تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.
  • تقارير خاصة
  • 1051

أكد قضاة المحكمة المركزية في القدس، موسيا أراد ويعقوب تسبان وموشيه سوفل، لدى قراءة قرار الحكم الصادر بحق رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق، إيهود أولمرت، يوم الاثنين الماضي – 24.9.2012، أن الفساد السلطوي مستشر في إسرائيل. ورغم ذلك فإن الحكم على أولمرت، الذي أدين بخيانة الأمانة في قضية "مركز الاستثمارات"، جاء مخففا جدا ومفاجئا لدرجة أن عددا من المحللين وجه انتقادات شديدة إلى المحكمة، حتى أن الوزير السابق يوسي سريد، كتب أن قرار الحكم هو "يوم غفران" قضائي، في إشارة إلى الإخفاقات الهائلة التي ارتكبتها القيادة الإسرائيلية في حرب "يوم الغفران"، وهي حرب تشرين/ أكتوبر العام 1973، التي تحل ذكراها السنوية التاسعة والثلاثون في هذه الأيام.


وقد رفضت المحكمة طلب النيابة العامة الحكم على أولمرت بالعمل في خدمة الجمهور لمدة ستة أشهر، بدلا من السجن الفعلي. وحكمت عليه بالسجن لمدة عام مع وقف التنفيذ، وفرضت عليه غرامة مالية بمبلغ 75,300 شيكل.

وأدى هذا الحكم إلى أن يصرف الإسرائيليون اهتمامهم إلى أمرين أساسيين:

الأول يتعلق بمستقبل أولمرت السياسي، أي احتمال عودته إلى الحياة السياسية،

والثاني يتعلق بطبيعة القضاء الإسرائيلي المتسامح مع السياسيين الفاسدين، أو بحسب قول أحد المحللين أن "القوة حذفت التهمة".

وكانت المحكمة قد برأت أولمرت، قبل فترة قصيرة، من تهم فساد خطيرة في قضيتي "المغلفات المالية" و"ريشون تورز".

وقد اتهم أولمرت في القضية الأولى بالحصول على رشى من رجل الأعمال الأميركي – اليهودي موريس تالانسكي، الذي لديه مصالح تجارية في إسرائيل. ورغم أنه ثبت في المحكمة أن أولمرت تلقى من تالانسكي مغلفات مليئة بالدولارات، إلا أن المحكمة برأته من تهمة تلقي الرشى.

كذلك برأت المحكمة أولمرت في القضية الثانية، التي اتهم فيها بجباية تكلفة كل واحدة من سفراته إلى خارج البلاد من أكثر من مؤسسة، وفتح حساب بنكي تم إيداع فائض التكلفة فيه، وقد تجمع فيه مبلغ يزيد عن مئة ألف دولار.

وفي القضية الثالثة، قضية "مركز الاستثمارات"، دانت المحكمة أولمرت بخيانة الأمانة بعد أن تبين أنه عمل، بتناقض مصالح، لصالح رجال أعمال يمثلهم صديقه وشريكه السابق في مكتب محاماة، المحامي أوري ميسر، كي يحصلوا على تمويل حكومي. وجميع هذه القضايا تتعلق بالفترة التي كان يتولى فيها أولمرت مناصب وزارية رفيعة.

ولا يزال أولمرت يواجه قضية فساد أخرى تتعلق بفترة ولايته في رئاسة بلدية القدس، والمعروفة باسم "قضية هوليلاند". وقد اتهم فيها بتلقي رشى من رجال أعمال وأصحاب مصلحة في المشروع الإسكاني "هوليلاند" في جنوب القدس، من أجل السماح بإضافات بناء غير قانونية في هذا المشروع الذي لا يتناسب مع نمط البناء في المدينة.

القضاة: "ولاية أولمرت انتهت بسبب قضايا تمت تبرئته منها"

اتخذ القضاة الثلاثة في المحكمة المركزية في القدس قرار الحكم على أولمرت في قضية "مركز الاستثمارات"، التي أدين فيها بخيانة الأمانة، بالإجماع. وكتبوا في قرار الحكم أن "خطورة الأفعال تبرر رد فعل عقابيا فعليا قد يشمل عنصر السجن الفعلي، مع تحويله لأعمال في خدمة الجمهور".

وأكد القضاة على استشراء الفساد السلطوي في إسرائيل، وكتبوا أن "أهمية العقاب المشدد تأتي على ضوء الانتشار المؤسف لظاهرة تناقض المصالح في الخدمة العامة في السنوات الأخيرة والسهولة غير المحتملة لاستيعاب الظاهرة في نظر موظفين عامين معينين. والحديث لا يدور على خطأ شكلي، وإنما على تناقض مصالح خطير وبارز. ولا توجد هنا أمور مهنية فقط، [إنما] توجد مساعدة شخصية. فقد كانت بين أولمرت وميسر علاقات قريبة قوية ومكثفة".

وبرر القضاة الفجوة بين هذه التهم والحكم المخفف بتطورات التحقيقات ضد أولمرت، التي اضطر بعدها إلى الاستقالة من منصبه كرئيس للحكومة، وأشاروا إلى أن هذه الاستقالة لم تنتج عن قضية "مركز الاستثمارات"، وإنما بسبب قضية "المغلفات المالية" والشهادة المسبقة التي أدلى بها تالانسكي أمام المحكمة قبل تقديم لائحة اتهام ضد أولمرت.

وكتب القضاة في قرار الحكم أن "الاستقالة جاءت بعد أن تقرر جباية شهادة مسبقة من تالانسكي وفي أعقاب الصدى العام والإعلامي الذي أثارته الشهادة المسبقة. وتشير الأدلة إلى أن الاستقالة كانت مرتبطة بشكل مباشر، من حيث الجدول الزمني والأجواء العامة، بالشهادة المسبقة لتالانسكي".

وأضاف القضاة أن "هذه حالة متميزة للغاية. ووقف ولاية موظف عام نتيجة لإجراء جنائي ضده يعتبر عامة نتيجة مطلوبة وحتمية، ورغم ذلك فإنها تنطوي على أهمية معينة فيما يتعلق بالعقوبة، وخاصة عندما يدور الحديث على فقدان وظيفة رئاسة الحكومة، وهي وظيفة لا توجد وظيفة أعلى منها... وقد وصل المتهم إلى هذه القمة، وتمكن من تحقيق أمور في مجالات مختلفة، وخطط حسب أقواله لتنفيذ خطط أخرى كان يأمل بأن تعود بالفائدة على الدولة ومواطنيها. وكل هذا انقطع فجأة بسبب الشهادة المسبقة والتحقيق في قضيتين انتهيتا بالتبرئة".

"المحكمة لقنت النيابة العامة درسا"

وصدرت الصحف الإسرائيلية صباح الثلاثاء وهي مثقلة بالتحليلات حول الحكم على أولمرت. وقد اختلف المحللون حول الحكم بين مؤيد ومنتقد، وحتى أن بعضهم انتقد المحكمة بشدة.

ورأى القاضي المتقاعد والمحلل القانوني في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، بوعاز أوكون، أنه لا أولمرت ولا النيابة العامة خرجا من هذه القضية "بقامة منتصبة". وتطرق بشكل خاص إلى أداء النيابة العامة وانتقد تعاملها مع قضايا أولمرت، الذي تميز بتسريب مواد التحقيق إلى وسائل الإعلام وإرشاد صحافيين وحثهم على نشر تقارير معادية لرئيس الحكومة السابق.

وأضاف أوكون أن "المحكمة لقّنت النيابة العامة درسا ضروريا، وهو أنه لا يمكن أن تتقدم العربة أمام الخيول وأن يسبق العقاب الإجراءات القضائية، وأنه ينبغي أن تحاذر قبل أن تدفع رئيس الحكومة إلى خارج منصبه".

واعتبر أوكون أن النتيجة المتمثلة في قرار الحكم هي أن "أولمرت عوقب ولكن لم تتم إهانته، لأنه عانى من الإجراءات القضائية وتم إبعاده عن المنصب الذي شكل ’قمة تطلعاته’". وتابع أن القضاة "عملوا بدون شائبة"، وأنهم "أقروا النتيجة القضائية بصورة واضحة ومهنية ومفصلة. ولم يوافقوا على طلب النيابة العامة فرض عقوبة السجن التي كانت ستبعد أولمرت عن مناصب عامة. وأبقوا قرارا كهذا ليحكم الجمهور فيه. فعودة كهذه لن تكون سهلة. وهو يحمل على ظهره عبئا ثقيلا يتمثل في إدانة جنائية وملف هوليلاند".

"يبيّضون الآثام"

وكان الوزير السابق يوسي سريد الأكثر حدة في انتقاد المحكمة بعد قرارها بشأن أولمرت. وكتب في صحيفة "هآرتس" أن "قرار الحكم هو من دون شك يوم غفران للمؤسسة القضائية في إسرائيل". وأضاف أن "أولمرت ليس هو السارق وإنما الثغرة [في القانون] هي السارق، وهذه الثغرة باتت الآن أوسع مما كانت عليه في السابق. ليس أولمرت هو المتهم والمدان، وإنما المحكمة هي المذنبة". ورأى سريد أنه "من العدل اتهام القضاة في القدس بتعامل متسامح ومراعٍ للغاية تجاه مخالفات شخصيات عامة. وبدلا من أن يروا المخالفة المخففة على أنها خطرة، فإنهم يرون الأشياء الخطرة بأنها مخففة".

وأردف "رغم أن أولمرت أعلن بعد صدور قرار الحكم [بتبرئته]، قبل شهرين، أنه لم تكن هناك مغلفات [مالية] أبدا، لكن المحكمة نفسها أقرت أنه كانت هناك مغلفات وتم دسها في جيوب بدلات. وسيعلم مبعوثو الجمهور والنشطاء الحزبيون منذ الآن أنه ليس فقط من المسموح لهم أن يحيكوا البدلات قبل الأوان، وإنما بالإمكان أن تكون فيها جيوب كبيرة أيضا، لتلائم الاحتياجات الخاصة عندما تسنح الفرصة. هل الغاية الموكولة إلى القضاة هي تبييض الآثام؟".

وأضاف أنه "لم تكن أية علاقة بين الجريمة والعقاب" في قرار الحكم ضد أولمرت. وشدد على أن "خيانة الأمانة ليست ’مخالفة تقنية’، كما حاول أولمرت أن يصفها، وإنما هي مخالفة موبوءة بـ ’الفساد السلطوي’"، لكن العقوبة التي تم فرضها، السجن لسنة مع وقف التنفيذ، "لا قيمة لها في الحياة العامة أو الخاصة للمجرم... وسيعلم كل سياسي أن بالإمكان الاستمرار في خدمة الجمهور من خلال خيانة الأمانة أيضا".

كذلك انتقد رئيس دائرة التحقيقات الصحافية في "هآرتس"، غيدي فايتس، قرار القضاة واعتبر أنه "يسمح للسياسيين الإسرائيليين بالحصول على امتيازات مختلفة ومتنوعة من أصحاب مصالح، وعلى مغلفات مليئة بالدولارات، وتمويل غرف فندقية فاخرة، وتسديد كفالات شخصية للبنوك بقيمة مئات آلاف الدولارات. لقد أعاد قرار الحكم من جديد تعريف العلاقات بين الحكم والمال في إسرائيل، وسمح لمنتخبي الجمهور بحرية عمل، وبحيز مناورة يكاد يكون مطلقا في المنطقة المعتمة، وجعل محاولات جهاز تطبيق القانون الهش في القبض على مشتبهين منافقين أمرا يكاد يكون مستحيلا".

كذلك انتقد قرار الحكم المحلل القانوني في صحيفة "معاريف"، نوعام شرفيط، الذي أشار إلى أن الحكم على أولمرت "يشكل استمرار للنهج المتساهل جدا من جانب القضاة لدى إصدارهم قرارات حكم"، ورغم ذلك فإن قرار الحكم على أولمرت كان مفاجئا.

واعتبر أنه "بدا للحظة أن أقوال القضاة هي ادعاءات محامي الدفاع، الذين لم يكن بإمكانهم صياغة قرار حكم بشكل أفضل. فقد كانت أجزاء كبيرة منه تبدو كقصيدة مديح لأولمرت، الذي هو ليس إلا ضحية في القضية، وكأنه لم يتم التأكيد في قرار الحكم أنه حصل على مئات آلاف الدولارات من تالانسكي".

ورأى شرفيط أن قرار الحكم كان "متسامحا للغاية وغير رادع. ويصعب التحرر من الانطباع بأن الحديث يدور على استمرار نهج محكمتي الصلح والمركزية الذي بدأ في قضيتي حاييم رامون [الوزير السابق الذي اتهم بالتحرش الجنسي] وتساحي هنغبي [الوزير السابق أيضا الذي أدين بتعيينات سياسية لأعضاء في اللجنة المركزية لحزب الليكود]، والذي يتناقض مع الرياح المتشددة التي تهب من جهة المحكمة العليا".ولفت شرفيط إلى أن القضاة لم يذكروا حقيقة أن أولمرت هو محام، "فقد قررت المحاكم في أكثر من حالة أن محاميًا ارتكب مخالفة هو سبب هام لتشديد عقوبته".

تكهنات حول عودة أولمرت إلى الحياة السياسية

من جانبه كتب كبير المعلقين في "يديعوت أحرونوت"، ناحوم برنياع، أنه "لا يضير النيابة العامة أن تشرب كأس ماء واحدة قبل أن تقرر تقديم استئناف" على قرار الحكم في قضية "مركز الاستثمارات"، وتقديم استئناف آخر محتمل على تبرئة أولمرت في قضية "المغلفات المالية".

واستبعد نجاح الاستئناف لأن "قرار الحكم اتخذ بالإجماع واحتمال تغييره ضئيل. والنيابة العامة ليست طرفا في المحاكمة فقط، وإنما هي [تمثل] الدولة... والقرار بتقديم استئناف يجب أن يثبت أنه يخدم مصلحة الدولة، وأنه يخدمها حقا".


وأشار برنياع إلى أن "العقوبة المخففة التي تم فرضها على أولمرت أعادته فجأة إلى التكهنات السياسية، إذ بإمكانه الترشح للكنيست، وليس قضية هوليلاند التي تمنعه الآن من المنافسة، وكذلك ليس الاستئناف المحتمل في القضية الحالية. وحقيقة أنه لا يوجد الآن مرشح لمعسكر الوسط - يسار، يعتبر ندًا لـ [رئيس الحكومة بنيامين] نتنياهو تشجعه على العودة إلى الحلبة. فثمة فراغ، ونتنياهو سار مسافة كبيرة جدا إلى اليمين، وخصامه مع الإدارة الأميركية وخطابه في الموضوع الإيراني يثيران توقا إلى قيادة براغماتية ومنضبطة".

وأضاف برنياع أن وزير الدفاع إيهود باراك "يواجه صعوبة في الافتراق عن نتنياهو، وتسيبي ليفني مترددة، و[رئيسة حزب العمل شيلي] يحيموفيتش منشغلة بصغائر الأمور، و[مؤسس الحزب الجديد "يوجد مستقبل" يائير] لبيد ليس ناضجا بعد. وعلى ما يبدو يوجد لأولمرت احتمال بأن يتم قبوله كملاكم بالوزن الصحيح، وأنه الوحيد القادر على منافسة نتنياهو والانتصار".

واستبعدت محللة الشؤون الحزبية في "يديعوت أحرونوت"، سيما كدمون، عودة أولمرت إلى الحياة السياسية سريعا.

وكتبت أنه "حتى لو كان واضحا في الحلبة السياسية أن الشخص الوحيد الذي بإمكانه تهديد مكانة رئيس الحكومة وأن يشكل بديلا لحكمه هو أولمرت، ورغم أنه في حزب كاديما تسود قناعة بأن الوحيد الذي بإمكانه ترميم الحزب المنهار هو أولمرت، ورغم أنه من الواضح أن أولمرت هو الوحيد الذي بإمكانه كسر الحلف الطبيعي لنتنياهو مع حزب شاس وحلفه الاضطراري مع [حزب "إسرائيل بيتنا" بزعامة أفيغدور] ليبرمان وتغيير وضع المعسكرات، إلا أن هذا لن يحدث قريبا على ما يبدو".

وأشارت كدمون إلى أن أفراد عائلة أولمرت يتحفظون كثيرا من احتمال عودته إلى الحياة السياسية. ورأت أنه "رغم الضغوط السياسية والعامة والإمكانيات الكامنة في عودة سريعة لأولمرت والترشح في الانتخابات المقبلة، إلا أنه ليس مؤكدا أن أولمرت ناضج لاتخاذ قرار كهذا".



هذا التقرير ممول من قبل الاتحاد الأوروبي



"مضمون هذا التقرير هو مسؤولية مركز "مدار"، و لا يعكس آراء الاتحاد الاوروبي"