المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

بقلم: ميراف أرلوزوروف (*)

لم يكن بنيامين نتنياهو رئيس حكومة ناجحا في دورته الأولى من العام 1996 إلى العام 1999، والآن يتولى نتنياهو منذ العام 2009 ولايته الثانية في رئاسة الحكومة، وكما تبدو الأمور فإن طريقه معبدة لاستكمال هذه الولاية ذات السنوات الأربع كرئيس حكومة، وربما حتى انتخابه كرئيس حكومة لولاية ثالثة في الانتخابات المقبلة، والقمة "بأن تكون رئيس حكومة"، إذا هي حقا كذلك، احتلها نتنياهو، ويسأل السؤال: من أجل ماذا هو يحتل المرّة تلو الأخرى هذه القمة، إذا لم يكن يفعل شيئا؟.

يعرف نتنياهو جيدا أن دمج (الأصوليين اليهود) الحريديم في سوق العمل الإسرائيلية هو مهمة مصيرية، فالحريديم يشكلون اليوم نحو 7% من الجمهور (التقارير الأخرى تتحدث عن حوالي 13% إلى 14%- محرر الترجمة)، ومن المتوقع ان ترتفع نسبتهم خلال 20 عاما إلى 12% وخلال 40 عاما إلى 20% (بحث جامعة حيفا يتحدث عن 28% حتى العام 2030).

واليوم، نسبة الرجال الحريديم الذين ينخرطون في سوق العمل 40%، وحتى أن مؤسسة التأمين الوطني (مؤسسة الضمان الاجتماعي الحكومية) تقول إن نسبة اندماجهم في سوق العمل 30% فقط، ولا احتمال لإسرائيل في أن تبقى إذا كان 20% من مواطنيها لا يعملون، هذا ببساطة لا يمكن أن يسلك، وإذا لم يبدأ الحريديم في الانخراط في سوق العمل قريبا، فإن مصير الدولة سيكون التدهور إلى الفقر.

إن خروج الحريديم إلى سوق العمل هو مهمة وطنية ملحة ولا مثيل لها من أجل الكيان، إنها مهمة من أجل الحفاظ على الكيان، لأنه لا يمكن إدارة دولة تشهد نموا وازدهارا، في حين أن حوالي خُمس رجالها يختارون عدم الانخراط في سوق العمل، وحينما نقول مهمة وطنية، فهذا لأن إسرائيل بنيت على طابع قومي، وعلى أساس التطوع للدولة وتحمل أعبائها.

ويتنكر الحريديم لهذا الطابع مرتين، الأول حين لا يشاركون في تحمل عبء الخدمة العسكرية، وثانيا حين لا يشاركون في عبء الخروج إلى العمل، ولا يساهمون في النمو الاقتصادي ولا في دفع الضرائب.

إنها مهمة ملحة، لأن نسبة الحريديم في المجتمع في ارتفاع متواصل، وتصل بسرعة إلى نقطة، سينكسر فيها ظهر الغالبية التي تعمل وتدفع الضرائب (وتخدم في الجيش).

يعرف نتنياهو أن خروج الحريديم إلى العمل هو مهمة وطنية ملحة لا مثيل لها، كما يعرف نتنياهو أنه فرضت عليه ساعة عمل نادرة، من أجل أن يحقق التغيير التاريخي المطلوب، في هذا المسار الهدّام، الذي يسير فيه الحريديم.

إنه دمج غير مألوف بين قرار المحكمة العليا القاضي بإلغاء "قانون طال"، مع حملة الاحتجاجات الشعبية التي تدعو إلى المساواة في تحمل العبء، سوية مع النهوض المهني في كل المستويات الحكومية، تجاه مشكلة الفجوات الاجتماعية في إسرائيل، وتجاه تهرب الحريديم من سوق العمل، فهذا التهرب يقف في صلب مسألة الفجوات الاجتماعية.

كل العوامل الاقتصادية والتاريخية موضوعة الآن على الطاولة، بشكل مؤقت، من أجل فسح المجال لتنفيذ إجراء تاريخي، وتغيير الوضع القائم الهدّام أمام الحريديم. فثمة جمهور واسع يخرج من اللامبالاة التي تملكته، وهو يؤيد بحماسة بالغة تغيير الوضع القائم، كما أن ائتلاف نتنياهو واسع ومستقر، أيضا من دون الحريديم، وكل ذلك إلى جانب قرار المحكمة العليا الذي بات كساعة الرمل التي قاربت أن تنضب، وتفاهم مهني تجاه أهمية هذا الاجراء، وهذا يتم استيعابه أيضا لدى رئيس الحكومة.

كل شيء موضوع على الطاولة، والغائب فقط هو جاهزية رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لعمل شيء من شأنه أن يغير وجه الدولة، وبشكل أيضا يدخل من خلاله نتنياهو إلى التاريخ.

وبدلا من أن يتطلع نتنياهو إلى الأفق الأعلى، فإنه يأخذ بالحسبان صغائر الأمور، مثل أي ائتلاف سيكون له بعد الانتخابات المقبلة، وإذا ما كان من المجدي له أن يخاطر في خصام مع الحريديم الآن، لئلا ينتقموا منه بعد الانتخابات.

وبدلا من أن يكون نتنياهو قائدا قادرا على أن ينقذ شعب إسرائيل، فإنه مشغول في كيفية احتلال منصبه الذي هو فيه للمرّة الثالثة، القمة الموجود فيها حاليا، دون أن يترك وراءه بصمة ذات أهمية.

ولهذا فقد قرر نتنياهو تفكيك لجنة بليسنر (المكلفة بوضع أنظمة للخدمة العسكرية للحريديم وبدائل لتلك الخدمة- محرر الترجمة)، وهذا بعد أن كانت اللجنة على وشك الإعلان عن توصيات لم تترك للحريديم مجالا للتهرب من الخدمة العسكرية والخروج إلى العمل.

ويحاول نتنياهو بهذا التهرب من التوصيات الجازمة غير القابلة للتأويل التي بدت من خلال عمل اللجنة، كي لا ينجر إلى صدام مع الحريديم.

إن نتنياهو يحاول الاستمرار في منصبه، كرئيس حكومة صغير يهمل مستقبل إسرائيل على مذبح رغباته الشخصية، ولا يجوز السماح له بفعل هذا.

_______________________________

(*) محللة اقتصادية في صحيفة "ذي ماركر". وقد نشرت مقالها هذا يوم 3 تموز الجاري، غداة قرار نتنياهو حل اللجنة التي كانت مكلفة بوضع أنظمة لتجنيد الأصوليين اليهود، إما في الخدمة العسكرية أو "المدنية".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات