في الخامس عشر من أيار/مايو 1948 أعلن دافيد بن غوريون باسم مجلس الشعب: "الحق الطبيعي للشعب اليهودي في أن يكون ككل الشعوب، يحكم نفسه بنفسه في دولته ذات السيادة". بعد 56 سنة من ذلك، في مقابلة لمناسبة احتفالات الاستقلال، يعلن الزعيم الجالس على كرسي بن غوريون، أنه يعلن لزعيم دولة أجنبية عن إزالة وعده بعدم قتل زعيم شعب مجاور. هكذا، عن غير قصد بالتأكيد، أكد اريئيل شارون، الذي اكتسب شهرة كمقاتل من أجل استقلال اسرائيل، ان نبوءة آباء الدولة لم تتحقق بكاملها.
حكومة "شعب يحكم نفسه بنفسه في دولته ذات السيادة" لا تتدخل في شؤون دول أخرى، الحكومة التي تقرر أن ياسر عرفات هو ارهابي وعدو السلام، يستحق أن نبيده أو نعتقله، لا تكبل يديها ولا تزيل القيود ـ حتى أمام رئيس الدولة العظمى الوحيدة في العالم، دولة مستقلة تدرس بينها وبين نفسها الانعكاسات الأخلاقية والسياسية لعملية بعيدة المدى وخطرة من هذا النوع. من المثير للاهتمام بالذات أن سياسياً بنى سيرة ذاتية سياسية فخمة على شموخ القامة مقابل الاغيار لا يتوجه يميناً أو يساراً قبل أن يتجه غرباً.
شارون نفسه، الذي استقبل طوال سنوات وزراء خارجية أميركيين بتدشينات استعراضية لمستوطنات جديدة، إلى أن أعلن أحدهم أنه شخصية غير مرغوب فيها، كسر ذرى الزيارات لزعماء اسرائيليين للبيت الأبيض. رئيس الحكومة لا يكتفي بترجمة مصالحه المشتركة والرئيس بوش إلى ثروات سياسية، أمنية واقتصادية، شارون حوّل "العلاقات الخاصة" مع الولايات المتحدة إلى سلاح يوم القيامة في علاقاته مع أعضاء حزبه، يدل على ذلك تلويحه الذي لا يكل برسالة رئيس أميركي، اتزانه في كل ما يتعلق بالشرق الأوسط موضع خلاف في الرأي العام عنده بالذات.
دولة ذات سيادة ليست بحاجة إلى أفضال دولة أخرى لتعلن جهاراً أنها سيدة نفسها في أن تقرر إذا ما كان يحق للاجئين في يوم من الأيام الدخول إلى نطاقها أم لا. دولة اسرائيل، "التي تحكم نفسها"، لا تعتمد على إعلان رئيس أميركي لكي تحافظ على طابعها القومي. عليها أن تركز جهودها على تحقيق تسوية مع الجيران تضمن تخليد "دولة يهودية في أرض اسرائيل". أي قصد يوجد لاسرائيل في رسالة أميركية فيما يتعلق بحل مشكلة اللاجئين، بعد أن منحتها وثيقة للجامعة العربية (تعديل المبادرة السعودية) منذ آذار 2002 حق الفيتو على دخول لاجئين فلسطينيين إلى أراضيها؟ ما لنا ولتصريح أميركي يأخذ بالاعتبار "الواقع الديموغرافي"، بعد ثلاث سنوات من ترحيب القيادة الفلسطينية بذلك (تبادل أراضٍ)؟
عندما أعلن بن غوريون "أننا نعلن بذلك إقامة دولة يهودية في أرض اسرائيل"، خطر ببال القليلين أنه بعد مرور 56 سنة سيطلب رئيس حكومة اسرائيل من رئيس دولة أجنبية التدخل في تعريف حدود دولة اسرائيل في المجال السياسي غير المتبلور المسمى "أرض اسرائيل". بطل المستوطنات يدعو الولايات المتحدة إلى تحديد أين يسمح لاسرائيل بإقامة منازل وبتصديق خطوط سياج استهدف سلام مواطنيه، لقد احتاج شارون إلى ختم أجنبي لكي يخلي بشكل وحيد الجانب أراضي احتلتها اسرائيل قبل 37 سنة. وهو يختبئ وراء مريول الأميركيين لكي يبرر تجاهل الاشارات، التي تدل على اهتمام متزايد عند السوريين بتجديد المسار السياسي.
الاستقلال السياسي لاسرائيل هو ضحية أخرى لعدم رغبة، أو عدم قدرة الزعماء على تعريف حدودها. ان استمرار السيطرة على 3.5 مليون شخص، سيطرة استهدفت تمكين 3.5 بالمئة من مواطني إسرائيل من العيش خارج نطاقها السيادي، يواصل الفصل بين دولة اسرائيل وبين تطبيق "حق الشعب اليهودي في أن يكون ككل الشعوب، يحكم نفسه بنفسه في دولته ذات السيادة".
( "هآرتس"- 26/4/2004)