يضم هذا الكتاب مداخلات ندوة خاصة عقدها مركز "مدار" بدعم من دائرة شؤون المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية وتناولت موضوع "الدولة اليهودية" من جوانبه ودلالاته المتعددة الظاهرة والخفيّة، وذلك في ضوء تواتر المطلب الإسرائيلي بنيل اعتراف فلسطيني وعربي بها كشرط للتفاوض على إيجاد حل للصراع.
كما يضم مداخلات أخرى تسلط الضوء على الموضوع نفسه من زوايا إضافية، وتسعى في الوقت ذاته لتفنيد معظم الطروحات التي تتكئ عليها النخب السياسية والأكاديمية في إسرائيل لتسويغ هذا المطلب الذي شهد قدرًا كبيرًا من التصعيد خلال الأعوام القليلة الفائتة.
وتتفق جميع المداخلات على أن تشديد تلك النخب على الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية من جانب الفلسطينيين في الخارج يهدف، من ضمن أشياء أخرى، إلى رفع سقف المطالب الإسرائيلية إلى مستويات جديدة أقرب إلى التعجيز، بمقدار ما يهدف إلى حسم صراع وجدل سياسي داخل إسرائيل نفسها، وبالأساس مع فلسطينيي 48. وفضلاً عن ذلك فإنه يهدف إلى أن يحسم مستقبل الصراع عبر استدراج الجانب الفلسطيني لقبول الرواية الصهيونية ولا سيما بشأن ما ارتكب بحقه في الماضي من آثام التشريد والإقصـاء.
وتقدّم هنيدة غانم في مداخلة المقدمة خلفية عامة لهذا الموضوع، وتتوقف عند دلالات الاعتراف بالدولة اليهودية سواء من حيث غاياتها الإسرائيلية، أو من حيث تداعياتها على المستوى الفلسطيني وعلى حاضر الصراع وصيرورته، والتي تتمثل أساسًا في تجاهل بعده الاستعماري، وتحويل الصراع إلى صراع ديني، والاعتراف بالرواية اليهودية الصهيونية، ومحاولة فرض نموذج مثالي متخيل لا يمت بصلة إلى الواقع.
وتدرس مقالة حسن جبارين المفهوم الدستوري لـ "الدولة اليهودية الديمقراطية" من خلال محاولة الإجابة عن الأسئلة التالية: ما هو المفهوم الدستوري الإسرائيلي لعبارة "نحن الأمة"؟ وما هي الحدود الإقليمية - الإقليم- في النظام الدستوري الإسرائيلي؟ وكيف تفسر هذه الحدود مسألة المساواة بين الفلسطينيين الذين يعيشون داخل الخط الأخضر واليهود الإسرائيليين؟.
وتتناول مقالة رائف زريق الوجهين اللذين ينطوي عليهما مطلب إسرائيل الاعتراف بها "كدولة يهودية" أو "كدولة اليهود"، مؤكدًا أنه يمكن الفصل بينهما نظريا وبالإمكان ومن الضروري بعد ذلك محاولة الربط بينهما: الجانب الأول هو تكتيكي سياسي، بينما الجانب الثاني هو فكري أيديولوجي.
وتتركّز مقالة بشير بشير، بشكل انتقائي، في بعض التحوّلات المركزية الطارئة على المجتمع الإسرائيلي ومساهمتها في تشكيل ما يسميه "نحو جديد للصراع العربي الإسرائيلي" وتأثيرها على قضية يهودية الدولة. كما تعالج ما يستوجب عمله فلسطينيًا في ظلّ الإصرار على يهودية الدولة وتحاول الاشتباك مع هذا المطلب وتشخيص توجّهات أولية للتعامل معه في إطار مشروع سياسي أخلاقي يؤسّس لمصالحة تاريخية بين اليهود والعرب في فلسطين التاريخية.
وتقدّم مقالة نمر سلطاني نقدًا لنموذج دفاعي إسرائيلي بارز عن الدولة "اليهودية والديمقراطية" ظهر مؤخرا ويهدف إلى تطبيع إسرائيل، وهو كتاب ألكسندر يعقوبسون وأمنون روبنشتاين: "إسرائيل وأسرة الأمم: الدولة اليهودية- القومية وحقوق الإنسان"، وذلك في موازاة الإدخال القوي لعبارة "دولة جميع مواطنيها" إلى الجدل الإسرائيلي العام، وخصوصا من قبل قادة ومثقفي الأقلية الفلسطينية.
وتحاول مقالة أحمد رفيق عوض أن تجيب عن السؤال: هل يمكن أن تكون إسرائيل دولة يهودية وديمقراطية في الوقت ذاته؟ وتتطرّق إلى الآراء التي ترى أنه يمكن ذلك، وإلى الآراء الأخرى التي تؤكد استحالة الجمع بين اليهودية والديمقراطية.
وتقدّم مقالة أنطوان شلحت عرضًا تحليليًا مفصلاً للوقائع المرتبطة بطرح مطلب الدولة اليهودية، ودوافع الإصرار الإسرائيلي عليه، والغايات المتوخاة منه، بموجب ما انعكست في مرآة القراءات الإسرائيلية المتعدّدة، وذلك منذ أن طُرح بتواتر غير مسبوق قبل عدة أعوام، إلى أن تحوّل في الآونة الأخيرة إلى حالة من العقدة العصابية الجماعية في إسرائيل.
ومما جاء في تقديم المؤلفين: "يقف وراء إعدادنا لهذا الكتاب في الوقت الحالي مفهوم عام فحواه أنه بغض النظر عن المكاسب التي يحاول الجانب الإسرائيلي أن يحصدها سياسيًا من خلال مطالبته الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية فإن من الأهمية بمكان مناقشة معنى الدولة اليهودية وتجلياتها العملية في سبيل الوقوف على الترجمة التطبيقية لمثل هذه الدولة وبالذات في علاقتها ليس فقط مع الفلسطينيين الذين يحملون المواطنة الإسرائيلية، بل أيضًا في علاقتها بالبعد التاريخي للقضية الفلسطينية".
ويشار إلى أن هذا البحث أُنجز بالتعاون مع دائرة شؤون المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية.