تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.
  • تقارير خاصة
  • 1223

يعرض هذا التقرير الخاص الصادر عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية- مدار آخر المعطيات بشأن تفاقم الأوضاع الاجتماعية لأولاد هؤلاء المهاجرين وانعكاسها على جنوحهم الأخلاقي والفكري، الذي تمثل في تبني أفكار "النازيين الجدد". كمايتطرّق إلى تقرير دوليّ حديث أظهر تخلف مستوى التعليم في إسرائيل مقارنة مع "الدول المتطوّرة في العالم".

 برزت في الآونة الأخيرة المزيد من الظواهر الاجتماعية في إسرائيل التي تعبر عن حالة التدهور الاجتماعي بين صفوف المهاجرين من دول الاتحادالسوفييتي السابق. ووصل الكشف عن مدى تدهور مجتمع هؤلاء المهاجرين أوجه هذا الأسبوع مع نشر استطلاع علمي أكاديمي أعدته "سلطة مكافحة تعاطي المخدرات والكحول في إسرائيل" بشأن أوضاع أولاد هؤلاء المهاجرين.

وسبق هذا الاستطلاع الكشف في الأسبوع الماضي عن خلية "النازيين الجدد"، التي تبين أن أعضاءها من أبناء المهاجرين من رابطة الدول.

ويبدو أن هذه الظواهر آخذة بالانعكاس على عموم المجتمع الإسرائيلي. ولعل جهاز التعليم يعتبر من أهم عوامل تقوية مجتمع ما وتطويره، لكن تقريرا دوليا نشر حديثا أظهر تخلفا في مستوى التعليم في إسرائيل مقارنة مع "الدول المتطورة في العالم".

 

انتشار المخدرات والكحول بين أبناء المهاجرين

أفاد تقرير صادر عن "سلطة مكافحة تعاطي المخدرات والكحول في إسرائيل" بأن حوالي نصف الفتيان الذين ولدوا لوالدين هاجروا من دول الاتحاد السوفييتي السابق إلى إسرائيل منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي يشعرون أنهم منبوذون في إسرائيل. ويستند التقرير إلى معطيات استطلاع أجراه معهد علم الإجرام في الجامعة العبرية في القدس بين 750 فتى لأبوين مهاجرين. وتبين أن 46% منهم ليس لديهم أصدقاء إسرائيليون فيما قالت نسبة مطابقة إنهم يشعرون أنهم منبوذون في إسرائيل.

وتبيّن من معطيات الاستطلاع أن 49% من هؤلاء الفتية لا يتعلمون ولا يعملون بينما يتعلم 42% من الفتية الذين لم يتسربوا من المدارس في مدارس داخلية و42% في مدارس تأهيل مهني. كذلك فإن 31% فقط من أبناء المهاجرين من دول الاتحاد السوفييتي السابق يعيشون في عائلة يوجد فيها والدان. وقال 52% إن والدهم عاطل عن العمل. كذلك قال 50% من هؤلاء الفتية إن دخل العائلة انخفض مقارنة بدخلها في البلدان التي هاجروا منها.

وأظهر الاستطلاع صورة قاسية لحالة أولاد هؤلاء المهاجرين حيث قال 90% من الفتية، الذين تتراوح أعمارهم ما بين 12 و17 عاما، إنهم تناولوا الكحول خلال السنة الأخيرة وقال ثلثهم إنهم تناولوا الكحول إلى حد الثمالة. وتبين من معطيات الاستطلاع أن 36% من أبناء هؤلاء المهاجرين تعاطوا المخدرات، وقال ثلثهم إنهم نفذوا أعمال عنف تحت تأثير المخدرات وقال ثلث الذين تعاطوا المخدرات فقط إنهم يعتبرون أنفسهم إسرائيليين.

وقال مدير عام "سلطة مكافحة تعاطي المخدرات والكحول"، حاييم ميسينغ، في مؤتمر صحافي عقده في يوم 18/9/2007، إن أغلبية الفتية أبناء العائلات التي هاجرت من دول الاتحاد السوفييتي السابق "لا يعتبرون أنفسهم إسرائيليين، ويشعرون بأنهم منبوذون من قِبل أولاد البلاد ويرغبون في التواصل فقط مع أبناء مهاجرين من دول الاتحاد السوفييتي السابق". وأضاف أنهم يشعرون بأن لديهم "هوية هامشية" ليست إسرائيلية ولا تنتمي لهوية البلد الذي هاجر أهلهم منه. وأوضح أن نسبة هؤلاء تصل إلى نحو 67% من بين أولاد المهاجرين الذين يتعاطون المخدرات.

ورأت "سلطة مكافحة تعاطي المخدرات والكحول" أن حجم ظواهر الجنوح الذي كشف عنه الاستطلاع يؤكد على وجود صعوبات في استيعاب هؤلاء المهاجرين وأبنائهم.

 

يذكر أنه خلال الأعوام 1989 - 1992، مع انهيار الاتحاد السوفييتي، هاجر إلى إسرائيل حوالي مليون شخص من دول الاتحاد السوفييتي السابقمستغلين "قانون العودة" الإسرائيلي الذي يتيح لكل يهودي في العالم الهجرة إلى إسرائيل والحصول على الجنسية الإسرائيلية وامتيازات أخرى. وتبين بعد ذلك أن ثلث هؤلاء المهاجرين ليسوا يهودا.

 

وبحسب تقرير "سلطة مكافحة تعاطي المخدرات والكحول" فإنه "على الرغم من التشابه الثقافي بين المهاجرين من الاتحاد السوفييتي السابقوإسرائيل، مقارنة مع المهاجرين من أثيوبيا مثلا، فإنه لا يزال بالإمكان القول إن الصعوبات في مجال استيعاب الهجرة من الاتحاد السوفييتي السابق يتم التعبير عنها من خلال تصرفات غير حضارية مثل تعاطي المخدرات والكحول والجنوح".

 

خلايا النازيين الجدد

 يمكن الاستنتاج من التطورات الأخيرة في هذا السياق بأن مصطلح "الجنوح" لا ينحصر فقط في تعاطي هؤلاء الفتية للمخدرات والكحول رغم حداثةسنهم، وإنما يعني أيضا الجنوح الفكري. فقد تم خلال الأسبوعين الأخيرين الكشف عن ظاهرة واسعة نسبيا تبنت فيها مجموعات من أبناء المهاجرين من دول الاتحاد السوفييتي السابق أفكار حركات النازيين الجدد وممارسة العنف ضد العمال الأجانب الآسيويين والمسنين والأشخاص الضعفاء عموما.

وكانت محكمة الصلح في مدينة الرملة قد مددت، في مطلع الأسبوع الماضي، اعتقال ثمانية شبان من أبناء مهاجرين من دول الاتحاد السوفييتي السابق، تتراوح أعمارهم بين 16 و21 عاما، بتهمة تشكيل خلية نازيين جدد وتنفيذ اعتداءات عديدة قاموا بتوثيقها على أشرطة فيديو.

وأفادت الصحف الإسرائيلية بأنه يتوقع أن تقدّم النيابة العامة الإسرائيلية لائحة اتهام ضد أفراد خلية النازيين الجدد إلى المحكمة المركزية في تل أبيب، تشمل تهما بتنفيذهم اعتداءات ضد عمال أجانب وتدنيس كنس يهودية، ورسم صلبان معقوفة فيها وكتابة اسم الزعيم النازي أدولف هتلر في أماكن عامة. وتظهر أشرطة الفيديو التي ضبطتها الشرطة بحوزة المعتقلين أنهم كانوا يتعرضون للعمال الأجانب الأسيويين في تل أبيب ويقولون لهم بأنه يتم الاعتداء عليهم لأنهم ليسوا من"العرق الأبيض". وأظهرت هذه الأشرطة تمجيد أفراد الخلية في اجتماعاتهم للفكر النازي ورموزه.

وجاء اعتقال أفراد الخلية في أعقاب تحقيقات أجرتها الشرطة في منطقة وسط إسرائيل منذ فترة طويلة. ويبدو الأمر غريبا أن تظهر خلايا نازيين جدد في إسرائيل يكون أعضاؤها مهاجرين يهودًا من أوروبا خصوصا وأن الحكم النازي في ألمانيا إبان الحرب العالمية الثانية لاحق اليهود في أوروبا وعمل على إبادتهم.

ونفى المشتبهون التهم الموجهة ضدهم لدى إحضارهم إلى المحكمة في الرملة. وقال أحد المتهمين إنه "لا علاقة لنا بهذه الأعمال ونحن ليس من شاهدتموهم في الشريط".

وقال المتهم بقيادة خلية النازيين الجدد، أريك بونياطوف، الذي يلقبه زملاؤه بـ"إيلي النازي"، إنه "ليس صحيحا قول الشرطة بأنني نازي".

وقالت والدة بونياطوف إنه جرى اعتقال ابنها "لأننا روس. صحيح أنه جانح لكنه ليس ضد الدولة وقد عانت عائلتنا من النازيين... جدي وجدتي، بينما تم قذف ابني في إسرائيل إلى سلة المهملات".

وفي أعقاب الكشف عن خلية النازيين الجدد قال المفتش العام للشرطة الإسرائيلية، دافيد كوهين، إن هناك العشرات وربما أكثر من أبناء المهاجرين الذين يحملون أفكارا نازية.

وأثار الكشف عن القضية عاصفة في الحلبة السياسية الإسرائيلية.

 وقال رئيس حزب المفدال، عضو الكنيست زبولون أورليف، إنه لدى بدء عمل الدورة المقبلة للكنيست سيطرح مشروع قانون يقضي بسحب الجنسية الإسرائيلية من نازيين جدد وطردهم من البلاد بعد معاقبتهم بالسجن. وأضاف أن الأعمال التي ارتكبتها خلية النازيين الجدد "تثير السخط ويجب معاقبة أعضائها بشدة وعلى إسرائيل أن تشكل مثالا يحتذي به العالم في محاربة العداء للسامية".

من جانبه قال عضو الكنيست إيفي ايتام من كتلة "الوحدة الوطنية" (إيحود ليئومي) إنه سيقدم اقتراحا لجدول أعمال الكنيست لتعديل "قانون العودة" الذي يتيح لكل يهودي في العالم الهجرة إلى إسرائيل والحصول على الجنسية.

واكتشفت الشرطة في جهاز الكمبيوتر الذي بحوزة بونياطوف أنه كتب "لن أتنازل أبدا، كنت نازيا وسأبقى نازيا ولن أهدأ حتى نقتلهم جميعا"، في إشارة إلى اليهود. وكتب بونياطوف أيضا: "لقد كان جدي نصف يهوديّ ولذا لن أنجب أطفالا، من أجل ألا يولد هؤلاء- القمامات- حتى بنسبة قليلة من الدم اليهودي".

وعثرت الشرطة في منزل أحد المتهمين على خمسة كيلوغرامات من المتفجرات ومسدس. وتعتقد الشرطة أن أفراد خلية النازيين الجدد كانوا يعتزمون استعمالها ضد خصومهم من مجموعات حليقي الرؤوس في مدينة بيتاح تكفا القريبة من تل أبيب. ومعظم أعضاء الخلية يتعلمون في المدارس لكن أحدهم أصبح بالغا وتجند في الجيش الإسرائيلي وبحوزته بندقية أوتوماتيكية من طراز "إم - 16" وعثرت عليها الشرطة بحوزة أحد رفاقه.

وخطط أفراد الخلية، بحسب الشرطة، للاحتفال بيوم ميلاد هتلر داخل متحف "ياد فاشيم" في القدس الذي يخلد ذكرى محرقة اليهود، كما أنهم أقاموا علاقات مع منظمات نازيين جدد في العالم.

ونقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن المسؤول عن محاربة العداء للسامية في الوكالة اليهودية، عاموس حرمون، قوله إنه "تنشط في إسرائيل مجموعة كبيرة من النازيين الجدد الشبان الذين هاجروا من دول الاتحاد السوفييتي السابق ويخرجون إحباطهم من خلال نشاط معاد للسامية".

وقالت عاملات اجتماعيات من الوكالة اليهودية إن قسما من الفتية الذين يمارسون اليوم نشاطا نازيا جديدا في إسرائيل عانوا في الماضي من نشاط مشابه في روسيا. وتؤكد العاملات الاجتماعيات على أنه لا يوجد رابط بين هؤلاء الشبان وبين الديانة اليهودية والكثير منهم أحفاد ليهود ومتأثرون جدا بالأوضاع في روسيا. كما أن الرموز النازية والتعابير المعادية للسامية أصبحت شكل الاحتجاج الأبرز على الغبن الذي يرون أنهم تعرضوا له وعلى مشاكل في استيعابهم وعائلاتهم في إسرائيل.

لكن رغم محاولات العاملات الاجتماعيات تشخيص سبب هذه الظواهر إلا أن الأحداث المتتابعة في هذا السياق تؤكد على أن القضية أعمق مما تبدو. فقد كشفت "يديعوت أحرونوت" هذا الأسبوع عن "ممارسات نازية" في المدرسة الداخلية العسكرية "ريئالي" في حيفا والتي تعتبر مدرسة مرموقة وتخرج منها عدد من الضباط الذين وصلوا إلى رئاسة هيئة أركان الجيش الإسرائيلي ووزارة الدفاع.

فقد صور أحد طلاب هذه المدرسة العسكرية نفسه وهو يسير بخطوات عسكرية على النشيد النازي وبعد ذلك يرفع يده لتقديم التحية النازية المشهورة وكان يرتدي الزيّ العسكري الإسرائيلي. وقد نشر الطالب هذه الصور وصورا أخرى ظهر فيها أنه يعلم شقيقته الصغرى على رفع يدها وتقديم التحية النازية في موقع "يوتيوب" على شبكة الانترنت. لكنه سرعان ما عاد وسحب هذه الصور من الموقع.

وقال أحد الأساتذة في المدرسة العسكرية إن هذا الطالب "تجاوز خطا أحمر". وأفاد أستاذ آخر بأن قصة هذا الطالب أثارت استياء عارما في المدرسة خصوصا وأنه يعتبر أحد الطلاب المتفوقين في المدرسة.

وفي سياق متصل، من دون أن تكون هناك علاقة لطالب المدرسة العسكرية، ذكرت "يديعوت أحرونوت" أنه تم إحداث ثقوب في إطارات سيارة زوجين من مدينة حيفا هاجرا إلى إسرائيل من روسيا البيضاء قبل 17 عاما، كما تمّ رسم صلبان معقوفة على السيارة. وفي حادث آخر هاجمت مجموعة من الصبية مسنة في حيفا وقام أحدهم بركلها فيما صاح زملاؤه: "هايل هتلر".

تراجع في مستوى التعليم

إلى جانب المشاكل التي يعاني منها أبناء المهاجرين الجدد في إسرائيل، مثل صعوبات في التأقلم مع المجتمع الإسرائيلي، تتحدث تقارير عديدة عن تراجع مستوى التعليم في إسرائيل. وآخر هذه التقارير هو تقرير صادر عن منظمة التطوير والتعاون الاقتصادي في أوروبا (OECD) الذي أظهر تراجع جهاز التعليم الإسرائيلي إلى الأماكن الدنيا في سلم أجهزة التعليم في الدول المتطورة. ويعزو معدو التقرير الجديد تراجع مستوى التعليم في بلد ما أو تقدمه إلى الميزانيات التي يتم استثمارها في جهاز التعليم.

ويفيد التقرير، على سبيل المثال، بأن الولايات المتحدة تستثمر في كل طالب مبلغ 7896 دولارا في السنة فيما تستثمر إسرائيل مبلغ 4278 دولارا في السنة. ويتوجب الإشارة هنا إلى أن استثمار الحكومة الإسرائيلية في الطلاب العرب أقل من ذلك بكثير. وقد وصلت إسرائيل إلى المكان الـ23 من بين الأماكن الـ34 للدول التي يشملها التقرير.

ورغم وضع التعليم المتراجع في إسرائيل فإن التقرير يشير إلى أن الاستثمار في أجهزة التعليم آخذ في التراجع. ويشمل التقرير دول أوروبا إضافة إلى الولايات المتحدة وكندا وأستراليا وعدة دول في آسيا. 

ويتناول التقرير معطيات تتعلق بتكلفة التعليم، وهو أيضا عامل يشجع على تقدم التعليم في دولة ما أو تراجعه. وتبين أن القسط الدراسي الجامعي في إسرائيل يصل إلى 3000 دولار وهو أعلى من القسط الدراسي الجامعي في كل من بريطانيا وهولندا وفرنسا وبلجيكا وايطاليا، فيما التعليم الجامعي في عدد من الدول الأوروبية، مثل تشيكيا والدانمرك وإيرلندا والنرويج وبولندا والسويد، هو تعليم مجانيّ.

أخيرًا تبين من التقرير أن تسرّب الطلاب الإسرائيليين من مقاعد الدراسة أكبر من تسرّب الطلاب في الدول المتطورة. ويصل معدل سنوات الدراسة في الدول المتطورة إلى 5ر17 سنة فيما يصل هذا المعدل في إسرائيل إلى 16 سنة فقط.

وتعتبر ظاهرة التسرب من الدراسة إحدى أهم الظواهر التي تقود الأحداث إلى الجنوح خصوصا إذا ما رافق ذلك مشاكل اجتماعية أخرى، كما هو حاصل في مجتمع المهاجرين من دول الاتحاد السوفييتي السابق إلى إسرائيل.