المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

خلقت الصحف الإسرائيلية، خلال الفترة القليلة الفائتة، موجة من الحنين المفتعل لرئيس الحكومة السابق أريئيل شارون [بمناسبة عيد ميلاده الثمانين- المحرر]. وقد حفلت هذه الصحف، خاصة "معاريف" و"يديعوت أحرونوت"، بأعمدة طويلة مليئة بالتباكي والكلام العاطفي المفعم الذي أنشأه كل من رئيس الحكومة الحالية (أيهود أولمرت) ووزيرة خارجيته (تسفي ليفني)، كما لو أنهما أرادا بذلك تسديد دين للزعيم الذي وصلا برعايته إلى حيث وصلا، إلى قمة الحكم.

وكم هو رمزي هذا الأمر، ففي الوقت الذي كان فيه الكاتبان المبجلان يعبران عن اشتياقهما لـ "الرجل القوي" الذي استظلا بظله وهو طريح سريره في المستشفى لا حول له ولا قوة منذ سنتين، كانت الصواريخ والقذائف تواصل تساقطها وابلاً إثر وابل على سديروت ومحيطها، كما وقع في الوقت ذاته تطور مقلق، تمثل في إطلاق صاروخ "غراد" روسي الصنع تخطى في تحليقه "سديروت" في اتجاه شمال عسقلان ليسقط لحسن الحظ (في هذه المرة...) في منطقة غير مأهولة.

هذا التجديد في جرأة "إرهابيي حماس" لم يكن مفاجئاً أو غير متوقع. وقد مثل خطاً جديداً في مدى إطلاق الصواريخ داخل إسرائيل يمكن لمنظمات "الإرهاب" الوصول إليه من الآن فصاعداً. هذا المدى يصل إلى أطراف "كريات جات"، ويشمل في مجاله أيضاً "مزرعة الجميز" (مزرعة ومنزل أريئيل شارون في النقب). هذا الأمر يمكن أن يكون أيضاً إشارة رمزية إلى سلطة شارون الفاشلة.

يمكن فعلاً الحنين لشارون الرجل، شارون الفرقة "101"، شارون المظليين و"ثغرة الدفرسوار" (من حرب 1973) والاستيطان الذي زرعه في مناطق "أرض إسرائيل"، غير أنه لا يمكن التغاضي عن الواقع الصعب الذي خلفه وراءه كرئيس للحكومة وكمسؤول وحيد عما آل إليه هذا الواقع. واقع الانسحاب الأحادي من قطاع غزة، واقتلاع آلاف المستوطنين اليهود من بيوتهم ومستوطناتهم وتحولهم إلى لاجئين داخل دولتهم، واقع تحول قطاع غزة إلى نسخة مصغرة عن لبنان، إلى منطقة تحولت بأكملها إلى ترسانة للأسلحة و"الإرهاب" والعنف، واقع تدهور العلاقات مع مصر وتصاعد "التمرد" بين عرب إسرائيل حملة الرايات الفلسطينية في الشوارع، واقع اليأس المتفاقم في مدينة سديروت والقلق المتصاعد في عسقلان ونتيفوت وكل المستوطنات المحيطة بقطاع غزة، إضافة بالطبع إلى المعنويات الواهنة في أوساط الجمهور الإسرائيلي وانعدام الثقة بالمؤسسة السلطوية الحالية. إنها تركة الضعف التي خلّقها الزعيم "القوي".

هذه التركة التي لا يمكن للممسكين اليوم بزمام المسؤولية أو مستشاريهم إخفاءها أو تغليفها بكلمات منافقة وعبارات جياشة. إنها تركة تغطي وتطمس كل السيرة العسكرية والسياسية الحافلة للرجل الذي ضرب بعرض الحائط أصوات الناخبين الذين أوصلوه إلى السلطة. فهم لم يتوقعوا منه بالذات، ما أقدم عليه من خطوات انهزامية. لقد برهن شارون كرئيس للحكومة، بأفعاله، أن الذين حذروا من خطره وتقلبه كانوا محقين في ما ذهبوا إليه، وأننا، نحن مؤيدوه الضالون، وأنا من بينهم، "لم نقرأ الخريطة" إلى أن رسمها في "خطاب هرتسليا" الشهير سنة 2003. قال وفعل... أعلن وهدم. لقد وضع شارون توقيعه على وصمة عار أبدية لم يقدم عليها أي زعيم يهودي سبقه، وربما لم يكن يستطيع الإقدام عليها. لقد قلب شارون ظهر المجن وهو في أوج قوته وشعبيته، غير الاتجاه بـ 180 درجة، خدع عشرات الآلاف من ناخبيه البسطاء، واستخدم الجيش والشرطة في اقتلاع وطرد اليهود- هذا العمل المدمر وغير المسبوق في تاريخ الصهيونية.

لقد ترك "الرجل القوي" خلفه دولة مضطربة تائهة وزعامة ضعيفة وحكومة في مهب الريح. حتى زيارة الرئيس الأميركي جورج بوش الأخيرة لإسرائيل لن تستطيع أن تنقذ الحكومة الحالية ورئيسها من حكم الناخب الآخذ في الاقتراب .

إنها حكومة تتفاخر بكونها تعمل بهدي "تراث شارون"، التراث المفعم بروح اليسار وروح الانهزامية على حد سواء، تراث الانقلاب على المبادئ وإدارة الظهر للصهيونية. لقد باتت نهاية هذه الحكومة وشيكة، وما نأمله هو أن يحدث ذلك قبل اكتمال السنة الثالثة على غياب راعي الخراف التي سارت خلفه بشكل أعمى، هذه الخراف التي تدير اليوم شؤون البلاد.

الجمهور في غالبيته ليس ساذجاً، وهو لا يحن بشكل مصطنع لشارون ولا يذرف دموع التماسيح على تواريه من مشهد حياتنا العامة.

الجمهور في غالبيته يتوق إلى زعامة تمحو تركة شارون في تقمصها الأخير، وتعيد إسرائيل إلى الطريق القويم، الصهيوني، العادل والآمن.

_________________

* الكاتب ناشط ليكودي، رئيس تحرير مجلة "هؤماه" (الأمة) الصادرة عن "محفل زئيف جابوتنسكي"، ترجمة خاصة بـ"المشهد".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات