المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
معلم في صف مدرسي.  (صورة توضيحية عن "معاريف")
معلم في صف مدرسي. (صورة توضيحية عن "معاريف")
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1299
  • غيل غرتل (*)
  • هشام نفاع

يؤدي النقص في المعلمات والمعلمين (الجيدين) إلى قلق وعدم استقرار في جهاز التربية والتعليم الإسرائيلي منذ فترة ممتدة ومتواصلة على مدار 50 عاماً على الأقل. ولم يساعد في حل الأزمة إضفاء الطابع الأكاديمي على المهنة، ولا عشرات برامج الإصلاحات التنظيمية والتربوية. فظروف العمل والأجور متدنية للغاية لدرجة أن قلة قليلة من الأشخاص تكون على استعداد للدخول إلى هذه المهنة.

لكن إذا كان هناك نقص في أعداد المعلمين والمعلمات، لماذا لا تتحسن ظروف العمل والأجور؟ التفسيرات التي سأقدمها فيما يلي عثرت عليها في مقالات للبروفسور دروره كفير والبروفسور تمار أرياف. واللافت أنه على الرغم من أن هذه الكلمات قد كتبت منذ سنوات عديدة، إلا إنها لا تزال صحيحة حتى اليوم.

وزارة التربية والتعليم مُصابة بمشكلة التسييس، والنظام مجزأ إلى تيارات وتيارات فرعية وفقاً لقطاعات، وهي تتنافس فيما بينها على الموارد. في هذه الحالة، ليس من الممكن بلورة سياسة متماسكة ومتضامنة (شاملة) وطويلة الأجل ومهنية (تستند على الأبحاث العلمية).

كذلك، فإن المنافسة القطاعية تشل تطور التدريس من "مهنة" (بالمعنى التقني للأداء) إلى "تخصص" (بمعنى التخصص الأكاديمي). فالسياسيون يحتاجون إلى المعلمات والمعلمين كأدوات لنقل المعلومات والأفكار، وليس كباحثين ومطورين للمعلومات والأفكار.

وبالتالي، فإن الافتقار إلى سياسة تعليم مهنية من قبل وزارة التربية والتعليم، وعدم وجود مفهوم المهنة بوصفها تخصصاً من جانب المعلمات والمعلمين، يتركان التعليم على حاله البائسة. وسبق أن حذرت كفير وأرياف في العام 2002 من أن "ثمن السياسة الراهنة المنتهجة سوف يظهر في غضون سنوات قليلة".

بين إضفاء الطابع الأكاديمي والطابع الإنساني

الجدل حول النقص في المعلمات والمعلمين مستمر منذ عقود، كما سبق الذكر، وعلى الأقل منذ أن انعقدت لجنة عتصيوني العام 1978 لمناقشة وضع المعلم والتدريس على خلفية "النقص الحالي والمتوقع في قوى العمل في السلك التدريسي". في إثر توصيات هذه اللجنة (وكذلك لجنة يافه من العام 1971)، مرت كليّات ومعاهد تأهيل المعلمين سيرورة أضفت عليها الطابع الأكاديمي، وأصبحت كليات يحق لخريجيها الحصول على درجة B.Ed - البكالوريوس في التربية (خريجون في سلك التدريس).

كما اشتملت سيرورة التحوّل إلى طابع التعليم الأكاديمي على رفع عتبة القبول للتعليم، على غرار الجامعات، أي استيفاء حد أدنى من العلامات في شهادة الثانوية (المعروفة في النظام التعليمي الإسرائيلي بـ "البجروت") وفي الاختبار البسيكومتري. وقد كان مسؤولو وزارة التربية والتعليم متفائلين للغاية بهذا التحوّل، وتحدثوا عن "حقبة جديدة في تأهيل المعلمين".

الدراسة الأكاديمية أمر مبارك لأنها تفتح الباب على عالم واسع من المعرفة والتنوير. وتوفر للطالب درجة من الانضباط والمسؤولية والمنهجية في كل ما يتعلق بالطريقة التي نفسر بها العالم.

لكن من ناحية أخرى، فإن أخذ دورة في "علم الحيوان المختص بالكائنات عديمة الفقريات" إلى جانب دورة "مقدمة في علم النفس التطوري" لا يجعلك مدرساً لعلم الأحياء. هناك خطوة يجب الانتقال إليها بين التمكن من المعرفة وبين تطبيقها في مناهج التعليم وتنفيذها في الصفوف الدراسية.

لقد تعاطت عدة لجان مع مسألة الطريقة الملائمة للجسر ما بين اكتساب المعرفة في الكليات (التعليم بالطابع الأكاديمي)، وبين تدريسها في الصفوف الدراسية، وهو ما كان يسمى حينذاك - إضفاء الطابع الإنساني. وهذا ما جاء في تقرير لجنة عتصيوني: "تتبنى اللجنة الرأي القائل بأنه، إلى جانب التعليم بالطابع الأكاديمي، يجب أن يتم إضفاء الطابع الإنساني على تأهيل المعلمين [...] من خلال توضيح الجوانب التربوية في وظيفة المعلم والمعاني القيمية الكامنة في موضوعات التدريس".

جودة الكليّات والتسرب من التدريس لم يتحسنا

في غضون سنوات قليلة، حلت خيبة الأمل محل الحماس. إذ أظهرت بعض الأبحاث أنه على الرغم من التعليم بالطابع الأكاديمي، لم تتمكن الكليات من توظيف كادر من المحاضرين ذوي خبرة أكبر، كما أنها لم تتمكن من جذب طلاب بجودة أعلى.
وهكذا، لم تتغير تركيبة المعلمات والمعلمين في المدارس.

وقد حاججت كفير وأرياف في ذلك الوقت بأن "التفسير لهذه النتيجة المخيبة للآمال يكمن أساساً في حالة مهنة التدريس وظروف تشغيل المعلمات والمعلمين، مقارنة بقوّة جذب المهن الأخرى إليها".

لا تزال هذه الحجج صحيحة حتى اليوم. وها هي، على سبيل المثال، بيانات المكتب المركزي للإحصاء. فعلى الرغم من أن عتبة الدخول إلى سلك التدريس هو استيفاء علامة الاختبار البسيكومتري بحيث تزيد عن 500 نقطة، فإن نسبة الخريجين في مسار B.Ed الذين تقل علاماتهم في هذا الاختبار عن 500 كانت وما زالت مرتفعة: 72% في العام 2013، و 55% في العام 2019.

كذلك، فإن نسبة الخريجين الحاصلين على شهادة خرّيج في سلك التدريس والذين بدأوا بالفعل العمل في رياض الأطفال والمدارس لم تتحسن على مدار السنوات: 62.6% في العام 2013، مقارنة بـ 64.8% في العام 2019.

المشكلة من الأعلى.. ليست هناك ثقافة منهجية

كما ذكرنا أعلاه، فإن أحد أسباب الفشل المستمر في جهاز التعليم هو ما يتعلق بقوة جاذبية المهنة. فحتى المكانة الأكاديمية المرموقة ليست جذابة ضمن ظروف متدنية في العمل والأجور. هكذا صاغت الأمر كفير وأرياف: "من دون القيام بتغييرات مهمة في ظروف عمل المعلمين (حجم الصف الدراسي، وساعات العمل، والراتب، وما إلى ذلك)، سيكون من الصعب رؤية تغييرات جدية قادرة على الثبات والاستمرار بمرور الوقت".

لكن التحولات والتغييرات لا تحدث من دون قادة يقفون في المقدمة. ولم يكن في وزارة التربية والتعليم (وليس هناك اليوم أيضاً) مثل هذه القيادة: "إن عدم وجود خطة رئيسة شاملة للنهوض بالمهنة يثير الشكوك بشأن الأهمية التي توليها وزارة التربية والتعليم أصلا لتعزيز مهنيّة العاملين في سلك التدريس والتربية والتعليم".

هنا يُطرح السؤال: وما الذي يشل وزارة التربية والتعليم ويمنعها من الاهتمام بالعاملات والعاملين في التربية والتعليم؟ الجواب هو: التسييس والتنافس بين القطاعات على موارد الوزارة: "إن التفكك الرسمي إلى تيارات قطاعية والخطوات المتسرّعة المنفلتة التي يجلبها معه كل وزير تربية وتعليم جديد للجهاز، لا يسمحان ببلورة سياسة طويلة المدى، وبالتالي فإنهما يقوضان أيضا العلاقة بين النقد الجماهيري والعمل التربوي".

بكلماتي يمكن صياغة الحجة كالتالي:
وزارة التربية والتعليم مصابة بلوثة تسييس، وبالتالي فإنه يتم إضعاف المستوى المهني ومنعه من أداء عمله، وبالتالي ليس هناك تفكير استراتيجي، وبالتالي ليس هناك تحسن في ظروف العمل في المدارس، وبالتالي ليس هناك عدد كافٍ من المعلمات والمعلمين – حتى لو مرّت الكليّات والمعاهد في سيرورة من إضفاء الطابع الأكاديمي عليها.

المشكلة من الأسفل.. ليست هناك ثقافة مهنية تخصصية

السبب الثاني في أن التعليم بالطابع الأكاديمي لم يحقق التغيير المنشود هو الفشل المهني في وظيفة التدريس. وقد أظهرت الدراسات أن المعلمات والمعلمين لا يدركون ولا يفهمون العلاقة ما بين الدراسات الأكاديمية وبين العمل التدريسي في الصفوف.

لقد تم النظر إلى هذه الدراسات الأكاديمية على أنها توسع المدارك في خدمة الثقافة العامة لدى المعلم، إلا أنها "لا تشكل سبيلاً لتطوير مهارات التدريس، وليست هناك أيضاً توقعات بشأن مساهمتها المحتملة في تحسين مهارات المعلم التدريسية". أي أنه بالنسبة للمعلمات والمعلمين هناك فصل بين تعلمهم هم أنفسهم وبين عملهم التدريسي أمام الطالبات والطلاب.

في هذا الصدد كتبت كفير وأرياف: "يبدو أن المعلمين لا يطالبون بالتمتع بالاستقلالية المهنية لأنفسهم، كما هو معتاد في المهن [الأخرى]، وعندما يُعرض عليهم ذلك، أن يحظوا باستقلالية مهنية، فإنهم لا يسارعون إلى الاستفادة منها". هنا أيضاً، هذا ليس خطأ بل إنه سياسة. "يُدار التعليم من قبل قوى سياسية ومصالح قطاعية وليس من قبل المعلمين. يخضع المعلمون لقوى تطبيع، تتوقع منهم مواصلة سلسلة التطبيع وتمنع تطورهم كمهنيين مستقلين. [...] جميع هذه القوى معاً تقوم بتكريس مكانة المعلم المتدنية وتثبيتها، وفي غضون ذلك تقوم بتكريس المكانة المتدنية لمن يعملون في مجال تأهيل المعلم".

بكلماتي الخاصة: قادة القطاعات المختلفة الذين يأتون إلى وزارة التربية والتعليم يسعون إلى التأثير في تشكيل صورة جميع البنات والأولاد في إسرائيل، وهم يستخدمون المعلمات والمعلمين كأولئك الذين سينشرون رؤيتهم ومعتقداتهم. ومن هنا يُنظر إلى المعلمات والمعلمين على أنهم أداة في خدمة نقل المعرفة والأفكار، وليس كباحثين ومطورين للمعرفة والأفكار.

ظروف العمل السيئة هي سياسة

خلاصة الأمر هي أن ظروف العمل السيئة ليست خطأ بل هي سياسة. فالحكومة تفضّل ذلك لأن الظروف تكرّس على صمت الخراف لدى المعلمات والمعلمين، ولدى المسؤولين المهنيين في قيادة وزارة التربية والتعليم وفي كليات تأهيل المعلمين.
"من الواضح أن تصحيح هذا الوضع البائس يقع في أيدي السلطات وواضعي سياسات التعليم. ويفترض بهؤلاء إحداث تغييرات بعيدة المدى في المدارس وفي أدوار ووظائف المعلم وفي ظروف عمله وفي مكافأته. هذه التغييرات تتطلب موارد وحلولاً مركبة ومتعددة الأوجه وانتظار صبور حتى تظهر ثمارها. لكن هذه مطالب صعبة، حيث يهتم صناع القرار بإنتاج المزيد من المنتجات باستثمار أقل وبسرعة".

ولإنهاء النبوءة التي تحققت: "البيانات من النصف الثاني لفترة التسعينيات تضيف وتعزز التحذير السابق من المزيد من التدهور المستقبلي لمهنة التدريس المتخصص، في عهد يفتقر إلى سياسة قوية وشجاعة".

ملاحظة: هذا المقال اعتمد على كتب ومقالات علمية هي: دروره كفير وتمار أرياف (2004)، خطة الإصلاح في تأهيل المعلمين: إجراء جزئي ونتائجه. مجلة "مغاموت"، العدد 1. وتم عرضه كمحاضرة في مؤتمر علمي دولي؛ دروره كفير وتمار أرياف (2008)، أزمة التدريس: نحو تأهيل معلمين سليم. معهد فان لير وهكيبوتس همئوحاد؛ ودروره كفير وتمار أرياف (2011)، بحث مصيري – المجتمع في إسرائيل يبحث عن معلمين جيدين، معهد البحث والتطوير.

(*) هذه ترجمة خاصة بـ "المشهد الإسرائيلي" لنص المقال المنشور بالعبرية في موقع "سيحا ميكوميت" ("محادثة محليّة") الإلكتروني، 22 تموز. هذا المقال يتزامن مع استمرار الأزمة في جهاز التربية التعليم الإسرائيلي والصراع المتواصل بين نقابة المعلمين العامة وبين الحكومة ممثلةً بوزارة المالية على تحسين ورفع أجور المعلمات والمعلمين. ونشير إلى أنه حتى كتابة هذا السطور لا تزال الأزمة متواصلة ولم تصل الأمور إلى أي خلاصات وحلول.

 

المصطلحات المستخدمة:

معهد فان لير

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات