المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
"الإسرائيليون يعملون أصلاً ساعات أكثر مما هو معهود في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية"  (الصورة عن: فلاش 90)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 826
  • هشام نفاع

تزداد الأسئلة والنقاشات في العالم خلال السنوات الأخيرة حول موضوع أنماط العمل، وهو ما زاد اهتماماً به وأهمية خلال وما بعد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن انتشار فيروس كورونا. أحد الأسئلة مرتبط بالعمل من البيت، سواء كبديل للعمل في مكتب أو في مقرّ الجهة التي تشغّل العمّال، أو كجزء مكمّل له. هنا تبرز مشاكل مختلفة، منها اضطرار موظفين وعاملين إلى العمل في البيت ليس كبديل للعمل المكتبي أو جزء منه، لا بل كعمل إضافي يحملونه معهم إلى ما يفترض أنه وقت فراغهم وراحتهم.

ويتضح من دراسات وأبحاث تجري في إسرائيل أن المشكلة تتفاقم، إذ إن 43% من الإسرائيليين يعملون خارج ساعات عملهم القانونية، أي أنهم يحتاجون للعمل على حساب أوقات فراغهم أيضاً، لإتمام ما يلقى عليهم من مهمات. يتضح هذا من مسح بحثي نشرت نتائجه في أواسط شهر تشرين الثاني الجاري وقد أجراه "منتدى أرلوزوروف" التابع لنقابة العمال العامة (الهستدروت). ووفقاً للمعطيات التي قدّمها وقارنها البحث بما سبقها، فإن هذه النسبة تشكل زيادة حادة في نسبة العمال المضطرين لمواصلة العمل في أوقات فراغهم. وبالمقارنة مع أرقام كان نشرها العام 2016 "مكتب الإحصاء المركزي" فإن 24% فقط من العمال اضطروا لمواصلة العمل بعد دوامهم النظامي. وبالمجمل، تظهر بيانات المسح الجديد أن واحداً من كل 5 عمال/عاملات في إسرائيل يضطر إلى العمل ساعات إضافية كل يوم من أجل تلبية متطلبات وظيفته.

تم إجراء المسح البحثي الذي أنجزه "منتدى أرلوزوروف" من خلال معهد الاستطلاعات والمسوحات "كرتوغرافيا"، واشتمل على ما يقارب 3000 موظف/ة فوق سن 18 عاماً يمثلون القوى العاملة في إسرائيل، بمن في ذلك العمال العرب والحريديم. ويقول معدو البحث إنه تمت صياغة وبناء الاستطلاع بحيث يكون من الممكن مقارنته بالمسوحات الأخرى التي أجريت في هذا الحقل خلال السنوات الأخيرة، مثل المسح الاجتماعي الذي يجريه بانتظام "مكتب الإحصاء المركزي". وضمن بحث "منتدى أرلوزوروف" تم سؤال المشاركين الذين استجابوا للمشاركة فيه عن عدد المرات التي عملوا فيها خلال فترة عملهم في الأشهر الـ 12 الماضية أيضاً في وقت الفراغ من أجل تلبية متطلبات ومهمات العمل، وقد أجاب 21.4% فقط من المستطلعين بأنهم لم يعملوا على الإطلاق في أوقات فراغهم، مقارنة بـ 41% لم يعملوا خارج ساعات وظيفتهم وفقاً لاستطلاع "مكتب الإحصاء المركزي" الذي أجري في العام 2016.

"العمل من المنزل يطمس الحدود بين الحياة الخاصة والحياة المهنية"

كذلك، أجاب 20.1% من المستطلعين بأنهم نادراً ما يعملون في أوقات فراغهم وأجاب 15.5% بأنهم يفعلون ذلك مرة أو مرتين في الشهر (فيما يشبه معطيات وبيانات استطلاع 2016). ولكن أجاب 23.3% منهم أنه يتعين عليهم العمل في أوقات فراغهم مرة أو مرتين في الأسبوع من أجل تلبية متطلبات عملهم (مقارنة بـ 15.2% في العام 2016) وأجاب 19.8% منهم أنه يتعين عليهم العمل خارج ساعات العمل كل يوم تقريباً - مقارنة بـ 8.8% فقط في العام 2016.

وبموجب صحيفة "دفار" الإلكترونية، يقدر باحثا المنتدى، عيدان لن ويوني بن بسات، أن القفزة الحادة في نسبة المضطرين إلى العمل على حساب وقت الفراغ تأتي نتيجة أزمة كورونا التي أجبرت الكثيرين على التعود على العمل من البيت. وكما قالا: "يمكن الافتراض بأن العمل من المنزل قد طمس الحدود بين الحياة الخاصة وبين الحياة المهنية، واعتاد الموظفون والمديرون على أنهم يجب أن يكونوا متاحين لتلبية مطالب مكان عملهم أيضاً خارج ساعات العمل".

في حين كانت غالبية العمال الذين أفادوا بأنهم يعملون أيضا في أوقات فراغهم، العام 2016، من الفئات العشرية ذات الدخل المرتفع، يُظهر المسح البحثي الحالي أن هذه الظاهرة قد انتشرت أيضاً إلى الفئات العشرية الأدنى. وزاد معدل الإفادات عن "العمل على حساب وقت الفراغ بشكل دائم" بنسبة 27% في العشر الأدنى و24% في الأعشار 2-5، وهذا بالمقارنة مع زيادة أقلّ بنسبة 18% في الأعشار 5-9 وبنسبة 7% في العشر الأعلى والأكثر ثراء.

ينوه الباحثون إلى أن تضخّم حجم العمل خلال وقت الفراغ لا يقتصر على العاملين الجدد، ويقولون إن جميع الفئات العمرية شهدت زيادة ملحوظة في معدل الإبلاغ عن العمل على حساب وقت الفراغ. بل إن أكبر زيادة على وجه التحديد كانت بين العمال الأكبر سناً الذين تبلغ أعمارهم 65 عاماً وأكثر. وقدّروا أن هذه الزيادة نتجت عن حقيقة أن هذه المجموعة تأثرت بكورونا بالمعدّل ​​أكثر من غيرهم من العاملين، وذلك بسبب المخاطر الصحية. كما أن الزيادة في عدد المبلّغين عن العمل في أوقات فراغهم ملحوظة أيضاً في الفئة العمرية الأصغر (20-34)، وهذا على عكس المزاعم التي ترى أن الشباب ليسوا مستعدين للعمل الجادّ.

العمال في إسرائيل يعملون أصلاً ساعات أكثر من دول OECD

وفقاً للمنتدى، تكتسب نتائج الاستطلاع أهمية أكبر لأن الإسرائيليين يعملون أصلاً ساعات أكثر مما هو معهود في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD: حوالي 1900 ساعة عمل في إسرائيل سنوياً مقارنة بنحو 1540 ساعة في بريطانيا، و1380 ساعة عمل في ألمانيا. وعلاوة على هذا، أشار البحث أيضاً إلى أن استطلاعاً أجراه المعهد الإسرائيلي للديمقراطية في العام 2019 يُظهر أن ما يقارب 40% من العاملين في إسرائيل أفادوا بأنهم غالباً ما يعملون حتى خلال أيام الإجازات المرضية، وأفاد 28% منهم أنهم غالباً ما يعملون في أثناء الإجازات (أنظروا بتوسّع لاحقاً).

للمقارنة مع بعض الدول في منظمة OECD، تجدر الإشارة إلى أنه تم سنّ قوانين تقرّ بحق العاملين في عدم العمل خلال أوقات فراغهم بعد ساعات العمل الرسمية. مثلاً: حصل العمال في فرنسا على الحق القانوني في التوقف عن استخدام البريد الإلكتروني الخاص بالعمل خارج ساعات العمل الرسمية. ويُفعل القانون الجديد، الصادر تحت عنوان "الحق في قطع الاتصال"، بدءاً من الأول من كانون الثاني 2017. وألزم القانون الشركات التي يزيد عدد موظفيها عن 50 شخصاً بإعداد "ميثاق سلوك الشركة" يوضح الساعات التي يمكن للموظفين خلالها التوقف عن إرسال أو الرد على رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بالعمل.

ورأى مؤيدو القانون أن العمال المتوقع أن يتفاعلوا مع رسائل البريد الإلكتروني بعد ساعات العمل الرسمية لا يتقاضون أجرا عادلا عن ساعات العمل الإضافية. ورجحوا أن التفاعل مع تلك الرسائل يجعلهم عرضة للضغوط، والإرهاق، واضطرابات النوم، علاوة على صعوبات قد تواجههم في علاقاتهم الإنسانية.

أما في ألمانيا فإن شركة دايملر للسيارات، على سبيل المثال، قد وفرت خيارا إلكترونيا يتضمن حذف جميع الرسائل الجديدة التي يتسلمها الموظفون خارج ساعات العمل الرسمية أوتوماتيكيا، وذلك بدلا من الرد الأوتوماتيكي على تلك الرسائل. وفي بريطانيا دعت نقابة "بروسبكت" المهنية، التي تتعامل مع كبرى المؤسسات في المملكة المتحدة مثل بي بي سي ووزارة الدفاع وغيرها، إلى إصدار قانون عمل على غرار ما تقوم به فرنسا، يمنح من خلاله العمال "الحق في قطع الاتصال بأرباب العمل خارج ساعات الدوام المحددة".

كما أصدرت أيرلندا الشمالية، الشهر الماضي، قواعد عمل يتعيّن بموجبها على أرباب العمل إضافة "ملاحظات ورسائل تلقائية تظهر في أسفل الرسالة الإلكترونية، لتذكير الموظفين بعدم التزامهم بالرد على رسائل البريد الإلكتروني التي تُرسل إليهم خارج ساعات العمل المحددة".

ونقل موقع "بي بي سي" الذي يورد هذه المعلومات عن خبيرة في تكنولوجيا المعلومات القول: "لقد أصبح العمل أكثر إرهاقاً خلال العام الماضي، ثمة ضغط على الموظفين بسبب تفقدهم المستمر لبريدهم الإلكتروني والرد على المكالمات الهاتفية ومكالمات الفيديو والتأكد من توفرهم في متناول اليد طوال اليوم، فيصبح من الصعب الفصل بين العمل والحياة الشخصية. إن إنهاك الناس ليس مجدياً لا للعمال ولا لأرباب العمل، لذا علينا أن نمنح الناس وقتا كافيا للتوقف عن العمل والحصول على راحة كافية للعودة لاحقاً إلى العمل بنشاط وحيوية".

انتشار العمل في حيّز الحياة الخاصة ينطوي على أضرار إنتاجيّة ونفسيّة

وفقاً للقانون، أيام المرض هي الحق الذي يُمنح للعامل لغرض الغياب عن العمل بسبب المرض. يعرّف المرض في القانون كغياب مؤقت أو ثابت لقدرة العامل على تنفيذ عمله، والذي ينبع، بحسب النتائج الطبية، من حالة طبية معتلّة. وجرى تكريس الحق في أيام المرض في قانون مستحقّات المرض، حيث يحق للعامل الذي يتغيب عن العمل بسبب المرض الحصول على مدفوعات مستحقات المرض من اليوم الثاني لمرضه (موقع "كل الحق"، مؤسسة لأهداف غير ربحية، تنظّمت على هيئة شركة لمنفعة الجمهور بهدف تحسين استنفاد حقوق سكان إسرائيل وتحصيلها، بواسطة إنشاء بنك معلومات يشمل الحقوق والاستحقاقات المختلفة).

المعهد الإسرائيلي للديمقراطية قال في البحث المشار إليه أعلاه إن قرابة نصف الجمهور يعملون من البيت بعد ساعات العمل الرسمية، غالباً لمدة تصل إلى ساعتين في الأسبوع، و40% من الجمهور يعمل من البيت حتى في أثناء الإجازة المرضية. غالبية الجمهور (80%) يتحدثون عبر الهاتف عن أمور خاصة بالعمل على حساب وقت فراغهم بعد ساعات العمل، ويقضون في المتوسط حوالي ساعة في اليوم على هذا.

كذلك، فإن معظم الإسرائيليين يعملون ساعات إضافية لكنهم يسمحون لأنفسهم بالراحة في الإجازات وعطلات نهاية الأسبوع والعطلات السنوية، لكن يتضح من فحص مدى التوازن بين الحياة الشخصية والعمل، أن ما يقرب من 60% من الجمهور غير راضين عن درجة التوازن الموجودة اليوم بين حياتهم الشخصية وعملهم، منهم حوالي 14% غير راضين على الإطلاق، هذا بالمقارنة مع حوالي 44% راضون عن درجة التوازن، منهم حوالي 8% فقط راضون تماماً. وهناك نسبة مماثلة ممن ليس لديهم مرونة في ساعات العمل ولا توجد إمكانية للعمل من المنزل كبديل جزئي أو كامل للعمل في مكتب.

وكما هو متوقع، يقول البحث، فإن ​​معدل الرضى عن التوازن الموجودة بين الحياة الشخصية والعمل ينخفض حيث يعمل الموظفون ساعات أكثر يومياً، إذ أفاد حوالي 62% من العاملين حتى ست ساعات يومياً أنهم راضون عن التوازن، بينما ينخفض​هذا المعدل تدريجياً إلى 29% فقط من الرضى لدى من يعملون أكثر من 10 ساعات في اليوم.

ويوجز البحث على لسان معدّه أن "بيانات المسح تكشف عن زيادة في العمل على حساب وقت الفراغ في جميع مجموعات حجم الدخل (الأعشار)، وفي جميع الفئات العمرية وفي جميع القطاعات. إن انتشار العمل في حيّز الحياة الخاصة يضر بإنتاجية العمل، والرفاهية النفسية للموظفين والمديرين، والقدرة على إقامة وتنظيم علاقات عمل طبيعية. وتوضح لنا البيانات المقلقة أنه يجب وضع حدود واضحة في إطار علاقات العمل، ويجب أن يتم ذلك بالاتفاق بين الموظفين وأرباب العمل والحكومة".

المصطلحات المستخدمة:

الهستدروت

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات