المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1235
  • سليم سلامة

أصبح واضحاً أن إسرائيل تدفع ثمناً باهظاً لقاء تشكيلة حكومتها الحالية ومساعيها الحثيثة للانقلاب على نظام الحكم بما ينطوي عليه من إحداث تغييرات جوهرية بعيدة المدى، سواء في نظام الحكم والعلاقات بين سلطاته المختلفة أو في جهاز القضاء بشكل خاص مما قد يفتح الطريق واسعةً أمام الانتقال السريع والسلس نحو الحكم الاستبدادي. وتدفع إسرائيل هذا الثمن في الدول الغربية الليبرالية بشكل خاص إذ خرج كثيرون فيها، سواء رؤساء دول، مشرّعين، حقوقيين، اقتصاديين وشخصيات عامة أخرى مختلفة، بصورة علنية وصريحة ضد نهج هذه الحكومة عموماً وضد محاولاتها الانقلاب على الحكم خصوصاً، ناهيك عن مؤسسات وقيادات مختلفة بين الجاليات اليهودية في أنحاء العالم المختلفة. وحيال ذلك، تراجعت إسرائيل في جميع مؤشرات الديمقراطية الدولية، إضافة إلى تراجع تدريجها في مجال الاعتمادات المالية. وإضافة إلى ذلك، يجد رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ووزراء حكومته الحالية صعوبات جمة في زيارة العواصم الدولية إلى جانب إعلان المقاطعة والرفض الصريحين لاستقبال بعض الوزراء في عدد من الدول الصديقة لإسرائيل. كما يجري "استقبال" ممثلي الحكومة الإسرائيلية بمظاهرات ونشاطات احتجاجية مختلفة لدى زياراتهم في الدول الغربية وبانتقادات متصاعدة من جانب مضيفيهم.

هذا التشخيص هو أحد المعطيات المركزية التي يتضمنها التقرير نصف السنوي الذي أصدره معهد "مِتفيم" (مسارات)، "المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية"، في أواخر شهر آب الأخير، حول "الوجهات المركزية الأبرز في سياسة إسرائيل الخارجية الإقليمية" خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري، وهي نصف السنة الأول من عمر حكومة بنيامين نتنياهو السادسة، الحالية. ويستند هذا التقرير، أساساً، إلى ما رصدته الأعداد الشهرية الستة الأخيرة من "التقرير الدبلوماسي" الذي ينشره هذا المركز كل شهر ويستعرض فيه التطورات الأخيرة التي حصلت، خلال شهر، على صعيد علاقات إسرائيل مع كل من: الشعب الفلسطيني، الشرق الأوسط، أوروبا وحوض البحر المتوسط؛ كما يستعرض أداء أذرع السياسة الخارجية الإسرائيلية المختلفة.

خلال الفترة المذكورة، التي تواصلت فيها الحرب في أوكرانيا مقسّمةً العالم إلى قوى/ دول/ أنظمة "ديمقراطية" وأخرى "استبدادية"، وحيال التغييرات الجيوسياسية العميقة التي غيرت خارطة التحالفات في منطقة الشرق الأوسط ودخول الصين على خط التوسط، بنجاح لافت، بين إيران والسعودية، في ظل تعمق أزمة المناخ في العالم عامة بما دفع إلى فتح الباب أمام مسارات عديدة وغير مسبوقة من التعاون بين الدول، بقيت الحكومة الإسرائيلية الجديدة، بتشكيلتها الحزبية والوزارية وبنهجها السياسي، العنصر الأشدّ والأعمق تأثيراً على علاقات إسرائيل الخارجية وعلى مكانتها في العالم. وفي صلب هذا التأثير "إقصاء إسرائيل من نادي الدول الديمقراطية الليبرالية"، كما يشدد التقرير.

 

تسريع الضم وتعميق الاحتلال ومواصلة "إدارة الصراع"

أما التشخيص الآخر، المرتبط بالتشخيص السابق ارتباطاً وثيقاً ولا يقل عنه أهمية ومركزية، فهو أن إسرائيل تدفع، بصورة منهجية حثيثة و"بوتائر غير مسبوقة"، كما يؤكد التقرير، نحو ضم الضفة الغربية إلى السيادة الإسرائيلية ونحو تعميق الاحتلال، وذلك في ظل التنديدات الدولية وفي موازاتها. فقد خولت الحكومة وزير المالية والوزير في وزارة الدفاع، بتسلئيل سموتريتش، صلاحيات واسعة في مجال البناء في المستوطنات فوسعت وسرّعت، بالتالي، أعمال البناء المكثفة في المستوطنات والبؤر الاستيطانية كما كرست، ضمن الميزانية العامة للدولة، تفضيل المستوطنات في الضفة الغربية في مجالات البناء والتطوير، إلى جانب إلغاء "قانون الانفصال" وتكثيف أعمال الاستيطان الدائم في بعض المواقع، خلافاً لتعهدات إسرائيلية رسمية سابقة أمام الأميركيين، ناهيك عن تشجيعها ودعهما الواضحين للبوغرومات التي نفذها وينفذها المستوطنون ضد الفلسطينيين. وفوق هذا كله، استغلت الحكومة الحالية بعض العمليات التي نفذها فلسطينيون من أجل شرعنة العديد من البؤر الاستيطانية "غير القانونية" وإتاحة إقامة المزيد منها. 

على صعيد متصل تماماً، بما يشكل جزءاً جوهرياً من النهج العام الذي تتبناه الحكومة الإسرائيلية الحالية بشأن العلاقة مع الشعب الفلسطيني ومع الأراضي الفلسطينية المحتلة ومنظورها للصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني، يشير التقرير إلى حقيقة أن هذه الحكومة تستعين بجهات إقليمية ودولية للاستمرار في "إدارة الصراع" مع الشعب الفلسطيني. فقد تجند المجتمعان الإقليمي والدولي، وفي مقدمتهما الولايات المتحدة، مصر، الأردن وأوروبا، "لمساعدة إسرائيل والفلسطينيين" ـ كما يقول التقرير ـ في منع تدهور الأوضاع الأمنية "وتجاوز شهر رمضان (المبارك) بسلام"! وفي هذا الإطار، عُقد لقاءان إقليميان للتنسيق الأمني، في العقبة وشرم الشيخ، كما جرت "محادثات تهدئة" بين وزراء إسرائيليين ومسؤولين رفيعي المستوى في السلطة الفلسطينية، إضافة إلى أن "جولة قتالية جديدة بين إسرائيل والجهاد الإسلامي في قطاع غزة قد انتهت بوساطة مصرية، قَطَرية وأميركية".

وأجمل تقرير "مِتفيم" المناحي الأخرى الأبرز في السياسة الخارجية الإقليمية الإسرائيلية خلال الفترة المذكورة بما يلي:

  • استمرار وتوثيق التعاون الاستراتيجي مع مصر والأردن، في ظل الأزمات المتلاحقة على صعيد القضية الفلسطينية: واصلت مصر والأردن تعاونهما الوثيق مع إسرائيل، وخصوصاً في إطار الجهود الدولية التي كُرّست لمنع التصعيد على الجبهة الفلسطينية. فقد استضاف البلدان اللقاءين الإقليميين في العقبة وشرم الشيخ وأكدا على التزامهما بالدفع نحو حل القضية الفلسطينية. وقد شجبت الدولتان بشدة مساعي الحكومة الإسرائيلية الحالية الحثيثة لتعميق الضم، كما شجبتا بشدة أيضاً عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين، لكنهما واصلتا الدفع بمشاريع مشتركة مع إسرائيل، وخاصة في مجال الطاقة. وأما الأزمات الموضعية التي حصلت مع هاتين الدولتين، وخاصة العملية ضد الجيش الإسرائيلي على الحدود المصرية أو محاولة عضو البرلمان الأردني تهريب الأسلحة، فقد "تم حلها بالتعاون"، بحسب تعبير التقرير.
  • عملية التطبيع مع الإمارات العربية المتحدة، المغرب والبحرين مستمرة، لكنّ القضية الفلسطينية تقيّد هذه العملية، تعيقها وتمسّ بها وبمحاولات توسيعها: تم تنفيذ الاتفاقيات السابقة بين الحكومات وبين شركات تجارية، كما جرى التوقيع على اتفاقيات جديدة أخرى. منظمات المجتمع المدني عمقت التعاون فيما بينها واتسعت السياحة من إسرائيل إلى الدول المذكورة، كما استمر نمو التبادل التجاري. العديد من الوزراء الإسرائيليين زاروا المغرب واستمر العمل المشترك في إطار الطواقم المتعددة الأطراف. وبالرغم من ذلك كله، إلا أن التوتر في مدينة القدس، العدوان على قطاع غزة وعنف المستوطنين في الضفة الغربية ـ جعل المسألة الفلسطينية أكثر أهمية ومركزية في سياق عملية التطبيع مع هذه الدول التي شجبت الممارسات الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية. من جهتها، وسعت دولة الإمارات نطاق تدخلها السياسي والمالي بين الفلسطينيين وتوقفت أعمال مشتركة كان مخططاً لها مع إسرائيل. كما تم تأجيل الزيارة الأولى التي كان من المخطط أن يجريها رئيس الحكومة، نتنياهو، في دولة الإمارات العربية المتحدة، وذلك في أعقاب اقتحام الوزير إيتمار بن غفير باحات الحرم القدسي الشريف، علاوة على التأجيل المتكرر، بضع مرات، للقاء "فوروم النقب" الذي كان مزمعاً عقده في المغرب حتى إلغائه نهائياً حيال تكثيف أعمال البناء في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية. وقد أوضحت كل من الولايات المتحدة والسعودية لإسرائيل أن ممارساتها في الساحة الفلسطينية "تجعل من الصعب عليهما دفع مساعي التطبيع بين إسرائيل والسعودية، في إطار الاتصالات بينهما".
  • إسرائيل تحارب إيران على جبهات مختلفة، ولكنها تعجز عن إقناع دول أخرى بتبني موقفها: واصلت إسرائيل جهودها المختلفة لمحاربة إيران على العديد من الجبهات، سواء الإقليمية منها أو الدولية. وقد عملت في داخل إيران نفسها أيضاً وهاجمت قوات إيرانية على الأراضي السورية واللبنانية. وفي إطار جهودها هذه، عززت إسرائيل علاقاتها مع كل من تركمانستان وأذربيجان وعمقت التعاون مع قبرص وتركيا، كما أجرت مناورات عسكرية مشتركة مع الولايات المتحدة. وعلى الصعيد الدبلوماسي، بذلت إسرائيل جهوداً كبيرة من أجل إقناع دول أخرى بتبني موقفها حيال إيران وتكثيف الضغط عليها، كما حاولت استغلال دعم إيران للحرب الروسية ضد أوكرانيا لهذا الغرض، إلا أن محاولات إسرائيل وجهودها هذه لم تحقق لها ما كانت ترجوه من نتائج. وعلى الرغم من الحوار المتواصل بين إسرائيل والولايات المتحدة حول الشأن الإيراني، إلا أن توتراً واضحاً ساد بين الدولتين على خلفية التقدم الأميركي نحو اتفاق جديد مع إيران بشأن مشروعها النووي.
  • إسرائيل تواصل تجنب التعبير عن الدعم الكامل لأوكرانيا في الحرب وتستجلب على نفسها المزيد من النقد الأوكراني والغربي. ولئن كانت إسرائيل تواصل محاولات تقديم المساعدات الإنسانية لأوكرانيا، إلا أنها تفعل ذلك من دون اتخاذ موقف ضد روسيا ومن دون الاستجابة للطلب الأوكراني بتقديم مساعدات أوسع حجماً وأكبر فاعلية، وخصوصاً منظومات الدفاع الجوي. وعلى الرغم من الزيارة الأولى التي قام بها وزير الخارجية الإسرائيلي إلى أوكرانيا، إلا أنه تجنب التعبير عن أي موقف ضد روسيا وهو ما اعتبرته أوكرانيا، بوضوح، "موقفاً مؤيداً لروسيا، فعلياً".
  • إسرائيل والولايات المتحدة تحاولان كبح التوتر المتصاعد بينهما، على خلفية الانقلاب على الحكم والممارسات الاحتلالية، ومنع تحوّله إلى شرخ في العلاقات بين الدولتين. فقد أعلنت الولايات المتحدة موقفها الواضح والحازم ضد "خطة الإصلاحات القضائية" التي تنفذها الحكومة الإسرائيلية الحالية، معتبرة أنها "خطة انقلاب على الحكم"، ومؤكدة على ما أسمته "القيم الديمقراطية المشتركة التي يقوم عليها التحالف بين الدولتين". وقد مارست واشنطن ضغوطاً على الحكومة الإسرائيلية للتوصل إلى توافق مع المعارضين لخطتها هذه، ولكن الحكومة حاولت تهدئة الإدارة الأميركية ومنعها من التدخل. إلا أن استمرار الحكومة في مساعيها "الإصلاحية"، وإلغاء قانون الانفصال والعودة إلى مستوطنة "حومش"، خلافاً للتعهد الإسرائيلي الرسمي أمام الولايات المتحدة، وتخويل الوزير سموتريتش صلاحيات البناء والتخطيط في مناطق الضفة الغربية، والبوغرومات التي نفذها المستوطنون ضد الفلسطينيين، وتصريحات بعض الوزراء الإسرائيليين ضد الولايات المتحدة ـ هذه كلها أدت إلى مزيد من التردي في العلاقات العامة بين الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأميركية وهو ما انعكس، بصورة واضحة، في عدم توجيه دعوة رسمية إلى نتنياهو حتى الآن من أجل القيام بزيارة رسمية إلى واشنطن، وفي المقاطعة الأميركية الرسمية للوزيرين سموتريتش وبن غفير.
المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات