المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
بيني غانتس. (الصورة عن: فلاش 90)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1943
  • برهوم جرايسي

يتصاعد الجدل، في الشارع الإسرائيلي، حول مجريات الحرب من عدة جوانب، وفي اتجاهين مركزيين: أصوات التطرف الداعية لاستمرار الحرب، وتعزيز الضربات، وتشديدها أكثر على قطاع غزة، وهي الأقوى، وثانيا حملة عائلات الرهائن في قطاع غزة، المتصاعدة هي أيضا، وممكن الافتراض أن جمهور مؤيدي هذه الحملة في الأساس، هم من معارضي حكومة بنيامين نتنياهو، بمعنى الجمهور الذي يرتكز عليه أيضا التحالف الانتخابي الذي يقوده بيني غانتس، "المعسكر الرسمي"، واختار الانضمام إلى حكومة الحرب، التي طال عمرها، مع إطالة الحرب، التي لا يلوح في الأفق أي سيناريو لوقفها، ما يعني استمرار "حالة الحرب"؛ وبموجب الاتفاقية مع كتلة غانتس فإن حكومة الحرب تستمر طالما استمرت حالة الحرب.

لكن على ضوء الإطالة وكثرة الانتقادات للحكومة، بات مكان للسؤال التالي: إلى أي مدى سيقبل غانتس وشركاؤه الاستمرار في هذه الحكومة؟ وهذا السؤال يتعزز مع تكرار الانتقادات الصادرة عن الشخصية البارزة في كتلة "المعسكر الرسمي"، رئيس الأركان الأسبق، غادي أيزنكوت، الذي هو أيضا وزير من دون حقيبة وعضو مراقب في الطاقم الوزاري المقلص لإدارة الحرب، والذي قُتل نجله وفي اليوم التالي ابن شقيقته، في قطاع غزة.

ففور وقوع هجمات السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، صدرت الدعوة لتشكيل حكومة طوارئ ترتكز على الائتلاف وغالبية المعارضة، وكانت الدعوة متبادلة من الطرفين، إلا أن كتلة "يوجد مستقبل" وزعيمها يائير لبيد، سرعان ما وقفت جانبا، ويبدو أن هذا كان موقفا متبادلا بين لبيد ونتنياهو، إذ إن الأخير كثف اتصالاته مع الجنرال احتياط بيني غانتس، والأخير أبدى استعدادا أكبر، في حين أن لبيد شعر أنه سيكون "دولاباً خامساً" في مركبة الحكومة، بقصد أنه سيكون شخصية هامشية، أمام الجنرالات المتكدسين في حكومة كهذه.

في هذا المشهد، ظهر غانتس أمام الشارع الإسرائيلي كالشخصية العسكرية القيادية، التي تعالت على حزبيتها من أجل "الدفاع عن كيان الدولة في وجه العدو الذي يهدد وجودها". ونستطيع القول، بناء على كل ما تبع ذلك من مجريات الحرب، إن المخططات العسكرية الشرسة كانت جاهزة، ونتنياهو كان بحاجة لدعم وجوه عسكرية لحكومته الأساسية، في مواجهة أشد نواب التطرف من بين المتطرفين، لتقليص احتمالات الانتقادات للحكومة، خاصة في جانب تحمّل المسؤولية عما وقع.

وقد كوفئ غانتس بقراره بالانضمام إلى الحكومة في استطلاعات الرأي، و"عوقب" لبيد وحزبه "يوجد مستقبل" في ذات الاستطلاعات التي سنأتي عليها، بخسارته ثلث مقاعده الـ 24 على الأقل، إلا أنه في مضاعفة قوة غانتس ثلاث مرات ثمة أصوات ليست تأييدا له، بل هي ضد نتنياهو وحكومته الأساسية، ذلك أن إسرائيل تتكبد خسائر لم يعتد عليها الشارع الإسرائيلي منذ الحرب على لبنان في العام 1982 ولاحقا، وطالما نتكلم عن حوالى 42 عاما، فإن أكثر من جيلين إسرائيليين لم يشهدوا هذه الخسائر؛ وأصوات تحميل المسؤولية تتعالى، ليس فقط بشأن نتائج هجمات السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وإنما أيضا على صعيد التأخر في تحرير الرهائن، والخسائر البشرية، وعدم وجود مخطط واضح لإنهاء الحرب، مع تسجيل انتصار إسرائيلي حاسم.

هذا يعني أنه في أي انتخابات مقبلة، سيكون بيني غانتس وفريقه عرضة لمساءلة ناخبيه، أو الجمهور المحتمل أن يؤيده، بشأن دوره في دائرة اتخاذ القرارات المركزية في إدارة الحرب. وفي الأيام الأخيرة، وكما ذُكر، فقد أكْثرَ شريك غانتس، الجنرال احتياط غادي أيزنكوت من توجيه انتقادات للحكومة التي يشارك فيها، من بينها عدم واقعية بعض الأهداف التي وضعتها الحكومة، مثل تحرير الرهائن الباقين بعمليات عسكرية، رغم أنه يكرر ضرورة ضمان تطبيق هدف "القضاء على حركة حماس، لكن بعد إنجاز تحرير الرهائن"، حسب تعبيره، وهنا عدم الواقعية في كلامه، لا أقل من عدم الواقعية التي ينتقدها.

لهذا من الصعب التكهن بقرار غانتس المستقبلي؛ فهل سيبحث عن مسار خروج من هذه الحكومة، رغم تصريحاته المتعددة بأن الأمر ليس مطروحا من ناحيته؟ فالتصريحات شيء، واحتياجات الربح والخسارة شيء آخر، كما علّمت التجربة في الحلبة السياسية الإسرائيلية على مر عشرات السنين.

وعلى الأغلب فإن غانتس قد يقرر الخروج من الحكومة في حال بدأت تطاوله الانتقادات، ويرى أنه سيعلق في وحل الحرب أكثر، ما سيضر بمستقبله السياسي، وهذا سيتعزز في حال ظهر خلافا أشد مع الإدارة الأميركية، فهذا الخلاف المُعلن عنه، بشأن تفاصيل في مجريات الحرب، ورغم محدوديته، موجه أساسا لنتنياهو، وليس لكامل حكومته.

الاستطلاعات تُغدق الفوائد على غانتس ولكن...

من المفترض أن بيني غانتس يتلقى نصائح الخبراء والمستشارين من حوله، بأن لا ينبهر أكثر من اللزوم بنتائج استطلاعات الرأي العام التي تمنحه قوة لم يحصل عليها أي حزب منذ العام 2003، وتضاعف قوته البرلمانية ثلاث مرات على الأقل، من 12 مقعدا اليوم، إلى ما بين 36 وحتى 39 مقعدا بحسب سلسلة من الاستطلاعات. وقد علّمت التجربة الجميع أن استطلاعات الرأي في فترة غليان لا تعني أنها نتيجة حتمية لأي انتخابات.

يضاف إلى هذا، أنه من خلال استطلاعات افتراضية أخرى، يتأكد أن لا أقل من ثلث المقاعد الجديدة التي يحصل عليها غانتس، هي مقاعد رفض لحكومة نتنياهو أو لشخص نتنياهو، وليست تأييدا مطلقا لغانتس وتحالفه الانتخابي؛ إذ نرى أنه حينما تطرح استطلاعات الرأي قائمة جديدة يقودها رئيس الحكومة السابق نفتالي بينيت، وهو من صُلب اليمين الاستيطاني، أو برئاسة رئيس جهاز الموساد السابق يوسي كوهين، فإن قوة غانتس الاستطلاعية تهبط فورا إلى 23 مقعدا بالمعدل.

زد على هذا، أن غانتس يقود حاليا تحالفاً انتخابياً مع الوزير السابق جدعون ساعر، المنشق مع اثنين آخرين له عن حزب الليكود، ونائب آخر محسوب عليه. وأغلب التقديرات تشير إلى أن ساعر لم يساهم في الانتخابات الأخيرة، بقوة انتخابية تعادل عدد المقاعد الحاصل عليها حاليا؛ كما أن رصيده الشعبي اختفى، أو لنقل إنه ليس كافيا ليجعله يقرر خوض الانتخابات بمفرده؛ وفي المقابل، فإن ازدحام الشخصيات في حزب الليكود قد يغلق الباب أمام عودته إلى الليكود، فالحزب ليس بحاجة له، ومن الصعب رؤية ضمان مقاعد مضمونة له كي يفك الشراكة مع غانتس، وفي الوقت نفسه، فإن غانتس نفسه قد يسعى إلى تقليص حجم فريق ساعر في الانتخابات المقبلة، إذا قرر استمرار هذه الشراكة.

ونهج ساعر وفريقه البرلماني، وخاصة نهج النائبين زئيف إلكين وشران هسكيل، يثبت أنهم لم ينفكوا للحظة عن اليمين الاستيطاني المتطرف، وهذا انعكس في الأيام الأولى لبدء الولاية البرلمانية الجديدة، بعد انتخابات تشرين الثاني 2022، إذ إن هسكيل كانت على رأس قائمة النواب المبادرين لأشد القوانين تطرفا، على صعيد تعميق الاحتلال والاستيطان، والتنكيل بالشعب الفلسطيني، وتغليظ العقوبات، وتقييد الحريات على فلسطينيي الداخل، ومنها قوانين تسحب صلاحيات من المحكمة العليا بشأن قرار خوض الانتخابات، ليبقى في لجنة الانتخابات المركزية، التي تتشكل على أساس حزبي.

كذلك، فإنه فور انضمامه إلى الحكومة مع شريكه غانتس، طالب ساعر بسن قوانين عقابية مشددة، كان قد بادر لها في الماضي، رغم أن الاتفاق بين كتلته البرلمانية وحزب الليكود يقضي بعدم سن قوانين جديدة، إلا تلك المتعلقة بسير الحرب، وتسيير أمور الدولة العادية. وكما ذكر هنا، فإذا اعتقد المنشقون عن الليكود أن هذه عملية إثبات بأنهم لم ينفكوا عن الخط السياسي الأصلي لهم، فهناك شك كبير في أن تشفع لهم لتفتح الأبواب لعودتهم إلى الليكود.

هل ثمة انتخابات تلوح في الأفق؟

على الرغم من كثرة حديث وسائل الإعلام الإسرائيلية، وتقديرات بعض السياسيين، بشأن اقتراب موعد نهاية حكومة بنيامين نتنياهو، فإن تقديرنا السابق بأن لا احتمال لانتخابات في العام الجاري 2024 ما زال قائما، وفق الوقائع القائمة، وأسباب هذا التقدير تتعزز، مع استمرار الحرب.

فأولا لا يمكن اجراء انتخابات في ظل استمرار الحرب، وهذه قاعدة متينة ليس فيها استثناء، فحتى الانتخابات للمجالس البلدية والقروية (السلطات المحلية) تأجلت مرتين، من 30 تشرين الأول الماضي، إلى 30 كانون الثاني الجاري، إلى 27 شباط المقبل، وهناك من يراهن على أنه قد يكون تأجيل آخر لهذه الانتخابات، إذ إنه حتى نشر هذا المقال لم تصدر لجنة الانتخابات المركزية تعليمات حول مواعيد إجرائية للانتخابات، بموجب الأنظمة التي يفرضها القانون.

ثانيا، يجب أن نذكر دائما، أن قرار الانتخابات بموجب القانون الإسرائيلي، هو في يد غالبية النواب الـ 120، فحتى حجب الثقة عن الحكومة لا يسري بأغلبية عادية، إلا بأغلبية حد أدنى من 61 نائبا، عدديا، وهذا غير قائم، فالائتلاف الأساسي لحكومة نتنياهو يرتكز على 64 نائبا، وهو ائتلاف متماسك حتى الآن، والحديث عن احتمال انشقاق في كتلة حزب الليكود هو مجرد تلميحات، ليس لها ما يسندها. ويغيب عن واضعي هذه الفرضيات تأثيرات ما يسمى "القانون النرويجي"، الذي يجيز للوزير الاستقالة من عضوية الكنيست ليدخل التالي في قائمة حزبه، لكن من حق الوزير أن يقرر العودة إلى عضوية الكنيست متى شاء، لكن هذا يحتاج إلى إجراءات أخرى منها الاستقالة من الوزارة ولو مؤقتا.

وفي حالة الليكود فإن 9 وزراء من أصل 17 وزيرا استقالوا من عضوية الكنيست، وغالبية الوزراء الثمانية الباقين، هم من المخلصين لشخص نتنياهو. وكل انشقاق في الكتلة يحتاج إلى ثلث الكتلة على الأقل، ما يعني 11 نائباً يقررون الانشقاق ليتم الاعتراف بهم كتلة مستقلة، وبطبيعة الحال فإن من دخل الكنيست في أعقاب استقالة وزير، يعرف أن مقعده على كف عفريت، ولن يتنازل عنه بسرعة.

كذلك فإن من يقرر الانشقاق يريد أولا ضمان استمرار مستقبله السياسي، والقانون يضيّق المجال على المنشقين عن أحزابهم في حال كانوا في الائتلاف الحاكم. أما الكتل الشريكة في الائتلاف الأساسي، فهي كلها تقرأ استطلاعات الرأي العام، وحتى ولو منحتها هذه الاستطلاعات احتمال الحفاظ على قوتها البرلمانية الحالية فهي تعرف أن تراجع قوة الليكود، الظاهر في استطلاعات الرأي، يبعدها جميعا عن طاولة الحكومة بعد الانتخابات.

كما ينبغي التذكير أن كل شركاء الليكود الأساسيين في الحكومة الحالية يسجلون مكاسب سياسية ومالية لجمهور ناخبيهم، وقد يكون من الصعب جدا تحقيقها في حكومة بتركيبة مختلفة.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات