يقام في تل أبيب بين السادس والثامن من شهر حزيران الحالي معرض الأسلحة ISDEF (إزرائيل ديفنس)، وتُعرض فيه أسلحة وعتاد أمني وأجهزة تكنولوجية ومحوسبة، مخصصة على وجه الخصوص لحرب السايبر (الفضاء الإلكتروني) والتجسس في شبكات التواصل الاجتماعي. وهذه المعروضات هي من صنع شركات إسرائيلية حكومية وخاصة، وكذلك من صنع شركات أجنبية.
بادرت إلى إقامة معرض ISDEF "أفنون غروب"، التي تضم مجموعة شركات لصناعة الأسلحة وتطوير عتاد أمني وتكنولوجي. كما أنها تمثل عشرات شركات الأسلحة والعتاد الأمني الأجنبية في إسرائيل، وتبيع هذه المصنوعات لأجهزة الأمن في إسرائيل والعالم. ويتوقع القيّمون على المعرض أن يزوره خلال أيامه الثلاثة قرابة 100 وفد أجنبي و15 ألف شخص بينهم أربعة آلاف شخص يتولون مناصب رسمية في دولهم.
وأفادت معطيات نشرتها وزارة الدفاع الإسرائيلية، مؤخرا، أن حجم صادرات الأسلحة الإسرائيلية والعتاد الأمني بلغت 6.5 مليار دولار خلال العام 2016، وهذه الصادرات موجهة بالأساس إلى آسيا، وخاصة الهند. وارتفع في هذا العام حجم صادرات الأسلحة الإسرائيلية إلى دول في أوروبا وأفريقيا، وتم بيع أسلحة ومنظومات تكنولوجية إلى أوروبا بحجم 1.8 مليار دولار وإلى دول أفريقية بحجم 275 مليون دولار.
وقال تقرير نشرته صحيفة "هآرتس"، يوم 22 أيار الماضي، إن دولا تدور فيها حروب أهلية ويجري فيها انتهاك لحقوق الإنسان، ستشارك في معرض ISDEF عبر إرسال مندوبين عنها إلى تل أبيب.
ووزع نشطاء إسرائيليون من حملة "مسلحون" قبل أسبوعين من افتتاح المعرض، قوائم شملت قسما من هذه الدول، وبينها جمهورية أفريقيا الوسطى، الموجودة على شفا حرب أهلية، والكونغو وساحل العاج والكاميرون وبورما، علما أن مجلس الأمن الدولي يفرض حظرا على بيع أسلحة وعتاد أمني لجمهورية أفريقيا الوسطى والكونغو، بينما تم رفع حظر كهذا عن دول ستشارك في المعرض قبل سنوات قليلة فقط. كما سيزور المعرض في تل أبيب وفد من إندونيسيا بالرغم من عدم وجود علاقات دبلوماسية بينها وبين إسرائيل.
وسينظم نشطاء حملة "مسلحون"، التي تعارض صناعات الأسلحة الإسرائيلية، مؤتمرا في موازاة المعرض، بهدف استعراض الثمن الحقيقي للتجارة بالأسلحة.
وكان معرض الأسلحة ISDEF السابق احتل العناوين بعدما شارك فيه مندوبون من دولة جنوب السودان التي تدور فيها حرب أهلية وترتكب خلالها جرائم حرب وفظائع. وكان المسؤولون عن المعرض في حينه عززوا الحراسة حول أعضاء الوفد الذي ترأسه وزير المواصلات الجنوب سوداني. والبيانات الرسمية هذا العام لا تشمل معلومات حول مشاركة وفد من جنوب السودان لكن ليس مستبعدا مشاركة مسؤولين رسميين من هذه الدولة.
صناعات إسرائيل الأمنية وعملياتها العسكرية
تعتبر إسرائيل واحدة من أكبر عشر دول مصدرة للسلاح في العالم، إلا إن المنافسة في هذه السوق كبيرة وشرسة، ولذلك تحاول الصناعات العسكرية والأمنية الإسرائيلية، الحكومية والخاصة، التميّز في مجالات معينة والتفوق فيها على غيرها من الدول.
ويقول مؤسس "أفنون غروب"، تومِر أفنون، في ملحق خاص، تسويقي، حول معرض ISDEF 2017، إنه "برغم حجم دولة إسرائيل، فإنها تحافظ بشكل مثابر على مكان مرتفع جدا في قائمة مصدرات الأمن العالمية". وعزا ذلك إلى أن "الخبرة والتجديد الإسرائيليين، إلى جانب التجربة الكبيرة والاستنتاجات المستخلصة من ميدان القتال حولت الخبرة والإنتاج الإسرائيلي الأمني مع مرور الزمن إلى اسم ساطع في جميع أنحاء العالم، ويفضل الزبائن الدوليون بشكل واضح منتجات إسرائيل وضلوعها في مشاريع المشتريات الأمنية".
وأقوال أفنون هذه ليست للتسويق فقط، وإنما تعكس أيضا مفهوما وتوجها تجاريا عسكريا، عبر عنه عدد من الخبراء العسكريين الإسرائيليين، ومفاده أن إسرائيل بادرت إلى عمليات عسكرية واسعة، خاصة ضد قطاع غزة والضفة الغربية، واستخدمت فيها أسلحة وعتادا أمنيا من صنع شركاتها، وبعد ذلك أخذت تسوقها كأسلحة ناجعة ذات "رصيد وتجربة مثبتة".
وتحدث أفنون عن "تهديد السايبر"، أي الحرب في الفضاء الافتراضي في الشبكة العنكبوتية، على أنه "أحد المحركات الأساسية لقدرة نمو الصادرات الإسرائيلية. ويوجد إدراك متزايد في أنحاء العالم أن هذا التهديد حقيقي ويتعلق بكافة نواحي حياتنا، من حساباتنا البنكية وحتى الدفاع عن الحدود. وإسرائيل متفوقة في هذا المجال ويبدو أن الشركات الإسرائيلية عرفت كيف تستعد له مسبقا".
إحدى الشركات الإسرائيلية المتخصصة في مجال التكنولوجيا الأمنية هي شركة BLER. ويقول أوري بوروس، وهو أحد أصحاب الشركة، إن مجال التجسس الجديد هو جمع معلومات استخباراتية من الشبكات الاجتماعية والتطبيقات في الهواتف المحمولة، الذي يمكن من خلاله صنع ملامح دقيقة لمشتبهين، من خلال الحفاظ على سرية كاملة لعملية التجسس أثناء عمليات البحث في الشبكة.
وتوقع أفنون استمرار التعاون الأميركي – الإسرائيلي في مجال تطوير الأسلحة والمنظومات الأمنية، مشيرا إلى أن "كمية المشاريع المشتركة للصناعات الإسرائيلية والأميركية كبيرة جدا بحيث لا تقارن بتعاون بين الولايات المتحدة ودول أخرى... والتهديدات المتصاعدة ضد الدول الغربية في أوروبا تستدعي زيادة ميزانيات الدفاع، وعلى الأرجح أن هذا الوضع سيوسع التعاون الإسرائيلي – الأميركي".
ورأى المدير العام لـ"أفنون غروب"، أفيعاد ماتسا، أنه "بسبب تحديات إسرائيل الأمنية واحتياجاتها، إلى جانب الخبرة والتجديد الإسرائيليين والعلامة التجارية الإسرائيلية القوية جدا في سوق الأمن العالمية، فإنه في تقديري سيستمر النمو المطرد لسوق الأمن الإسرائيلية في المستقبل".
"داعش" كمشروع تسويقي..
يُعقد في موازاة معرض ISDEF مؤتمر أمني بمشاركة عدد كبير من الخبراء العسكريين والأمنيين والأكاديميين المتخصصين في الدول العربية. وقال أفنون إن هدف المؤتمر هو "سكب مضمون وتمرير معلومات وتوجهات في العالم الأمني".
إحدى المداخلات في المؤتمر تلقيها الباحثة والمستشارة الإستراتيجية، الدكتورة عنات هوخبرغ – ماروم، بعنوان "الإرهاب العالمي كنجاح تسويقي" وتتمحور حول تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
ووفقا لهذه الباحثة، فإن الهجمات التي نفذها "داعش"، أو تم تنفيذها بإيحاء منه، في أنحاء العالم، تزايدت، وذلك على الرغم من انسحابه من مناطق كثيرة سيطر عليها منذ العام 2014، واقتراب القضاء على معاقله، خصوصا في الموصل في العراق والرقة في سورية، وفقدانه موارد تمويل بخسارته آبار نفط وغاز وضرائب.
وأضافت أن "داعش" ما زال يؤثر على الأجندات السياسية والإعلامية والعامة في العالم، وذلك بمعزل عن الصعوبات التي يواجهها على الأرض. ودعت إلى تحليل ظاهرة "داعش" بمفاهيم تسويقية – تجارية، كما يلي:
المنتَج: الخلافة /الأمة الإسلامية والجهاد العالمي، بموجب التفسير المتشدد للإسلام السني المتطرف وتيار الجهاد السلفي العالمي، وإقامة دولة إسلامية في العراق وسورية من لا شيء.
الجهاد العالمي – ثلاثة أوجه: أحدها ديني – عقائدي ويتحدث عن "الإسلام الحقيقي/الطاهر" ويسعى إلى فرضه على العالم الإسلامي؛ وجه آخر هو البديل السياسي، يقود إلى ثورة عالمية تقود إلى هدم الوضع القائم من أجل سيطرة الخلافة الإسلامية من خلال استخدام كافة الوسائل؛ الوجه الثالث هو النضال الإدراكي – القيمي من أجل الهوية.
انتشار المنتج: أحد عناصر نجاح "داعش" هو حجم التأييد له في أنحاء العالم، وجمهور الهدف المركزي هو العالم الإسلامي والأقلية العربية فيه بشكل خاص، وعددها 360 مليون نسمة من أصل 1.6 مليار نسمة؛ 65% في العالم العربي هم شبان دون سن 30 عاما؛ 65% يبحرون في الانترنت و85 مليونا يقضون وقتا في الشبكات الاجتماعية، ولذلك يولي "داعش" أهمية للميديا ووسائل التسويق عبر عالم السايبر؛ 80% من عناصر التنظيم انضموا بواسطة الميديا الاجتماعية.
سرعة التسويق: السايبر هو عامل هام في الخطاب السياسي والعام في العالم، وإحدى ميزاته هي بكبسة زر بالإمكان الوصول بسرعة وبشكل مباشر وسري إلى جمهور هائل، وملاءمة رسائل عينية لجمهور الهدف.
الربيع العربي: التحولات في الشرق الأوسط منذ مطلع العقد الحالي، انهيار أنظمة ودول وفوضى سياسية وأزمات اقتصادية – اجتماعية، أحدث فراغا دخل إليه "داعش".
عامل جذب: "داعش" جذب شبانا من مجتمعات إسلامية في أوروبا، وشبانا غير مسلمين بحثوا عن الإثارة وإرضاء الذات؛ 25% من المنضمين إلى "داعش" غير مسلمين بالأصل واعتنقوا الإسلام. والتنظيم يعزف على مشاعر الكراهية والخوف والغضب والإحباط والظلم وخيبة الأمل من الواقع.
مصدر إيحاء: "داعش" يشكل مصدر إيحاء وتقليد لتنظيمات إرهابية قد تنشأ في المستقبل، وحتى أنها قد تطور أساليبه، وستشكل تهديدا أمنيا على العالم، من دون علاقة بضعف السيطرة على أراض.
عقبة "اصنع في الهند"
تعتبر إسرائيل ثاني أكبر مزود للسلاح والعتاد العسكري والأمني للهند بعد روسيا، الأمر الذي عزز العلاقات بين الدولتين في السنوات الأخيرة، وانعكس ذلك على سياسة الهند تجاه الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. وتحاول الهند، في أعقاب توثيق علاقاتها مع إسرائيل، أن تنتهج سياسة "متوازنة" تجاه الصراع، بعد أن كانت واحدة من أكثر الدولة المؤيدة للفلسطينيين والمناهضة لإسرائيل.
وتتوقع إسرائيل بأن رئيس الحكومة الهندية الحالي، ناريندرا مودي، سيعزز العلاقات معها، خلال زيارته لإسرائيل في المستقبل القريب. لكن تساور الإسرائيليين تخوفات حيال تراجع حجم التصدير الأمني إلى الهند، في أعقاب قوانين بادر مودي إلى سنها في الفترة الأخيرة.
وأشارت رئيسة الغرفة التجارية إسرائيل – الهند، المحامية عنات برنشطاين – رايخ، إلى أن مبادرة مودي الأهم والأكثر تأثيرا على الاقتصاد الهندي هي "Make in India" (اصنع في الهند)، التي تهدف إلى تطوير القطاع الصناعي وجعل الشركات الدولية لا تستفيد من الهند كسوق استهلاكية فقط، وإنما أن تصنع منتجاتها في الهند من أجل دعم الاقتصاد الهندي ونقل خبرات إليها وتطوير قدرات إنتاج.
وتلزم مبادرة "اصنع في الهند" الصناعات الأمنية الإسرائيلية وغيرها التي تريد المشاركة في مناقصات حكومية بأن تصنع قسما كبيرا من منتجاتها في الهند، وأن تشتري قسما كبيرا من مركبات هذه المنتجات من الهند، كما تلزم الشركات الدولية في حالات كثيرة بتعاون طويل الأمد مع شركات هندية.
وحاول الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين، خلال زيارته إلى الهند في تشرين الثاني الماضي، أن يخفف من هذه المبادرة التشريعية الهندية، وأن يحول "اصنع في الهند" إلى "اصنع مع الهند"، ما يدل على وجود قلق إسرائيلي حيال هذه المبادرة. لكن الحكومة الهندية رفضت ذلك، في ضوء إصرارها على دفع الصناعة المحلية ونقل خبرات وقدرات إليها.
وفي المجال العسكري، تتطلع الهند إلى تطوير قدرات ذاتية وتضع صعوبات أمام الشركات الأجنبية، على الرغم من أن مودي سمح للشركات الأمنية الأجنبية بزيادة أسهمها في الشركات المحلية من 26% إلى 49%. لكن من الناحية الفعلية، فإن مطلب "اصنع في الهند"، الذي سيحل مكان التبادل التجاري في المستقبل، يضع مصاعب وعراقيل كبيرة أمام الشركات الأجنبية.
وأشارت برنشطاين – رايخ إلى أن جميع الشركات الأجنبية تنقل خبرات إلى الهند بموجب القوانين الهندية، لكنها تحاول نقل هذه الخبرات بشكل محدود كي لا تتخلى الهند عنها.
وتضع هذه القوانين الهندية تحديا أمام الصناعات العسكرية الإسرائيلية، التي يتم إرغامها على الانتقال إلى الإنتاج في الهند، من خلال مصانع صغيرة في مدن الأطراف في الهند، لا تملك وسائل وقدرات كافية من أجل بناء شراكات كبيرة. وبحسب برنشطاين – رايخ، فإنها تُلزم بنقل مصانعها من دون أن تكون لديها المقدرة على حماية الخبرات ومستقبلها الاقتصادي.
والعلاقات الإسرائيلية – الهندية في المجال العسكري هي علاقات تعاون وثيقة، ولذلك فإن الإسرائيليين ينظرون إلى مبادرة "اصنع في الهند" على أنها عقبة كبيرة أمام الشركات الإسرائيلية.