المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
بارجة حربية إسرائيلية في البحر المتوسط قبالة رأس الناقورة.  (شينخوا)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 990
  • وليد حباس

بتاريخ 11 تشرين الأول الجاري (2022)، صادق كل من رئيس حكومة إسرائيل يائير لبيد، والرئيس اللبناني ميشال عون، على نص المسودة التي تقدمت بها الولايات المتحدة لترسيم الحدود المائية بين البلدين. ومن المتوقع أن تنهي هذه الاتفاقية الخلافات الإسرائيلية- اللبنانية المتعلقة بالمياه الاقتصادية لكل بلد، وبتوزيع أرباح الغاز الطبيعي المتواجد في هذه المياه. الاتفاق يحمل بعدين، الأول سياسي- أمني، والثاني اقتصادي يتعلق بأرباح الغاز الموجود في المياه المتنازع عليها. ويعتبر الاتفاق الأول من نوعه بين إسرائيل ولبنان.

يمكن القول إن ترسيم الحدود المائية لم يكن محط اهتمام أي من البلدين إلى أن تم اكتشاف الموارد الطبيعية الكامنة في أعماق البحر الأبيض المتوسط. فبحسب تقرير أعده المركز الجيولوجي الأميركي، تقدر الموارد الطبيعية في شرقي البحر الأبيض المتوسط (أي بالقرب من سواحل إسرائيل، لبنان، وقبرص) بنحو 17.2 مليار برميل من النفط، بالإضافة إلى 122 ترليون متر مكعب من الغاز الطبيعي.[1] والإشكالية التي تبرز في حالة إسرائيل ولبنان، هي في حدود المياه الاقتصادية لكل بلد، وما إذا كانت الآبار من حق إسرائيل أو لبنان. وهنا لا بد من التمييز بين نوعين من المياه:

  1. المياه الإقليمية: وهي تمتد من سواحل الدولة إلى نحو 22 كيلومتراً في عمق البحار، وتعتبر هذه المياه جزءاً لا يتجزأ من الحدود السيادية للدولة.
  2. المياه الاقتصادية: وهي تمتد من سواحل الدولة إلى نحو 300 كيلومتر في عمق البحار، ويحق للدولة أن تتمتع بالموارد الاقتصادية المتواجدة في هذه المياه. 

يكمن الخلاف بين إسرائيل ولبنان إذن في ترسيم حدود المياه الاقتصادية، خصوصا وأن هناك حقلي غاز ضخمين تم اكتشافهما قبالة السواحل الواقعة بين البلدين، وهما حقل كاريش وحقل قانا. فيما يتعلق بحقل كاريش، فهو يقع على بعد 90 كيلومترا في عمق البحر، ويحتوي على الملايين من براميل الغاز الطبيعي بالإضافة إلى مواد خام أخرى حيوية. 

وقد بدأ الخلاف على الحدود المائية في الفترة الواقعة بين العام 2007 والعام 2010. في العام 2007، وقعت لبنان وقبرص اتفاقية لترسيم الحدود المائية الاقتصادية، وتمت الإشارة في الاتفاقية إلى أن النقطة الجنوبية للحدود (وهي التي من المفترض أن تفصل بين المياه اللبنانية والقبرصية والإسرائيلية) هي نقطة مؤقتة وعرضة للتغيير مستقبلا. لكن في العام 2010، قامت إسرائيل بتوقيع اتفاقية مع قبرص، بدأت من النقطة التي اتفقت لبنان وقبرص على أنها عرضة للتغيير، مما يعني أن إسرائيل حاولت التحايل على لبنان من خلال فرض حدود مائية وإنهاء أي إمكانية لتعديل النقطة. منذ ذلك الوقت، تقوم كل من إسرائيل ولبنان بترسيم حدودهما بشكل مختلف (أنظر الرسم المرفق)، وحصلت العديد من الوساطات التي تضمنت مباحثات ومفاوضات غير مباشرة بين الجانبين، لكنها كلها باءت بالفشل.

535

الصورة من موقع المدن (جريدة إلكترونية لبنانية مستقلة) والذي نشر النص الحرفي للاتفاق باللغة العربية.[2]

وللتوضيح، ترى إسرائيل أن حدودها الاقتصادية في البحر تكمن في الخط الأصفر (انظر الصورة)، مما يجعلها شريكة في أكثر من نصف الموارد الموجودة في حقل قانا. بينما تريد لبنان أن تدفع الخط جنوبا لتستفيد من نحو 1430 كيلومترا مربعا إضافيا من مياه البحر الأبيض المتوسط (انظر الخط الرمادي). 

في تشرين الأول 2020، عادت المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل ولبنان مرة أخرى، وقد ساهمت عدة أحداث حصلت داخل لبنان في تسريع العودة إلى طاولة المفاوضات، أهمها انفجار ميناء بيروت، وأزمة الطاقة والأزمة المالية اللتان ما تزالان تؤثران على لبنان حتى اليوم. في جولة المفاوضات الجديدة هذه، شارك وزير الطاقة الإسرائيلية يوفال شطاينيتس، ورئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، وممثل الأمم المتحدة في لبنان، ومساعد وزير الخارجية الأميركي والذي كان الوسيط بين البلدين في المفاوضات غير المباشرة.[3] خلال جولات المفاوضات التي امتدت من تشرين الأول 2020 وحتى أيلول 2022 (عندما تم التوصل إلى الاتفاق)، حصل العديد من الأحداث التي أثرت على سير المفاوضات، أهمها: تهديدات حزب الله بضرب مقادح التنقيب في حال تم استثناء لبنان من أرباح الآبار التي تسيطر عليها إسرائيل، وقيام الجيش الإسرائيلي بإسقاط مسيرات تابعة لحزب الله كانت تحلق فوق المياه الاقتصادية الإسرائيلية، وتغيير الحكومات الإسرائيلية واللبنانية.[4]

ولكن أخيراً، تم التوصل إلى اتفاق يمكن تلخيص بنوده على النحو التالي:

  • تم الاتفاق على ترسيم الحدود المائية بين البلدين بشكل نهائي. والحدود مشار إليها في الخط رقم 23 (الخط باللون الأخضر على الخارطة) وتجعل حقل الغاز المسمى كاريش ملكا حصريا لإسرائيل، بينما الحقل المسمى قانا يقع في معظمه داخل الحدود اللبنانية بيد أن لإسرائيل حصة فيه. وهذا يعني أن دولة لبنان هي المسؤول الوحيد عن عمليات التنقيب واستخراج الغاز الطبيعي، أما إسرائيل فستحصل على حصتها ضمن ترتيبات ثنائية بينها وبين الشركة المشغلة. 
  • إن ترسيم الحدود المائية على هذا النحو لم يمس الحدود البرية التي ما تزال موضع خلاف بين البلدين. كما أن الاتفاق أبقى على ما يسمى "خط العوامات"، وهو خط بطول 5 كيلومترات يبدأ من رأس الناقورة ويمتد إلى داخل البحر. وكانت إسرائيل قد فرضت "خط العوامات" بعيد انسحابها من الجنوب اللبناني في العام 2000، وهدفت منه إلى منع أي تسللات بحرية من لبنان إلى إسرائيل. والاتفاق الجديد يحوّل "خط العوامات" الذي كانت ترفضه لبنان إلى خط متوافق عليه، وبات يسمى بخط "الوضع القائم"، أو "الستاتيكو".
  • فصّل الاتفاق كل ما يتعلق بأعمال التنقيب، الحفر، واستخراج الموارد الطبيعية من حقل قانا، الواقع في مربع رقم 9 (أو بلوك 9- أنظر الخارطة). ومن المتوقع أن تصل أرباح هذا الحقل، بحسب بعض التقديرات، إلى نحو 3 مليارات دولار. ستتحصل إسرائيل على نسبة من الأرباح قد تتراوح بين 17-25% (أو ما قيمته 500 مليون دولار).[5]
  • يمكن الادعاء بأن الاتفاق كان اتفاقا اقتصاديا إنقاذياً بالنسبة إلى لبنان ولكنه اتفاق سياسي لنزع اعتراف بترسيم الحدود المائية بالنسبة إلى إسرائيل. في ما يتعلق بلبنان، هو اتفاق اقتصادي لأن لبنان الذي يعاني من أزمة مالية خانقة، تفاقمت في العام السابق بسبب أزمة الطاقة والكهرباء، كان مضطرا إلى تقديم تنازلات لإسرائيل لقاء الحصول على حصة الأسد من أرباح حقل قانا. أما بالنسبة إلى إسرائيل، فإنها ومنذ البداية كانت مدفوعة بأطماعها الاستعمارية التوسعية وتصر على ترسيم الحدود المائية من خلال خط لا ينطلق من رأس الناقورة بشكل أفقي في البحر، وإنما ينحرف بدرجة 90 إلى الأعلى ليضم مساحات بحرية تقع تماما بموازاة السواحل الإسرائيلية (انظر الخارطة). والاتفاق يعني أن دولة لبنان اعترفت بهذه الحدود بعد أن كانت تطالب طوال الوقت بترسيم حدودها على خط 29 الجنوبي (انظر الخارطة مجددا). 

بعد الاطلاع على نص الاتفاق، والسياق الذي أفضى إلى التوافق على بنوده، لا يمكن التكهن حول مدى صلابة هذا الاتفاق وما إذا كان سيشكل رادعا أمام أي تصعيد عسكري في المستقبل. فمن جهة، ما تزال لبنان تعتبر إسرائيل عدوا لها، لكن من جهة أخرى، يعتبر هذا أول اتفاق بين البلدين برعاية دولية، الأمر الذي يجعل لبنان ثالث دولة من دول الطوق توقع اتفاقا رسميا مع إسرائيل. وعليه، ليس واضحا فيما إذا كان الاتفاق يحمل بواكير تطبيع أم أنه جاء في لحظة حرجة بالنسبة إلى لبنان، من باب أنه لـ "الضرورات أحكام"! 

 

المراجع

[1]  يوآف هاريس، إسرائيل- لبنان: خلاف أم تسوية؟، مجلة همطعان، عدد 212 (حزيران 2019). أنظر/ي الرابط التالي: https://bit.ly/3SarHnH

[2]  راجع/ي موقع "المدن"، على الرابط التالي: https://bit.ly/3S0uJuJ

[3]  باراك رافيد، المفاوضات على الحدود المائية مع لبنان عالقة، والطرفان يتصارعان على ترسيم الخرائط منذ أكثر من مئة عام، موقع واللا الإخباري، 25 تشرين الثاني 2020. أنظر/ي الرابط التالي: https://news.walla.co.il/item/3401010

[4]  يوآف زيتون، الجيش الإسرائيلي أسقط مسيرات لحزب الله في طريقها إلى حقول الغاز، موقع واينت الإخباري، 2 تموز 2022. أنظر/ي الرابط التالي: https://www.ynet.co.il/news/article/h1s6zga95

[5]  باراك رافيد، أكثر من كونه اتفاقا اقتصاديا، الاتفاق مع لبنان هو وقبل كل شيء سابقة سياسية وأمنية، موقع واللا الإخباري، 12 تشرين الأول 2022. أنظر/ي الرابط التالي: https://news.walla.co.il/item/3534667

المصطلحات المستخدمة:

باراك, يائير لبيد

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات