المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
نتنياهو في نقاش في الكنيست أجرته المعارضة، يوم 17 الجاري حول تعامل حكومته مع الأزمة في غزة والشمال. (إ.ب.أ)

اختتم الكنيست الإسرائيلي، مطلع الأسبوع الجاري، 28 تموز (بتمديد 4 أيام)، دورته الصيفية، وبالتالي اختتم عاما برلمانيا، هو الثاني لحكومة بنيامين نتنياهو الحالية؛ عام بدأ مع اندلاع الحرب المتواصلة، على الشعب الفلسطيني، وشهد إقامة حكومة طوارئ، وفضّها بعد 8 أشهر. ورغم ما شهدناه من "عواصف وأزمات" داخل الائتلاف الحاكم، على خلفية شد الحبال لكسب مراكز قوة، فإن إدراك أحزاب الائتلاف الحاكم بعدم وجود بديل لكل واحد منها، وأن مصلحتها المشتركة سياسيا وحزبيا وجماهيريا تقضي باستمرار الحكومة الحالية، جعلها تُخمد هذه العواصف، أو على الأقل عدم جعلها خاتمة لاستمرار الائتلاف، وتواصل دربها، خاصة وأنها لا تلقى أي تهديد من المعارضة الصهيونية، التي دخلت في سباق مع الائتلاف، على المبادرة لسن قوانين الاحتلال والاستبداد والقمع، والتمييز العنصري، كان آخرها قرار سياسي برلماني برفض مبدئي لقيام دولة فلسطينية، إذ انقسمت المعارضة الصهيونية بين مؤيد للقرار، وبين غائب عن جلسة التصويت.

فقد افتتحت الدورة الصيفية في ظل إنذار أطلقه رئيس كتلة "المعسكر الرسمي" بيني غانتس، قبل يومين من افتتاح الدورة، لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، واضعا عدة شروط لبقائه في حكومة الطوارئ، وإذا لم يطبقها خلال 3 أسابيع فإنه سينسحب من الحكومة، ومن هذه الشروط وضع خطة استراتيجية لما تسميه إسرائيل "اليوم التالي" (للحرب)، والدفع نحو إبرام صفقة تبادل وغيرها، وهي شروط لم تنفذ، وخرج غانتس وفريقه البرلماني من الحكومة، التي استمرت ترتكز على ائتلافها الأساسي، من 64 نائبا.

وكان هذا المخرج الذي اختاره غانتس للخروج من الحكومة، وهو يرى أن شعبيته في تراجع مستمر، مقارنة مع ما كان في بداية الحرب، رغم أن شعبيته الحالية في الاستطلاعات تعادل 3 أضعاف قوته البرلمانية الحالية. إلا أن خروجه في الحكومة لم يحسّن وضعيته، وإنما جمّد التدهور حتى الآن.

واستمر الائتلاف متماسكا، رغم ما شهدناه من تجاذبات بين أطراف الائتلاف، وبالذات من يمكن تسميته بـ"الشريك العاق" في الائتلاف، إيتمار بن غفير، الذي تُبهره استطلاعات الرأي، التي تمنحه زيادة لافتة في قوته البرلمانية، من 6 مقاعد حاليا، حصل عليها ضمن تحالف مع شريكه السابق، وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، إلى ما بين 9 وحتى 10 مقاعد، بينما سموتريتش يعارك نسبة الحسم، بين اجتيازها بقليل، أو عدم اجتيازها.

ويطالب بن غفير بأن يكون شريكا في إدارة الحرب، وهو ما لا يمكن لقادة الجيش والمخابرات القبول به، بسبب صدامه الدائم معهم. وفي أكثر من مرّة، كانت تلميحات إلى أنه يسرّب أسرارا، لغرض التحريض على الأجهزة الأمنية والعسكرية.

ودخل بن غفير إلى حد التمرد على قرارات الائتلاف، وخاصة تلك التي تخدم كتلتي الحريديم، مشترطا ضمه لطاقم إدارة الحرب، وبقي الأمر معلقا حتى اليوم الأخير للدورة الصيفية.

لكن في كل الأحوال، لا مجال إلى أن تقود هذه القضية، التي تبدو وكأنها أزمة، إلى خروج طرف من الأطراف الخمسة من الائتلاف الحاكم، وبالتالي إسقاط الحكومة. فكما أكدنا هنا على مدى عام ونصف العام، بمعنى منذ اندلاع حملة الاحتجاجات الشعبية على مخطط الانقلاب على جهاز القضاء الذي أعدته الحكومة، مرورا بهجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر وشن الحرب على الشعب الفلسطيني وبالذات قطاع غزة، فإن متانة المصالح المشتركة لكل واحد من أطراف الائتلاف تبقى الأمر الحاسم لهم، للبقاء في الحكومة، لأن كل خيار آخر سيكون خاسرا، إذ لا ضمان لأي حزب في البقاء في الحكم، مع ذات المكاسب السياسية والحزبية، بعد أي انتخابات مبكرة.

وعلى هذا الأساس، لا مجال أمام كتلتي الحريديم إلا بقبول خيار وسط أو أقل، لمسألة قانون فرض الخدمة العسكرية على شبان الحريديم، رغم اعتراض كبار الحاخامات من كافة التيارات لقانون كهذا. وفي ظل حكومة كهذه، فإن الاتجاه واضح، وهو سن قانون يضمن الحد الأدنى الممكن من تجنيد شبان الحريديم، رغم دعوات قيادة الجيش لزيادة القوة العاملة في الجيش؛ وفي أحد التقارير ورد حديث عن حاجة لزيادة 7 آلاف جندي، علاوة على أولئك الذين يطبقون قانون الخدمة الإلزامية سنويا. وبحسب سلسلة من التقارير، فإن المجندين يشكلون نسبة 67% من أبناء الجيل الذين يسري عليهم القانون، وأن الأغلبية الساحقة هم من الحريديم. 

الدولة الفلسطينية والتوافق السياسي بين الائتلاف والمعارضة

طيلة السنوات، وبالذات الأخيرة، لم نر اختلافا جوهريا بين الائتلاف والمعارضة التي تنافس على الحكم، في الأمور السياسية الجوهرية، وإذا وجدت بعض الفروقات أو الفجوات، فإنها باتت شبه معدومة في ظل الحرب الدائرة، وهذا انعكس أيضا في المبادرة لسن قوانين استبداد، وتلك التي تتناقض مع القانون الدولي، عدا سكوت المعارضة على سياسات القمع والتنكيل بفلسطينيي الداخل، وغيرها.

نعطي مثلا، قبل الحديث عن قرارين سياسيين بشأن الدولة الفلسطينية. ففي الأسبوع الأخير للدورة الصيفية، أقر الكنيست بالقراءة الأولى، 4 مشاريع قوانين، ستكون لاحقا لدى الإقرار النهائي، تضفي على وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين، الأونروا، صفة الإرهاب، وحظر التعامل معها، وعدم منح موظفيها تأشيرة دبلوماسية، أسوة بباقي عاملي هيئات ومنظمات الأمم المتحدة، وعدم السماح لها بالعمل في المناطق الواقعة تحت السيادة الإسرائيلية الكاملة، بمعنى القدس الشرقية المحتلة.

البنود الأشد خطورة، جاءت من كتل المعارضة الثلاث: "يوجد مستقبل" و"المعسكر الرسمي" و"إسرائيل بيتنا" التي قادت فرض صفة الإرهاب، والقانون الرابع من حزب الليكود الحاكم، يقضي بحظر عملها في مناطق إسرائيل. وهذا نموذج لسلسلة قوانين.

والأمر ليس جديدا، فنذكر أيضا أن قانون مصادرة أموال الضرائب الفلسطينية، بذات قدر مخصصات السلطة المالية للأسرى وعائلات الشهداء، كان من حزب "يوجد مستقبل" وهو في صفوف المعارضة في العام 2016، وأقر نهائيا بعد عام. وذات الحزب هو أول من طرح في العام 2016، حينما كان في المعارضة، مشروع قانون يقضي بطرد عائلات المقاومين في القدس المحتلة الى مناطق السلطة الفلسطينية، مع تقييد حركتهم، وطرد عائلات المقاومين في الضفة الى قطاع غزة، وحاليا قوانين شبيهة دخلت مسار التشريع الأولي.

وفي العام البرلماني المنتهي شهدنا تصعيدا في الموقف من الدولة الفلسطينية، واتساع رقعة الرفض المبدئي لقيام أي كيان فلسطيني بين النهر والبحر، إلى مستوى غير مسبوق.

فقد اتخذ الكنيست يوم 21 شباط الماضي، قرارا سياسيا بأغلبية 99 نائبا من الائتلاف والمعارضة الصهيونية، في أعقاب تزايد الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية وكان نصه كما يلي: "ترفض إسرائيل بشكل قاطع إملاءات دولية في مسألة الحل الدائم مع الفلسطينيين. إن حلا كهذا، يتم إنجازه فقط بالمفاوضات المباشرة بين الجانبين، من دون شروط مسبقة. إسرائيل تواصل رفضها الاعتراف أحادي الجانب بدولة فلسطينية. إن اعترافا كهذا، في أعقاب مجزرة 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، يمنح جائزة ضخمة جدا للإرهاب؛ جائزة لا مثيل لها، وتمنع أي حل مستقبلي للسلام".

وصوّت إلى جانب هذا البيان 99 عضو كنيست من كتل الائتلاف وغالبية نواب المعارضة.

وصوّت ضد البيان 9 نواب من كتلتي "الجبهة الديمقراطية والعربية للتغيير"، و"القائمة العربية الموحدة". وتغيّبت كتلة حزب العمل التي تضم 4 نواب عن جلسة التصويت، كموقف جماعي، فيما كان باقي الغياب من كتل أخرى من دون مدلول سياسي.

وبعد حوالي 5 أشهر، يوم 17 تموز الجاري، اتخذت الهيئة العامة للكنيست قرارا سياسيا أكثر حدة، يرفض بشكل قاطع قيام دولة فلسطينية في أي مكان في فلسطين التاريخية، أو حسب نص القرار، "في أرض إسرائيل"، و"غربي نهر الأردن". ومن صاغت اقتراح القرار كانت كتلة "اليمين الرسمي" بزعامة جدعون ساعر، وهي في صفوف المعارضة، وهذا نص القرار، بالترجمة الحرفية: "إن الكنيست الإسرائيلي يعارض بشكل قاطع قيام دولة فلسطينية غربي نهر الأردن. إن قيام دولة فلسطينية في قلب أرض إسرائيل يشكل خطرا وجوديا على دولة إسرائيل ومواطنيها، وستخلد النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، وتثير استقرار المنطقة. وستكون مسألة وقت قصير، حتى تسيطر حركة حماس على الدولة الفلسطينية، وتحولها إلى قاعدة إرهاب إسلامي أصولي، تعمل بتنسيق مع المحور بقيادة إيران، من أجل القضاء على دولة إسرائيل.

"إن الدفع قدماً بفكرة دولة فلسطينية يشكل جائزة للإرهاب، ويشجع حماس ومؤيديها على رؤية الأمر بمثابة جائزة بفضل مذبحة 7 أكتوبر 2023، ومقدمة للسيطرة الإسلامية الجهادية على الشرق الأوسط".

واتخذ القرار بأغلبية 68 نائبا، من كتل الائتلاف الحاكم، ومعهم نواب كتل المعارضة: "المعسكر الرسمي"، بقيادة بيني غانتس، و"إسرائيل بيتنا" بقيادة أفيغدور ليبرمان، و"اليمين الرسمي" بقيادة جدعون ساعر. وعارض القرار 9 نواب من كتلتي "الجبهة الديمقراطية والعربية للتغيير"، و"القائمة العربية الموحدة".

وغادر جلسة التصويت نواب كتلتي "يوجد مستقبل" بقيادة يائير لبيد، وحزب العمل. لكن لم يصدر عن الكتلتين أي بيان يوضح سبب المغادرة، أو يعترض على القرار، ويطرح بديلا.

صحيح أن قرارات الكنيست السياسية ليست ملزمة، لكنها تعكس حقيقة الحالة السياسية للأحزاب، بمعنى أن الرفض المبدئي ليس فقط من الحكومة الحالية، بل أيضا سيكون من غالبية نواب الحكومة البديلة الافتراضية، أي غالبية الحكومة السابقة، التي كانت برئاسة مشتركة لنفتالي بينيت ويائير لبيد، ومن أبرز قادتها بيني غانتس وأفيغدور ليبرمان.

الدورة الشتوية

تستمر العطلة الصيفية حتى الأسبوع الأخير من شهر تشرين الأول المقبل، وتعود الهيئة العامة للكنيست للعمل يوم 28 من ذلك الشهر. وبحسب نظام عمل الكنيست، فخلال عطلة الكنيست لا يجوز طرح قضايا خلافية في جلسات استثنائية، وإنما فقط قوانين توافقية، وبضمن هذا مثلا حظر المبادرة لاقتراحات حجب الثقة عن الحكومة.

في حالات نادرة، يجوز للحكومة طلب عقد جلسة عادية خلال عطلة الكنيست، إذا كان الأمر يتطلب انهاء تشريع لأغراض إدارة أمور السلطة الحاكمة، حتى لو كان الأمر خلافيا.

ومن أهم ما سيكون على أجندة الدورة الشتوية التي ستستمر 6 أشهر تقريبا، إقرار الميزانية العامة للعام 2025، وبموجب التقارير الواردة فإن الخطوط العريضة لهذه الميزانية كان يجب أن تكون معروضة على الحكومة لاقرار خطوطها العامة، كي تعرض عليها لاحقا الخطة التفصيلية لمشروع الموازنة، قبل عرضه على الكنيست مع بدء الدورة الشتوية، كي يتم إنجاز الإقرار النهائي للميزانية حتى اليوم الأخير من العام الجاري؛ لكن هذا التأخير، الذي تتهم به الصحافة الاقتصادية وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، لكونه يصطدم مع الجهاز المهني في الوزارة، من شأنه أن يؤخر إقرار الميزانية، ولربما ستحتاج الحكومة، رغم ثبات قاعدتها الائتلافية، إلى تأجيل إقرار الميزانية إلى حتى نهاية الربع الأول من العام المقبل، بموجب ما يجيزه القانون.

الملف الساخن الثاني الذي سيكون مطروحاً على أجندة الدورة الشتوية، هو إنجاز القانون المتعلق بفرض الخدمة العسكرية على الشبان المتدينين المتزمتين الحريديم، في اعقاب قرار المحكمة العليا القاضي بوقف الاعفاء الشامل، وقطع الميزانيات للمعاهد الدينية التابعة للحريديم، عن الطلاب الذين يسري عليهم قانون التجنيد.

وهناك خلاف داخل الائتلاف بشأن صيغة هذا القانون، إذ إن كتلتي الحريديم تصران على الاعفاء الشامل، لكن هذا بات غير ممكن، وسيكون عليهما القبول بصيغة متساهلة من الطرفين، وليس واضحا إذا ما كانت صيغة كهذه ستصمد لاحقا أمام المحكمة العليا.

بطبيعة الحال، فإن الدورة الشتوية ستواصل تشريع عدد من القوانين العنصرية والاستبدادية، وتلك الداعمة للاحتلال، والتي دخلت مسار التشريع، أو تلك التي أدرجت على جدول أعمال الكنيست، ولكنها لم تدخل مسار التشريع بعد.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات