قد يكون تأجيل اللقاء الأول بين الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينيت، الذي كان من المفروض أن يعقد مساء يوم الخميس 26/8 في البيت الأبيض، لمدة 24 ساعة، ومن ثم تعديل ساعة اللقاء، وبدء التكهن إن كان هذا اللقاء سيعقد أصلا، وفي أية أجواء سيتم، بسبب انشغال الرئيس الأميركي بمتابعة تداعيات الانفجار الانتحاري الذي وقع في مطار كابول وأدى إلى مقتل 13 جنديا أميركيا، بالإضافة إلى عشرات الأفغان، هو الحدث الأكثر دلالة على تأثير الانسحاب الأميركي من أفغانستان على إسرائيل وحساباتها الإقليمية والاستراتيجية، مقارنة بجدول الأعمال الأميركي وأولويات الإدارة الأميركية الجديدة.
كان من أبرز تجلّيات هيمنة اليمين الصهيوني على المشهد السياسي الإسرائيلي خلال العقد المنصرم الظهور والانتشار المتزايد للجمعيات اليمينية- على مختلف التوجّهات المنضوية تحتها- في المجالات الهامّة في الدولة ومشروعها السياسي؛ المجتمع المدني؛ الاستيطان؛ الإعلام؛ التربية والثقافة.... إلخ. وقد استند اليمين في توجّهه هذا إلى الفرضية القائلة بأن اليمين وعلى الرغم من وصوله إلى سدّة الحكم (بالانتخابات)، إلّا أنه يُعاني باستمرار من ضعف قدرته على الحكم و"تحقيق" مشروعه بسبب توغّل اليسار، أو تجّذره، في المؤسسات الهامة كالإعلام والقضاء والمجتمع المدني- على سبيل المثال لا الحصر، وهو ما يُفسّر المحاولات الحثيثة التي يبذلها اليمين الصهيوني لإعادة موضعة نفسه، حاضراً ومستقبلاً، والأهم؛ ماضياً، في المشهد الإسرائيلي بوصفه شريكاً، بل وفاعلاً رئيساً في المشروع الصهيوني وأهدافه التي يسعى لتحقيقها على المدى البعيد.
تميزت الأشهر الستة الأولى من العام الحالي 2021 بدخول الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض، واستمرار مكافحة البرنامج النووي الإيراني، وجولة إضافية من القتال في قطاع غزة، وتأثير معركة انتخابية إضافية على علاقات إسرائيل الخارجية، وتشكيل حكومة جديدة لا يترأسها منذ سنوات طويلة بنيامين نتنياهو.
من واشنطن، أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينيت بشكل واضح أنه "لن تقوم دولة فلسطينية". بغض النظر عن الأسباب التي ساقها، ومن ضمنها المصاعب التي تعانيها السلطة الوطنية الفلسطينية، يتوجب أولا أن تتوافق الأجندة الرسمية لإسرائيل مع الأجندة الرسمية للولايات المتحدة كي تنعم إسرائيل بحالة استقرار سياسي داخلي وانسجام دولي مع حليفتها واشنطن. قد يبدو هناك اختلاف حقيقي بين أجندة بينيت الرافضة لإقامة دولة، وبين أجندة بايدن الداعية إلى حل الدولتين. لكن هذا الاختلاف هو اختلاف ظاهري، بل إن هناك هامشا كبيرا يسمح للطرفين بإيجاد أرضية مشتركة للعمل فيما يخص الملف الفلسطيني. هذه المقالة تحاول أن تضع معالم هذه الأرضية المشتركة في أعقاب زيارة بينيت الأولى إلى واشنطن.
الصفحة 212 من 883