المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • منوعات
  • 3111

رغم مرور سبعة عقود تقريبا على إقامة إسرائيل، وعلى الادعاء ببناء مجتمع يهودي يتمتع أفراده بالمساواة في الحصول على الخدمات، إلا أنه لا تزال هناك فجوات بين الأشكناز، أي اليهود من أصول غربية، واليهود الشرقيين، الذين هاجروا من دول آسيوية وإفريقية.

وتبرز هذه الفجوات في مجالات عديدة، لصالح الأشكناز، بينها مستوى الدخل والوظائف والتعليم.
ورغم الإعلان المتكرر في إسرائيل عن دفن "العفريت الطائفي"، إلا أنه يظهر مجددا بين حين وآخر، وخاصة من خلال أبحاث ودراسات في العديد من المجالات.

وصدر حديثا بحث عن قسم العالم الرئيسي في مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي، بعنوان "تساوي الفرص في التعليم: عقبات ديمغرافية واجتماعية – اقتصادية"، أعدته الباحثة نوريت دوفرين، تحت إشراف كبار المسؤولين في هذا المكتب، وأظهر وجود فجوة كبيرة بين نسبة الأكاديميين الأشكناز والشرقيين.

واستند هذا البحث إلى معطيات مكتب الإحصاء المركزي، وركز على الفئة العمرية ما بين 25 عاما إلى 44 عاما. وتبين من هذا البحث أن أعلى نسبة من حاملي الشهادات الأكاديمية كانت لدى الإسرائيليين المولودين لأب مولود في إسرائيل ولأم أشكنازية وبلغت 8ر49%، وتلاهم المولودون لوالدين مهاجرين من أصول أشكنازية وبلغت نسبة هؤلاء 6ر49%
وحل في المرتبة الثالثة من حملة الشهادات الأكاديمية الشبان من أصول أشكنازية الذين ولدوا خارج إسرائيل ونسبتهم 2ر46%. بعد ذلك يأتي المولودون لوالدين أحدهما من أصول أشكنازية والآخر شرقية، بنسبة 45%. ويحمل شهادات أكاديمية 3ر35% من الشبان المولودين لوالدين ولدا في إسرائيل، ولا توجد معطيات حول أصولهما، ويليهم المهاجرون من دول الاتحاد السوفييتي السابق، الذين قدموا إلى إسرائيل ابتداء من العام 1990، ونسبتهم 2ر34%.

وجاءت مجموعتان في أدنى القائمة: الشرقيون المولودون في دول آسيوية وإفريقية، ويحمل 4ر31% منهم شهادة أكاديمية، وحل في المرتبة الأخيرة الشبان المولودون في إسرائيل لأبوين من أصول شرقية.

ولفتت الدراسة إلى أن هذا المعطى الأخير يتحدث عن شبان ولدوا في إسرائيل وتعلموا فيها، ولذلك فإن مسؤولية جهاز التربية والتعليم الإسرائيلي حيالهم كاملة ومطلقة. ويشكل هذا المعطى، أكثر من أي معطى آخر "أكبر دليل على الفشل في تصحيح الفجوات".

وأشار البحث إلى أنه خلال السنوات العشر الأخيرة تراجع اهتمام الأبحاث الأكاديمية في الفجوات الطائفية المتعلقة بالتحصيل العلمي لدى اليهود في إسرائيل، قياسا بما كان عليه الوضع قبل 15 أو 20 عاما. وعزا البحث ذلك إلى وجود صعوبات في مناهج البحث، النابعة بقدر كبير من قرار مكتب الإحصاء المركزي بتعقب أصول الفرد لجيل واحد فقط. وعلى ما يبدو أنه بسبب حساسية الموضوع، فإنه تم التشديد في البحث على أن "الآراء والاستنتاجات التي تم التعبير عنها (في البحث) لا تعكس بالضرورة آراء واستنتاجات مكتب الإحصاء المركزي".

ولعل هذه الملاحظات منحت معدة البحث دوفرين حرية أكبر، وكتبت أن "الصورة الظاهرة من البحث محزنة. والحاجز المزدوج للأصل والمكانة الماثل أمام مجموعات مختلفة، لا يقبله العقل، خاصة بعد انضمام إسرائيل إلى OECD (منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، التي تضم أكثر الدول تطورا)، التي تنظر إلى الفجوات الاقتصادية على أنها عقبة وإلى التعليم على أنه حل وأداة لتقليص الفجوات".

وأضافت دوفرين، من دون تحفظ وبأسلوب ليس مألوفا في إصدارات مكتب الإحصاء المركزي، أن العلاقات المعروفة بين أصل الفرد والخلفية الاجتماعية – الاقتصادية "لا تعفي من الحاجة إلى اجتثاث العلاقة الطائفية، خاصة عندما تكون احتمالات النجاح في الحياة العملية نتيجة لتحسين رأس المال البشري".

ومصدر المعطيات التي استندت إليها دوفرين هو "الاستطلاع الاجتماعي"، الذي أجراه مكتب الإحصاء المركزي في العام 2011، ودقق بالأساس في الدراسة على مدار حياة الأفراد. وقد سمح هذا الاستطلاع بالتدقيق في معطيات جغرافية وديمغرافية واجتماعية – اقتصادية حول سكان إسرائيل، من سن 20 عاما فما فوق، وبضمن ذلك العلاقة بين التحصيل العلمي للوالدين والتحصيل العلمي لأبنائهم. ويشار إلى أن معطيات هذا "الاستطلاع الاجتماعي" هي الأحدث في إسرائيل.

وتطرق البحث إلى الفجوة في القدرة على الحصول على شهادة أكاديمية بين الشبان المولودين في إسرائيل، وجاء فيه أنه "كان بالإمكان توقع فجوة أصغر في نسبة الأكاديميين بين مجموعتين من أصول الأفراد. وكان يفترض بمن تعلموا في جهاز التعليم الإسرائيلي المتاح لكل مواطن أن يرتقي في جهاز التعليم الأكاديمي بنسب متساوية، من دون علاقة بأصل ذويهم". لكن كما ذكر أعلاه فإن المعطيات جاءت مختلفة.

ويؤكد البحث، من خلال تحليل يأخذ بالحسبان عدة متغيرات، على أن احتمال أن يكون الفرد في إسرائيل أكاديميا يزداد عندما يكون الوالدين من أصول غير شرقية. ويبين البحث أنه قياسا باليهودي الشرقي، فإنه عندما يكون الأصل إسرائيليا، أي شاب إسرائيلي مولود لوالدين ولدا في إسرائيل، يرتفع احتمال حصوله على تعليم أكاديمي بضعفين ونصف الضعف. وعندما يكون الأصل أشكنازيا يرتفع الاحتمال إلى 7ر2 ضعف، وعندما يكون الأصل "مختلطا"، أي شاب مولود في إسرائيل لأبوين أحدهما مولود في آسيا أو إفريقيا والآخر في أوروبا أو أميركا، أو أحدهما مولود في إسرائيل والآخر في خارج البلاد، فإن الاحتمال يرتفع إلى ثلاثة أضعاف.

الفجوة بين اليهود والعرب

رغم أن دوفرين ركزت في بحثها على الفروق الطائفية بين اليهود، إلا أنه تظهر في البحث معطيات تتعلق بالفجوة بين اليهود والعرب في إسرائيل. ويتبين أن احتمالات اليهود في الحصول على تعليم أكاديمي أكثر بضعفين من احتمالات العرب، وأن نسبة حملة الشهادات الأكاديمية العرب هي 13% وفق معطيات العام 2011.

وتنعكس النسب المتغيرة لحملة الشهادات الأكاديمية جليا من خلال تقسيم المدن والبلدات في إسرائيل بحسب الدرجة الاجتماعية – الاقتصادية، ويبلغ عددها عشر درجات. ونسبة الأكاديميين في الدرجات الثلاث العليا ثلاثة أضعاف الأكاديميين في الدرجات الثلاث الدنيا، 47% مقابل 15%. ويشدد البحث على أن هذا هو وضع مزمن، لا يتغير. وتؤكد ذلك التقارير والمعطيات التي ينشرها "مركز أدفا"، الذي يحاول رسم نسب الاستحقاق لشهادة البجروت (التوجيهي) وفقا لمستوى متوسط الدخل في كل بلدة ومدينة، على الرغم من ستار التعتيم الذي تفرضه وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية على مثل هذه المعطيات.

ويتبين من تحليل المعطيات أن وجود شهادة أكاديمية لدى أحد الوالدين يزيد من احتمالات حصول الأبناء على تعليم جامعي بمرتين أو أكثر. رغم ذلك، فإن الفجوات الطائفية تكون موجودة حتى بعد "تحييد" المعطى الأخير المتعلق بثقافة أحد الوالدين على الأقل. وعزا البحث ذلك، جزئيا على الأقل، إلى التطابق بين انعدام المساواة الطبقية، الذي يتم التعبير عنه من خلال الفجوة بالفرص المتاحة والموارد المطلوبة للدراسة الأكاديمية، وبين انعدام المساواة الإثنية.

وأشار البحث إلى أن البنية الهرمية واضحة: العرب، وهم المجموعة الأكثر فقرا، في أسفل السلم، والشرقيون في الوسط، تحت "الإسرائيليين" و"المختلطين" والأشكناز. وأكد البحث على أن "انعدام التعليم العالي في المجموعات الضعيفة يقلل من احتمالات الحصول على تعليم عال في الجيل القادم والتالي أيضا، ولذلك ثمة أهمية لاختراق الدائرة بدلا من نسخ الفجوات القائمة".

وقالت دوفرين إن بحثها ليس كاملا، وإنه من أجل رسم صورة كاملة وأوسع حول العراقيل الاقتصادية والاجتماعية في الطريق إلى التعليم العالي ثمة حاجة إلى معطيات أخرى، مثل الوضع الاقتصادي للعائلات، الذي يسمح أو يمنع الحصول على تعليم عال، والمفاهيم تجاه التعليم العالي وغير ذلك. ولكن حتى لو توفرت متغيرات إضافية، تؤثر على العلاقة بين أصل الفرد واحتمال الحصول على لقب أكاديمي، إلا أنها "لن تقلل من خطورة السياق الطائفي في هذا الموضوع".

اختفاء الأصل الإثني

يصعب مقارنة نتائج البحث الذي أعدته دوفرين مع أبحاث مشابهة سابقة. ورغم ذلك، وجد البروفسور ينون كوهين، الذي يحاضر في جامعتي تل أبيب وكولومبيا، بالاستناد إلى معطيات مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي، أنه في العام 1995 كان 36% من مواليد إسرائيل من أصول أشكنازية في سن 25- 34 عاما يحملون شهادة أكاديمية بينما كانت نسبة الشرقيين 11%.
ويخيم على هذا المجال البحثي، الآخذ بالتراجع، قرار مكتب الإحصاء المركزي، الذي اتخذ قبل سنوات عديدة، بالاكتفاء باستيضاح الدولة التي ولد فيها الأب وليس الجد.

وفسر المسؤولون في المكتب هذا القرار بوجود صعوبات موضوعية، بينها التكاليف المرتفعة المرتبطة بالتحقيق في ثلاثة أجيال في العينات الرسمية أو فيما يتعلق بالسؤال حول تحديد الهوية الطائفية "للأزواج المختلطة" من طائفتين يهوديتين.

ورأى كوهين في مقال نشره في مجلة "علم الاجتماع الإسرائيلي"، أن "الاعتماد على الموطن الأصلي للوالدين كمؤشر وحيد على تحديد الأصل الإثني للإنسان، وإلى جانبه القرار بتعقب أصوله لجيل واحد فقط، يؤدي إلى اختفاء الأصل الإثني غير الإسرائيلي من الإحصائية الرسمية في غضون جيلين بعد الهجرة، أو في غضون خمسين عاما تقريبا". وفي هذا الإطار، بلغت نسبة المولودين في إسرائيل الذي ولد آباؤهم في إسرائيل 43% من مجمل السكان اليهود، بحسب الإحصاء السنوي للعام 2015 الحالي.

وأوضح كوهين أن "مكتب الإحصاء المركزي هو هيئة تابعة لمكتب رئيس الحكومة، ولذلك فإنه يعكس السياسة تجاه السكان والأرض. وتوجد لهذا الأمر، بالطبع، انعكاسات على شكل تعداد إسرائيل لسكانها وعلى شكل جمع المعطيات واستعراضها".

وأضاف كوهين في مقال آخر أن "محو الإثنية أو ’الطائفية’، وتبني هوية إسرائيلية واضحة هي إحدى غايات بوتقة الصهر الإسرائيلية. لكن ’الأسرلة’ الإدارية من هذا القبيل تقيد قدرة الباحثين على إجراء أبحاث حول ما إذا كانت الفجوات الاجتماعية – الاقتصادية بين الشرقيين والأشكناز قد اختفت فعلا أم أنها تقلصت فقط في الجيل الثالث".

وتابع كوهين أنه يتبين من معلومات جزئية جمعها مكتب الإحصاء المركزي أن "الفجوات في الجيل الثالث ما زالت بحجم الفجوات في الجيل الثاني، بينما الأشخاص من أصول مختلطة أصبحوا من حيث تحصيلهم العلمي مشابهين أكثر للأشكناز".
ورأى المحاضر والباحث البروفسور يوسي دهان أن "عدم تطرق مكتب الإحصاء المركزي إلى الأصل الطائفي هو جزء من نزع الشرعية عن تناول الهوية الإثنية. ومن دون بحث كهذا، يصعب معرفة ما إذا كانت الفجوات بين المجموعات المختلفة ما زالت قائمة، إلى جانب صعوبة معالجة المشكلة. وهذا يجعل البحث أشبه بالنعامة".

المصطلحات المستخدمة:

رئيس الحكومة

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات