بقلم: عميرة هَسقبل اسبوع سُئِل ضابط كبير في الجيش الاسرائيلي عما اذا كان يعتقد ان الجيش سيكون قادرا على منع التحريض من جانب مؤيدي الترانسفير داخل الجيش وفي المستوطنات في الضفة، واحباط محاولة لطرد جماعي في أوجها. توسع الضابط في اجابته في سيناريو الرعب، وتحدث عن "عملية كبرى" (ميغا بيغواع) لن تنجح قوات الامن في احباطها. مثلا، انفجار سيارة مفخخة داخل مدينة مزدحمة، داخل عمارة، وبعشرات وربما مئات الضحايا. سوف يحدث ذلك في يوم من الأيام، كانت فرضية الضابط. وقد تبحث عناصر اسرائيلية متطرفة في "الرد على العملية الهائلة" وقد يكون الرد مثلا على شاكلة طرد جميع سكان القرية التي خرج منها مخططو العملية.
قرر ذلك الضابط معترفا بأنه يشك في ما اذا كان الجيش قادرا – او سيحاول – على منع ذلك. "ما حدث خلال موسم قطف الزيتون هو مقياس"، جاء الضابط بهذه السابقة لتعزيز مزاعمه. "فشل الجيش ولم ينجح في منع المستوطنين من التخريب على موسم قطف الزيتون لدى الفلسطينيين في الضفة، او سرقة محاصيل زيتونهم. فشلت الدولة لأننا نعرف ان القانون لا يطبق على اولئك المستوطنين الذين خربوا موسم الزيتون، والذين تعرف السلطات هوياتهم". لم يُخفِ الضابط احساسه بأن الامور تتجه نحو التصعيد. والان يجيء وزير الدفاع، رئيس الاركان الى ما قبل وقت قصير، شاؤول موفاز، ويعيد الى الأذهان اننا "في أوج موجة من الإرهاب".
يوميا يُعتَقل ما بين 5 الى 10 فلسطينيين في المناطق، وكل عدة ايام يقتحم الجيش منطقة ما ويهدم شيئا ما، ويقتلُ ويُجرحُ كل يومين، علاوة على الفلسطينيين المسلحين ومنفذي العمليات الذين يلقون حتفهم، مواطنون فلسطينيون بطريق الخطأ، وبضمنهم اولاد في السادسة عشرة. احدهم، وهو مُقعَد، قُتل في خان يونس في يوم الاحد عندما أخطأت صواريخ جيش الدفاع ناشطين من "حماس". كل ذلك بالاضافة الى النشاطات الصامتة والاعمال الاعتيادية التي لا يوجد من يحكي عنها للاسرائيليين غير المعنيين بطبيعة الحال بأن يعرفوا. الحواجز وحنودها الذين يوبخون العجائز والشبان او يؤخرونهم لمجرد الرغبة بذلك، ومنع التنقل وابواب الحديد التي تُغلق قرى ومدنا بكاملها كأنما هي معسكرات اعتقال، والاستدعاءات الى "الشاباك" لمحاولة تجنيد المتعاونين واستنطاقهم بمعلومات عن الجار او ابن العم، ومنع التجول المفروض هنا وهناك والاولاد المحبوسون في بيوتهم، والشوارع التي تعاود جرافات الاحتلال تدميرها من جديد، والبيوت التي تهدم لأنها آوت ذات مرة انتحاريين، ومخارط محطمة وشبكات مياه وكهرباء تصاب خلال العمليات، واستكمال شق شارع اضافي للاسرائيليين فقط، والقاء قنابل الغاز المدمع على "مخترقي الحظر"، والتهام مساحة زراعية فلسطينية اخرى. كل ذلك يتواصل بعد سلسلة من العمليات العسكرية الكبيرة، فهل ما زلنا في اوج موجة ارهاب؟
التأييد المكثف الذي ستحصل عليه كتلة اليمين كما تقول كل المؤشرات في 28 يناير يدل على ان الاغلبية في اسرائيل مقتنعة بأن كل ما يقوم به جيش الدفاع بأوامر من الوسط السياسي هو صحيح وناجع، لكنه ليس كافيا. التصعيد مثل عاصفة هوجاء او موجة حر في منتصف الشتاء: ظاهرة طبيعية يمكن التقليل من اضرارها ولكن ليس منعها. في احسن الحالات فإن حقيقة ان جميع العمليات العسكرية في العام الاخير لم توقف موجات الارهاب الفلسطيني تثبت فقط الى أي حد الفلسطينيون قتلة ومخادعون. والى أي حد الارهاب في دمهم. لذلك فالحل الذي يؤيده معظم الاسرائيليين هو مواصلة نفس الطريقة، ولكن بشكل اقوى، واسرع، واشد ايلاما.
اسرائيل مجتمع ديموقراطي. لا احد يمكنه اخفاء معلومات حيوية عن الجمهور الاسرائيلي. المواطنون الاسرائيليون ليسوا مهددين بالسجن او الفصل، لو فكروا بطريقة اخرى. لكن التأييد الهائل لكتلة اليمين، وبضمنها "شينوي"، يدل على ان غالبية الجمهور اليهودي في اسرائيل ليست معنية للبحث في السؤال عما اذا كان هناك شيء ما غير منطقي في السياسة الاسرائيلية – العسكرية والمدنية – وليس متأثرا من الصلة الواضحة بين وضعه الاقتصادي المتدني والسياسة التي تفتقد الى الحل السياسي.
انه ليس مستعدا للاصغاء الى تلميحات تشكك في ان السياسة الاسرائيلية قد تنجح على المدى القريب في منع قسم من العمليات وتهدم جزءا من البنى التحتية، لكنها ايضا تقوم بانتاج المئات من المتطوعين لجيوش الفلسطينيين غير الرسمية وتعزز مخاطر الارهاب على المدى المتوسط والبعيد. غالبية الجمهور الاسرائيلي تفضل ان تسمع فقط عن كل ما هو شيطاني وبائس وفاسد لدى الفلسطينيين. غالبية الاسرائيليين تتردد في رؤية العلاقة بين استمرار العمليات والضغط العسكري والاقتصادي المتواصل، غير المسبوق، على جميع السكان الفلسطينيين. تماما مثلما رفضت رؤية العلاقة بين تجديد النزاع الدموي في ايلول 2000 وتثبيت السيطرة الاسرائيلية على المناطق، بوسائل غير عسكرية، في سنوات اوسلو بالذات. غالبية الاسرائيليين تصر على قبول موقف رئيس الحكومة ارئيل شارون بـ "وقف الارهاب اولا وبعدها نبدأ مفاوضات سياسية". استعدوا، اذن، لذروة الارهاب القادمة.
(هآرتس، 15 كانون الثاني)