المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
مستوطنون يهاجمون متضامنين في صوريف بمحافظة الخليل. (أرشيفية، صحف)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 13
  • وليد حباس

بتاريخ 29 أيلول 2024، وقع يوآف غالانت، وكان في حينها وزير الدفاع الإسرائيلي، أمرا يقضي بالاعتقال الإداري مدةَ أربعة أشهر ضد مستوطنيْن مشتبه بتورطهما في اعتداءات ضد فلسطينيين في قرى الضفة الغربية. المشتبه بهما، يديديا شموئيل شتاين من مستوطنة براخا وموشيه نشوشتان من مستوطنة يتسهار، متهمان بالمشاركة في هجمات على قريتي جيت ويتما الغربية، ومثل هذه الهجمات غالبا ما تستهدف المجتمعات الفلسطينية. ولكن في 20 تشرين الثاني الحالي، ومع تولي يسرائيل كاتس وزارة الدفاع بعد إقالة غالانت، أعلن عن التوقف عن استخدام الاعتقال الإداري ضد إرهاب المستوطنين. 

على ما يبدو، كانت أوامر الاعتقال الإداري التي أصدرها غالانت في 29 أيلول بحق مستوطنين اثنين هي الأخيرة التي يستخدمها الجيش. وعادة ما كانت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، التي تصدر أوامر الاعتقال بتفويض من وزير الدفاع، تبرر الأمر بدواعي تصاعد "أعمال الشغب" من قبل المستوطنين، وهي لفظة تخفيفية للتعبير عن تنامي إرهاب منظم وواسع النطاق في الضفة الغربية. ففي جيت، أضرمت النيران في المنازل والسيارات، بينما أحرق المستوطنون في يتما ساحة سيارات وممتلكات أخرى. ومنذ بداية العام 2023 قتل إرهاب المستوطنين 21 فلسطينياً،  ولكن اعتداءاتهم تشمل مئات الهجمات على قرى، وتجمعات بدوية، وعلى شوارع عامة في وسط الضفة الغربية، حيث يتم حرق سيارات، ومنازل، وإغلاق شوارع رئيسية، والاستيلاء على محصول الزيتون، وحتى مصادرة شاحنات مساعدات تمر من شوارع الضفة الغربية متجهة الى قطاع غزة. ولئن كانت حادثة حرق منزل عائلة دوابشة في العام 2015 تعتبر هجوماً فريداً في حينه، فمنذ العام 2023 تتحول هجمات المستوطنين الى "حالة روتينية"، مع قدرات تنظيمية تتكشف مثلاً من خلال الهجوم الجماعي للمستوطنين على قرى حوارة (26 شباط 2023)، ترمسعيا وعوريف (21 حزيران 2023)، جت ويتما (آب 2023). وقضية اختفاء المستوطن راعي الغنم اليهودي في نيسان 2024، كشفت عن قدرات عالية لتنظيم إرهاب المستوطنين ليس فقط على مستوى مستوطنة وحيدة، وإنما على مستوى الضفة الغربية إذ تم عقب تلك القضية تنسيق الهجوم، في آن واحد، على قرى المغير، وأبو فلاح، وبيتين، ودوما، وعقربا، ودير دبوان، والساوية، وإغلاق شوارع الضفة الغربية. 

ومثلما ذكرنا أعلاه، في 20 تشرين الثاني 2024 أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي الجديد، يسرائيل كاتس، وهو عضو حزب الليكود الحاكم ومن المتحمسين للاستيطان وضم الضفة الغربية، أنه لن يستخدم الاعتقال الإداري بحق المستوطنين بعد الآن.

الاعتقال الإداري للمستوطنين

نشرت صحيفة هآرتس أنه حتى الأول من تشرين الثاني 2024، كان هناك 3400 معتقل إداري لدى السلطات الإسرائيلية، من ضمنهم حوالى 8 فقط من المستوطنين اليهود.  هذه المقارنة الكمية مضللة، وتساوي بين الاعتقال الإداري بحق الفلسطينيين والاعتقال الإداري ضد المستوطنين، وتغفل السياق الاستعماري العام الذي يقف فيه الفلسطينيون والمستوطنون على طرفي النقيض. 

يستند الاعتقال الإداري إلى الموروث الاستعماري الذي خلفته قوانين الطوارئ البريطانية، وكان إجراء مستخدماً في العديد من الدول التي استبطنت أنظمة الطوارئ الاستعمارية في أنظمتها الداخلية، وإسرائيل هي من أهم الدول التي تستخدمه لقمع الفلسطينيين سياسياً. ولكن استخدامه من قبل الجيش الإسرائيلي ضد إرهاب المستوطنين يعتبر حالة هامشية ولا يمكن مقارنتها مع اعتقال الفلسطينيين. من جهة، يستخدم الجيش الإسرائيلي أوامر اعتقال إدارية ضد المستوطنين في الضفة الغربية لأن إرهابهم بات منظما، و"يشوش" على أدوات الجيش الإسرائيلي في ضبط الفلسطينيين. وبالتالي، فبينما أن الاعتقال الإداري للفلسطينيين يأتي لردعهم عن مقاومة الاحتلال، فإن الاعتقال الإداري ضد المستوطنين يأتي لمنعهم من عرقلة جهود الجيش الإسرائيلي في ردع الفلسطينيين عن مقاومة الاحتلال. 

وتعبر مسألة الاعتقال الإداري ضد المستوطنين، ثم أمر إلغائها من قبل كاتس، عن خلافات أعمق تدور في ما يخص الضفة الغربية بين التيار اليميني الاستيطاني المنظم والمتشدد والذي يسعى الى فرض السيادة على الضفة الغربية وتأجيج الاحتكاكات العنيفة مع الفلسطينيين، والمؤسسات والأجهزة الأمنية الإسرائيلية التي لا تزال تتعامل مع وجودها في الضفة الغربية بصفتها قوة احتلال وعليها أن تنفرد في إدارة حياة الفلسطينيين وضبط سلوكهم السياسي. 

ولا بد كذلك من قراءة إعلان كاتس في سياق أشمل، لكنه ملح لفهم تحولات نظام الاحتلال الإسرائيلي. ففي آب 2024، تم استبدال قائد المنطقة العسكرية الوسطى، الذي يعتبر الحاكم الأعلى للأرض المحتلة والذي يصدر أوامر الاعتقال الإداري بنفسه، ودخل إلى المنصب اللواء آفي بلوت الذي يعتبر من مناصري الاستيطان ومقرباً من قادة المستوطنين. ومع ذلك، تمت مهاجمته من قبل التوراتيين في الخليل في ليلة السبت 23 تشرين الثاني 2024. وفي شباط 2023، تم إنشاء دائرة الاستيطان في وزارة الدفاع ويقف على رأسها طاقم من 24 كادراً من المستوطنين لتولي إدارة الأرض المحتلة لـ "تقرير مصير" الضفة الغربية بعيداً عن تدخلات الجيش الإسرائيلي. وخلال العام ونيّف من سيرورة الحرب على قطاع غزة، قامت وزارة الأمن القومي برئاسة إيتمار بن غفير بتوزيع آلاف البنادق والقطع القتالية على جماعات المستوطنين، وكذلك بتأسيس عشرات لجان التأهب المسلحة، وهي ميليشيات مدربة تتشكل على مستوى المستوطنة الواحدة. 

المصطلحات المستخدمة:

هآرتس, الليكود, يسرائيل كاتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات