كتب حلمي موسى:
ذكرت صحيفة "يديعوت أحرنوت" أن الرئيس الأميركي هاري
ترومان هدد أول رئيس للحكومة الإسرائيلية، دافيد بن غوريون، بقطع العلاقات الدبلوماسية مع اسرائيل إذا لم يوافق على إعادة مئة ألف لاجئ فلسطيني عام 1949. وينطوي هذا الأمر على أهمية فائقة الآن بعد 56 سنة، حيث أعلن الرئيس الأميركي جورج بوش قبوله الموقف الإسرائيلي الرافض لحق العودة الفلسطيني.
ومن جهة أخرى أكد بحث نشر في إسرائيل، بمناسبة ذكرى "يوم الاستقلال"، أن الفكرة الصهيونية ولدت عام 1799 في ذهن نابليون بونابرت قبل مئة عام من إعلان ثيودور هرتسل.
وأشارت يوميات السفير الأميركي الأول في إسرائيل جيمس ماكدونالد والتي عرضت أمس الأول في "متحف الكارثة النازية" في واشنطن إلى تهديد الرئيس ترومان. وتظهر اليوميات أنه في التاسع من حزيران عام 1949 علم ماكدونالد بأمر التهديد الرئاسي الأميركي من أحد الزعماء اليهود الأميركيين الذي عمل كرجل ارتباط بين ترومان والحكومة الإسرائيلية. وكان الرئيس ترومان قد أيد إعلان الدولة اليهودية على خلاف نصيحة وزرائه ومستشاريه الذين نصحوه بالتروي.
وكتب ماكدونالد في يومياته وفق "يديعوت" أنه يرى أن "على إسرائيل أن تختار بين قطع العلاقات أو الإسهام في حل ناجع لقضية اللاجئين". وكتب أن الرد الإسرائيلي الأولي هو أنها "تدرس الطلب".
وكتبت الصحيفة أن إسرائيل كما هو معروف لم تستجب في نهاية المطاف للطلب وظلت العلاقات بين إسرائيل وإدارة ترومان متوترة طوال الفترة حتى عام 1950.
وحسب يوميات ماكدونالد فإن قضية اللاجئين لم تكن موضع الخلاف الوحيد بين إسرائيل وإدارة ترومان. بل كانت هناك مخاوف من انضمام إسرائيل إلى المعسكر الشرقي. وفي أعقاب العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد مصر في سيناء وقطاع غزة في كانون الأول 1948 هدد ترومان ب"عواقب خطيرة" و"بإعادة النظر في علاقاتنا مع إسرائيل".
ويذكر ماكدونالد في يومياته أن معظم الجهد كان مكرسا لتبديد مخاوف إدارة ترومان من احتمال انضمام إسرائيل إلى المعسكر السوفياتي. وقد خشي الأميركيون أن يميل القادة الإسرائيليون وبشكل طبيعي إلى المعسكر السوفياتي بسبب أصولهم الأوروبية الشرقية وخلفيتهم الاشتراكية.
ويشير ماكدونالد إلى أنه أرسل الى حكومته رسائل تفيد بأن الحزب الشيوعي في إسرائيل يقع على هامش الخريطة السياسية الإسرائيلية. وأن قادة إسرائيل يعرفون أن "عناق الاتحاد السوفياتي هو عناق الموت". ولكن المخاوف الأميركية لم تتبدد إلا بعد وقوف بن غوريون إلى جانب الموقف الأميركي من الحرب في كوريا.
نابليون
ولم يكن أمر التهديد الأميركي بشأن اللاجئين هو الكشف الوحيد الذي ينشر في الذكرى السنوية لإقامة إسرائيل. إذ نشرت صحيفة "هآرتس" أن المبشر الاول بالحركة الصهيونية لم يكن سوى نابليون بونابرت. وبرغم أن العديد من المراجع العربية والأجنبية أشارت إلى ذلك سابقا إلا أنها المرة الأولى التي يسند فيها الأمر لثيودر هرتسل نفسه.
ويرى عدد من الباحثين الإسرائيليين أن هرتسل أرسل في الأول من آذار العام 1899 رسالة إلى القيصر وليام الثاني في محاولة لإقناعه بتبني فكرة الوطن القومي لليهود في فلسطين. وجاء في الرسالة أن "ما لم يكن بالإمكان تحقيقه تحت حكم نابليون الأول يمكن تحقيقه تحت حكم وليام الثاني". غير أن المقطع غير المعروف من رسالة هرتسل يتصل بموت الفكرة الصهيونية لدى نابليون.
ويرى الباحثون أن "المرحلة الصهيونية" في حياة نابليون تبلورت أثناء قيادته للحملة العسكرية الفرنسية على مصر عام 1798. وبعد احتلاله لمصر توجه على رأس ثلاثين ألفا من جنوده لغزو فلسطين حيث احتل مدينة يافا وحاصر عكا. وفي إحدى الصحف الفرنسية آنذاك ذكرت فكرة أن نابليون "ينوي إعادة القدس لليهود". ونشرت صحيفة أخرى أن نابليون وزع منشورا دعا فيه يهود أفريقيا وآسيا للالتفاف حول رايته "لإعادة بناء القدس العتيقة". ولم يتم العثور أبدا على هذا المنشور ولكن نسخة منه مترجمة للألمانية عثر عليها عام 1939.
وحسب هذه النسخة فإن عنوان المنشور هو "رسالة إلى الأمة اليهودية من الجنرال الرئيس الفرنسي بونابرت ومن الحاخام أهرون في القدس". وجاء في المنشور: "أيها الإسرائيليون، الأمة الفريدة، إن فرنسا تعرض عليكم إرث آبائكم، خذوا ما احتللناه ودافعوا عنه، بدعم فرنسا ومساعدتها". وأرفق الحاخام أهرون الذي يصف نفسه ب"الحاخام الأكبر في المدينة المقدسة" بالمنشور نداء حث فيه اليهود على الالتحاق بالجيش البونابرتي من أجل "العودة إلى صهيون كما في عهد عزرا ونحاميا"، ومن أجل إعادة إقامة الهيكل المقدس.
ويقول المؤرخ العسكري في جامعة تل أبيب، البروفسور مردخاي جيحون، إن "نابليون كان أول من رأى في اليهود قوة سياسية في الساحة الدولية". ويرى أن فكرة إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين نبعت في الأساس من اعتبارات سياسية. وحسب كلامه فإن الفكرة عند نابليون جاءت جراء تضعضع الامبراطورية العثمانية وعلى خلفية التنافس مع البريطانيين على تركتها.
ولكن البروفسور زئيف شتيرنهل يعتقد أن فكرة نابليون كانت مجرد لعبة دعائية. فالإسهام الأكبر لنابليون تجلى في دمج اليهود في الحياة الفرنسية. ويتفق جيحون مع هذه الفكرة ولكنه يقول إن ذلك عبّر عن الانقلاب الذي حدث لنابليون إثر فشل حملته العسكرية في الشرق وتحوله إلى حاكم لفرنسا. ومن الجائز أن الإنكليز هم من حسموا الأمر عنده بتدمير أسطوله في أبي قير، الأمر الذي قاده إلى فك الحصار عن عكا والفرار إلى فرنسا. وبعدها كان كل همه مع اليهود إشراكهم في تعزيز الأمة الفرنسية.