المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
"نظرية" سموتريتش:  الحرب جيدة للاقتصاد. (فلاش 90)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 20
  • هشام نفاع

خلال جلسة أخيرة عقدتها لجنة رقابة الدولة في الكنيست تم الكشف عن صورة وُصفت بـ"المقلقة حول أوضاع مؤسسة التأمين الوطني" في إسرائيل ومستقبل قدراتها على الوفاء بمستحقاتها، وعن أن المؤسسة "ستنهي سنتها المالية هذا العام بعجز مالي جدي". وجاء في بروتوكول الجلسة أن "مؤسسة التأمين الوطني تواجه أحد أكبر التحديات منذ تأسيسها، ويحق لمواطني دولة إسرائيل الحصول على إجابات واضحة وعلى حلول عملية".

وفقاً للجنة فقد تمت دعوة وزير العمل إلى الجلسة وتبيّن أنه "لم يتم الاستجابة إلى طلب المصادقة على حضور الجلسة". فيما قال رئيسها: "أعتقد أنه كمن يجلس ويصوت على الميزانية، وكمن فرضت عليه المسؤولية عن مؤسسة التأمين الوطني فمن المستحسن أن يحارب هنا سوية معنا حول أوضاع المخصصات الخاصة بمواطني دولة إسرائيل. هذه الأموال هي تلك التي نوفرها جميعا بجهد وكد وتعب ونقوم بدفعها. يحق لمواطني دولة إسرائيل الحصول على إجابات. علينا العمل على هذه القضية في أقرب وقت. واجبنا في العمل على هذا الموضوع هو ضروري من أجل الحفاظ على المؤسسة التي يتكل عليها كل مواطني دولة إسرائيل".​

توقعات سلبية أصلا قبل أن تشمل نفقات الحرب

وردت المعطيات في تقرير جديد حول "الوضع المالي التخميني" الذي يشير إلى تدهور وتفاقم الأوضاع المالية لمؤسسة التأمين الوطني. ويتوقع أن تنهي مؤسسة التأمين الوطني العام المقبل بعجز مالي، وتحذر من أنه في غضون 12 عاماً، بحلول عام 2036، ستنفد جميع مدخراتها ولن تتمكن من مواصلة عملها. ودعا ممثلو المؤسسة إلى تخصيص تمويل إضافي من الحكومة على المدى القصير والمدى المتوسط، وتعزيز استقلالية المؤسسة على المدى الطويل. وبالمقابل، تدعو وزارة المالية إلى خفض المعاشات لمواجهة العجز المالي.

التوقعات القائمة القاتمة ليست جديدة، وسبق أن عبرت عنها مؤسسة التأمين الوطني في آذار الماضي، مؤكدة أنه اعتماداً على توزيع الإيرادات من العمل، وزيادة الأجور الحقيقية، ونسبة دافعي اشتراكات التأمين، وتوقعات معدلات الفائدة التي يحصل عليها التأمين الوطني من استثمارات الدولة في السندات، وتوقعات بنك إسرائيل بشأن معدلات البطالة، تبين أنه بدءاً من العام 2023، كان من المتوقع أن تتجاوز المدفوعات الإيرادات، مما سيؤدي إلى سحب جزء من المبالغ المدفوعة من الصندوق.

كانت مؤسسة التأمين الوطني توقعت أنها ستدفع خلال العام 2023 إعانات بقيمة إجمالية تصل إلى حوالي 118 مليار شيكل، وتشمل إعانات الإعاقة، إصابات العمل، الولادة، البطالة، الشيخوخة، الدفن، والناجين وغيرها. ومن المتوقع أن يبلغ رصيد الصندوق في نهاية هذا العام حوالي 245 مليار شيكل. وكما ورد في تقريرها، فإن التوقعات لم تشمل نفقات الحرب التي تنقسم إلى مجالين رئيسيين: الإعانات "التأمينية"، وهي تلك التي تُدفع للمواطنين المؤمن عليهم نتيجة دفعهم المستمر للتأمين الوطني. والدفع وفق قرارات الحكومة، ويتعلق هذا بجوانب الدعم التي تُلزم وزارة المالية بتعويض مؤسسة التأمين الوطني عن الأموال المدفوعة في إطار هذه القرارات.

 

بحلول 2036 ستنفد صناديق المؤسسة وستعجز عن دفع مستحقاتها

يقول موقع "دفار" إنه خلال السنوات الأخيرة، وقعت أحداث زادت من التزامات المؤسسة المالية، على رأسها جائحة كورونا والحرب. ومع ذلك، هناك تحديات جوهرية تؤثر على التوازن المالي، أبرزها شيخوخة السكان. وناقشت اللجنة إنشاء لجنة خاصة للتعامل مع العجز المالي للتأمين الوطني. وفسّر بأن الحساب التخميني هو أداة إحصائية رياضية تستخدمها الهيئات التأمينية والتقاعدية لتقييم الإيرادات والنفقات الحالية والمستقبلية، مع الأخذ في الاعتبار متغيرات مستقبلية غير معروفة مثل الأجور، ومتوسط العمر المتوقع، وحالات المرض والإصابة. وفقاً لحساب المؤسسة، إذا استمرت الأوضاع كما هي، فبحلول العام 2036 ستنفد صناديق المؤسسة ولن تتمكن من دفع مستحقاتها للمواطنين المؤمن عليهم.

علّق القائم بأعمال مدير عام المؤسسة في الجلسة البرلمانية المذكورة للجنة الرقابة قائلا: "إننا نحتاج إلى تعويض فوري من أجل منع تعميق العجز المالي، ويتطلب الأمر إقامة لجنة عامة تستجيب لهذه القضية الوطنية. في السنوات الأخيرة توسع مؤسسة التأمين الوطني الاستجابة لذوي الإعاقات ولمن يتلقون الخدمات التمريضية، وقد اشتد الوضع أكثر مع اندلاع الحرب". ودعا القائم بأعمال المدير العام لإقامة لجنة عامة بسبب التداعيات طويلة الأمد لهذه المسألة.

فيما أضاف محاسب مؤسسة التأمين الوطني أن الميزانية هي 260 مليار شيكل، 50% منها مرتبط بمؤشر فائدة ثابتة بنسبة 5.5%، والنصف الآخر مرتبط بسندات حكومية بفائدة متغيرة. وأنه تم عرض التقرير على ممثلي المحاسب العام في وزارة المالية "وهم يريدون أن يكونوا شركاء كاملين وكممثلين في اللجنة". من ناحيته، ممثل مكتب المستشار القانوني للحكومة شدّد على أهمية الحفاظ على استقلالية التأمين الوطني كمؤسسة قانونية منفصلة عن الوزارات الحكومية. وأضاف: "مؤسسة التأمين الوطني قد أثبتت مدى ضرورة وجودها خلال الأزمة – من كورونا وحتى الحرب الحالية".

تحويل نحو 3.5 مليار شيكل كمنح إيواء لمن أخلوا بيوتهم

تكاليف سنة الحرب كانت باهظة، وقد أوردتها مؤسسة التأمين الوطني على موقعها كالتالي:

منح "الإيواء" ومنح "العودة": منحة الإيواء مخصصة لسكان الشمال والجنوب الذين قاموا بإخلاء منازلهم بشكل مستقل وانتقلوا إلى مكان إقامة غير ممول من قبل الدولة. يتم دفع المنحة خلال فترة الحرب بقيمة 200 شيكل يومياً لكل بالغ (من عمر 18 عاماً فما فوق) و100 شيكل يومياً لكل طفل (أقل من 18 عاماً). حتى الآن، قام التأمين الوطني بتحويل ما يقارب 3.5 مليار شيكل كمنح إيواء لأكثر من 130 ألف شخص بالغ وما يزيد عن 50 ألف طفل. كذلك، وفقاً للسياسات المعمول بها حتى تشرين الثاني، اعتُبر سكان مدينة أشكلون الذين ليس لديهم غرف محصنة (ملاجئ داخل المنازل) جزءاً من المستحقين لمنح الإيواء. إجمالي المبالغ التي دُفعت لسكان أشكلون بلغ حوالي 326 مليون شيكل.

منح "العودة": منذ قرار الحكومة بإعادة سكان مناطق الجنوب إلى بلداتهم، قام التأمين الوطني بدفع ما يقارب 697 مليون شيكل كمنح عودة إلى حوالي 36 ألف مواطن بالغ وما يقارب 20 ألف طفل.

لتوضيح الصورة في سياق العجز العام، وفقاً للمعطيات الرسمية في مكتب محاسب الدولة، يصل الدين الحكومي إلى تريليون و250 مليار شيكل. فيما توقع بنك إسرائيل أن التكاليف المالية بين الأعوام 2023-2025 ستصل إلى 250 مليار شيكل، بما في ذلك خسارة الإيرادات. العام سينتهي بعجز قدره 6.6%، وهو ما سيرفع الدين إلى 67% من الناتج المحلي الإجمالي، وتقييمه هو أنه في الوضع الحالي سيستمر الدين المالي في الارتفاع إلى مستوى 74% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية العقد.

 

منح بنحو مليار شيكل بدل فقدان العمل وتحفيز العودة له

تم كذلك دفع منح "بدل البطالة" التي تُمنح لسكان الشمال والجنوب الذين تم إجلاؤهم وانتهت أيام استحقاقهم للبطالة وفقاً للقانون، حيث يتم منحهم هذا البدل عوضاً عن ذلك. وهي كالتالي بحسب التقسيمة الجغرافية: 

- الجنوب: تشمل المنحة 12 بلدة، منها: ناحال عوز، نتيف هعسراه، بئيري، حُوليت، كيسوفيم، عين هشلوشا، وغيرها.

- الشمال: تشمل المنحة 43 بلدة، منها: المطلة، شلومي، كفار هيوفل، روش هنكرا، كريات شمونة، بيتست، حنيتا، زرعيت، وغيرها. 

حتى الآن، يقول الموقع، تلقى 22,442 مواطناً (من بينهم 874 شخصاً فوق سن 67 فقدوا وظائفهم بسبب الحرب وتجاوزوا سن العمل) منحاً بقيمة إجمالية تقارب 98 مليون شيكل. وتم تمديد منحة بدل البطالة مؤخراً حتى نهاية كانون الأول 2024، بناءً على قرار الحكومة بشأن استمرار إجلاء السكان بسبب الأوضاع الأمنية.

منحة "تشجيع العودة إلى العمل" تُخصص للأشخاص الذين كانوا يعيشون في بلدات تم إجلاؤها أو كانوا يعملون في هذه البلدات، وعادوا إلى أماكن عملهم لدى نفس جهة العمل. يمكن أن يكون المستحقون لهذه المنحة مؤهلين للحصول على مبلغ 3,000 شيكل شهرياً. في الأيام الأخيرة، تم اتخاذ قرار بتمديد دفع هذه المنحة حتى نهاية شهر كانون الأول 2024. 

تقول مؤسسة التأمين الوطني إنه خلال فترة الحرب، قام التأمين الوطني بتحويل المدفوعات لهذه المنحة إلى 68,364 مواطناً: استفاد منها في الشمال 20,836 مواطناً. وفي الجنوب 47,528 مواطناً. والإجمالي الذي تم دفعه كمنح "تشجيع العودة إلى العمل" للمستحقين في الشمال والجنوب تجاوز 700 مليون شيكل.

هناك أيضاً منح تحفيز "للعمال في الزراعة والبناء" وتُخصص للأفراد الذين عملوا في قطاعات الزراعة أو البناء خلال الفترة من 7 تشرين الأول 2023 إلى 31 كانون الأول 2023، بشرط ألا يكونوا قد عملوا في هذه القطاعات خلال أشهر تموز وآب وأيلول 2023، بالإضافة إلى استيفاء شروط أخرى. وتقول المؤسسة إنه حتى الآن، قام التأمين الوطني بتحويل ما مجموعه 27.672 مليون شيكل، منها: 22.662مليون شيكل لقطاع الزراعة و4.249 مليون شيكل لقطاع البناء. 

وزير المالية: "أفضل الأمور للاقتصاد مواصلة الحرب"

ولكن على الرغم من الصورة الواضحة والقاتمة لتكاليف الحرب، فإن الحكومة تقدّم برامج مستقبلية مناقضة تماماً، انطلاقاً من الإصرار المُعلن على المضيّ في الحرب. فقد قال وزير المالية بتسلئيل سموتريتش خلال جلسة الهيئة العامة للكنيست الأربعاء الأخير إن الحرب تخدم نمو الاقتصاد! وبكلماته: "يمكن التغلب على الأعداء ويمكن حسمهم. أفضل الأمور بالنسبة للاقتصاد هو مواصلة الحرب وتحقيق جميع أهدافها. الانتصار سوف يأتي بالأمن، والأمن سيؤدي إلى نمو اقتصادي لسنوات كثيرة إلى الأمام. هذه الحرب هي مناسبة اقتصادية كبيرة. سنضطر إلى تمويل مكونات معينة من تكاليفها الكبيرة لسنوات كثيرة للأمام ​- مثل الفوائد والمخصصات وما شابه. الحرب تؤثر أيضا على النمو والاستثمارات. ميزانية الأمن يجب أن تكبر".

وتابع بتعنّت: "أنا ملتزم بإدارة هذه المعركة بمسؤولية كبيرة جدا. الاقتصاد يدعم الحرب في الجبهات وفي الجبهة الداخلية. يجب بحسب رأيي اتباع سياسة توسعية. وهناك مواضيع يجب أيضا تقليص مصروفاتها. أخذت على عاتقي القيام بخطوات غير شعبوية. سنقوم بتمرير ذلك سوية مع سلسلة من الاستثمارات والإصلاحات التي يمكن من خلالها زرع بذور الاستثمار من أجل الانتقال السريع من الحرب إلى النمو في سنة 2025. أنا أخمن أننا سنرى جزءا من هذا التعديل في سنة 2025. نحن نتوقع ما بين 4.3-4.5 بالمئة من النمو في سنة 2025. وربما سيكون أكثر من ذلك".

 وزعم سموتريتش أن الحكومة تدير "التحدي الاقتصادي بصورة مهنية وجيدة، هناك بعض المؤشرات التي تفاجئنا للأفضل وبصورة ممتازة – الشيكل والبورصة والهايتك ومدخولات الدولة من الضرائب. وتوجد هناك مؤشرات غير جيدة وهي بسبب تداعيات الحرب وهذا الأمر واضح". 

وفيما يشبه التنبؤات الرغبية اختتم سموتريتش قائلاً: "الحرب ستنتهي بالانتصار، والوضع الأمني سيتحسن بشكل درامي والإنتاجية سترتفع فيما ستخفض الأسعار".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات