المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
قسم المواد الغذائية في سوبرماكت في إٍسرائيل.  عن "غلوبس"
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 444
  • هشام نفاع

يعرض تقرير أخير لمكتب مراقب الدولة الإسرائيلية نتائج الرقابة في موضوع تعامل الدولة مع قضايا المركزية والاحتكار التجاريين في فرع إنتاج وصناعة الأغذية والمنتجات الاستهلاكية. إذ إن تكلفة المعيشة في إسرائيل تعُد، كما يصفها، مسألة مركزية في حياة المواطنين - حيث بلغ الإنفاق على الاستهلاك الخاص في إسرائيل على المواد الغذائية والمشروبات غير الكحولية في العام 2021 مبلغ 138 مليار شيكل. ويرى أن بعض الزيادات في الأسعار هي علامة على وجود مشاكل بنيوية في سوق المواد الغذائية والاستهلاكية في إسرائيل، بما في ذلك المركزية ومستوى القدرة التنافسية في الاقتصاد، قيود جمركية، قيود على حماية النباتات وقيود لأسباب تتعلق بالصحة العامة.

ويأتي هذا ضمن تقرير مراقب الدولة السنوي الصادر في تشرين الثاني 2024 الجاري. ويتضمن، كما يقول، نتائج رقابة على وزارات الحكومة والشركات وعلى السلطة المحلية.

الجدير بالذكر أن المراقب يشير في مقدمة التقرير في تلميح للجهات التي تعارض اجراء رقابة على أحداث 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 وما سبقها إلى أنه "في الوقت نفسه الذي نقوم فيه بإجراء الرقابة في موضوع الحرب، يواصل مكتبنا إجراء عمليات رقابة في مجالات أخرى أيضاً". ويشدّد: "حسب رأيي هناك واجب جماهيري وأخلاقي بإجراء رقابة على طريقة عمل جميع المستويات يوم المجزرة، في الفترة التي سبقتها وفي الفترة التي تلتها".

ارتفاع أسعار المواد الغذائية خلال أشهر الحرب الأولى

تكاليف المعيشة في إسرائيل تشكل أزمة مستمرة يتم من خلالها إلحاق الضرر بجيوب الكثيرين وهناك ارتفاع في أسعار المواد الغذائية، وخاصة الفواكه والخضروات بمعدلات مكونة من رقمين. وتكشف الرقابة أن ثلاثة من موردي المواد الغذائية في إسرائيل يسيطرون على أكثر من 85% من إجمالي كمية المبيعات في 20 فئة من المنتجات الغذائية؛ ويبلغ معدل الاستيراد في إسرائيل بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي 23.4% فقط، مقارنة بـ 47% في المتوسط في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، لغاية العام 2020؛ وبلغت نسبة الزيادة في أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحرب، حسب فحص وزارة الاقتصاد، 2.9%. 

وبحسب التقرير، فقد قفز مؤشر أسعار المواد الغذائية بنسبة 23% منذ العام 2011، فيما ارتفع مؤشر أسعار الفواكه والخضروات بنسبة 37%. كما أن القوة الشرائية للمستهلك الإسرائيلي أضعف 3 مرات مقارنة بالمستهلكين في دول مثل بريطانيا، فرنسا والولايات المتحدة الأميركية. وعندما يتعلق الأمر بأجور ساعة العمل، فإن الإسرائيليين بحاجة إلى مزيد من وقت العمل لشراء المنتجات الأساسية.

هناك فجوة في الأسعار تصل حتى 380% بين منتجات الخضروات في إسرائيل في عام 2023 مقارنة بالدول الأوروبية. 23.4% فقط هو معدل الواردات في إسرائيل مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بـ 47% في المتوسط في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) في العام 2020. 6.9% فقط هو متوسط حصة السوق للماركات التجارية الخاصة في إسرائيل (التي قد يؤدي تسويقها إلى خفض الأسعار) مقارنة بـ 36.1% في بعض الدول الأوروبية.

فجوة الأسعار مع الدول الأخرى آخذة في الاتساع 

لجنة رقابة الدولة في الكنيست بحثت موضوع غلاء المعيشة في إسرائيل المتمثل في تقرير مراقب الدولة. وقال رئيس اللجنة عضو الكنيست ميكي ليفي إن "الناس يرزحون تحت وطأة تكاليف المعيشة، وتتآكل قدرتهم الشرائية". وفقاً لبيانها، قررت اللجنة تنظيم هذه الجلسة "من أجل بحث النقاط الرئيسة الواردة في التقرير والتي مفادها أن السوق الاقتصادية الإسرائيلية تعاني من مركزية، عوائق في الاستيراد، وقلة في المنافسة في سوق الماركات التجارية الخاصة".

رئيس اتحاد الصناعات الغذائية الإسرائيلية، الذي شارك في الجلسة، حاول دحض ما ورد في تقرير مراقب الدولة من وجود علاقة أصلا بين المركزية في السوق وبين تكاليف المعيشة، وزعم أن الشركات الاحتكارية لا تستغل قوتها وأن ارتفاع الأسعار صغير جدا مقارنة بدول العالم.

وكان موقف لجنة رقابة الدولة أن "نتائج التقرير الجديد حول المركزية والاحتكارات في سوق المنتجات الغذائية والاستهلاكية معروفة لدينا جميعاً، من خلال الأسعار الغالية التي تباع فيها المنتجات للجميع في السوبر ماركت. الأضرار الجسيمة التي تلحق بمواطني إسرائيل نتيجة ارتفاع الأسعار كبيرة. فالناس يرزحون تحت وطأة تكاليف المعيشة، وتتآكل قدرتهم الشرائية. الفجوة بيننا وبين الدول الأخرى آخذة في الاتساع، والأسعار في إسرائيل مستمرة في الارتفاع. المسؤولية الشاملة تقع على عاتق وزير الاقتصاد ووزير المالية بسبب عدم قيامهما بما يكفي لتمكين الطبقة الدنيا في إسرائيل من البقاء الاقتصادي".

ممثل مكتب مراقب الدولة أفاد في الاجتماع بأن "المركزية الكبيرة في قطاع المواد الغذائية تتسبب بأرباح غير طبيعية واعتيادية للشركات الكبيرة وتضعف القدرة الشرائية للمستهلك". ودعا إلى تعزيز صلاحيات سلطة المنافسة، مشيرا إلى أن الأدوات الموجودة غير كافية: "المطلوب هو تدخل فعال لوزارتي المالية والاقتصاد من أجل خلق منافسة حقيقية".

غرامات بمائة مليون شيكل على الإخلال بقانون الغذاء

وفقاً لممثل سلطة لمنافسة، في العام ونصف العام الماضيين فرضت غرامات بقيمة إجمالية قدرها 100 مليون شيكل على المزودين الذين قاموا بالإخلال بقانون الغذاء، وتم إنفاذ القانون ضد الشركات الكبيرة. ومن المقرر إلغاء تصريح ترتيب منتجات كبار المزودين لدى تجار التجزئة في القطاع الخاص ابتداءً من شهر كانون الثاني القادم. أما ممثل اتحاد المزارعين الإسرائيليين، فعبّر عن استيائه الشديد من السياسات الحكومية وحذر من "إمكانية الإضرار بالزراعة المحلية نتيجة فتح السوق أمام الاستيراد بدون منح الدعم المباشر للمزارعين". وتابع أن "خفض الحصص والدعم غير الخاضع للرقابة سيؤدي إلى القضاء على الزراعة المحلية والاعتماد الكلي على الواردات". 

وردّ ممثل وزارة الزراعة، فيما يتعلق بالحصص، إنها "ليست عائقاً بل إجراء وقائي يضمن حماية الإنتاج المحلي أمام المنافسة غير العادلة، ومتوسط الحصص المسموحة بالاستيراد في إسرائيل ليس مرتفعاً. المتوسط في إسرائيل هو 13%، بينما اليابان 15%، سويسرا 20% وهي بلدان ذات خصائص مماثلة ويوجد فيها دعم أكبر للزراعة. في الأماكن التي تم فيها السماح بحصص كبيرة في زيت الزيتون والزبدة فإن الإنتاج المحلي قل ولحقت به أضرار جسيمة - في إسبانيا وإيطاليا تم اقتلاع 250 ألف شجرة زيتون في أيامنا هذه، وهناك طقس سيء ولا يوجد زيت زيتون. يوجد أهمية للحصص وليس هناك إصرار عبثي وإنما تعزيز قدرتنا على إنتاج غذائنا بأنفسنا"، كما قال.

من جهته، قال ممثل وزارة الاقتصاد إنه لا يملك معطيات حتى الآن حول أرباح الشركات الكبيرة. وفسّر: "توجهنا في حزيران الماضي إلى 17 شركة وطلبنا منها الحصول على معطيات تخص الأرباح بهدف الرقابة. بعضها قدم التماسا إلى محكمة العدل العليا. وقبل عدة أشهر بعد أن أجرت محكمة العدل العليا مداولات حول الموضوع تم حذف الالتماس وبدأت الشركات بتمرير معطيات في حين توجهت مكاتب محامي الشركات إلى الوزارة (وزارة الاقتصاد) بسبب وجود مشكلة في حماية المعلومات. ونحن في خضم إجراءات قضائية أمام جناح المعلومات في الوزارة للتأكد من عدم وجود أي تسرب".    

ناشطون: "الميزانية الأخيرة للدولة هي إهانة للمواطن"

معهد "يسودوت" الذي أسسته الحركة الكيبوتسية، وحضر ممثل عنه الجلسة البرلمانية المذكورة، يعرّف نفسه كمن يعتمد مبادئ "الصهيونية العملية - الاستيطان الزراعي، والصهيونية الاجتماعية: التضامن، تدخل الدولة في الاقتصاد من منطلق المسؤولية عن رفاهية وازدهار جميع المواطنين، تعزيز النشاط التعاوني، والسعي المستمر لتعزيز المساواة الاجتماعية والاقتصادية". وقال ممثله: "إن الضريبة الجمركية هي أداة، يجب أن تخدم غرضاً معيناً، بهدف خفض السعر للمستهلك، ولكن ليس تلقائياً وإنما بطريقة مدروسة. على مر السنين، كانت هناك تدابير وإجراءات تتعلق بالسياسات، وكانت هناك فترات تم من خلالها خفض تدابير المركزية، إلا أن المركزية كانت دائما على مستوى عال. هناك أهمية قصوى في ملاءمة أدوات السياسات وضرورة تحليل السوق قبل صياغة أدوات السياسات وتنفيذ إصلاحات الاستيراد. التوقع بأن أي تخفيف للواردات سيؤدي إلى انخفاض الأسعار للمستهلك هو توقع لا أساس له من الصحة".

وحضر جلسة لجنة رقابة الدولة ممثلون عن منظمة اللوبي 99، المؤلفة ممن عملوا في جماعات الضغط (اللوبيات) داخل الكنيست ويعرفون النظام السياسي من الداخل، وقرروا معاً استخدام الأدوات التي اكتسبوها لصالح الجمهور بواسطة جلب قوة الجماهير إلى أروقة الكنيست. ويقولون إنهم لم يعودوا "جماعات الضغط التي تعمل لصالح الرأسماليين، بل جماعات ضغط تعمل نيابة عن المواطنين العاديين". وقالت ممثلتهم: "هناك محاولة من قبل اتحاد الصناعيين لجعلنا نعتقد أننا نتوهّم بشأن ارتفاع تكاليف أسعار المواد الغذائية. في العام الماضي، قامت شركة شتراوس برفع الأسعار بنسبة 5.5%، فيما قامت شركة تنوفا هي الأخرى برفع الأسعار بنسبة 6%، كما قاموا بتوزيع أرباح على أصحاب الأسهم في خضم الحرب. إن الميزانية الأخيرة للدولة هي إهانة للمواطن العادي، فهي لا تقول كلمة واحدة عن غلاء المعيشة".

على الحكومة إلزام الشركات الكبيرة بتفكيك الاحتكارات

وتابعت أن "تقرير مراقب الدولة يشير بوضوح إلى ضرورة تفكيك الاحتكارات، لأنه لا يوجد خيار آخر. يجب إلزام الشركات الكبيرة بتفكيك الاحتكارات، أي الشركات التي تقع ضمنها، وذلك من أجل تنويع السوق. نحن على اتصال مستمر مع الجمهور وحصلنا على كم هائل من التوجهات. النفقات التالية بعد السكن تخص الطعام. وقوة الجمهور محدودة في السوق الاحتكارية، ولذلك فإن المطلوب هو التدخل الحكومي واتخاذ الإجراءات والتدابير". 

تقرير مراقب الدولة يشير إلى أنه: بعد انتهاء الرقابة تمت المصادقة على ثلاثة تعديلات تشريعية ستؤدي إلى زيادة حجم الاستيراد في إطار خطة إصلاح عنوانها "ما هو جيد لأوروبا جيد لإسرائيل". ويقول إنه يتوجب على وزارات المالية والاقتصاد والزراعة والصحة وسلطة المنافسة وسلطة حماية المستهلك اتخاذ إجراءات استباقية لفتح السوق أمام المنافسة والحد من المركزية، كل سلطة باستخدام الأدوات المتاحة لها وحتى الدمج بين القوى المشتركة لجميع الوزارات الحكومية ذات الصلة، وإذا كان من الضروري زيادة مستودع الأدوات المتاحة لها - ويتوجب عليها مواصلة العمل من أجل إجراء تعديلات تشريعية تسمح بذلك.

ويضيف أنه يجب على رئيس الحكومة، وكذلك على وزراء المالية والاقتصاد والصحة والزراعة والوزراء الآخرين الذين يشاركون في أعمال اللجنة الوزارية لمعالجة تكاليف المعيشة (حماية البيئة، الطاقة والبنية التحتية، الرفاه الاجتماعي والضمان الاجتماعي، الخدمات الدينية، البناء والإسكان، النقب والجليل والحصانة الوطنية، الاتصالات، السياحة والهجرة والاستيعاب) - متابعة تنفيذ الإصلاحات والعمل على استكمالها وتحديثها إذا ما لزم الأمر والتأكد من أن إجراءات الحكومة لخفض تكلفة المعيشة منسقة ومحدّثة، وذلك من أجل التعامل بالشكل الأمثل مع تكاليف المعيشة ومع ارتفاع أسعار المواد الغذائية.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات