المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
تظاهرة إسرائيلية ضد الغلاء.  (أرشيفية)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1137
  • هشام نفاع

يكاد لا يخلو أي نقاش في سياق الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية المقبلة التي ستجري يوم 1 تشرين الثاني المقبل، من قضية الغلاء ورفع الأسعار، وأثرها على أنماط تصويت المواطنين المرتقبة، وعلى المسؤولين عنها في الحكومات السابقة والحكومة الحالية، وتزايد التململ وربما النقمة في صفوف المجتمع على تكاليف الحياة الباهظة، إذ تؤكد دراسات إحصائية دولية إن أسعار شتى السلع الاستهلاكية في إسرائيل هي بين الأغلى على مستوى العالم كله. فبين أبرز المحادثات التي يجريها العائدون من رحلات في الخارج هي تلك التي تروح تعدّد الفروق في الأسعار، ابتداء بالمقهى والمطعم والمواصلات العامة، مروراً بالملابس واللوازم البيتية والشخصية، وحتى الأدوات الكهربائية والرقمية.

ويتبين من استطلاع خاص لمعهد "بانلز بوليتيكس" أجري بناء على طلب من صحيفة "معاريف" عشية رأس السنة العبرية، أن أكثر ما يقلق الإسرائيليين هو غلاء المعيشة. وقد صرّح بهذا 68% من المستطلعين. لتوضيح مدى الأهمية المقلقة التي يحتلها الأمر يكفي مقارنته بمصادر القلق الأخرى التي عرضها الاستطلاع، وأحدها ما وصفه معدو الاستطلاع بمصطلحاتهم بـ"الإرهاب الفلسطيني"، والذي جاء بعد غلاء المعيشة وبفارق كبير إذ صرّح 32% من المستطلعين، أي نصف النسبة السابقة، أن هذا مصدر قلق أول لهم.

هناك أبحاث أخرى أكدت هذا الاتجاه في الرأي العام الإسرائيلي. فبحسب استطلاع خاص أجرته هيئة شؤون الاستهلاك في نقابات الهستدروت، مؤخراً، 71% من الإسرائيليين يوافقون على أن مقاطعة منتجات الشركات التي رفعت الأسعار هي خطوة تساهم في مكافحة غلاء المعيشة.

وفقاً لمعطيات الاستطلاع الذي أجري من خلال معهد "غيوكرطوغرافيا"، فإن الغالبية المطلقة من السكان تعتقد أن مقاطعة المنتجات وفرض عقوبات على الشركات التي ترفع الأسعار هو موقف يساهم في محاربة غلاء المعيشة، بينما يعتقد 3% فقط أن ذلك لا يساهم على الإطلاق في النضال.

يجعل الغلاء المتزايد المزيد من المستهلكين يذهبون باتجاه البحث عن أساليب للتوفير. حيث صرّح 58% من المستطلعين أنهم دائماً أو في كثير من الأحيان، يتجنبون شراء منتجات الشركات التي ترفع الأسعار، وذلك مقارنة بـ 4% فقط ممن صرّحوا أنهم لن يتجنبوها. كذلك، قال 63% من المجيبين إنهم يقارنون الأسعار بين شبكات حوانيت التسويق المختلفة قبل الشراء، ويقوم 76% من شريحة المستهلكين المستطلعة بإعداد قائمة مشتريات التسوق في وقت مبكر، لعدم تجاوز إطار الميزانية المتوفرة.

رفع الأسعار غيّر قواعد اللعبة 

الشرائية والاستهلاكية

يترك استمرار ارتفاع الأسعار آثاراً مباشرة، حيث يدفع المزيد فالمزيد من المواطنين إلى تغيير عاداتهم الشرائية والذهاب باتجاه تنظيم الاستهلاك. ويعلّق موقع "دفار" العبري الذي عرض هذه النتائج بالقول إن رفع الأسعار قد غيّر قواعد اللعبة الشرائية والاستهلاكية، حيث قام حوالي 88% من المستطلعين بتغيير عاداتهم الاستهلاكية بدرجة أو بأخرى بسبب الصراع اليومي مع تكاليف المعيشة – 41% أعلنوا أنهم غيّروا عاداتهم إلى حد كبير أو كبير جداً، و32% إلى حد متوسط ​​، 14% إلى حد صغير. وأعلن 12% فقط من المشاركين في الاستطلاع أن عاداتهم الشرائية بقيت على حالها ولم تتغير إطلاقاً.

كذلك، تنعكس التغييرات في عادات شراء المنتجات البديلة، أي تلك المستوردة التي حلّت محل منتجات أخرى تعوّد عليها المستهلكون. وفقاً للاستطلاع، فإن 30% من أولئك الذين يشترون منتجات بديلة للمنتجات التي أصبحت أكثر تكلفة هم أكثر رضى عنها مقارنة بالمنتجات السابقة. 47% أعلنوا أنهم راضون عن المنتجات الأصلية. بينما قام 64% بشراء منتجات غذائية بديلة و10% اشتروا مواد تنظيف بديلة و7% في قطاع الملابس والأحذية اشتروا غير التي اعتادوا شراءها.

يقول معدو الاستطلاع إنه على الرغم من وجود تغييرات في الاستهلاك، فإن الأسعار المرتفعة لا تزال تؤثر على كمية المشتريات، ووفقاً للنتائج، قالت شريحة تصل إلى 33% من المشاركين إنها ستقلل بشكل كبير من التسوق للأعياد العبرية الراهنة بسبب ارتفاع الأسعار في مجمل سوق الاقتصاد.

الغلاء يجعل المستهلكين أكثر حذراً وتدقيقاً، حسبما يقول الاستطلاع، فمثلا قال 77% من المشاركين فيه إنهم دائماً أو كثيراً ما يتحققون من فاتورة الشراء للتأكد من عدم وجود أخطاء. 62% يؤجلون عمليات الشراء الكبيرة لفترات التنزيلات. 81% يتحققون دائماً أو كثيراً من تفاصيل حساب بطاقة الائتمان. نظر الاستطلاع أيضاً في كيفية اختيار المستهلكين لشبكات المواد الغذائية الرئيسية، ووجد أن 73% من المستهلكين يبحثون عن أسعار رخيصة، و61% يبحثون عن حملات تخفيض جذابة.

وقال المدير العام لهيئة شؤون الاستهلاك في الهستدروت، المحامي يارون ليفنسون، لموقع "دفار" إنه "من المؤسف أن هناك شركات تركب موجة ارتفاع الأسعار وتستغل الفرصة لرفع الأسعار بشكل غير متناسب. وتظهر نتائج الاستطلاع أن المستهلك الإسرائيلي يتوجه نحو استخدام المزيد والمزيد من الأدوات لإجراء عمليات شراء عقلانية. وهذا اتجاه مرحب به إذا ما استمر وسيساهم في مكافحة ارتفاع أسعار وتكاليف المعيشة".

هل طرح "دولتين للشعبين" 

جاء لمواجهة الغلاء؟

هذا الجو العام يكتسب اهتماماً مضاعفاً هذه الفترة التي تقترب فيها إسرائيل من جولة انتخابات برلمانية جديدة مطلع الشهر القادم. وهناك من ذهب إلى حدّ اتهام رئيس الحكومة يائير لبيد بصياغة خطابه أمام الأمم المتحدة أواسط أيلول المنصرم، سعياً للتأثير على جدول الرأي العام المحلي. فاختار بحسب البعض رفع القضية السياسية المتمثلة في شعار "دولتين للشعبين" لغرض إزاحة الهم الاقتصادي جانباً بعض الشيء أو التخفيف من ثقله على الأقل. فكتب يهودا شليزنغر في جريدة "يسرائيل هيوم" ذات الخط التحريري اليميني المتشدد والعلني، أن لبيد ألقى "بقنبلة الدولتين التي أعدها لخطابه في الامم المتحدة" خدمة لذاك الغرض الانتخابي. "لماذا تذكر رئيس الحكومة الذي كان رئيس حكومة بديلا ووزيراً للخارجية فجأة مسألة الدولتين الآن فقط؟ الجواب واضح – صرف جدول أعمال الرأي العام عن المواضيع المؤلمة حقا".

بل ذهب الكاتب إلى حد القول: "صحيح أن (بنيامين) نتنياهو ينتصر في الاستطلاعات، لكن في المعركة على جدول أعمال الرأي العام، وهو المكان الذي تصدره نتنياهو وصحبه على مدى السنين، ينتصر فيه لبيد وصحبه بالضربة القاضية". ولاحظ أن حزب نتنياهو "الليكود حاول الحديث عن غلاء المعيشة. نشر أفلاماً قصيرة لبنيامين نتنياهو وهو يشتري الحليب او يملأ خزان السيارة بالوقود وتوقفوا" مفسّراً ذلك بأنه "على الرغم من أن غلاء المعيشة هو الموضوع المهم، الاكثر إيلاما واشتعالا في هذه الفترة، فإن اعضاء الحكومة ينجحون في إخفائه عن الأجندة العامة".

يوفر هذا الجدل بين الأحزاب الدليل على مدى مركزية الغلاء، الذي يعلّق كثيرون بأن المجتمع الإسرائيلي اعتاد أن يكون "متسامحاً" معه، فلم تشهد السوق حركات احتجاج واسعة، ناهيك عن أن تكون منظمة، في كل مرة استفحل فيه سعر لوازم أساسية. هذا يتغير في السنوات الأخيرة في ضوء حملات صاخبة تطفو وتخبو، ويبدو أن ثقافة مقاطعة شركات ومصالح تجارية تتغلغل أكثر فأكثر، كما يتبيّن من معطيات الاستطلاع المشار إليه أعلاه.

"ارتفاع الأسعار يسحق

 الطبقات الفقيرة أكثر فأكثر"

إن جميع التراشقات والتحايلات السياسية على الصورة التي ينبغي إنتاجها خدمة لمصالح كل طرف انتخابياً، لا تخفي مدى عمق الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها بأقسى درجات حدّتها مئات ألوف العائلات في إسرائيل. هذا لا يطال مسائل "ترشيد الاستهلاك" فقط، بل يطال لقمة العيش بالمفهوم الحرفي وليس المجازي: الغذاء المتوفر على الطاولة. فتحت العنوان "عيد بلا وليمة" كتبت هدار غيل عاد في "يديعوت أحرونوت" أن هناك "مئات ألوف العائلات التي يهدد غلاء المعيشة مجرّد قدرتها على الاحتفال بالعيد" قاصدة رأس السنة العبرية، الذي تتلوه أعياد عبرية عدة.

وتضيف: قبيل رأس السنة تنشر منظمة "لتيت" تقديراً عن انعدام الأمن الغذائي في إسرائيل: حسب معطيات المنظمة، فان 680.475 عائلة تعيش في انعدام أمان غذائي، أي أكثر من خُمس العائلات في إسرائيل. منها 312.825 عائلة (9.7%) تعيش في انعدام أمن غذائي خطير. الوضع في أوساط الأطفال صعب على نحو خاص. هناك 1.084.251 طفلاً يعيشون في انعدام أمن غذائي، أي نحو ثلث الأطفال في إسرائيل، ومنهم 601.058 طفلاً (19.1%) يعيشون في انعدام أمن غذائي خطير. وبالإجمال فإن أكثر من 2 مليون نسمة (2.131.247) يعيشون في انعدام أمن غذائي في العام 2022. مقارنة بالفحص الأخير الذي أجرته "لتيت" في آب 2021 يمكن أن نرى أن معطيات انعدام الأمن الغذائي بقيت عالية وبلا تغييرات واضحة.

وتقتبس الكاتبة مدير عام منظمة "لتيت" عيران فيندروف الذي عقّب على المعطيات بالقول: "لا يمكننا أن نتجاهل واقعا فيه أكثر من مليون طفل يعيشون في انعدام أمن غذائي. فارتفاع اسعار المواد الغذائية والاستهلاكية والكهرباء، وارتفاع سعر الفائدة في الاقتصاد – كلها تسحق الطبقات الفقيرة أكثر فأكثر. ومن دون رد شامل على غلاء المعيشة ومن دون خطة حكومية لتقليص الفقر، نتوقع لوضع العائلات التي تعيش في انعدام أمن غذائي خطير أن يتفاقم، ومن شأن عائلات أخرى أن تتدهور إلى ضائقة اقتصادية".

ولزيادة توضيح خطورة الصورة، تختتم غيل عاد مقالها بالإشارة إلى أنه "قبل بضعة أشهر أعلنت وزارة الرفاه والأمن الغذائي عن توسيع مشروع خاص للأمن الغذائي ليشمل 20 ألف عائلة أخرى، مما يجعل عدد العائلات المحتاجة والتي تتلقى الدعم أكثر من 40 ألف عائلة".

يؤكد إيتان أفريئيل من "ذي ماركر" هذا قائلاً في عنوان مقال له مخاطباً عميد البنك المركزي أمير يارون: "استيقظ! الاقتصاد والتضخم يغليان وإسرائيل منقسمة إلى أثرياء وفقراء". وهو يرى ان عليه السيطرة على التضخم ووقف "تحويل إسرائيل إلى دولة لشعبين، شعب أثرياء من جهة وفقراء كثيرين من الجهة الأخرى". ويفصّل بأن: أسعار الخدمات بما في ذلك التعليم، الصحة والثقافة، ارتفعت بنسبة 5.1%. أسعار الدور ارتفعت في السنة الأخيرة بـ 18%، وإيجار الدور ارتفع بـ7%، و"بسبب ارتفاع التضخم وغلاء المعيشة فإن مستوى الحياة يهبط بسرعة. أجرة الدار ترتفع، أقساط القرض السكني والفائدة على ديونهم وقروضهم ترتفع بسبب ارتفاع الفائدة (...) عمليا، إسرائيل تنقسم بسرعة إلى دولتين: ذوي القدرة الذين زاد مالهم وعديمي القدرة الذين مستوى حياتهم يهبط وهم يعيشون على الراتب مع حساب جارٍ يكلفهم آلاف الشواكل في السنة. ومثلما عرضت بيانات وزارة المالية بشكل صريح فإن إسرائيل تنقسم إلى شباب أبناء عائلات ثرية وموظفي هايتك يشترون الدور في تل أبيب، والشباب الآخرين الذين يعيشون في الضواحي البعيدة أو سيدفعون أجرة دار عالية طوال حياتهم. إذا استمر هذا التوجه فان النتيجة الاجتماعية لن تتأخر في الوصول. دولة إسرائيل الفقيرة ستكون هي التي تخدم دولة إسرائيل الثرية. إسرائيل الفقيرة ستدفع أجرة شقة لأصحاب الدور والعقارات في إسرائيل الثرية. مواطنو إسرائيل الفقيرة سيكونون هم عمال الحدائق والنادلون وعمال لدى سكان إسرائيل الثرية".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات