المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

بقلم: نعومي بن بسات (*)

شن الجيش الإسرائيلي في التاسع من شهر آذار الجاري هجوما جويا في غزة أسفر عن مقتل شخصين استقلا سيارة، أحدهما كان الأمين العام لـ "لجان المقاومة الشعبية" (زهير القيسي).

وقد أدت هذه العملية إلى موجة عنف جديدة أطلقت خلالها مئات الصواريخ على مدن وبلدات جنوب إسرائيل، فيما شن الجيش الإسرائيلي سلسلة هجمات ضد أهداف مختلفة في قطاع غزة.

ووفقا للمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي فإن أحد القتيلين كان مسؤولا عن الهجوم الذي وقع قرب إيلات في شهر آب الماضي، كما أنه خطط لهجوم آخر كان من المقرر تنفيذه في هذه الفترة انطلاقا من سيناء.

لا نعرف إذا ما كانت هناك بالفعل نية لتنفيذ مثل هذا الهجوم وكيف ستكون انعكاساته لو وقع. في اليوم التالي للغارة الجوية الإسرائيلية الأولى، نقل عن وزير الدفاع (إيهود باراك) قوله في تصريح لوسائل الإعلام بأن إمكانية وقوع الهجوم المخطط انطلاقا من سيناء، ما زالت قائمة (...) مع ذلك فنحن نعرف الآن بشكل مؤكد الانعكاسات والنتائج الناجمة عن الغارات الجوية الإسرائيلية: 27 قتيلا في الجانب الفلسطيني، خمسة منهم على الأقل مدنيون إضافة إلى مئات الجرحى، بينهم عشرات الأطفال، ستة جرحى في الجانب الإسرائيلي، ومئات آلاف المواطنين في الجانبين يعيشون في خطر ورعب وفزع بدرجات متفاوتة تبعا لدرجة التحصين والحماية من جهة ، وحجم التهديد من جهة أخرى. تلك هي النتائج المؤكدة والملموسة والقاسية.

إذا ما ألقينا نظرة إلى الوراء، إلى العقد الأخير، سنجد أن إسرائيل جربت عدداً لا حصر له من "الحلول العسكرية"، من قصف مدفعي وجوي مكثف، وعمليات تصفية واغتيالات، واجتياحات برية بقوات راجلة ومحمولة (مدرعة)، وفوق كل ذلك الحملة العسكرية الواسعة التي أطلق عليها اسم "عملية الرصاص المصبوب". هذه العمليات والحملات العسكرية أوقعت مرارا القتل والدمار، وزرعت الخوف والفزع.

ولكن باستثناء الشعور بأننا "فعلنا شيئا"، فإن هذه العلميات لم تدفع قيد أنملة الهدوء والأمن في المنطقة، بل على العكس، فقد أدت في معظم الحالات إلى تصعيد إطلاق الصواريخ، وساهمت فقط، على الصعيد غير المرئي، في تأجيج اليأس والكراهية على الجانب الآخر للحدود، حيث يعيش هناك، أو لا يعيش، مليون ونصف المليون إنسان.

في المقابل لم تجر أو تختبر محاولات حقيقية للحوار، لا قبل الانفصال عن قطاع غزة (2005) ولا بعده.. لا قبل صعود حركة "حماس" ولا في أثناء فترة حكمها للقطاع، لأن إسرائيل ترفض التحدث مع جيرانها.. ترفض التفاوض مع أعدائها. لقد شكلت أشهر طويلة عم فيها الهدوء (التهدئة) فرصة ممتازة لدفع حوار وعملية سياسية، ورفع الحصار غير المحتمل المفروض على سكان قطاع غزة، إلا أنه لم تجر أية محاولة من هذا النوع. فضلا عن ذلك، فقد صدرت عن قادة ومسؤولين كبار في حركة "حماس" خلال الأشهر الأخيرة تصريحات تتسم بالمرونة والاعتدال، قوبلت بصمت مطبق من جانب إسرائيل. فإسرائيل لا تستجيب لمثل هذه التصريحات والتوجهات، بل تتجاهلها بتبجح وغطرسة يسمان سلوكها في السنوات الأخيرة. ولكن، عندما نرسل طيارينا ليقصفوا من الجو المنطقة الأكثر اكتظاظا في العالم، ونحن نعلم مسبقا علم اليقين بأن أبرياء وأطفالا قد يقتلون أو يصابون جراء ذلك، ينبغي أن نكون مقتنعين بأن كل الخيارات الأخرى قد استنفدت، وأنه لم يعد أمامنا حقا من خيار آخر. في يوم الجمعة (في التاسع من آذار 2012) قررت إسرائيل اللجوء مجدداً لـ "الخيار العسكري" كما لو أنه لم يجرب من قبل، وكما لو أنه جرى فحص كل الإمكانيات الأخرى. ونحن نحاول أن نفهم: ما هو الهدف.. ما هي غاية كل ذلك؟! ففي المحصلة، وفي نهاية عملية "ناجحة" أخرى، يبقى هناك أناس على جانبي الحدود لا بد لهم من أن يعيشوا جنبا إلى جنب. وهل هناك من يعي أكثر منا، نحن القاطنون في منطقة "غلاف غزة"، بأن مصيرنا مرتبط بمصير سكان قطاع غزة؟... من يدرك مثلنا أن حياتنا وحياتهم ليست حياة منذ ما يزيد عن عشرة أعوام؟.

________________________

(*) ناشطة في مجموعة "صوت آخر" العاملة في "سديروت" وبلدات أخرى في جنوب إسرائيل. المصدر: الموقع الالكتروني لصحيفة "يديعوت أحرونوت". ترجمة خاصة.

المصطلحات المستخدمة:

باراك, يديعوت أحرونوت

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات