المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1034
  • عبد القادر بدوي

تأسس موقع "ميدا" اليميني في العام 2012 بمبادرة الشخصية اليمينية المعروفة ران باراتس، والذي كان قد شغل في السابق منصب المتحدث باسم زعيم حزب الليكود ورئيس الحكومة الإسرائيلية الحالية بنيامين نتنياهو، ويُعرّف مؤسّسه الموقع بأنه مجلة إخبارية وفكرية يومية تهدف إلى إتاحة وتوفير الآراء والمواقف والمعلومات للجمهور الإسرائيلي، تحديداً تلك التي لا يتم تناولها، أو غير الشائعة، في الخطاب الإعلامي السائد الذي تُقدّمه بشكل رئيس وسائل الإعلام الإسرائيلية.

تُدير الموقع الجمعية اليمينية المعروف باسم "إلى الفرد" التي تأسست في العام نفسه والتي تُقدّم نفسها كجمعية غير ربحية وتعمل على الترويج لخطاب اليمين من وجهة نظر صهيونية ليبرالية كلاسيكية، وهذه الجمعية التي يترأسها باراتس هي التي تُشغّل "ميدا" بشكل فعلي وتُشرف على صياغة أجنداته والخطاب الذي يُقدّمه والقضايا التي يُعالجها، إذ ينشغل "ميدا" بتقديم المواقف والآراء حول قضايا متعدّدة كالاقتصاد والأمن والثقافة والأمن والتعليم والأكاديميا والقانون والدين والروحانيات وغيرها من القضايا التي تهمّ الفرد الإسرائيلي، والهدف هو تعريض الإسرائيلي لأخبار وأفكار وآراء مصادر مختلفة حول العالم من منظور "محافظ وليبرالي" ومن هنا يأتي تركيزه على "الفرد"، حيث يستند مؤسّسوه والجمعية التي تُشغّله إلى الإيمان بضرورة تعزيز الخيارات والحرية الفردية باعتبارها إنجازاً هاماً.

تُشير بعض التقارير إلى أن "ميدا" يحصل على تمويله بشكل رئيس من المموّل المركزي لجمعيات ومنظّمات اليمين في إسرائيل المعروف باسم "كيرن تكفا" والذي سبق أن تناولناه بشكل موسّع في المساهمة السابقة في مُلحق "المشهد الإسرائيلي"، حيث حصل الموقع بحسب تقرير صادر عن "السلام الآن" الإسرائيلية على مئات آلاف الشواكل. من ناحية أخرى، يُشير تفحّص موقع "ميدا" الرسمي على الشبكة إلى أن الموقع يتناول بشكل أساس قضايا الشرق الأوسط والدول العربية وأيضاً "صعود الإسلام في الدول الغربية"، والقضايا الاقتصادية مع التركيز على السوق الحرة وتقليص التدخل الحكومي الإسرائيلي في السوق وغيرها، بالإضافة إلى قضايا "البدو في إسرائيل" الذين يتم يتعامل معهم كجزء مما يُعرف بـ "الأقليات في إسرائيل"، وفقاً للموقع.[1]

من الناحية الفعلية؛ يُعدّ "ميدا" إحدى منصّات اليمين الإعلامية على الرغم من أن معين سمون (المحرّر الرئيسي للموقع) عبّر خلال لقاءات صحافية عديدة عن أن هذه المنصّة ليست إعلامية وأن "ميدا" لا يعمل كجهة صحافية أو إخبارية، وإنما مجلّة تتضمّن مقالات وتحقيقات فقط، وأن المؤسسات والجمعيات المدنية أفضل بكثير من دولة كبيرة ذات موازنات كبيرة أحياناً في التأثير على الخيارات الشخصية والآراء العامة. وقد شكّل الموقع منصّة للعديد من الشخصيات اليمينية البارزة- على المستوى الإعلامي- مثل إيرز تدمور، صاحب كتاب "لماذا نصوّت اليمين، ونحصل على اليسار!" الشهير، والذي أشارت عدّة تقارير إلى مسؤوليته عن كتابة العديد من الخطابات الهامة لنتنياهو.

مؤسس موقع "ميدا" ران باراتس هو من الشخصيات اليمينية البارزة، وكان قد سبق أن شغل منصب متحدّث باسم رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو كما أشرنا أعلاه، ومسؤول قسم "الهسباراه" الفعلي في مكتبه (على الرغم من أن نتنياهو واجه صعوبات في تعيينه حينها في هذا المنصب)، وهو مدير عام الجمعية اليمينية المعروفة باسم "إلى الفرد" التي تُشغّل موقع "ميدا" بشكل فعلي وتُشرف على صياغة أجنداته. باراتس من الشخصيات الإعلامية البارزة التي تسعى لتمرير أجندات اليمين عبر التأثير في الخطاب العام بواسطة الجمعيات المدنية، وكان قد قدّم استشارة مركزية في تقرير المنظّمة اليمينية المتطرّفة المعروفة "إم ترتسو" حول الفجوة القائمة بين آراء ورغبات الجمهور في إسرائيل في القضايا "القومية والصهيونية" وبين ما يتم تقديمه عبر النخب الأكاديمية في مساقات السياسة والفكر والتاريخ في الجامعات الإسرائيلية، وكان نتنياهو قد اقترح تعيينه في منصب حسّاس إلّا أنه واجه صعوبة في ذلك بسبب مواقفه المُعلنة المعادية من الرئيس الأميركي باراك أوباما وجون كيري ورؤوفين ريفلين، كما يُشارك باراتس بمقال دوري ودائم في مُلحق "يومان" الصادر عن صحيفة "مكور ريشون" اليمينية المتطرّفة المعروفة.

في العام 2018، اقترح موقع "ميدا" عبر نشرة خاصة على موقعه أن تتم إقالة 5 من موظفي الدولة في إسرائيل بشكل فوري وهم رؤوفين ريفلين (رئيس الدولة)؛ روني ألشيخ (القائد العام للشرطة)؛ غادي أيزنكوت (رئيس هيئة الأركان العامة للجيش)؛ ياعيل غوراون (المشرفة على دراسات المواطنة في إسرائيل) ودينا زيلبر (نائبة المستشار القانوني للحكومة في حينه) بحجّة أن هؤلاء يسمحون لخطاب اليسار في إسرائيل، وبعض منظّماته، بالعمل في المجتمع الإسرائيلي وادعى أن ذلك يعود بالضرر على "يهودية الدولة" وقوتها وتماسكها، كما يسمحون لأعداء الدولة "الفلسطينيين" بالحصول على بعض الحقوق، وكذلك معارضة بعضهم للتوسّع الاستيطاني في بعض الحالات (نائبة المستشار القانوني للحكومة)، والاعتراف بوجود الفلسطينيين وعدم تعريف إسرائيل "كدولة للشعب اليهودي" (كما فعلت ياعيل غوراون مثلاً)، ووصف يائير غولان (نائب أيزنكوت) الجيش الإسرائيلي بالنازيين ولم يُقدِم الأخير على إقالته، بالإضافة إلى تورطهم في قضية محاكمة الجندي الإسرائيلي إليئور أزاريا الذي قتل الشهيد عبد الفتاح الشريف في مدينة الخليل بالإضافة إلى وصف بعض المسؤولين الذين قام بتعيينهم عصابتي "الإتسل والليحي" بأنهما منظمتان  إرهابيتان، بالإضافة إلى تورّط روني ألشيخ في محاولة "إسقاط" نتنياهو من الحكم خلال التحقيق من دون وجود أدلة كافية وغيرها من القضايا التي يعتبرها اليمين خطيرة وتُلحق الضرر ليس باليمين فقط، وإنما بـ "يهودية الدولة" ومستقبلها، وكذلك رؤوفين ريفلين الذي قام بالمشاركة في فعالية إحياء ذكرى مذبحة كفر قاسم بالإضافة إلى مباركة زواج يهودية من عربي مسلم بعد اعتناقها الإسلام وغيرها.[2] يُشير المثال المُشار إليه أعلاه إلى طبيعة التوجّه الذي يسعى "ميدا" لنشره وتعميمه في أوساط المجتمع الإسرائيلي من خلال الوسائط المرئية والمقالات المكتوبة والمترجمة، والتي تسعى إلى المساهمة في عملية "نزع الشرعية" ليس عن "الفلسطينيين الأعداء" فحسب؛ بل أيضاً عن أي صوت إسرائيلي- مهما كان منصبه أو تعريفه- يُحاول تبنّي خطاب مُعارض لخطاب اليمين في إسرائيل وإن كان هؤلاء يتفقون معهم في الجوهر فيما يتعلّق بالصراع مع الفلسطينيين والمسألة الفلسطينية بشكلٍ عام، وإن كل الأمثلة التي يسوقها "ميدا" مثلاً لا تتجاوز التصريحات في مناسبات محدّدة.

لا يعمل "ميدا" في فضاء فارغ؛ وإنما يقوم بتغطية جانب من جوانب المجتمع الإسرائيلي، حيث الفرد فيه معرّض لتأثير خطاب اليمين الذي لا ينحصر في المستوى السياسي وحسب؛ بل في كافة المجالات غير الحكومية التي بات يُسيطر فيها اليمين بشكلٍ كبير؛ في الصحافة والإعلام؛ الرياضة والثقافة والأدب؛ الأكاديميا والتعليم؛ القانون والحياة المدنية بكافة أشكالها عبر الجمعيات والمنظّمات التي أخذ مؤسسوها وطاقمها على عاتقهم مهمة نشر وتعميم خطاب وفكر اليمين الجديد في إسرائيل في السنوات التي أعقبت التوقيع على اتفاقات أوسلو منتصف تسعينيات القرن المنصرم، والتي اشتدّت وتيرتها خلال العقد المنصرم مع بدء هيمنة اليمين بزعامة بنيامين نتنياهو على سدّة الحكم.

 

[1] أنظر/ي: مقالات حول "البدو" عبر المنصّة الرسمية لـ "ميدا" على الشبكة: https://mida.org.il/tag/%d7%91%d7%93%d7%95%d7%95%d7%99%d7%9d/

[2] لمشاهدة التقرير الذي يحمل عنوان: "ميدا تقترح: 5 من العاملين في الدولة يجب إقالتهم"، أنظر/ي:https://www.facebook.com/MidaMag/videos/1637260929688569/

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات