المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

أعلنت عضوة الكنيست أورلي ليفي أبكسيس في الأيام الأخيرة عن تشكيل حزب إسرائيلي جديد، تخوض من خلاله الانتخابات المقبلة، بعد أن انشقت عن حزبها "يسرائيل بيتينو"، في أعقاب انضمامه إلى حكومة بنيامين نتنياهو، مدعية أن الأسباب هي السياسة الاقتصادية الاجتماعية التي تتبعها الحكومة. إلا أن ليفي، التي تلوّح براية القضايا الاجتماعية، ليس

لديها أجندة سياسية واضحة، ولربما كي تؤهل نفسها لتكون في أي تركيبة حكومية تظهر بعد الانتخابات، رغم أنه ليس مضمونا في الوضع الحالي اجتيازها نسبة الحسم، إلا إذا وجدت شخصيات بارزة وخاصة عسكرية تنضم إليها.

ما قبل السياسة وبعدها

ظهرت أورلي ليفي (45 عاما) على الواجهة الشعبية في أوائل سنوات التسعين، وهي الابنة التاسعة من أصل 12 ولدا وبنتا، لمن كان الشخص الثاني في حزب الليكود دافيد ليفي، وزير الخارجية الأسبق. وبدأت طريقها، بعد الخدمة العسكرية الإلزامية في سلاح الجو، كعارضة أزياء في عدة دور أزياء. ولاحقا بدأت تتصدر أغلفة المجلات، وباتت نجمة في وسائل الإعلام، التي كانت تتابع أمورها الشخصية.

وهذا يعني أن ليفي دخلت إلى الأجواء العامة كسندريلا شرقية، وزاد على هذا أنه في سنوات التسعين قيل إن توجهاتها كانت أقرب لليسار الصهيوني، وهي الناشئة في بيت تابع لحزب الليكود. وفي سنوات الالفين، باتت مقدمة برامج استضافة في القناتين الأولى والعاشرة، وخلال تلك السنين كانت قد تزوجت صديقها الموسيقي وما تزال، ولهما 4 أبناء.
وفي العام 2009، تفاجأت مختلف الأوساط، حينما أعلن أفيغدور ليبرمان عن ضم أورلي ليفي إلى قائمته لانتخابات ذلك العام، إذ أنه لم يكن معروفا عنها أنها عنصرية، أو قريبة من خطاب ليبرمان المتطرف. وللحقيقة فإنها طوال جلوسها في الكنيست، منذ العام 2009 وحتى اليوم، لم يُسجّل عليها خطاب عنصري متطرف. ويقال إنها في ولايتها البرلمانية الأولى كانت تسعى إلى عدم المشاركة في جلسات تصويت على قوانين ذات طابع عنصري.

واستمرت ليفي مع حزب ليبرمان في انتخابات العامين 2013 و2015. ولكن في الولاية البرلمانية الحالية لوحظ تحول في نهج ليفي، إذ شاركت زملاءها في كتلة الحزب البرلمانية في طرح القوانين العنصرية والداعمة للاحتلال والاستيطان، ولكن ليس كمبادر أول. لكنها استمرت في الابتعاد عن الخطاب العنصري المتطرف، الذي يميز كل أعضاء الكتلة بدءا من زعيمها الأوحد ليبرمان.

غير أن ليفي قررت في حزيران 2016 عدم الانضمام مع كتلتها إلى حكومة بنيامين نتنياهو، وأعلنت أنها ستبقى في صفوف المعارضة. وفي روايتها لدوافع هذا القرار تقول ليفي إنها حينما سألت ليبرمان عن حقيقة وجود مفاوضات، فقد أنكر الأخير كليا وجود مفاوضات بينه وبين نتنياهو، لكن لم تمر سوى بضع ساعات حتى تم الإعلان عن الاتفاق بين ليبرمان ونتنياهو، واتصل ليبرمان بليفي كي يبلغها أنه حصل على حقيبة الدفاع. وتقول انها شعرت بأنها خُدعت، كما أن الاتفاق لا يتطرق للأمور الاقتصادية الاجتماعية.

وليست واضحة درجة الدقة في رواية ليفي، لأن هناك من يرى أنها كانت تتوقع الحصول على حقيبة وزارية، وهذا ما لم يكن لها. وبالإمكان التقدير في تفسير هذا أن ليبرمان بحاجة لوزارة الهجرة والاستيعاب، نظرا لكون المهاجرين الجدد قاعدة انتخابية له، رغم أن هذه القاعدة تقلصت بقدر كبير جدا. وهذه الحقيبة تشغلها المهاجرة صوفيا لاندفر، التي دخلت إلى الكنيست لأول مرة في العام 1996، ضمن حزب العمل، ومن ثم انتقلت إلى حزب ليبرمان. لكن في العامين الأخيرين أثبتت ليفي أنها عنصر احتياط للائتلاف الحاكم، وهي تُكثر الحضور والمشاركة في اللجان البرلمانية، وتقل في حضور جلسات الهيئة العامة المسائية.

حزبها ومواقفها السياسية

 قبل عدة أشهر صوتت اللجنة الإدارية في الكنيست (لجنة الكنيست) على قرار، بطلب من حزب "يسرائيل بيتينو"، باعتبار أورلي ليفي نائبة منشقة عن حزبها. وبموجب القانون الإسرائيلي فإن قرارا كهذا سيمنعها من خوض الانتخابات المقبلة، ضمن واحد من الأحزاب الممثلة حاليا في الكنيست. فهي كانت أسما متداولا لخوض الانتخابات ضمن واحد من حزبين: "كولانو" بزعامة وزير المالية موشيه كحلون، و"يوجد مستقبل" بزعامة يائير لبيد.

وهذا القرار، الذي حاولت ليفي منعه وفشلت، ألزمها بتشكيل حزب جديد، أعلنت عنه قبل بضعة أسابيع، رافعة راية القضايا الاجتماعية. ولم تمر أيام كثيرة حتى ظهرت في استطلاع للرأي في القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي، وقد احتلت 5 مقاعد، وهذه ظاهرة مألوفة في استطلاعات الرأي، التي سنأتي عليها.

لكن ليفي أعلنت عن تشكيل الحزب كمشروع فردي، وليس واضحا، حتى كتابة هذا التقرير، من هي الأسماء التي ستشاركها. وهي ليست وحدها، فكل الأحزاب المثيلة أقيمت على هذا النحو. فـ "النجوم" المرشحة للانضمام اليها، ستتريث إلى حين ترى مصير الحزب في استطلاعات الرأي، في الأشهر القليلة المقبلة، فإن ثبتت في الاستطلاعات وتبين أنها أمام فرصة تمثيل جدية، فبالتأكيد ستجد أسماء قد تساهم في تعزيز قوة الحزب.

وليس واضحا لماذا أن الاسم الأكثر تداولا في وسائل الإعلام، كي ينضم إلى ليفي، هو رئيس هيئة الأركان الأسبق غابي أشكنازي، وهو من كبار الجنرالات الذين أكثروا في السنوات الأخيرة في توجيه الانتقادات لسياسات ونهج بنيامين نتنياهو. وقد نفت ليفي أن تكون في محادثات متقدمة مع أي من الشخصيات.

وبشأن مواقفها السياسية، فقد أظهرت في مقابلة مع صحيفة "يديعوت أحرونوت" مواقف ضبابية في ما يتعلق بحل الصراع، وكانت أقرب في صياغتها لما يطرحه وزير المالية كحلون.

ففي ردها على سؤال حول موقفها من الاحتلال، تقول ليفي "إنني مؤمنة بأنه محظور علينا الخجل والاعتذار على حقنا على هذه البلاد. إن السعي للسلام هو قيمة صهيونية أساسية، ولكن واضح أنه لا يوجد حل بسرعة البرق. يجب إقامة بنى تحتية اقتصادية وإنسانية في الجانبين. ويجب خلق أجواء التسامح والاحترام المتبادل والأمل. وأحيانا يخيل أننا نجري مفاوضات مع أنفسنا. فمن أجل التوصل إلى اتفاق سلام، يجب أن يكون شريك في الطرف الثاني، أحد ما يشبه (الرئيس المصري السابق) أنور السادات".

وتابعت ليفي "علينا أيضا التفكير باليوم التالي، وأن يكون ما يضمن النظام العام. فأنا أتيت من بيت ينتمي لحزب الليكود، الذي كان بزعامة مناحيم بيغن، وبيغن عرف كيف يصنع السلام". وردا على سؤال حول موقفها من المستوطنات قالت ليفي للصحيفة ذاتها "إنه من المبالغ به أن تتوقع مني أن أنطلق منذ الآن بمبادرة سياسية، ولكن بالتأكيد لا يوجد سلام من دون تنازلات. والأمر المصيري بالنسبة للاتفاق، هو ضمان الكتل الاستيطانية، وضمان سلامة السكان في ظلّ الحدود الجديدة".

وقالت "إن البديل الذي يطرحه (تحالف أحزاب المستوطنين) "البيت اليهودي" ليس جديا، وليس واقعيا، وضم مناطق مع مليوني شخص (فلسطيني) لا يتلاءم مع الواقع والقانون الدولي. فكيف من الممكن أن تأخذ مجموعة سكانية بهذا الحجم وتجعلها مواطنة عندك؟ حينها أنت ملزم بتقديم حقوق اجتماعية كمواطنين مساوي الحقوق".

وتابعت ليفي قائلة "إن الضم هو عملية أحادية الجانب، تجعل الطرف الآخر متشائما تجاه مستقبله، ولهذا انعكاسات سلبية في الحلبة الدولية، وأيضا في الحلبة الداخلية الاجتماعية". وأضافت "أن الكلفة الاقتصادية للضم متطرفة للغاية. وإذا وجد هذا الكم الكبير من المال، فلماذا لا يستثمرونه بالأجيال الشابة، وذوي الاحتياجات الخاصة، والمسنين؟ تعالوا نحل مشاكل اجتماعية. إن ضم المناطق (الضفة)، وفيها مواطنون درجة ثانية، ظاهرة لا يمكن أن تجدها في أي نظام ديمقراطي".

وحسب الصحيفة فقد امتنعت ليفي عن الرد على سؤال حول موقفها من "حل الدولتين لشعبين"، حسب صيغة سؤال الصحيفة، وأصرّت حينها على الحديث عن الأمور الاقتصادية الاجتماعية.

وبشأن قضايا الفساد ضد نتنياهو، فهي أيضا كانت حذرة في رد فعلها، والتزمت أكثر بخط كحلون، بمعنى أنها تدافع ضمنا عن استمرار نتنياهو في منصبه، طالما لم تقدم رسميا لائحة اتهام ضده، لكنها تنتقي كلماتها بحذر، مطالبة ضمنا برحيله في حال تقديمه للمحاكمة. وكما يبدو فإن ليفي تجري حساباتها، في حال نجحت في اجتياز نسبة الحسم في الانتخابات المقبلة، وبقي نتنياهو على رأس الحكومة المقبلة.

وهذا يعني أن ليفي لا تأتي بجديد لتجتذب قطاعات من الجمهور الواسع، وهي بالتالي، إن كان على المستوى السياسي، بمعنى الصراع، أو على مستوى القضايا الإسرائيلية، تنسخ ما هو قائم لدى أحزاب وأطر سياسية قائمة، وهذا من شأنه أن يضعفها أمام الجمهور.

 أحزاب الفقاعة والاستطلاعات

 قبل حوالي ثلاثة أسابيع أظهر استطلاع للرأي العام أن الحزب الذي ستقيمه أورلي ليفي سيحصل على 5 مقاعد، متفوقة بذلك على حزب شاس الديني المتزمت لليهود الشرقيين (الحريديم)، وبما يعادل تقريبا الحزب الذي انشقت عنه ليفي، "يسرائيل بيتينو" بزعامة أفيغدور ليبرمان. وأعقب هذا ضجة في وسائل الإعلام، حول قدرة ليفي على الدخول إلى الكنيست لأول مرّة بهذه القوة، رغم أنها قوة تبقى قريبة من نسبة الحسم، التي تضمن دخول 4 نواب.

لكن مثل هذه "الحفلة الاستطلاعية"، إن صح التعبير، شهدناها في السنوات الثلاث الأخيرة، مرتين قبل هذه الثالثة الأخيرة لليفي.

وكانت الأولى حول احتمالات أن يقيم الوزير السابق من حزب الليكود، غدعون ساعر، حزبا خاصا يخوض الانتخابات، وقد منحته استطلاعات الرأي كمّا ليس قليلا من المقاعد البرلمانية. إلا أن ساعر عاد للظهور أكثر في صفوف الليكود، وتعزز حضوره أكثر، حينما وضعت علامات سؤال على مصير بنيامين نتنياهو السياسي. وحسب حراك ساعر السياسي، وبشكل خاص في شبكات التواصل، فإنه كما يبدو سينافس مجددا على مقعد في الليكود، في حال بقي نتنياهو في رئاسته، وسينافس على رئاسة الحزب في حال اضطر نتنياهو للتنحي.

والحالة الثانية شهدناها في اعقاب الإطاحة بوزير الدفاع موشيه يعلون، قبل أقل من عامين، فقد أعلن عن تشكيله حزبا جديدا، ولكنه ما زال ليس ملموسا ميدانيا. وفي الأيام الأولى لإقالة يعلون وعلى مدى أشهر قليلة أعقبت هذا، كانت تمنحه استطلاعات الرأي بدءا من 13 مقعدا، وحتى بضعة مقاعد في الاستطلاعات اللاحقة، إلى أن تلاشى اسمه كليا في استطلاعات الرأي.

والحال لن يكون مختلفا مع حزب أورلي ليفي في حال طال موعد الانتخابات، فهذه "هبّة استطلاعات" باتت مألوفة، وهي لا أكثر من فقاعة عابرة.

غير أنه من المحتمل أن نرى سيناريو دمج بين يعلون وليفي، بزعامة الأول، من أجل عبور نسبة الحسم، لكن هذا لا يعني دمج قوتين، بل إن جمهورا مؤيدا لكل واحد من الاثنين، ولأجندته الخاصة، قد يبتعد بسبب الشخص الآخر. وفي كل الأحوال فإن كلا من الاثنين، وفي حال اجتازا نسبة الحسم، سيكونان بالتأكيد ضمن أي حكومة يمين متشدد ستتشكل بعد الانتخابات، حتى في حال رئاسة نتنياهو لها.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات