تعتبر أبرز منابر المعارضة اليمينية أنه بعد نجاح الحكومة الإسرائيلية في تمرير الميزانية العامة للدولة للعامين الحالي والمقبل (2021 و2022)، فإنها ستكون عرضةً- ربما في الأفق المنظور- لضغط أميركي من أجل التماشي مع مقاربة الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة، ولا سيما حيال الملف النووي الإيراني، والمسألة الفلسطينية.
ووفقاً لما يروّج له موقع "ميداه" اليميني على سبيل المثال، فإن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يقف على رأس القوى التي تنتظر الفرصة السانحة لممارسة مثل هذا الضغط، إذ إنه يتبنى إزاء إيران الموقف الذي يعتقد أنه يمكن كبح برنامجها النووي ونزعتها نحو الهيمنة الإقليمية من خلال المسار الدبلوماسي الذي يشمل إجراء مفاوضات بالتوازي مع تقديم امتيازات. وفيما يخصّ المسألة الفلسطينية يشير أكثر من كاتب في الموقع إلى أن بلينكن يؤمن، في قرارة نفسه، بأن هذه المسألة ما زالت تشكّل لُبّ الصراع العربي- الإسرائيلي، والعامل الأهم في زعزعة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. ومثلما كتب الدبلوماسي الإسرائيلي السابق يورام إتينغر (موقع "ميداه"، 4/11/2021)، فإن
بلينكن مقتنع، في ضوء ما ذكر بشأن مقاربته العامة، بأن إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتقسيم القدس (ومن هنا تُمارس واشنطن الضغط لإعادة تفعيل القنصلية الأميركية في القدس الشرقية في سبيل تقديم الخدمات إلى الفلسطينيين)، وتجميد أعمال البناء الإسرائيلية وليس الفلسطينية في الضفة الغربية، يمكن أن يؤدي إلى جلب السلام.
ويلفت الكاتب إلى أنه باستثناء فترة ولاية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، مارست كل الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ العام 1948 ضغوطاً على إسرائيل، فيما يتعلق بمضمون سياستها الخارجية عموماً، وسياستها إزاء الفلسطينيين وقضية فلسطين خصوصاً، وكان نجاح هذه الضغوط في تحقيق ما تتطلع إليه من غايات مُحدّدة، أو فشلها في ذلك، مرهونين بالأساس بمواقف رؤساء الحكومة في إسرائيل، ليخلص الكاتب إلى نتيجة فحواها أن الضغط الأميركي الآخذ بالتصاعد سيظل نجاحه أو فشله مشروطاً بمدى تجاوب الحكومة أو عدم تجاوبها، وبلغة الكاتب بمدى انصياع الحكومة أو صمودها في المواجهة المرتقبة.
عند هذا الحد لا بُدّ من إعادة التذكير بأن التوقعات بشأن احتمال حدوث تغيير في العلاقات الإسرائيلية- الأميركية بخلاف ما كانت عليه الحال في إبان ولاية الإدارة الأميركية السابقة، لا تندرج فقط في إطار المماحكات السياسية الدائرة بين اليمين الإسرائيلي والحكومة الحالية، بل تستند إلى بعض التطوّرات المستجدة في المشهد السياسي الأميركي، وسبق أن توقفنا عندها أكثر من مرة.
وفي الفترة الأخيرة انضاف إلى ما تطرقنا إليه في الماضي، ما يلي:
أولاً، حدوث تغيّرات في الخطاب العام لوسائل الإعلام الأميركية إزاء القضية الفلسطينية. وهذه التغيرات تجسّدها على وجه الخصوص صحيفة "نيويورك تايمز" ربما أكثر من أي وسيلة إعلامية أميركية أخرى. وقد انعكست ببريق أخّاذ في أثناء "هبّة الكرامة" والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في أيار الفائت، حين قامت الصحيفة بنشر صور كلّ الأطفال الشهداء في العدوان مع أسمائهم وأعمارهم. وأتبعت ذلك بفتح صفحاتها لأقلام فلسطينية تروي وقائع النكبة والتهجير والتطهير العرقي، وبتعيين صحافيين عرب أو أميركيين معروفين بمواقفهم المناهضة لسياسة إسرائيل.
ثانياً، يؤكد مزيد من الخبراء الأمنيين أن حاجة إسرائيل إلى الاعتماد على الولايات المتحدة من الناحية الأمنية في المواجهات العسكرية المقبلة ذات المواصفات المختلفة عما سبقها من مواجهات، ما زالت معادلة لحاجتها إلى الهواء للتنفس.
فمثلاً، تؤكد دراسة جديدة صادرة عن "معهد السياسات والاستراتيجيا" في مركز هرتسليا متعدد المجالات، أن الأحداث التي اندلعت خلال "هبّة الكرامة" أثبتت على نحو بيّن أن سيناريو اندلاع مواجهة عسكرية متعدّدة الجبهات، تشمل بالأساس الجبهتين الجنوبية (مع قطاع غزة) والشمالية (مع لبنان وسورية)، يُعدّ بمثابة تهديد حقيقي ماثل من الآن فصاعداً أمام إسرائيل، ويجب الاستعداد لمواجهته "من خلال انتهاج عقيدة عمل ملائمة للتعامل مع هذا السيناريو المعقد، مع وجوب التشديد بشكل خاص على الجهد الدفاعي، وعلى الجبهة الداخلية"، بموجب ما جاء في الدراسة. وكان من الملفت للنظر على وجه الخصوص أن هذه الدراسة خلصت إلى النتيجة التالية: "إن الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة تشكل أساساً في نظرية الأمن القومي في إسرائيل، وعدم وجود مثل هذه الشراكة سيجعل من الصعب على إسرائيل تحقيق أهدافها من الناحيتين العسكرية والسياسية. وبناء على ذلك يجب على إسرائيل المحافظة على التعاون الاستراتيجي والعملاني وتعزيز أرصدتها، والأخذ في الاعتبار ’الخطوط الحمراء’ للإدارة الأميركية (الجديدة) فيما يتعلق بالقضايا الجوهرية الإقليمية"!