تعتبر العلاقات الروسية- الإيرانية أحد الملفات التي تشغل اهتمام المجتمع الدولي، وبالأخص إسرائيل، التي تنظر إلى هذا التقارب بعين الحذر والقلق الكبيرين، خاصة مع التنامي السريع للتعاون العسكري- الأمني والاقتصادي، التنسيق الاستراتيجي في قضايا إقليمية مثل الأزمة السورية وبرامج التسلّح الصاروخي الهجومي والدفاعي لا سيّما بعد اندلاع الأزمة الأوكرانية. هذه التطورات تثير مخاوف إسرائيل بشكلٍ كبير، إذ أنها تعتبر هذا التقارب من شأنه تعزيز نفوذ إيران في المنطقة وهو ما تعتبره تهديداً مباشراً "لأمنها القومي"، في ظل مساعي إسرائيل لتغيير موازين القوى وميزان "الردع" مقابل إيران منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وخصوصاً مع دخول المواجهة بينهما في مسار جديد وغير مسبوق.
في هذا السياق، تناولت العديد من التقارير الإسرائيلية في الآونة الأخيرة تحديداً التقارب والتنسيق والتعاون الإيراني- الروسي من وجهات نظر مختلفة، ومن بينها هذا التقرير الذي أعدّه كل من يارون غامبورغ وآركادي ميل- مان لمعهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي في جامعة تل أبيب، والذي يتناول تحليلاً لمسار العلاقات الاستراتيجية المتنامية بين روسيا وإيران في ظل التحولات الجيوسياسية العالمية. ويتضح أن الحرب في أوكرانيا والتوترات في الشرق الأوسط قد شكلتا عوامل حاسمة في تعزيز التعاون بين البلدين على المستويات العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية. يسلّط التقرير الضوء على الديناميكيات المشتركة التي دفعت إلى تقارب المصالح الاستراتيجية، بما في ذلك إمدادات الأسلحة الإيرانية لروسيا ودور روسيا في تعزيز القدرات العسكرية الإيرانية، كما يسعى التقرير إلى استكشاف تأثير هذه العلاقات على التوازن الإقليمي والدولي، بالإضافة إلى تداعياتها على القوى الغربية وحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة وفي مقدمتها إسرائيل. هذه المساهمة تقدم استعراضاً سريعاً لأهم ما ورد في التقرير، مع أهمية الإشارة إلى أن المصطلحات والأفكار الواردة أدناه مصدرها التقرير ولا تمثّل كاتب المساهمة أو "مركز مدار".
يشير التقرير في البداية إلى أن الاتصالات المتكررة في الأسابيع الأخيرة بين كبار المسؤولين الروس والإيرانيين دخلت إلى مسار جديد لتعزيز العلاقات الاستراتيجية بين البلدين. بالنسبة لروسيا، تشكّل الحرب في أوكرانيا والصراعات العسكرية التي تتورط فيها إسرائيل مجموعة من الأدوات المتشابكة على المستويات العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية، وعلاوةً على ذلك، فإن الحرب المستمرة في أوكرانيا التي تعتمد أيضاً على إمدادات الأسلحة الإيرانية، تفسّر اهتمام روسيا باحتياجات إيران العسكرية والاستراتيجية، لكن في الوقت نفسه، يعتمد مدى المساعدات الروسية لإيران بشكل مباشر على مدى التدخل الأميركي في حرب إسرائيل ضد إيران ومحور المقاومة الذي تقوده.
في الأسابيع الأخيرة، أصبحت الاتصالات الرسمية بين كبار المسؤولين الروس والإيرانيين أكثر تواتراً، حيث وصل سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي ووزير الدفاع السابق، سيرغي شويغو، إلى طهران في 18 أيلول والتقى نظيره الإيراني والرئيس مسعود بزشكيان للمرة الثانية خلال شهرين. في 30 أيلول، زار رئيس الوزراء الروسي ميخائيل ميشوستين العاصمة الإيرانية والتقى عدداً من كبار المسؤولين، بمن فيهم الرئيس الجديد، وكان من المقرر أن يلتقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الرئيس الإيراني في نهاية تشرين الأول، خلال مؤتمر مجموعة بريكس (انضمت إيران إلى المنظمة في أوائل العام 2024)، ولكن تم تقديم أول اجتماع رسمي بين الاثنين إلى 11 تشرين الأول، في المنتدى الدولي لإحياء ذكرى شاعر محلي في تركمانستان. في يوم 23 كجزء من القمة التقى بوتين بزشكيان مرة أخرى.
بحسب التقرير، تعكس هذه الاتصالات واللقاءات رغبة روسيا في تسريع التقارب مع إيران، مع التركيز على التعاون العسكري والاستراتيجي، وعلى المصالح المشتركة في الوقت الحالي التي تضعف بقايا الماضي بين البلدين. وفي الخلفية، يؤكد التقرير أن هناك قلقا روسيا من رغبة بزشكيان في التوصل إلى اتفاق نووي جديد مع الغرب وضمان رفع العقوبات المفروضة على إيران، حيث تطمح روسيا إلى تأطير الارتقاء بالعلاقات بين البلدين من خلال اتفاق جديد حول "الشراكة الاستراتيجية الشاملة"، والذي يبدو أنه قريب، بعد عامين من المناقشات، ويستدل على ذلك من المرسوم الرئاسي الذي أصدره بوتين في 18 أيلول الماضي، والذي أصدر فيه تعليماته لوزارة الخارجية الروسية بالترويج لتوقيع الاتفاقية على أعلى مستوى، وعلى الرغم من أنه لم يتم الإعلان بعد عن معظم تفاصيل هذا الاتفاق، لكن نائب وزير الخارجية الروسي أندريه رودينكو وصفه بالفعل بأنه "اتفاق تاريخي"، ويمكن الافتراض أن هناك تشابهاً بين الاتفاق الروسي الإيراني واتفاقية "الشراكة الاستراتيجية الشاملة" بين روسيا وكوريا الشمالية، الموقعة في حزيران 2024، والتي تعهد بموجبها البلدان بتقديم المساعدة العسكرية لبعضهما البعض في حال العدوان عليهما.
يؤكد غامبورغ وميل- مان على أنه وبصرف النظر عن الاتفاق الوشيك، فإن نطاق الشراكة الاستراتيجية بين روسيا وإيران اليوم غير مسبوق بكل المقاييس، ويجب أن يثير قلقاً عميقاً في كل من العواصم الغربية وفي إسرائيل أيضاً، إذ أن رفع مستوى العلاقات الأمنية- العسكرية بين البلدين، بما في ذلك توسعها في مناطق جديدة، وتحول إيران إلى مورد مهم للأسلحة لروسيا، والترويج للمشروع الاستراتيجي "ممر النقل بين الشمال والجنوب"، كل ذلك يشير إلى تغيير في ميزان العلاقات بينهما من وضع غير متماثل إلى وضع أكثر مساواة وتناسقاً.
بالنسبة لروسيا، فإن السبب الرئيس لرفع مستوى التعاون العسكري مع إيران هو الصعوبات التي يواجهها الجيش الروسي على الجبهة الأوكرانية، حيث زودت إيران الجيش الروسي بعدد كبير من الطائرات بدون طيار (المسيرات) تقدّر بأكثر من 8000 مسيرة، كما ساعد الإيرانيون في إنشاء مصنع مستقل لتصنيع الطائرات بدون طيار في مدينة ألابوغا الروسية، وفي أيلول الماضي، كشفت تقارير عديدة عن تطور آخر مثير للقلق وهو نقل مئات الصواريخ الباليستية قصيرة المدى من إيران إلى روسيا، واتهم حينها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إيران بنقل الصواريخ، وأعلنت في أعقاب ذلك أربع دول: الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا وفرنسا، عن فرض عقوبات جديدة على إيران، بما في ذلك شركة الطيران الوطنية في إيران بسبب مسؤوليتها عن نقل الصواريخ إلى روسيا ناهيك عن تزويد إيران روسيا بكميات كبيرة من الذخائر بما في ذلك قذائف المدفعية والصواريخ المضادة للدبابات والأسلحة النارية وقذائف الهاون والقنابل الشراعية. بحسب التقرير، ينبع اعتماد روسيا المتزايد على المساعدات الإيرانية من الحاجة إلى خفض تكاليف الحرب في أوكرانيا من خلال استخدام أنظمة أبسط، مع التركيز على الطائرات الإيرانية المسيرة، بالإضافة إلى أن إمدادات الصواريخ الإيرانية قصيرة المدى تسد النقص في هذا النوع من التسلح في روسيا وتلعب إيران دوراً متزايدا في سدّ هذا النقص، ومن هنا يتأتّى استعداد موسكو للاستماع إلى طلبات حليفتها الإيرانية.
من الناحية المقابلة، أي في ما يتعلق بالمساعدات الروسية لإيران، فيمكن تصورها كسلسلة من الخطوات أو الإجراءات التي هي في مراحل مختلفة من التنفيذ، حيث تسعى إيران للحصول على أسلحة روسية متقدمة مع التركيز على أنظمة الدفاع الجوي والطائرات المقاتلة، فعلى مدى السنوات الخمس الماضية، كانت إيران تحاول الحصول على موافقة روسيا لتزويدها بأنظمة الدفاع الجوي المتقدّم (s- 400)، ومنذ حوالي شهرين وردت معلومات (لم يتم التحقق منها بعد) عن بداية توريد مكونات المنظومة المتقدمة، من ناحية أخرى، ما تزال مسألة توريد الطائرات المقاتلة من نوع SU-35 يكتنفها الغموض، لكن تدريب الطيارين الإيرانيين يتقدّم في كل من روسيا وإيران، وكذلك باستخدام طائرات التدريب YAK-130 التي تم توريدها إلى طهران العام الماضي. يؤكد التقرير أنه في الوقت الذي ما تزال فيه إيران تنتظر الوفاء بالوعود الروسية في كلا المجالين- الأنظمة الدفاعية المتقدمة والطائرات المقاتلة- فإن المساعدة الروسية محسوسة بالفعل في تطوير القدرات الإيرانية في مجال الحرب الإلكترونية وتقنيات الصواريخ الباليستية والتعاون في مجال الفضاء.
وفي ما يتعلق بالتعاون في المجال النووي، فإن الاتصالات المتكررة بين الوكالات النووية الرسمية للبلدين متواصلة بحسب التقرير، وهذا الأمر يثير الشكوك حول رغبة روسيا بالمساعدة في هذا المجال: من ناحية: هناك رأي سائد بين الخبراء الروس بأن النظام الروسي غير مهتم بإيران مسلّحة نووياً، وبالتالي لن يساعدها في تطوير برنامجها النووي. من ناحية أخرى: فإن سلوك روسيا الحالي ينطوي على استعدادها للتعاون مع إيران في هذا المجال، بل ومساعدتها في زيادة قدرتها على العتبة النووية (nuclear threshold status)والدعم الدبلوماسي للاعتراف بوضع إيران على هذا النحو، بما في ذلك في مداولات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، من وجهة نظر الكرملين، من المرجّح أن تعزز هذه السياسة نفوذ روسيا على البرنامج النووي الإيراني، بينما تجعل من الممكن في الوقت نفسه زيادة واستغلال الغموض المحيط بالبرنامج كوسيلة (إضافية) للضغط على الغرب وفقا لاستراتيجية الرئيس بوتين كما يوكد التقرير.
من ناحية أخرى، يشير التقرير إلى تصاعد الدعم الروسي لحلفاء إيران في المنطقة، خاصة حزب الله والحوثيين. فمنذ العام 2022، عزّزت روسيا التعاون مع حزب الله عبر تبادلات استخباراتية وتزويده بصواريخ مضادة للسفن، وفي أعقاب 7 تشرين الأول 2023، اتسع هذا التعاون، حيث وردت تقارير عن نية مجموعة فاغنر توفير أنظمة دفاع جوي للحزب، واكتشف الجيش الإسرائيلي كميات كبيرة من الأسلحة الروسية الحديثة في أنفاق حزب الله، وفي السياق نفسه، يقدّم مستشارون عسكريون روس دعماً للحوثيين مع اهتمام روسي بتزويدهم بصواريخ مضادة للسفن، إضافة إلى تقديم صور أقمار صناعية مكّنت الحوثيين من تنفيذ هجمات على سفن غربية في البحر الأحمر. وفي ظل التوترات المتزايدة، أرسلت روسيا تحذيراً إلى إسرائيل بعدم مهاجمة المواقع النووية الإيرانية، بالتزامن مع عرض الرئيس الروسي بوتين التوسط بين الطرفين لوقف التصعيد. تعكس هذه المواقف كما يؤكد التقرير رغبة روسيا في حماية حليفتها إيران، مع مراعاة التنسيق الجاري بين إسرائيل والولايات المتحدة، وقد شددت روسيا على ضرورة الحفاظ على استقرار المنطقة، حيث أظهرت تقاريرها الدبلوماسية، مثل بيان وزارة الخارجية الروسية عقب الهجوم الإسرائيلي على إيران، دعوات إلى ضبط النفس لتجنب سيناريو كارثي، وإن هذا التوازن الروسي يهدف إلى احتواء التصعيد بدون التسبب في نزاع إقليمي شامل يؤثر على حلفائها.
في النهاية، يؤكد التقرير أنه بعد عامين وثمانية أشهر على الحرب الروسية- الأوكرانية، وأكثر من عام على حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة ولبنان، فإن ذلك يشكل بالنسبة لروسيا وضعاً من الأدوات المتشابكة على المستويات العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية. من ناحية، أدّت الحرب في أوكرانيا إلى تفاقم حدة الصراع بين روسيا والغرب ودفعت إلى التقارب بين روسيا والدول التي تشترك في العداء العميق للغرب، وخاصة إيران وكوريا الشمالية، كما ازداد كلا الاتجاهين- ابتعاد روسيا عن إسرائيل وتقاربها مع إيران- نتيجة للحرب في أوكرانيا والاحتياجات الملحة للجيش الروسي لإدارتها. من ناحية ثانية، فإن الحريق في الشرق الأوسط، الذي تتورّط فيه إسرائيل، حليفة الولايات المتحدة، بشكل متزايد في حرب استنزاف طويلة الأمد، يتماشى مع مصلحة روسيا في إبعاد الموارد الأميركية والأوروبية عن الساحة الأوكرانية. لذلك، طالما لم يتغير هذا الوضع بالنسبة لإسرائيل، فمن المتوقع أن تستمر روسيا في مساعدة إيران وحلفائها، ويعتمد نطاق المساعدات بشكل مباشر على درجة التدخل الأميركي في الحرب بين إسرائيل وإيران وحلفائها، حيث كلما ازداد التدخّل الأميركي، سيؤدي ذلك إلى زيادة في التدخّل الروسي، وهذا ما يجب أن يقلق إسرائيل كثيراً...