المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

في الثامن من شهر شباط الجاري، وفي نهاية مفاوضات جرت في مكة برعاية العاهل السعودي، وقعّ محمود عباس (أبو مازن) باسم حركة "فتح" وخالد مشعل باسم حركة "حماس" على اتفاق لإقامة حكومة وحدة وطنية.

ويتضمن الاتفاق خطوات لوقف العنف المتبادل، وأساساً لإقامة حكومة وحدة وطنية، سواء من حيث التشكيلة الوزارية أو من حيث صيغة كتاب التكليف، بالإضافة إلى خطوات لضم حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" إلى منظمة التحرير الفلسطينية. وعلى ما يبدو فإن الاتفاق يتضمن أيضاً تفاهماً حول عملية تؤدي إلى إجراء انتخابات مبكرة في مطلع العام المقبل (2008) للرئاسة وللمجلس التشريعي الفلسطيني، إذا ما فشلت تجربة حكومة الوحدة الوطنية.

صيغة كتاب التكليف تتضمن دعوة الحكومة للعمل من أجل تحقيق الأهداف الوطنية للشعب الفلسطيني كما أقرت في المجلس الوطني الفلسطيني، وفي بنود القانون الأساس للسلطة الفلسطينية ووثيقة الوفاق الوطني (وثيقة الأسرى) وقرارات القمم العربية.

كذلك يدعو كتاب التكليف الحكومة الجديدة إلى احترام القرارات الدولية والاتفاقيات الموقعة من قبل منظمة التحرير. هذه الصيغة تشكل حلاً وسطاً بين مساعي "فتح" للوصول إلى صيغة تأخذ بنظر الاعتبار مطالب اللجنة الرباعية الدولية (نبذ الإرهاب، الاعتراف بإسرائيل والالتزام بالاتفاقيات الموقعة) وبين رغبة "حماس" في التملص من التزامات تناقض أيديولوجيتها ومواقفها الأساسية. وتتيح هذه الصيغة لـ "فتح" القول بأن احترام الاتفاقيات وقرارات المجلس الوطني الفلسطيني والجامعة العربية (بما في ذلك قرارات قمة بيروت التي تبنت المبادرة السعودية) ينطوي على التزام بتطبيق الاتفاقيات والاعتراف بإسرائيل والعمل على وقف الإرهاب. وهي (الصيغة ذاتها) تتيح من جهة أخرى لحركة "حماس" القول بأنها لم توافق على الاعتراف بإسرائيل أو العمل ضد الكفاح المسلح. التنازل الرئيس الذي قدمته "حماس" يتمثل في موافقة الحركة على سحب تحفظها بأنها ستحترم فقط اتفاقيات تخدم المصلحة الفلسطينية.

أما تنازل "فتح" فيتمثل في الاستعداد لقبول صيغ فضفاضة قد لا ترضي "اللجنة الرباعية" المعبرة عن مواقف المجتمع الدولي، وبالتالي يمكن أن لا تؤدي إلى إنهاء الحصار والعقوبات المفروضة على الحكومة الحالية بقيادة "حماس".

في كل الأحوال، فإنّ هذه الصيغة مضافاً إليها موافقة "حماس" على أن تختار "فتح" وزير الخارجية المتفق على أن يكون شخصية مستقلة، يوفران لأبي مازن حيزاًً كافياً للقول إنه مخول بإجراء مفاوضات سياسية مع إسرائيل. أما مدى وشكل دور وتدخل "حماس" في إدارة العملية السياسية، ومدى قدرتها على عرقلة وإفشال هذه العملية، فهاتان مسألتان ما زالتا مفتوحتين.

لقد توصل الطرفان إلى هذه التسوية بعد جولات عدة من الصدامات المسلحة التي أوصلتهما (فتح وحماس) إلى قناعة بأن كليهما سيخسر من جراء استمرار العنف المتبادل. كذلك فإن النتائج المحتملة لهذا الصراع الداخلي بدت إشكالية من وجهة نظر الحركتين. فقد تخوفت "فتح" من هزيمتها المتوقعة في قطاع غزة، وتخوفت "حماس" من الضرر الذي سيلحق بها في الضفة الغربية بسبب ضعفها هناك.

من هنا فإن هذه "التسوية" التوفيقية، وعلى الرغم من أثمانها، تعتبر مفضلة من ناحية الحركتين. مصلحة أبو مازن في الاتفاق دفعته إلى التغاضي عن تحفظ حليفته الولايات المتحدة إزاء الاتفاق المتبلور. فقد كانت العديد من محافل الإدارة الأميركية تفضل استمرار المواجهة وإخضاع "حماس" بالقوة، على حل ينطوي على تنازلات لصالح مواقف "حماس" وعدم تلبية مطالب اللجنة الرباعية.

الآن أصبحت الكرة في ملعب اللاعبين الدوليين وإسرائيل، والذين يتعين عليهم أن يقرروا إذا ما كانت هذه الصيغة توفر بداية للالتزام بشروط اللجنة الرباعية، والتي تتيح الشروع بالعمل والتعاون مع الحكومة الفلسطينية الجديدة ورفع الحصار والعقوبات، أم أنها بعيدة عن المطلوب وبالتالي فإن الموقف الملائم هو مواصلة الضغط على الحكومة الفلسطينية إلى أن تستجيب بصورة أكثر للمطالب (الشروط) الثلاثة.

من المتوقع نشوب خلاف حول هذه المسألة بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة، وبين الإتحاد الأوروبي وروسيا من جهة أخرى. الطرف الأول (الولايات المتحدة وإسرائيل) سيتمسك على الأرجح بالموقف المتشدد، في حين سيقول الأوروبيون- وهذا هو الموقف المعلن حالياً من جانب روسيا- إن اتفاق مكة يؤسس لعملية اعتدال في مواقف "حماس" يجب تشجيعها من خلال العمل مع الحكومة الجديدة ورفع العقوبات.

الاتفاق في حد ذاته يعتبر هشاًً. فحكومة الوحدة لم تتشكل بعد، كما أن الطريق المؤدية إلى قيامها مرصوفة بالعراقيل والصعاب كالجدل حول الشخصيات المحددة التي سيتم اختيارها لإشغال حقائب وزارية مركزية، وخاصة حقيبة الداخلية. وعلى سبيل المثال، ما الذي سيحصل في حال لم يكن أي من المدرجين في قائمة المرشحين الذين ستسميهم "حماس" مقبولاً لدى أبو مازن؟ كذلك من المتوقع أن يصطدم تنفيذ الاتفاق المتعلق بمنظمة التحرير الفلسطينية بصعوبات جمة نظراً لعدم رغبة القوى والمنظمات المشاركة حالياً في عضوية منظمة التحرير في التخلي عن مراكز قوة تسيطر عليها وإعطاء "حماس" مواقع مهمة ورئيسة تمكنها من السيطرة مستقبلاً على منظمة التحرير الفلسطينية أيضاً.

إلى ذلك فإن الوضع الميداني ما زال قابلاً للانفجار وبالتالي يمكن أن تؤدي أحداث خارجة عن السيطرة إلى انهيار الاتفاق.

في المحصلة، حتى إذا طبق الاتفاق فإن الحكومة الجديدة قد لا تتمكن من مزاولة عملها بانتظام بسبب خلافات بين مكوناتها المختلفة بما يؤدي إلى حلها أو تفككها في مرحلة لاحقة وعندئذٍ سيوضع على المحك التفاهم بشأن الذهاب إلى انتخابات مبكرة.

ولكن على الرغم من هذه المصاعب فإن هذه العملية (اتفاق مكة) تنطوي على فرصة لتغيير الديناميكية المدمرة التي اتسمت بها السياسة الفلسطينية خلال السنة الأخيرة، وخلق مجال وآفاق أرحب لسيرورات سياسية.

من جهة أخرى، فإن استقرار الاتفاق يتوقف أيضاً على سلوك الأطراف الخارجية. فإذا تكتلت جبهة دولية موحدة تؤيد مواصلة الحصار والعقوبات فسوف يولد ذلك عندئذٍ شكاً إضافياً لدى الأطراف المشاركة في إقامة حكومة الوحدة الوطنية حول ما إذا كان التعويض أو المقابل الهزيل يُبررُّ التسويات والتنازلات التي قُدمت من أجل إقامتها. اللاعبون العرب الأساسيون، وخاصة السعودية، قرروا من جهتهم كسر الحصار المفروض على الفلسطينيين، ومن الممكن أن تنضم إليهم روسيا ودول أوروبية أخرى.

وهناك سؤال آخر وهو: هل سيرى اللاعبان الخارجيان الأساسيان، إسرائيل والولايات المتحدة، في الاتفاق فرصة لدفع سيرورات سياسية أم لا؟

يبدو في هذه المرحلة أن الإدارتين، الأميركية والإسرائيلية، تميلان إلى التعاطي بسلبية مع أبعاد ومدلولات الاتفاق الفلسطيني- الفلسطيني وإبداء التحفظ على العمل والتعاون مع الحكومة الفلسطينية الجديدة.

على أية حال فإن إقامة مثل هذه الحكومة تشكل فرصة لكل الأطراف لمراجعة سياساتها الحالية تجاه الفلسطينيين وإعادة النظر في التوجه لاستئناف العملية السياسية.

_____________________________

* شلومو بروم- بريغادير جنرال في الاحتياط، باحث في "معهد دراسات الأمن القومي" في جامعة تل أبيب. المقال أعلاه ترجمة خاصة بـ"المشهد الإسرائيلي".

المصطلحات المستخدمة:

حكومة الوحدة الوطنية

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات