المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • المشهد الاقتصادي
  • 1814
  • برهوم جرايسي

*مجال التضخم وفق السياسة الاقتصادية يتراوح ما بين 1% إلى 3%

*رغم تدني وتيرة التضخم في السنوات الخمس الماضية فإن هذا لم يقلل من كلفة المعيشة العالية

*البطالة متدنية لكنها ترتفع بين الأكاديميين*

سجل التضخم المالي في إسرائيل خلال الشهر الأخير من العام الماضي 2018 تراجعا بنسبة 3ر0%، وبذلك يكون التضخم قد سجل في العام الماضي ارتفاعا بنسبة 8ر0%، وهذا وفق تقديرات سابقة لبنك إسرائيل. لكن هذا هو العام الخامس على التوالي، الذي يكون فيه التضخم دون المجال الذي حددته السياسة الاقتصادية، من 1% إلى 3%. إلى ذلك دلت تقارير على أنه رغم تدني البطالة إلا أنها بدأت ترتفع بين حملة الشهادات الجامعية.

وقد تأثر التضخم المالي في الشهر الأخير من العام الماضي بارتفاع أسعار صيانة البيوت، وارتفاع أسعار الرحلات الجوية، بنسبة 7ر5%، بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار. وفي المقابل، تأثر التضخم من تراجع أسعار موسمية، وبشكل خاص في قطاع الملبوسات والأحذية، وانخفاض بأكثر من 3% في أسعار الوقود.

وكما ذكر، فقد جاء التضخم الإجمالي للعام 2018 وفق التقديرات الأولى لبنك إسرائيل المركزي، بأن التضخم لن يصل حتى للحد الأدنى المطلوب من الهدف، بمعنى ما بين 1% إلى 3%، على الرغم من أنه في عدد من أشهر السنة الماضية كان يدل إجمالي التضخم في الأشهر الـ 12 التي سبقت كل واحد من أشهر السنة على أن التضخم قد تجاوز حاجز الحد الأدنى "المطلوب" 1%، ووصل أحيانا إلى مستوى 4ر1%، ما أوحى أن التضخم في طريق الارتفاع.

وقد يكون هذا هو أحد العوامل التي دفعت البنك المركزي إلى أن يرفع الفائدة البنكية، لأول مرّة منذ العام 2011، بنسبة 15ر0%. وبعد أن كانت الفائدة قد رست على مدى 45 شهرا عند نسبة تلامس الصفر، 1ر0%، باتت في الشهرين الحالي والماضي 25ر0%. وتتجه الأنظار حاليا لقرار البنك المركزي بشأن الفائدة، في نهاية الشهر الجاري.

وقد رأينا أن التضخم المالي في العام الماضي كان أساسا في النصف الأول من العام، الذي ارتفع فيه التضخم بنسبة 9ر0%، وكان هذا استمرارا لوتيرة ارتفاع، ولو طفيفة، في النصف الثاني من العام 2017. لكن في النصف الثاني عاد التضخم إلى الوتيرة التي شهدناها منذ العام 2014 ولاحقا، وكان التضخم في النصف الثاني قد تراجع بنسبة 1ر0%.

ونذكر أن آخر مرّة كان فيها التضخم في المجال الذي وضعته السياسة الاقتصادية الإسرائيلية منذ سنوات، 1% إلى 3%، في العام 2013، حينما ارتفع بنسبة 8ر1%. لكن في العام 2014، ولأول مرة في تاريخ إسرائيل، سجل التضخم تراجعا طفيفا بنسبة 2ر0%، تبعه العام 2015 بتراجع بنسبة 1%، ثم العام 2016 بتراجع بنسبة 2ر0%، ليرتفع لأول مرّة بعد ثلاث سنوات، في العام قبل الماضي 2017، بنسبة 4ر0%، ثم العام 2018، وكما ذكر، ارتفع بنسبة 8ر0%.

والأنظار تتجه الآن للتضخم في العام الجديد 2019، فقد كثرت التقارير في الشهر الأخير من العام الماضي، عن اندلاع موجة غلاء غير مسبوقة في السنوات العشر الأخيرة. وقيل إن أسعار الكهرباء سترتفع ما بين 6% إلى 8%، وإن أسعار المياه سترتفع بنسبة 6%، وإن اجمالي أسعار المواد الغذائية الأساسية سترتفع مجددا بنسبة 5ر4%، بعد أن ارتفعت في الصيف الماضي بنسبة تتراوح ما بين 3% إلى 4%. وبدأ الحديث عن حراك شعبي لم يتم.

وعلى الرغم من أننا ما زلنا في بدايات العام، ورفع الأسعار يبقى واردا، إلا أنه يوجد مكان "لنظرية المؤامرة" إن صح التعبير، بمعنى أنه جرى الحديث عن ارتفاعات أسعار بنسبة عالية، كي يكون مجال لرفعها بالنسبة المقصودة حقا، وتظهر وكأنها تراجعت أمام "الضغط الجماهيري". فقد تم رفع أسعار الكهرباء ابتداء من اليوم الأول من العام الجاري بنسبة 9ر2%، وهي نسبة تبقى بعيدة عما ذكر. وقد لا نلمس هذه الزيادة في تضخم هذا الشهر، الذي سيعلن عنه في منتصف شهر شباط المقبل، لأن أسعار الوقود تراجعت في هذا الشهر بنسبة 3%.

ويضاف إلى هذا أنه منذ أن تم لجم التضخم المالي ليرتفع بوتيرة أقل من الماضي، بمعنى منذ العام 2007، يسجل الشهر الأول من كل عام تراجعاً بفعل بدء موسم تخفيض الأسعار الموسمية، كما أنه شهر معروف بحركة تجارية ضعيفة في الأسواق. وكانت آخر التقديرات في بنك إسرائيل المركزي قد تحدثت عن أن التضخم المالي سيرتفع في العام الجاري 2019، إلى ما فوق 1% بقليل، وحتى الآن لم تصدر تقديرات مختلفة عن البنك.

وفي السنوات التسع الأخير ارتفع التضخم بالمجمل بنسبة 33ر8%، لكن رغم هذه النسبة الطفيفة، في تسع سنوات، إلا أنها لا تدل على انخفاض حقيقي في كلفة المعيشة، التي لها جوانب كثيرة جدا، لا تظهر في سلة المشتريات، مثل العبء الضريبي العام، وتدني مستوى الرواتب، مقارنة مع الدول المتطورة في العالم.

 

البطالة تطل من جديد

 في سياق متصل، رست البطالة مع نهاية العام الماضي عند محيط 4%، وقد تكون أقل، إذ كانت في شهر تشرين الثاني بنسبة 9ر3%، وهذه أعلى من شهر تشرين الأول الذي كانت فيه البطالة بنسبة 7ر3%. وهذه كلها تعتبر وكأنه لا يوجد بطالة في إسرائيل، إذ أن الغالبية العظمى من هؤلاء هم في محطة انتظار بين عمل أو آخر، بينما البطالة المزمنة تدنت هي الأخرى بقدر كبير.

لكن كل معطيات البطالة هذه لا تعكس واقع الحال الميداني، لأنها تتعامل مع الأشخاص الذين انخرطوا في سوق العمل ذات يوم في حياتهم، بينما لا تحسب 65% من النساء العربيات، المحرومات من فرص العمل، فهؤلاء وحدهن يشكلن حوالي 5% من الجمهور في جيل العمل.

كما لا يتم احتساب رجال الحريديم الذين أكثر من نصفهم لم ينخرطوا في أي يوم في سوق العمل، ولذا فإن خبراء إسرائيليين حذروا في تقارير صدرت في بحر العام الماضي من أن تقارير البطالة لا تعكس واقع الحال، وأن البطالة الحقيقية ستتجاوز نسبة 10%، لو تم احتساب المحرومين من فرص العمل، أو أولئك الممتنعين عن الانخراط في العمل، أي الحريديم.

ونشير هنا إلى أن نسبة الانخراط في سوق العمل لجيل 15 عاما وحتى 64 عاما، هي من الأدنى في الدول المتطورة، في محيط 63%، بينما في جيل العمل 25 إلى 64 عاما، ترتفع النسبة إلى ما يلامس 70%، وهذه أيضا نسبة متدنية، مقارنة مع الدول المتطورة، لذات الشريحة العمرية.

وقالت تقارير ظهرت في الصحافة الاقتصادية في الأيام الأخيرة، إن البطالة بدأت ترتفع في صفوف الأكاديميين، وهذا يجب أن يكون مدعاة قلق للمؤسسة الحاكمة. وهذا ينعكس في ارتفاع أعداد طالبي مخصصات البطالة من الأكاديميين. فمقابل انخفاض بمعدل 4ر4% من عموم المطالبين بمخصصات البطالة بالنسبة للعام 2017، فإن عدد المطالبين بمخصصات البطالة من ذوي الشهادات الأكاديمية ارتفع في 2018 بمعدل 5ر6%. وفي شهر متوسط امتثل في السنة الماضية في مكاتب سلطة التشغيل 8ر21 ألف من ذوي الشهادات الأكاديمية، مقابل 5ر20 ألف امتثلوا في شهر متوسط في العام 2017.

كذلك فإن التقارير تتحدث عن الصعوبة في إيجاد عمل في أوساط المتقدمين بالسن، وهذا يبرز في معطيات سلطة التشغيل للعام 2018. وحسب المعطيات، فإن نحو 27% ممن كلفتهم سلطة التشغيل بالعمل هم أبناء 25 إلى 44 عاما، أما لدى طالبي العمل من فوق سن 45 عاما فإن الأعداد تنخفض إلى 23%. ومن سن 55 عاما فأعلى تهبط إلى 10%. أما فوق سن 65 فإن معدلات توجيه سلطة التشغيل للعاملين إلى أماكن العمل هي في حدود 3ر1%، رغم أن المجموعة العُمرية الكبيرة أوسع بكثير من المجموعة العُمرية الشابة.

ومقابل التردي في وضع كبار السن وذوي التعليم الأكاديمي، فإن وضع الشرائح الضعيفة قد تحسن، حسب التقارير، إذ طرأ انخفاض بمعدل 39% في عدد المطالبين بمخصصات ضمان الدخل. ففي العام 2014 بلغ عددهم 7ر113 ألف رجل وامرأة، بينما في العام 2018 انخفض العدد إلى 3ر69 ألف. ومعدل الانخفاض في أوساط النساء المطالبات بضمان الدخل يصل إلى 42%.

كما تشير التقارير إلى أنه في العام الماضي 2018، طرأ ارتفاع في عدد المواطنين الذين أقيلوا واستقالوا كل شهر، 3ر20 ألف بالمعدل. وهذا ارتفاع بنسبة 5ر3% مقارنة بالمعدل الشهري في العام 2017، حين كان المتوسط الشهري 6ر19 ألف مُقال ومستقيل. بينما الارتفاع في عدد العاملين في الاقتصاد كان أصغر مع نمو بمعدل 1ر2%.

كذلك، فإنه في 2018 تم تسجيل انخفاض بنسبة 4ر4% في عدد طالبي العمل. فقد امتثل في مكاتب التشغيل في كل شهر ما يلامس 159 ألف طالب عمل بالمعدل مقابل 166 ألفاً في 2017.

ونشير هنا إلى أن البطالة ليست متساوية، ففي حين أن الحديث يجري عن نسبة عامة 4%، أو أقل، فإنها ما تزال لدى فلسطينيي الداخل أعلى من 12%، بينما هي أقل من 3% بين اليهود وحدهم. والأمر يبرز بشكل خاص في بلدات صحراء النقب، حيث تتراوح البطالة بين العرب من نسبة 13% كحد أدنى، لكنها تصل في مواسم في بحر السنة إلى ما يلامس 30%. كما أن بلدات عربية في الشمال تسجل نسب بطالة عالية جدا، بمعنى أنها تتجاوز 16%.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات