رام الله: صدر حديثاً عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار" كتاب "الاستيطان في أحياء القدس" للباحث والمحامي أحمد أمارة، يتركز حول شكل مستجد ومتسارع من الاستيطان يستهدف بالتحديد قلوب الأحياء الفلسطينية المقدسية، ويكشف عن الممارسات القانونية والسياسية والإدارية التي تمكن الجمعيات الاستيطانية والمؤسسات الرسمية الإسرائيلية من تحقيقه، مضيئاً على أثر هذا النوع من الاستيطان فعليًا على واقع تلك الأحياء وعلى واقع القدس عموماً.
يرصد الكتاب العلاقة المتبادلة بين القانون والسياسة والجغرافيا والتاريخ على نحو خاص في الممارسة الاستيطانية، حيث يشكل كل حقل من تلك الحقول الحقل الآخر ويؤثر عليه، بما يكشف صورة شمولية ويتيح فهما أعمق للديناميكيات الجارية في هذا السياق.
ويكشف الكتاب أن ما يجري في سلوان والشّيخ جرّاح وفي أحياء أخرى في القدس، هو نمط يختلف عن الاستيطان الكلاسيكي ويتميّز عنه نسبيًا، كون أن هناك جمعيات استيطانية تعمل على فرض واقع استيطانيّ جديد له مميزات خاصة، وتستند على ادعاءات وحجج دينية وتّاريخية، مثل أن بعض الأملاك في قلوب الأحياء الفلسطينية تعود لعائلات يهودية أو لأوقاف يهودية أو إلى مالكين يهود سابقين.
ويتابع الكتاب الآليات التي تسعى من خلالها الجمعيات لاستخدام أساليب أخرى لتحقيق أهدافها، منها مناشدة السلطات الإسرائيلية مصادرةَ بيت معين أو مبنى معين بحجة أنه بالإمكان مصادرته بحسب القانون الإسرائيلي، مثلًا بحسب قانون أملاك الغائبين الذي يُصادر أملاك اللاجئين الفلسطينيين الذين طردوا من بيوتهم بعد العام 1948 والعام 1967، ويُخصص العقار بعد الاستجابة والمصادرة لتلك الجمعيات وللمُقربين منها من أجل الاستيطان فيها.
ويحلل الكتاب ازدياد نفوذ الجمعيات الاستيطانية المالي والسياسي، وبالتالي نشاطها الاستيطانيّ، في ظل عوامل سياسية واجتماعية وقانونية وتاريخية مختلفة، أهمها هيمنة اليمين الإسرائيلي على المشهد السّياسي الإسرائيلي منذ نهاية السبعينيات، وفي العقدين الأخرين هيمنة الصّهيونيّة الدّينية القومية التي تدعم بشكل كبير تلك الجمعيات المنتمية بغالبيتها إلى هذا التيار السّياسي الدّيني، إلى جانب سياقات سياسية وقانونية واسعة ودولية أتاحت التوسع والمُصادرات وانتهاكات الحقوق الفلسطينية وضم مناطق واسعة فعليّا إليها دون نقدٍ أو معيقات دولية جديّة.
ويركز الكتاب على الإرث العثماني، الإداري القانوني، الذي يلعب دورًا مهمًا في الاستيطان في القلوب، وعادة ما يُعتمد عليه للمطالبة بأملاك يهودية، حيث يُساء تفسير القوانين العثمانية إلى حدّ كبير، ويُتلاعب بتفسيراتها في النظام القضائي الإسرائيلي من أجل مصادرة كم أكبر من الأراضي الفلسطينية.
ويوضح الكتاب أنه في خضم هذه الادّعاءات والمحاججات، يطفو على السطح حنين كبير إلى ماضي القدس العثماني الذي تميّز بالتعددية والتسامح الديني إلى حدّ كبير، والواقع الاجتماعي - السياسي الغني الذي أدّى إلى بلورة جغرافيا دينية واجتماعية يصعب على دولة الاستيطان وسياسات التهويد استيعابها أو تبنيها أو حتى التعامل معها، على العكس من ذلك، فهي سعت وتسعى إلى استغلال هذا الماضي المتنوع والمتسامح من أجل إعادة بناء واقع يهودي استيطاني على حساب المشهد الجغرافي الاجتماعي الذي شهدته القدس العثمانية.