تقلص حرية العمل ضد "البرنامج النووي الإيراني" أمام الولايات المتحدة وإسرائيل...
بقلم: إفرايم كام وإفرايم أسكولاي *
في بداية كانون الأول/ ديسمبر الجاري (2007) نشر "المجلس القومي للاستخبارات"، وهو الهيئة العليا لوكالات الاستخبارات الأميركية، تقديراً جديداً لنوايا وقدرات إيران في المجال الذري.
وبحسب ما ورد في التقرير، الذي شكل تلخيصاً علنياً لتقدير مفصل ومصنف حول الموضوع، فقد أوقفت إيران في خريف العام 2003 برنامجها السري للتسلح النووي، ولم تقم حتى الآن باستئناف هذا البرنامج، وقد اتضح بأن إيران أقل تصميماً وإصراراً على تطوير سلاح نووي مما بدا سابقاً. من جهة أخرى ذكر التقدير أيضاً أن نهاية العام 2009 ستكون الموعد الأقرب الذي تستطيع فيه إيران، من ناحية فنية، إنتاج ما يكفي من اليورانيوم المخصب بمستوى عالٍ لصنع سلاح نووي، لكن هذه الاحتمالية ليست كبيرة جداً. فمن ناحية فنية ستكون إيران قادرة كما يبدو على تخصيب يورانيوم بجودة عالية تكفي لصنع قنبلة ذرية بين سنوات 2010 و 2015.
هذا التقدير الاستخباري الأميركي الجديد، والذي يعكس في جوهره تقدير مجتمع الاستخبارات الأميركي بأكمله، يشكل تغييراً ملموساً مقارنة مع تقدير الاستخبارات السابق الذي عرض في أواسط العام 2005.
ويتمحور التغيير بشكل أساس في اثنين من استنتاجات التقدير:
•التقدير الاستخباري الجديد يؤكد للمرة الأولى أن إيران جمدت برنامجها النووي العسكري، الذي عملت في نطاقه، في منشآتها السرية، على تحويل وتخصيب اليورانيوم وقامت بتجارب لتحويل مواد انشطارية لأغراض عسكرية. وكان التقدير الاستخباري السابق (العام 2005) قد أشار إلى توفر معلومات موثوقة بأن إيران تدير أنشطة نووية سرية، لكنه لم تتوفر معلومات تربط هذا النشاط مباشرة ببرنامج التسلح النووي.
•وكالات الاستخبارات الأميركية تُشكك (في تقديرها الجديد) في نوايا وتصميم إيران على تطوير سلاح نووي، في حين أكد تقدير العام 2005 أن إيران تتقدم بثبات وإصرار نحو امتلاك سلاح نووي. كذلك يشير التقدير الجديد إلى أن إيران تتعرض لضغوط وتأثير في الموضوع النووي أكثر مما جرى تقديره سابقاً. في المقابل فإن الجدول الزمني الوارد في التقدير الجديد، والذي تستطيع إيران خلاله، من ناحية فنية، بناء سلاح نووي، لا يختلف عن التقدير السابق (بين 2010-2015).
تقرير الاستخبارات الأميركية الجديد لا يبين الأسباب التي أدت إلى تغيير التقييم: هل هو (التغيير) نابع من معلومات جديدة تغير صورة الوضع الاستخبارية، أم أنه نابع من تفحص جديد للمعلومات المتوفرة؟؟ لهذا السبب أيضاً لا يمكن، استناداً لما نشر علناً، تقدير درجة صحة ومصداقية التقدير الاستخباري الأميركي الجديد مقارنة مع التقدير السابق. يمكن الافتراض أن وكالات الاستخبارات الأميركية تأثرت في بلورتها لتقديرها الأخير بإخفاقها الخطير في قضية العراق، وربما أيضاً بحقيقة أن كبار المسؤولين في الهيئة الأمنية الأميركية يبدون تحفظهم على القيام بعملية عسكرية ضد إيران. ولكن يجوز الافتراض أن التقدير الجديد يعتبر بالفعل التقدير المهني لمجتمع الاستخبارات الأميركي.
جدير بالملاحظة أن وكالات الاستخبارات الأميركية تعترف، بنشرها لهذا التقدير، أنها نفسها أخفقت في تقديرها السابق، علماً أن وكالات الاستخبارات لا تسارع عادة إلى الاعتراف بإخفاقاتها. مع ذلك ينبغي التوكيد أن التقدير الجديد لا يستبعد إمكانية أن تواصل إيران سعيها لامتلاك سلاح نووي. على العكس، فهذه الإمكانية ترد في التقرير بشكل صريح في عدد من المقاطع والتي تشير إلى أن:
•إيران أبقت خياراتها مفتوحة أمام تطوير أسلحة نووية.
•إيران ماضية قدماً في برنامجها المدني لتخصيب اليورانيوم (والذي يمكن في ظروف معينة الوصول من خلاله أيضاً إلى إنتاج مواد انشطارية).
•من المحتمل أن تعود إيران لبرنامجها النووي العسكري السري، والذي سيكون الطريق الأفضل لديها لإنتاج مواد انشطارية للأسلحة النووية.
•سيكون من الصعب إقناع إيران بالتخلي عن تطوير سلاح نووي، وهي تمتلك بنية تكنولوجية تتيح لها إنتاج مثل هذا السلاح إذا ما قررت ذلك.
فضلاً عن ذلك، لا بد من التوكيد، رغم استنتاجات التقرير المنطوية على قدر من التخفيف والتساهل، على فداحة الخطورة التي ما زالت قائمة في البرنامج النووي الإيراني:
- القدرة المحتملة لدى إيران على تخصيب يورانيوم بمستوى عالٍ ليستخدم في إنتاج أسلحة نووية، هي المسألة الأشد خطورة المطروحة على بساط البحث. فباستطاعة إيران الوصول إلى إنتاج مواد انشطارية عن طريق البرنامج المدني، إذا ما قررت التخلص من مراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وحيث أن من الصعب تقدير النوايا، وهي قابلة للتغير دون إنذار، فإن ذلك يصبح التهديد الذي يتعين مواجهته.
- التقدير الأميركي الذي لا يرجح احتمالية أن تنتج إيران مواد انشطارية حتى نهاية العام 2009، نابع من تقدير الوضع الحالي لبرنامج تخصيب اليورانيوم. ولكن ما يجب أخذه بالحسبان هو أن تنجح إيران في التغلب على الصعوبات الفنية التي تواجهها في تشغيل البرنامج، وأن تضاعف قدرتها على التخصيب في المدى الزمني الذي يدور الحديث عنه. على أية حال ليس من المهم كثيراً بالنسبة لتقييم الصورة الشاملة للبرنامج النووي إذا ما كان الموعد المستهدف سيكون قريباً أكثر بدرجة معينة. فالشيء المهم هو تشخيص مسألة تحول إيران إلى قوة نووية كتهديد وليس كمناورة أو لعبة في تخمين جداول زمنية.
- يمتلك الإيرانيون خبرة كبيرة في إخفاء المنشآت والأنشطة النووية، وبالتالي فإن القول بأن برنامج الأسلحة النووية قد جُمِّدَ ليس له إلا قيمة محدودة جداً، فضلاً عن أنه لا يمكن الجزم إذا ما كان التجميد مطلقاً ونهائياً أم أنه مؤقت، بصورة جزئية أو كاملة، وكذلك إذا ما كانت النشاطات نقلت فقط إلى مواقع أخرى لتستأنف ربما في موعد لاحق. وحتى إذا صح التقدير بشأن تجميد البرنامج النووي العسكري، فإن إيران تستطيع في أية لحظة اتخاذ قرار باستئناف هذا البرنامج.
- يمكن الافتراض أن مرحلة تحويل المواد الانشطارية إلى سلاح نووي هي مرحلة أقصر بكثير من عملية إنتاج هذه المواد. لذلك ليس هناك ما يؤكد أن تجميد هذه المرحلة سوف يؤثر على المدى الزمني الشامل للبرنامج النووي.
لكن الخلاصة المستشفة من التقرير الأميركي الجديد هي الأمر المهم والمقرر، وهي أن خطورة البرنامج النووي الإيراني ليست شديدة كما كان يبدو عليه الأمر في السابق، كما أنها ليست خطورة داهمة أو فورية. وبذلك فهي تفتح الباب مجدداً أمام الجدل، الذي انحسر كثيراً في السنوات الأخيرة، بشأن تصميم إيران على تطوير سلاح نووي.
هذا الاستنتاج له انعكاسان فوريان:
أولاً: سحب البساط من أمام إمكانية أن تقرر الإدارة الأميركية القيام بتحرك عسكري ضد منشآت إيران النووية في الفترة القريبة، فطالما كان هذا التقدير نافذ المفعول، فإن أي إدارة أميركية ستواجه صعوبة كبيرة جداً في القيام بمثل هذا التحرك العسكري، الذي سيكون قطعاً خطوة إشكالية وربما مشكوكا في إمكانية القيام بها. كذلك فإن مثل هذا التقدير سيجعل من الصعب على إسرائيل أيضاً تبرير القيام بعمل عسكري، في الوقت الذي تشك فيه أجهزة الاستخبارات الأميركية- وربما أيضاً أجهزة استخبارات غربية أخرى تشاطرها التقدير- في نية إيران امتلاك سلاح نووي، وتؤكد في الوقت ذاته بأنه لا يوجد لدى إيران برنامج كهذا. وعموماً فإن التقدير الجديد سوف يُبعِّد احتمالية القيام بعملية عسكرية في المدى المنظور، وعلى الأقل في ما تبقى من فترة ولاية الرئيس بوش، هذا إذا ما بقيت هذه الإمكانية مطروحة أصلاً.
ثانياً: إن من شأن التقدير الجديد أن يعيق تشديد العقوبات الاقتصادية على إيران، على الرغم من الإشارة القاطعة إلى جدواها. وهناك دول مختلفة- وفي مقدمتها روسيا والصين- تعارض الآن تشديد هذه العقوبات. من هنا فإن التقرير الاستخباري الأميركي الجديد سيخدم موقف هذه الدول المعارض لتشديد العقوبات على إيران. كذلك فإن تقدير الاستخبارات الأميركية سيدعم توجه الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي تعرضت لانتقادات بسبب موقفها المهادن حيال البرنامج النووي الإيراني. ومن جهتها، تدعي إيران الآن، بأنه يجب، في ضوء التقدير الجديد، رفع العقوبات المفروضة عليها، هذا فضلاً عن أن النظام الإيراني سيحظى أيضاً بتأييد داخلي متزايد، ومساندة قوية لدفع برنامجه النووي قدماً، وهو أكثر تحرراً من الضغوط وربما من الخشية أيضاً من خطر شن عملية عسكرية ضد منشآته النووية، وهي عملية لم تعد مطروحة الآن على بساط البحث.
إن الكثير من الأمور سوف تتوقف الآن على جهود الولايات المتحدة وإسرائيل في المستقبل القريب. كلتاهما تقولان في هذه المرحلة إن التقييم الجديد لأجهزة الاستخبارات الأميركية لن يؤثر على موقفهما من التهديد النووي الإيراني وعلى طرق العمل المتاحة أمام حكومات البلدين. غير أن من الواضح أن حريتهما في العمل تقلصت، وأنه سيكون عليهما تطوير وبلورة إجابات جديدة حيال الوضع الناشئ. كذلك سيتعين على إسرائيل أن تواجه وتفند التقييم الجديد في محاولة لإثبات عدم استناده إلى أدلة كافية. هذه المهمة لن تكون سهلة، نظراً لأنه يمكن الافتراض بأن قاعدة المعطيات المتوفرة لأجهزة الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية متشابهة وأن الفارق أو الاختلاف ينحصر في التفسير المعطى لها فقط. ولكن في المحصلة علينا أن نتذكر بأن تقديرات الاستخبارات يمكن أن تخطئ، كما أنها يمكن أن تتغير أيضاً بما في ذلك في الاتجاه المعاكس.
في المحصلة الأخيرة، إذا ثبت أن التقدير الاستخباري الجديد تقدير صحيح- وهذا الأمر يحتاج إلى وقت- فإن ذلك ينطوي بلا شك على بشرى جيدة، حتى وإن كان خطر التهديد النووي الإيراني ما زال قائماً. المشكلة هي في إمكانية أن يكون التقدير خاطئاً، إذ سيكون من الصعب جداً عندئذٍ التصدي لخطر هذا التهديد.
_____________________
* باحثان في "معهد دراسات الأمن القومي" في جامعة تل أبيب. ترجمة خاصة بـ"المشهد".