المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • مقالات مترجمة
  • 1202

بقلم: علاء حليحل
في مثل هذا اليوم بالضبط، السابع عشر من شباط للعام 1970، وقفت رئيسة الحكومة آنذاك، غولده مئير، وأعلنت أمام الكنيست رسميًا عن إنتهاء حرب الاستنزاف التي خاضتها إسرائيل، على طول حدودها. أريئيل شارون، رئيس الحكومة الحالي، يقف بدوره أمام الكنيست الجديد (الـ 16) ليقسم يمين الولاء، كعضو في الكنيست، ولكنه، كرئيس للحكومة، لن يكون بوسعه الاعلان عن إنتهاء حرب الاستنزاف التي تعيشها إسرائيل منذ أكتوبر 2000.

 

في نفس السنة، 1970، وبحسب موقع رئيس الحكومة الاسرائيلية على الانترنت، سجل في سيرة الحياة الذاتية لشارون، أنه بادر ونجح في <<سلسلة عمليات ناجحة لاجتثاث الارهاب في غور الأردن>>. شارون كان يتمنى لو سُجل هذا السطر في سيرة حياته اليوم، في شباط 2003. بالنسبة لشارون، فهو يدخل في فترة ولايته الثانية، منذ 2001، كمنهزم على الجبهات الخارجية لاسرائيل، وكمنتصر كبير في الجبهة الداخلية - الحزبية.

هذه الازدواجية ستميز عمل الكنيست، التي أنتخبت في إنتخابات ببطاقة واحدة. شارون سيحاول الرقص بين النقاط، وسيحاول تشكيل حكومة مريحة له في الكنيست الحالية. منذ سنوات طويلة لم تكن لأي رئيس حكومة إسرائيلي كنيست مريحة كالتي يملكها شارون اليوم. تحت رهن إشارته هناك 84 عضو كنيست: 38 من "الليكود"، 7 من "هئيحود هليئومي"، 6 من "المفدال"، 5 من "يهدوت هتوراه"، 2 من "يسرائيل بعلياه"، 15 من "شينوي" و11 من "شاس". ما تبقى لشارون هو أن يختار من يريد من هذه المجموعة الكبيرة وأن يشكل حكومته على جناح السرعة. ولكن شارون يتنازل عن عدد غير قليل من هذه المقاعد، من أجل جذب 19 مقعدًا من حزب "العمل". هذه هي المرة الأولى التي يحظى بها التيار الذي ينتمي له رئيس الحكومة بهذا العدد من المقاعد، من دون أن تكون الكنيست "مريحة" له. شارون يريد حزب "العمل" معه، و"العمل" حاليًا يقيس "المايّوه" الذي سيلبسه في المعارضة، لاستعراض عضلاته أمام شارون.

في حالة تشكيل حكومة مع "العمل" و "شاس" فإن المعارضة في الكنيست ستكون "حربجية" إلى أبعد الحدود: المعارضة من اليمين ستتربص بشارون في كل زاوية يقف في خلفها بند من البنود العريضة التي سيوقع عليها شارون، لضم "العمل" إلى حكومته؛ المعارضة من اليسار ستتربص بشارون (و "العمل") في كل زاوية يقف وراءها بند من البنود العريضة التي وقع عليها شارون مع "العمل" (و "شينوي")، لضم الاثنين إلى حكومته. حياة حكومة "الوحدة العلمانية" عندها لن تكون سهلة: سيكون لها الكثير من الأعداء، وفي حساب بسيط قد تصل المعارضة إلى 50 عضوًا في البرلمان، وهذه معارضة قوية جدًا. الشيء الوحيد الذي لا يمكن قوله عن هذه المعارضة هو أنها ستكون معارضة "وحدة". سيكون من الصعب جدًا توحيد عزمي بشارة ومحمد بركة ويوسي سريد مع أفيغدور ليبرمان وأيلي يشاي. مثل هذه الحكومة ستهمّش النواب العرب شرّ تهميش. ولكن في حالة إقامة شارون لحكومة يمينية أو يمينية - مركزية، يكون "العمل" خارجها، فإن بوسع المعارضة عندها بناء خط إستراتيجي شبه موحد، بين كتلة النواب العرب وبين "ميرتس" و "العمل". بالنسبة للعرب ولما تبقى من "اليسار الصهيوني" في البلاد، ستكون حكومة "وحدة علمانية" ضربة قاصمة لهم!

في تطلع إلى الوراء يمكن وضع اليد على نشاطات الكنيست الخامسة عشرة البرلمانية. خلال فترة الكنيست الخامسة عشرة سُن (440) قانونًا، منها (162) قانونًا بادرت إليها الحكومة. وعبَرَ (582) قانونًا بالقراءة الأولى، من بينها (216) قانونًا بمبادرة الحكومة.

هوية الحكومة التي ستتشكل هي مهمة جدًا للعمل التشريعي، الذي يؤثر على حياة المواطنين في اسرائيل، بشكل مباشر وحياتي، إلى جانب المسألة الأمنية - السياسية. بوسع الحكومة أن تعمل عندها على جبهتين: جبهة الميزانية وحجم المصروفات الحكومية، والجبهة التشريعية التي تمكنها من سن قوانين مريحة لها، وإسقاط قوانين غير مريحة لها. بالتالي فإن تواجد "العمل" و "شينوي" في الحكومة سيخلق في حالات لن تكون قليلة تضاربًا في المصالح.

أهم النقاط التي ستضطر الحكومة الجديدة، والائتلاف في الكنيست، للبتّ فيها في عمل الكنيست القادمة ستكون كالتالي:

1) رؤساء اللجان: عمل اللجان البرلمانية هو هام جدًا في سير العملية التشريعية. بامكان اللجان "قبر" قوانين فيها، وبامكانها التسريع من قوانين أخرى والمبادرة لأخرى. ومن أهم اللجان البرلمانية التي يتصارع عليها النواب فيما بينهم، هي: لجنة المالية، التي تبتّ في الكثير من الشؤون المالية الجارية الاسبوعية؛ لجنة الخارجية والأمن، التي تراقب عمل أذرع الأمن المختلفة وتتحكم بـ "العصب الحساس" في الدولة؛ لجنة التربية والثقافة، التي تتابع مواضيع المناهج التدريسية في المدارس والجامعات وتراقب عمل المؤسسات التربوية والثقافية. الكثيرون يرون في هذه اللجنة الدرع الواقي للمجتمع المدني العلماني الاسرائيلي أمام هبة اليمين و "الحريديم"، والكثيرون يرونها الدرع الواقي أمام النخب العلمانية القديمة التي تريد إذابة كل ما هو يهودي في الدولة. كل حكومة تعرف أهمية عمل اللجان، وبالتالي فإن تقسيمة اللجان ورؤساءها تكون محور العمل البرلماني في الأسابيع الأولى للكنيست.

2) التقليصات في الميزانية: بحسب ما يبدو الآن، فإن وزارة المالية ستقدم في السنوات المنظورة للكنيست، ميزانية سنوية مقلصة بمليارات الشيكلات، أقل مما قُدم لمصادقة الكنيست حتى الآن. على رئيس الحكومة ووزير المالية في هذه الحالة العمل بجدية كبيرة على إرضاء الأحزاب العضوة في الائتلاف، لضمان تأييدها لمشروع الميزانية السنوي. شارون يعرف ما ينتظره، ولذلك فإنه يريد أن يضمن لنفسه إئتلافًا واسعًا قدر الامكان، ولكن والأهم من ذلك، انه يريده ائتلافاً مستقرًا قدر الامكان. من السهل إرضاء حزبين كبيرين شريكين مع "الليكود"، من إرضاء أحزاب صغيرة متعددة. خاصة إذا كانت أجندة هذه الأحزاب: المستوطنات والأمن والتعليم الرسمي - الديني. في وضعية إنعدام الأموال، فإن الاحتجاج الشعبي قد يتطور إلى مواجهات وصدامات مع فقراء اسرائيل، في حالة تفضيل المستوطنات على فقراء أشدود أو عرابة مثلا. طومي لبيد وعمرام متسناع يمكن أن يمنعا ذلك في حالة إنضمامهما إلى الائتلاف. ائتلاف الوحدة في هذه النقطة، هو ضربة قاصمة جدًا للمشروع الاستيطاني. ولكن يمكن الاعتماد على شارون وموظفيه في "إبتداع" بنود خاصة في الميزانية وخارجها للاستمرار في تدليل المشروع الاستيطاني.

3) التهديدات الأمنية: سيستمر في الكنيست القادمة أيضًا "التربيت على كتف" على بقرة الأمن المقدسة، خاصة أثناء وبعد حرب العراق، والعمليات المحتملة لبن لادن و "حزب الله" والتنظيمات الفلسطينية. في هذه النقطة سيكون إجماع، من "العمل" أيضًا، على ضروروة مواجهة هذه "الأخطار". الأمن سيظل الرابح الأكبر في الكنيست القادمة، مهما اختلفت تركيبة الائتلاف.

4) المسار السياسي: شارون سيضطر لبيع بوش موافقة مبدئية على "خارطة الطرق" أو "مسار بوش". لن يكون بوسعه التهرب أكثر من ذلك، خاصةً في حال فشل إخراج خطط الحرب على العراق إلى حيز التنفيذ. في هذه الحالة قد يضطر بوش إلى العمل بجدية على حل النزاع الفلسطيني - الاسرائيلي، لتغيير صورته في العالم. فأكثر من 55% في العالم يعتقدون اليوم أن الخطر الأساسي على السلام العالمي هو بوش، فيما يعتقد حوالي 25% أن الخطر الأساسي هو بن لادن. بوش لن يحتمل أن يكون شارون عقبة في طريق إنجاز سلام واحد على الأقل في ولاية بوش الحالية.

5) الاستقطاب الاجتماعي والاقتصادي: وصل هذا الاستقطاب في السنتين الأخيرتين أوجه في دولة إسرائيل. أحد المعلقين قال إن هذا الاستقطاب اليوم يشبه إلى حد كبير الاستقطاب في نيجيريا، من أفقر دول العالم الثالث. الجميع يعرف أن هذا الاستقطاب هو "قنبلة موقوتة"، قام بإذكائها في الانتخابات الأخيرة بالأساس، حزبا "شاس" و "شينوي". الكنيست القادمة ستكون في وضع لا يُحسد عليه من هذه الناحية: من جهة يجب "القطع باللحم الحي"، ومن جهة أخرى يجب الجَسر على الفوارق الاجتماعية. لا أحد يعرف بعد كيف سيكون بالامكان القيام بهذه المهمة في ضوء الانخفاض في أجور الأعشار الدنيا والارتفاع في الأعشار العلوية.

6) الدين والدولة: في حالة تفضيل شارون لـ "شينوي" على "شاس" فإن موضوع الدين والدولة سيطفو على السطح بحدة. هذا الموضوع قد يهدد الاستقرار الاجتماعي في اسرائيل، في أوقات قد تكون حرجة أمنيًا وسياسيًا. ليس صدفةً أن لبيد أعطى شارون هدية الموافقة على الجلوس في حكومة واحدة مع "يهدوت هتوره". ما يُسمى في اللغة الاسرائيلية "أن تسير مع، وأن تشعر بدون"...

7) حدود الحوار: هذه الكنيست لن تكون سهلة. من فوقها يرفرف قرار المحكمة العليا بالسماح لعضوي الكنيست عزمي بشارة وأحمد طيبي وحزب "التجمع" وباروخ مارزل، بالتنافس في الانتخابات المنتهية. هذا القرار يوسّع كثيرًا من حدود النقاش الجماهيري المشروع في اسرائيل، داخل الكنيست وخارجها. المواطنون سينكشفون لكنيست ممزقة، قطبية وتعددية إلى أبعد الحدود. سيكون من المثير تتبع هذه الحدود ومضامينها خلال عمل الكنيست، وما قد يفعله هذا بالحوار الجماهيري في الشارع الاسرائيلي. أمام رئيس الكنيست المنتخب مهمة صعبة جدًا لضمان أصول حوار ونقاش برلماني لائق وغير عنيف.

تلخيصًا، يمكن القول إن الكنيست الجديدة تعكس المجتمع الاسرائيلي الجديد، وتحدياته، بكل دقة. علمانيون مقابل متدينين، عرب مقابل يهود، يسار مقابل يمين، ليبرالية مقابل ديمقراطية محتمية.

*

في السابع عشر من شباط للعام 1949، وقف حاييم وايزمان، الرئيس الأول لدولة إسرائيل الحديثة العهد، على منصة الكنيست، وقال: "علينا أن نبني جسرًا جديدًا بين العلم وبين النفس البشرية. لقد علمت مسبقًا أن هناك قيمًا سامية فوق العلم، فيها الشفاء لمشاكل الانسانية: قيم العدل والاستقامة، السلام والأخوة...".

كل مواطن في دولة إسرائيل يسمع هذه الأقوال، سيقول بلا شك: بعد مرور 53 سنة، لم يتغير شيء!

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات