضاً، مذكرة اعتقال ثالثة ضد القائد العسكري في "كتائب القسام"، محمد ضيف، الذي أعلنت إسرائيل فقط أنه اغتالته بينما لم تُعلن حركة حماس استشهاده رسمياً، بينما أعلنت الحركة رسمياً استشهاد رئيسيّ مكتبها السياسي الأخيرين، إسماعيل هنية ويحيى السنوار، الأمر الذي قطع الطريق على المحكمة لإصدار مذكّرتيّ اعتقال بحقهما، بموجب الطلب الرسمي الذي كان قدمه إليها المدعي الرئيسي.
وأوضحت المحكمة، في قرارها، أن مذكّرتيّ الاعتقال ضد نتنياهو وغالانت هما عن الفترة الممتدة من يوم 8 تشرين الأول 2023 وحتى يوم 20 أيار 2024 (هو اليوم الذي قدم فيه المدعي العام طلبه، كما سنبين لاحقاً)، والتي توفر عنها لدى المحكمة "أساس معقول للاشتباه بأنهما نفّذا جرائم حرب في قطاع غزة". وأقرّت المحكمة أن نتنياهو وغالانت مسؤولان عن الجرائم التالية: التجويع كطريقة قتالية، القتل، الملاحَقة وتوجيه الهجمات ضد سكان مدنيين بصورة متعمّدة. وشدد القرار على أنّ ثمّة "أساساً معقولاً للاعتقاد بأنّ كلا الرجلين قد منعا، بصورة واعية ومتعمّدة، وصول مواد ومعدّات حيوية لبقاء السكان المدنيين في قطاع غزة على قيد الحياة، بما في ذلك الغذاء، المياه، الأدوية، التجهيزات الطبية، الوقود والكهرباء". وعلّلت المحكمة اعتقادها هذا بأنّ نتنياهو وغالانت اضطلعا بدور واضح في منع وصول المساعدات الإنسانية، وهو ما يشكل انتهاكاً للقانون الدولي. وأضافت المحكمة أن سلوك الرجلين أدى إلى "إعاقة قدرة المنظمات الإنسانية على توفير المساعدات الضرورية وإيصالها إلى المواطنين المدنيين في قطاع غزة".
وجزمت المحكمة بأنها "لم تجد أية حاجة عسكرية واضحة، أو أي مبرر، للتقييدات التي فرضتها إسرائيل على المساعدات الإنسانية إلى سكان قطاع غزة". ومن هنا، فإنّ ثمّة "أساساً معقولاً للافتراض بأن النقص في المواد والمعدات والتجهيزات قد خلق الظروف التي أعِدّت لإبادة جزء من السكان المدنيين في القطاع". وأشار قضاة المحكمة الثلاثة إلى أنه "ليس في الإمكان الإقرار بأنّ جميع مركّبات جريمة الإبادة الجماعية قد تحققت" (وهذا موضوع مطروح أمام "محكمة العدل الدولية"، بموجب الدعوى التي تقدمت بها إليها جمهورية جنوب أفريقيا، وهو ليس من اختصاص هذه المحكمة ـ محكمة الجنايات الدولية). وقررت المحكمة أن نتنياهو وغالانت "مسؤولان أيضاً عن التسبب بالمعاناة، من خلال أعمال لا إنسانية". وهنا، نوّه القضاة على سبيل المثال بالمرّات العديدة التي اضطر فيها أطباء وطواقم طبية مختلفة إلى إجراء عمليات جراحية لمصابين، بمن فيهم أطفال، بدون مواد تخدير إضافة إلى اضطرارهم إلى استخدام وسائل غير آمنة لتهدئة المرضى، الأمر الذي تسبب لهم بآلام ومعاناة شديدة القسوة. وبناء عليه، سجّلت المحكمة أن كلا الرجلين مشتبه بهما بارتكاب جريمة "الأعمال غير الإنسانية"، التي تشكل جريمة ضد الإنسانية. كما أقرت المحكمة، أيضاً، بأنّ سلوك المذكورَيْن أدى إلى حرمان العديد جداً من المواطنين المدنيين في قطاع غزة من العديد من حقوقهم الأساسية وأن تنقيل السكان من مواقع سكنهم قد جرى على أساس اعتبارات سياسية. وبناء على ذلك، خلصت المحكمة إلى أن نتنياهو وغالانت مشتبه بهما بارتكاب جريمة "الملاحقة"، التي تشكل أيضاً جريمة ضد الإنسانية.
وقد سجّلت المحكمة، في قرارها، أنها قد صنّفت مضمون مذكّرتيّ الاعتقال ضد نتنياهو وغالانت بأنه "سريّ" وذلك بغية "حماية الشهود ومنع عرقلة التحقيقات التي لا تزال جارية في القضية". ومع ذلك، أشار القضاة إلى أنهم قرروا النشر عن إصدار مذكّرتيّ الاعتقال "لأنّ السلوك الذي أدى إلى ذلك ما زال مستمراً"، أي سلوك الحكومة الإسرائيلية، رئيسها ومسؤوليها السياسيين والعسكريين.
وكانت هذه الإشارة من جانب قضاة المحكمة الدولية سبباً وجيهاً لإثارة مخاوف كبيرة وجدية في إسرائيل من احتمال أن تكون المحكمة قد أصدرت، أيضاً، مذكّرات اعتقال ضد قادة عسكريين إسرائيليين أو احتمال أن تقوم بذلك في الفترة القريبة المقبلة.
وكان مُدعي عام المحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، قد طلب من المحكمة، يوم 20 أيار الماضي، وبعد سلسلة من التحقيقات الجنائية التي أجراها مكتبه، إصدار مذكّرات اعتقال ضد نتنياهو وغالانت، كما ضد إسماعيل هنية ويحيى السنوار ومحمد ضيف، بشبهة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. ثم عاد خان وكرر طلبه مشدداً على ضرورة "الإسراع وبدون تأخير" في إصدار مذكّرتيّ الاعتقال ضد نتنياهو وغالانت، لأنّ "أي تأخير غير مبرر في هذه الإجراءات يؤثر سلباً على حقوق الضحايا". ومنذ ذلك اليوم (في أيار) شرعت أذرع الحكومة الإسرائيلية المختلفة في محاولة لتوريط خان في "قضية أخلاقية" سعياً منها لاضطراره إلى التراجع عن طلبه المذكور أو دفعه إلى الاستقالة من منصبه تماماً.
وفي موازاة مساعيها التوريطية هذه، تقدمت إسرائيل إلى المحكمة بطعون وطلبات تطرقت إليها المحكمة في قرارها الذي صدر يوم الخميس الأخير فكتب القضاة أن المحكمة استقبلت طلبين قدمتهما إسرائيل يوم 26 أيلول الأخير. في طلبها الأول، طعنت إسرائيل في اختصاص المحكمة بشأن الوضع في دولة فلسطين بشكل عام، وعلى "المواطنين الإسرائيليين" بشكل أكثر تحديداً، استناداً إلى المادة 19(2) من النظام الأساسي للمحكمة.
أما في الطلب الثاني، فقد طلبت إسرائيل من المحكمة أن تأمر الادعاء بتقديم إخطار جديد بشأن بدء التحقيق إلى سلطاتها بموجب المادة 18(1) من النظام الأساسي. كما طلبت أيضاً وقف أي إجراءات أمام المحكمة في القضية ذات الصلة، بما في ذلك النظر في طلبات إصدار مذكرتيّ اعتقال ضد نتنياهو وغالانت.
في ما يتعلق بالطلب الأول، قالت المحكمة "إن قبول إسرائيل لاختصاص المحكمة ليس مطلوباً، حيث يمكن للمحكمة ممارسة اختصاصها على أساس الاختصاص الإقليمي لفلسطين، كما حددته المحكمة التمهيدية الأولى في تشكيل سابق". وعلاوة على ذلك، اعتبرت المحكمة أنه بموجب المادة 19(1) من النظام الأساسي، "لا يحق للدول الطعن في اختصاص المحكمة بموجب المادة 19(2) قبل إصدار أمر الاعتقال. وبالتالي فإن طعن إسرائيل سابق لأوانه".
أما بالنسبة للطلب الثاني، فقد رفضت المحكمة طلب إسرائيل بموجب المادة 18(1) من النظام الأساسي وأشارت إلى أن "الادعاء كان قد أخطر إسرائيل ببدء التحقيق في العام 2021. وفي ذلك الوقت، وعلى الرغم من طلب التوضيح من جانب الادعاء، اختارت إسرائيل عدم متابعة أي طلب لتأجيل التحقيق". وأضافت المحكمة: "وعلاوة على ذلك، اعتبرت المحكمة أن معايير التحقيق في الموقف ظلت كما هي. ونتيجة لذلك، لم تكن هناك أية حاجة إلى إخطار دولة إسرائيل من جديد". وبناءً عليه، خلص القضاة إلى أنه "ليس ثمة أي سبب لوقف النظر في طلبات أوامر الاعتقال".
إشارة المحكمة هنا إلى أن "إسرائيل اختارت عدم متابعة أي طلب لتأجيل التحقيق" تستدعي منا العودة إلى ما كنا سجّلناه أعلاه عن أن "إسرائيل فعلت ذلك (أي، محاولات توريط خان)، بجهود كبيرة ومتعددة الموارد والمستويات، بدلاً من محاولة التصدي لطلب خان المذكور ودحضه بحجج وطعون موضوعية". ففي حزيران الماضي ـ أي، بعد تقديم خان طلبه إلى المحكمة ـ حذّرت المستشارة القانونية للحكومة الإسرائيلية، غالي بهراف ـ ميارا، نتنياهو من أن امتناعه عن تشكيل لجنة تحقيق رسمية للتحقيق في الحرب وما سبقها وأدى إليها "من شأنه أن يشكل خطراً على إسرائيل على صعيد القانون الدولي". وقالت المستشارة في حينه إن "أية آلية أخرى لن تلبي الاحتياجات ولن تناسب المخاطر الاستثنائية التي تواجهها الدولة حالياً". وهذا الرأي، ذاته، أكده أيضاً قاضي المحكمة العليا السابق والمستشار القانوني الأسبق للحكومة، ميني مزوز، حين قال في مقابلة أجرتها معه صحيفة "هآرتس" في الشهر ذاته (حزيران) إن "الحل الأنسب للأزمة التي تورطت فيها إسرائيل أمام المحكمتين الدوليتين في لاهاي هو تشكيل لجنة تحقيق رسمية للتحقيق في الحرب، على أن يعين أعضاءها وتشكيلتها رئيس المحكمة العليا".
وفي أيلول الأخير، نشرت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية عن "مصادر رفيعة في وزارة العدل" قولها إن عدم تشكيل لجنة تحقيق رسمية، إلى جانب عدم الالتزام بمبدأ "التتامّ" وعدم تطبيقه، "يعززان الاعتقاد بأنّ المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي سوف تُصدر بالفعل مذكّرتيّ اعتقال بحق نتنياهو وغالانت".
حتى ذلك الحين، كانت إسرائيل قد نجحت، إلى حد كبير جداً، في تجنيب جنودها وقادتها السياسيين والعسكريين تقديمهم إلى محكمة الجنايات الدولية بشكل خاص أو في محاكم جنائية في دول أخرى مختلفة، بتهمة ارتكاب جرائم حرب، عبر ادعائها الرسمي بأنها تطبق مبدأ "التتامّ" (Complementarity)، الذي يشكل شرطاً مركزياً للإعفاء من المحاكَمة الدولية. ويقضي مبدأ "التتامّ" هذا بأن لدى الدولة المعنية ـ دولة القادة السياسيين أو العسكريين المشتبه بارتكابهم جرائم حرب ـ جهازاً قضائياً مستقلاً وآليات قضائية مناسبة وقادرة على التحقيق في هذه الشبهات بصورة جدية وموضوعية. ذلك أن المحكمة الجنائية الدولية صاحبة صلاحية لإجراء محاكَمات جنائية بحق مشتبه بهم بارتكاب جرائم دولية (جرائم حرب، جرائم ضد الإنسانية، إبادة شعب وجريمة العدوان) إذا ما توفرت بضعة شروط، في مقدمتها الموافقة على الإجراء الجنائي من جانب دولة معنية (عادة ما تكون الدولة التي نُفِّذت الجرائم في نطاقها وفوق أراضيها، فلسطين في حالتنا) أو مصادقة مجلس الأمن الدولي على الإجراء الجنائي. إلا أن المحكمة تفقد صلاحيتها هذه، وتمتنع بالتالي عن اتخاذ إجراءات جنائية، إذا كان الجهاز القضائي في الدولة ذات الشأن (إسرائيل، هنا) يقوم بالتحقيق في الأحداث موضع الشبهات بصورة جدية وموضوعية، بل وتجري ـ في الحالات التي تكتمل فيها شروط محددة ـ محاكمات جنائية للمتهمين الضالعين في ارتكاب الجرائم، شريطة أن يكون هذا الجهاز القضائي وأداؤه مستقلّين، موضوعيين، ناجعين وخالين من أية تأثيرات غير سليمة.
غير أنّ ما قامت به هذه الحكومة حتى الآن وما كانت تعتزم القيام به وما يمكن أن تقوم به مستقبلاً ضد الجهاز القضائي الإسرائيلي وضد الأذرع والمؤسسات التي تُعتبر "حارسة النظام" وفي مسعى لإضعافها تماماً، بل إلغائها في بعض الحالات، إلى جانب مزاج الاستهتار والاحتقار الذي يسود الغالبية الساحقة من السياسيين في معسكر اليمين الحاكم ـ هذه، كلها، ترسم أمام العالم صورة قاتمة جداً لدولة غير ملتزمة بسلطة القانون وبالإجراءات القضائية السليمة.
أما وقد أصدرت المحكمة الدولية قرارها وأصدرت مذكرتيّ الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت، فمعنى ذلك أن الدول الأعضاء في تشكيلة المحكمة، أي الدول الموقعة على "نظام روما الأساسي" المؤسس للمحكمة الجنائية، قد أصبحت مُلزمةً الآن بتطبيق هذه الأوامر ـ اعتقال نتنياهو وغالانت فور وصول أي منهما إلى أراضيها ثم تسليمه إلى المحكمة الدولية. فمذكّرة الاعتقال تشمل تفاصيل المشتبه به ووصف جريمته والأسس القانونية التي أوجبت إصدارها، ثم يتم إرسالها إلى الدول الأطراف في "نظام روما"، وهي 124 دولة، تكون ملزمة بالتعاون مع المحكمة وتنفيذ مذكّرات الاعتقال. ونشير هنا إلى أن الولايات المتحدة وإسرائيل ليستا من بين الدول الأعضاء في "نظام روما".
لكنّ مذكرتيّ الاعتقال ضد نتنياهو وغالانت اللتين أحدثتا هذا الزلزال الرهيب الذي بدأ يعصف بإسرائيل الآن، على الصعيد الدولي كله، قد لا تكونان نهاية المطاف، بل ربما تكونان طلقة البداية فقط. ذلك أن التحقيقات التي يجريها المدعي العام، كريم خان، بشأن ما جرى ويجري في قطاع غزة (وكذلك في الضفة الغربية) ما زالت مستمرة، كما أكدت المحكمة في قرارها، ما يعني أن الخطر ما زال ماثلاً بصورة كبيرة وجدية لأن تعود المحكمة وتصدر أوامر اعتقال إضافية أخرى ضد قادة سياسيين آخرين وضد قادة عسكريين إسرائيليين.
ومن شأن مذكّرات الاعتقال هذه أن تشكل رافعة قوية للتحركات السياسية والقضائية الدولية المختلفة الجارية ضد إسرائيل وممثليها في دول مختلفة في العالم، بما في ذلك أيضاً فرض قيود، أو قيود إضافية في بعض الحالات، على بيع الأسلحة والوسائل القتالية المختلفة إلى إسرائيل، ناهيك عن الإجراءات الجنائية المحتملة والدعاوى القضائية المدنية التي يمكن أن يتم تقديمها في دول مختلفة ضد مسؤولين سياسيين أو جنود وضباط عسكريين، إلى جانب احتمال اتساع حملة المقاطعة الرسمية وغير الرسمية ضد إسرائيل، في المجالات الاقتصادية، الثقافية والعلمية وغيرها.
وفوق ذلك، من شأن مذكّرتيّ الاعتقال أيضاً أن تضرب علاقة إسرائيل بالأمم المتحدة، إذ من المرجح أن يعمد مسؤولو المنظمة الدولية إلى تجنب الاتصال والتواصل مع شخص أصدرت المحكمة الدولية أمر اعتقال بحقه، بل تجنب التواجد في لقاءات يشارك فيها.
لهذه الأسباب كلها، اعتبر البروفسور إليئاف ليفليخ، أستاذ القانون الدولي في جامعة تل أبيب، بأن مذكّرتيّ الاعتقال ضد نتنياهو وغالانت تمثلان "التطور القضائي والسياسي الأخطر في تاريخ إسرائيل"، فيما رأى د. أوري غولدبرغ، أستاذ التاريخ في "جامعة رايخمان" في هرتسليا، ضرورة التأكيد على أنّ "مذكّرة الاعتقال ضد نتنياهو ليست ضد نتنياهو الشخص وإنما هي ضد رئيس حكومة إسرائيل وهو ما يعني، بالتالي، أنها ضد المجتمع الإسرائيلي برمّته وضد كل مواطن إسرائيلي على خلفية ما ارتكبته إسرائيل وما زالت ترتكبه بشكل يومي من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة وفي الضفة الغربية وكذلك في لبنان".