المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • مقالات مترجمة
  • 1314

بقلم: يوئيل ماركوسمن الصعب كتابة كلمة انتقادية ضد رئيس الحكومة في هذه الايام من دون ان تغمرك موجة من الاحتجاجات الغاضبة. رسائل حافلة بالتهديدات مثل "نهايتك ستكون مثل نهاية كل خائن لشعبه". رسائل مليئة بالتعابير القاسية والشتائم والنعوت الصعبة علي شاكلة هتلر. هذه الرسائل تنتقل من مخاطبة الفرد الي لغة الجماعة مثل أنتم اليساريون تعشقون العرب أو أنتم الذين صنعتم اتفاق اوسلو وأعطيتم السلاح للفلسطينيين وما الي ذلك من عبارات وألفاظ.

 

اغلبية الذين يقفون من وراء هذه الرسائل يشبهون من ينتقد شارون بالخائن أو بالمحب للعرب. وأنا في الغالب لا أرد علي هذه الرسائل المجنونة، ولكن بما انني انسان من لحم ودم فانني أوصي هذا الكاتب أو ذاك بين الحين والآخر بأن يتوجه علي عجل للاستشارة النفسية.

من خلال هذه السطور سأرد علي القاريء الذي يطرح السؤال الشائع الآن وهو لماذا أوجه الانتقادات لشارون في الوقت الذي يقوم فيه الفلسطينيون بقتل النساء والاطفال، وتنحصر كل رغبتهم في ابادتنا ؟ من هنا يكون ردي العفوي علي هذا السؤال ان النظرة للوراء تظهر فعلا وطوال كل الطريق ان الفلسطينيين واخوانهم في الدول العربية قد بذلوا قصاري جهدهم للقضاء علي اسرائيل بالقوة. بعد صدور قرار الامم المتحدة في تشرين الثاني (نوفمبر) 1947 القاضي باقامة دولتين في ارض اسرائيل، بيوم واحد فقط، هاجموا باصين لشركة إيغد ولم تتوقف العمليات الارهابية بشتي صنوفها حتي يومنا هذا. منظمة التحرير الفلسطينية تأسست قبل حرب الايام الستة بعامين ونصف، ومن قبل ان يكون هناك احتلال أو مستوطنات. الفلسطينيون مذنبون ويتحملون مسؤولية الكثير من المصائب التي نزلت عليهم وعلينا. وهم بذلك لم يفوتوا أي فرصة لاضاعة الفرص من اجل اقامة دولة مستقلة، وهم بذلك قد زرعوا الكراهية والموت، والامر الذي يثير الغيظ أكثر من أي شيء آخر هو انهم قد أصابونا بعدوي نفس المرض. الفلسطينيون مذنبون في حرف أنظار الرأي العام الاسرائيلي نحو اليمين وتحويل أنصار السلام الي منبوذين بسبب المقت واليأس.

لقد أيدت رابين عندما وقع علي اتفاق اوسلو، ولكن ما ان وصل عرفات الي غزة حسب ذلك الاتفاق حتي حرف أنظار شعبه نحو الدم والنار. وأيدت بيريس، الا ان الفلسطينيين أفشلوا عملية انتخابه مع عمليات الباصات التي نفذوها. وأيدت باراك عندما اقترح علي كلينتون اعادة 97 في المئة من المناطق، الا ان عرفات رد عليه بانتفاضة دموية دفعت اغلبية الجمهور نحو التطرف والكراهية وأسقطت باراك بدلا من تلقف الاقتراح بكلتا يديها. وأيدت شارون لانه وعد بالسلام والأمن والتنازلات المؤلمة، وبسبب الاعتقاد السائد بأن اليمين وحده فقط هو القادر علي الانسحاب من المناطق، فلم يكن ليجرؤ أي شخص من حزب مباي علي التنازل عن كل سيناء ومستوطناتها كما فعل بيغن. اعتقدت ايضا ان شارون وحده هو الذي يستطيع ذلك بعد محادثات أجريتها معه، اسلوبه الاداري للامور برهن علي انه غير قادر، وانه لا يملك حلولا للقضاء علي الارهاب ولا للتسوية، وانه لم يقصد ذلك ولم يرغب به، كراهية الفلسطينيين غذت كراهيتنا وجرتنا الي سياسة الجبروت والقوة، شارون قادنا وما زال للحرب، وحول حياة الفلسطينيين الي مسألة لا تطاق، ولكن حياتنا ايضا أصبحت لا تطاق هي الاخري في ظل العمليات والاحتياط والقتلي والمعاقين والدمار الاقتصادي لدرجة اننا اضطررنا الي مد أيادينا للهبات والاحسان الامريكي حتي لا ننهار من دونها. وليس مؤكدا بعد من الذي لحق به دمار أكثر. مسؤولية الفلسطينيين مسألة غير مشكوك فيها، الا ان الفشل يعود لشارون لانه لم يبادر الي أي تسوية سياسية ولم يعط أي بارقة أمل للجانب الآخر ولنا. ليس هناك صراع دولي لم يحل بالمفاوضات في ظل اطلاق النار.

والامر الأكثر غرابة هو ان صعوده في استطلاعات الرأي تناسب طرديا مع حجم فشله، شارون تلفع برداء الشخص الذي يمكن الوثوق به والذي يعرف ماذا يفعل. كثيرون اختاروا الانضواء تحت لواء شخص يعبر عن الثقة لهم فقط من خلال حقيقة وجوده هناك مهما بلغ عدد المقتولين والضحايا. ومن المثير ان ما تسبب في هبوط شعبيته في الاستطلاعات لم يكن فشله القيادي وانما قضية الفساد التي تثار الآن. فهل هذا رد فعل جماهيري متأخر؟ علي كل الاحوال القشرة التي غطت شارون الحقيقي تصدعت. الليكود سينتصر الآن فعلا، الا ان فتيل قنبلة الزمن قد اشتعل الآن. وشارون لن يكون من الآن نفس شارون ما بعد الانتخابات. هكذا هو الحال أيها القاريء العزيز عندما يتسبب الفساد وليس وضعنا الأمني والاقتصادي البائس في كشف اللثام عن فشل القائد.

(هآرتس) 14/1/2003

المصطلحات المستخدمة:

اوسلو, هآرتس, باراك, الليكود, رئيس الحكومة

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات