صادقت لجنة المالية في الكنيست الإسرائيلي، الأسبوع الماضي، على مشروع تعديل ميزانية العام الجاري، كما قدمته الحكومة، بسبب انعكاسات العدوان المستمر على قطاع غزة منذ 5 أشهر، إذ سيرتفع حجم الميزانية بنحو 70 مليار شيكل، أي ما يعادل حوالى 19.4 مليار دولار، لتغطية جزء من كلفة الحرب، وهذا على حساب زيادة ضرائب، وزيادة الديون الحكومية، التي من المتوقع أن تسجل في العام الجاري ذروة لم تبلغها منذ سنوات عديدة، تراجع فيها حجم الدين العام. وما سيزيد عبء المديونية، هو ارتفاع فوائدها بفعل خفض تدريج الاعتمادات للاقتصاد الإسرائيلي، بسبب الأوضاع الأمنية والقلاقل السياسية.
ومن المفترض أن تقر الهيئة العامة للكنيست مشروع تعديل ميزانية العام الجاري خلال هذا الأسبوع، إذا لم يطرأ أي تعديل على جدول أعمال الكنيست.
وكان الكنيست قد أقر ميزانية العام الجاري سوية مع ميزانية العام الماضي 2023، في ربيع العام الفائت. وكان القرار أن ينظر الكنيست مجددا في ميزانية العام 2024 في شهر تشرين الثاني، إلا أن شن العدوان على قطاع غزة قلب كل الحسابات الاقتصادية، رأسا على عقب، ليغرق الاقتصاد الإسرائيلي في أزمة وأعباء اقتصادية شديدة الوطأة، من المتوقع أن تستمر خمس سنوات بما تشمل السنة الجارية.
تقليصات وضرائب جديدة
وبحسب القرار، فإن ميزانية العام 2024 الفعلية ستسجل ذروة في حجمها، وتبلغ 584 مليار شيكل، أي ما يزيد عن 162 مليار دولار (معدل سعر الصرف عند نشر هذا المقال 3.6 شيكل للدولار)، وسترتفع الميزانية عن صيغتها الأصلية بنحو 70 مليار شيكل، أي ما يعادل 19.4 مليار دولار، لتمويل جزء من كلفة الحرب وتوابعها المدنية، في الوقت الذي ليس واضحا فيه الحجم الإجمالي لكلفة الحرب، وأيضا ما الكلفة الاجمالية لخسائر الاقتصاد الإسرائيلي، بدءا من الربع الأخير من العام الماضي.
وسترتفع ميزانية الجيش والأجهزة الاستخباراتية، وكل أذرع الأمن، بنحو 55 مليار شيكل، إضافة إلى الميزانية الأصلية للجيش التي تتجاوز 70 مليار شيكل، عدا الدعم العسكري الأميركي السنوي والاستثنائي بقيمة إجمالية 3.8 مليار دولار دعم سنوي ثابت، في حين سيتم تحويل 13 مليار شيكل لصرفها على الجوانب المدنية للحرب، مثل علاجات وتعويض متضررين وغيرها.
وكان بحث، استعرضنا عناوينه الرئيسة في عدد سابق، أجراه "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، وهو معهد له مكانته الإسرائيلية، ويعمل فيه خبراء عسكريون، وضباط احتياط من أعلى رتب الجيش، أكد أن ميزانية الجيش ستستمر في كونها عالية حتى العام 2027، وهذه تقديرات تفوق تقديرات وزارة المالية، الصادرة حتى الآن، إذ يرى البحث أن الصرف الثابت للجيش سيكون سنويا من العام المقبل 2025 وحتى العام 2027، حوالى 120 مليار شيكل، وميزانية العام الجاري 155 مليار شيكل، بينما الميزانية السنوية للجيش، حتى العام 2022، كانت تتراوح ما بين 56 مليارا إلى 60 مليار شيكل، يضاف لها حوالى 13.5 مليار شيكل، هي الدعم العسكري السنوي الأميركي لإسرائيل، بمعنى أن البحث يتحدث عن مضاعفة الميزانية العسكرية سنوياً حتى العام 2027.
وبذا فإن العجز في الموازنة العامة سيصل إلى حوالى 6.6% من حجم الناتج العام، قرابة 130 مليار شيكل، بدلا من حوالى 1% في صيغة الميزانية الأصلية. وكانت وزارة المالية الإسرائيلية قد أعلنت الشهر الماضي، تعديل تقديراتها للعجز في الموازنة العامة، للأعوام 2025 إلى 2027، بمعدل يزيد عن 3% من حجم الناتج العام سنويا، وهذا يعني زيادة سنوية بنسبة 2% عن العجز الذي كان مخططا له لسنوات، عدا العجز الإجمالي المتوقع للعام الماضي والحالي 2024 معا، بنسبة 11%.
ما يعني أن العجز الإجمالي في الموازنة العامة في السنوات الخمس، 2023 إلى 2027، سيصل إلى 20% من حجم الناتج العام، وهذا يعني بموجب حجم الناتج العام الحالي، ما يقارب 400 مليار شيكل، أي حوالى 110 مليارات دولار.
ويقول المحلل الاقتصادي سامي بيرتس في صحيفة "ذي ماركر"، إن هذه التقديرات المتقلبة باستمرار إلى الأعلى، تعني أن حجم انعكاسات الحرب على الاقتصاد الإسرائيلي لا تزال غير واضحة.
ومن أجل تمويل هذه الزيادة، يشمل مشروع تعديل الموازنة زيادة المديونية بشكل كبير، وسنأتي عليها هنا، كما سيتم رفع ضرائب على الجمهور، أبرزها زيادة ضريبة المشتريات (ضريبة القيمة المضافة) بنسبة 1% لتصبح 18% ابتداء من مطلع العام المقبل 2025، وسيتم رفع ضرائب وإلغاء إعفاءات جمركية، فعلى سبيل المثال، بسبب معارضة نواب كتلة الليكود، لم تقر لجنة المالية البرلمانية طلب الحكومة إلغاء الإعفاء الضريبي على السجائر في السوق الحرة في المعابر الحدودية، ما كان سيزيد مدخول الضرائب بنحو 100 مليون شيكل سنويا.
وسيتم تقليص جميع ميزانيات الوزارات الاجتماعية والخدماتية بنسبة 5%، كما سيتم تقليص وحتى إلغاء مشاريع بنى تحتية كبيرة، وتقليص حاد في خطط اقتصادية مخصصة للمجتمع العربي، أقرتها الحكومة السابقة، وهي أصلا كانت تحت علامة سؤال طيلة الوقت.
وعلى الرغم من كل هذه التقليصات، فإن ما تسمى "ميزانيات الائتلاف"، والقصد منها الميزانيات الاستثنائية التي طلبتها وحصلت عليها أحزاب الائتلاف الحاكم لخدمة جمهورها، بقيت على حالها، وهي في المجمل حوالى 13 مليار شيكل، منها 5 مليارات تصرف في هذا العام، جُلها يصرف على جمهور المتدينين المتزمتين الحريديم، وعلى المستوطنين والمستوطنات، إذ رفضت الحكومة تقليصها إطلاقا، بحسب ما ورد في الصحافة الاقتصادية.
ونجحت ضغوط البنوك على الحكومة والكنيست في منع فرض ضريبة جديدة عليها، تُفرض أساسا على الأرباح الخيالية التي سجلتها البنوك في العامين الماضيين بفعل ارتفاع الفائدة البنكية، وبدلا من فرض ضريبة دائمة، فإن البنوك ستدفع بالمجمل دفعة مرة واحدة، قيمتها 2.5 مليار شيكل، توزع على البنوك بحسب حجم أرباحها.
وكان أكبر البنوك الإسرائيلية، "هبوعليم"، قد أعلن في نهاية الأسبوع الماضي أن أرباحه سجلت في العام الماضي 2023 زيادة بنحو 13% مقارنة مع العام الذي سبق 2022، بفعل ارتفاع الفائدة البنكية، وبلغ حجم الأرباح الصافية لهذا البنك في العام الماضي 7.3 مليار شيكل (حوالى ملياري دولار)، مقابل 6.5 مليار شيكل في العام 2022، الذي كانت الفائدة في الربع الأول منه منخفضة. ومن المتوقع أن تعلن باقي البنوك عن أرباحها في الأيام القليلة المقبلة.
ارتفاع المديونية الحكومية وفوائدها
كما هو متوقع، فإنه إلى جانب تقليص ميزانية الصرف الاجتماعي، ورفع جوانب عدة في الضرائب، فإن الحكومة الإسرائيلية بدأت بإطلاق حملات لتجنيد قروض في العالم، وفي السوق الإسرائيلية، التي حسب تقارير فإن حصتها في سندات القروض الحكومية هي الأعلى، لكن في هذه المرحلة، فإن الفوائد على القروض لإسرائيل ارتفعت، بفعل خفض مكانة الاقتصاد الإسرائيلي، في ما يخص الاعتمادات المالية، كما فعلت شركات ومؤسسات تدريج عالمية، بفعل الحرب على قطاع غزة، وعدم الاستقرار الاقتصادي، ومعه السياسي.
وهذا برز في مشروع تعديل ميزانية العام الجاري 2024، الذي يشمل رفع حجم الفوائد على القروض الحكومية، بنحو 4 مليارات شيكل، حوالى 1.1 مليار دولار سنويا، وحسب تقديرات الخبراء والمحللين فإن هذه بداية، وستكون إسرائيل معرّضة لرفع فوائد أكثر، إذا ما استمر وضعها الاقتصادي الحالي. ما يعني أن قسط الفوائد في الموازنة العامة سيرتفع في العام الجاري من 36 مليار شيكل إلى 40 مليار شيكل.
وبتقديرات وزارة المالية الإسرائيلية، فإن حجم الفوائد سيرتفع بنحو 10 مليارات شيكل أخرى، ما سيزيد أعباء الميزانية العامة، وهذا سيأتي على حساب الجمهور العام، من خلال تقليص الميزانيات الاجتماعية، وزيادة الضرائب لاحقا.
وفي الأسبوع الماضي، أعلن مكتب المحاسب العام للدولة عن تجنيد 8 مليارات دولار، سندات قرض جديدة، وهو حجم قروض دفعة واحدة، أضعاف ما هو متبع، بحسب ما نشرته الصحافة الاقتصادية، إذ عادة تجند الحكومة الإسرائيلية بدفعة واحدة في محيط ملياري دولار، لكن هذه الدفعة هي 4 أضعاف المعدل القائم. والهدف هو تغطية عجز الموازنة العامة، الذي من المتوقع أن يصل في العام الجاري 2024 إلى حوالى 130 مليار شيكل (أكثر من 36 مليار دولار)، وهذا يعادل حوالى 6.5% من حجم الناتج العام.
ويقول المحلل الاقتصادي ناتي طوكر، في صحيفة "ذي ماركر"، إنه سيكون على الحكومة في العام الجاري، إعادة جدولة قروض قائمة، بمعنى تمديد أقساطها من جديد، ما سيرفع حجم القروض الجديدة في العام الجاري بنحو 250 مليار شيكل، أي ما يقارب 79 مليار دولار.
وبحسب تقرير المحاسب العام للدولة، فإن القروض جاءت على ثلاثة أشكال، قروض قصيرة المدى نسبيا لـخمس سنوات، وأخرى لـعشر سنوات، وقروض طويلة المدى لثلاثين سنة. إلا أنه على الرغم من أن الفوائد على القروض الحكومية في العالم، بفعل ارتفاع الفوائد البنكية في الدول الكبرى والمركزية أساسا، فإن الفائدة على القروض للحكومة الإسرائيلية سترتفع أكثر من معدل رفعها على دول أخرى. وتقول الصحافة الاقتصادية إن إسرائيل ستدفع فوائد مشابهة لدول اقتصادها متأرجح ومرشحة لهزات اقتصادية كبيرة، مثل المكسيك وهنغاريا وغيرهما.
ويقول طوكر إنه عدا عن زيادة حجم الديون لتمويل احتياجات الحرب، بما في ذلك المساعدات المدنية، فإن إسرائيل تعمل طيلة الوقت على إعادة جدولة ديونها، بمعنى تحصل على قروض لتغطية قروض قائمة، اقترب موعد تسديدها. وهذه القروض الجديدة هي بفوائد أعلى من القروض التي تم تسديدها.
وتحل زيادة المديونية في ظل تقارير تتوقع ركودا اقتصاديا في العامين الماضي والجاري، إذ كان مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي قد أعلن، في تقرير أولي، أن الاقتصاد الإسرائيلي سجل في الربع الأخير من العام الماضي 2023، انكماشا اقتصاديا غير مسبوق في زمن حرب بنسبة 19.4%. وهذا ما خفّض النمو الاقتصادي للعام كله، إلى ارتفاع بنسبة إجمالية 2%، وهي نسبة تدل على ركود اقتصادي، إذ إنها تعادل نسبة التكاثر السكاني- 2%. وهذا في حين أن معدل النمو الاقتصادي في السنوات الأخيرة كان حوالى 4%، وكانت التقديرات حتى شهر أيلول من العام الماضي، أن ينتهي العام الماضي بارتفاع النمو بنسبة 3.4%، إلا أن العدوان المستمر على قطاع غزة قلب كل التقارير والمعطيات الاقتصادية.